إخفاء فتعذيب ثم قتل.. مسار رسمه نظام السيسي للباحثين العاملين في مصر

12

طباعة

مشاركة

"أخفوه قسريا، وعذبوه، ووضعوه بمستشفى العباسية، ثم أخبروا أهله بعد 30 يوما بموته أثناء العلاج"، هكذا لخص محامون وصحفيون واقعة قتل الباحث الاقتصادي المصري أيمن هدهود، على يد أجهزة أمن نظام عبدالفتاح السيسي.

الباحث هدهود خريج الجامعة الأميركية، وكان يعمل باحثا اقتصاديا وعضوا للهيئة العليا لحزب الإصلاح والتنمية الليبرالي، ومستشار السياسة الاقتصادية لرئيس الحزب، رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان محمد أنور السادات.

وفجر 9 أبريل/نيسان 2022، أعلن المحامي عمر هدهود وفاة شقيقه أيمن في ظروف غامضة، عقب أكثر من شهرين من إخفائه قسريا واحتجازه بصورة غير قانونية في مقر جهاز "الأمن الوطني" سيء السمعة التابع لوزارة الداخلية.

وأفاد بأن شقيقه تعرض للإخفاء مساء 3 فبراير/شباط 2022، بعد تناول العشاء معه في حي الزمالك، مشيرا إلى أنه أحتجز بعد أيام من اختطافه في مستشفى العباسية للصحة النفسية، على خلفية إصابته باضطراب نفسي في أعقاب تعرضه للتعذيب.

وصباح 12 أبريل 2022، أعلنت النيابة العامة المصرية، أن "لا شبهة جنائية في وفاة هدهود، وزعمت تلقيها بلاغا بمحاولته دخول عقار بحي الزمالك ومحاولته فتح إحدى الشقق به، وحضرت الشرطة وقبضت عليه". 

وزعمت أنها تعذرت عن التحقيق معه لأنه كان يردد كلمات غير مفهومة أثناء استجوابه فيما نسب إليه من اتهام بالشروع في السرقة، وتشككت في سلامة قواه العقلية، فأمرت بإيداعه أحد المستشفيات الحكومية لإعداد تقرير عن حالته النفسية.

وأضافت أنها أخطرت في 5 مارس/ آذار 2022، بوفاة هدهود بالمستشفى المودع بها جراء هبوط حاد في الدورة الدموية وتوقف عضلة القلب، فناظرت جثمانه، وتبين خلوه من أي إصابات.

ونقلت عن اثنين من أشقائه قولهما، إنهما لا يشتبهان في وفاة شقيقهما جنائيا، وأبانا بأن ذات تصرفات المتوفى المضطربة قد تكرر حدوثها منه سلفا مرتين؛ معلنة استكمال إجراءات التحقيق في الواقعة، باستدعاء شقيق المتهم عمر هدهود، لسماع شهادته.

شقيق هدهود أكد أن لدى أسرته شكوكا قوية في تعرض شقيقه للقتل، مشيرا إلى أن الأسرة تبينت عقب السماح لها برؤية الجثمان أن الوفاة وقعت منذ أكثر من شهر، وهو ما ينفي صحة ادعاءات الشرطة المصرية.

تضارب الروايات فاقم حالة الجدل المثارة منذ كشف وفاة هدهود وأعادت فتح ملفات سبق وحاول النظام طيها، أبرزها ملف قتل الشاب خالد سعيد، والباحث البريطاني جوليو ريجيني على يد أفراد الشرطة المصرية. 

وأثارت الواقعة غضب ناشطين على تويتر، ودفعتهم للتأكيد أن تقرير النيابة العامة غير مقنع إطلاقا، واتهموها بأنها أصبحت مجرد أداة بيد النظام العسكري الحاكم لتلميع صورته وتزييف الحقائق والمراوغة في كشف الحقائق وتضليل الرأي العام.

وعبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #أيمن_هدهود، #ارحل_ياسيسي، عدوا مقتل هدهود بأنه ما هو إلا رقم جديد يضاف إلى سجلات القتل الوحشي التي تسيطر بين الحين والآخر على الساحة المصرية.

نيابة السيسي

وتعليقا على الواقعة، أكد السياسي والحقوقي أسامة رشدي، أن لا أحد ينتظر أن تتوصل النيابة لأسباب وفاة أيمن هدهود، لأنها جرت مصادرتها من اليوم الأول للانقلاب وأصبحت سوطا في يد الديكتاتور المجرم الذي انقلب وسيطر على كل مفاصل السلطة.

وأضاف أن النظام أصدر من خلال النيابة مئات الآلاف من أوامر الحبس والإحالة، وتسترت على التعذيب والقتل وكل جرائم السيسي.

من جانبه، أشار الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، إلى أن النيابة العامة في الدول المحترمة تحقق حق المجتمع، لكن في جمهوريات الموز تتحول لمناديل لمسح جرائم العصابة الحاكمة. فيما استغرب نائب رئيس حزب غد الثورة المعارض، حسام الغمري، موقف المصدومين من بيان النيابة العامة عن مأساة قتل أيمن هدهود، مؤكدا أنها تخدم النظام منذ انقلاب 2013. وسخر الناشط أحمد البقري، من ادعاء النيابة العامة، أن هدهود كان يعاني في مستشفى العباسية من اضطراب درجة الوعي ودوار وعدم اتزان وارتفاع درجة الحرارة واشتباه كورونا، وتهكم قائلا: "النيابة اكتشفت كل هذا بعدما الداخلية قتلته!".

واستشهد البقري بمقولة والدة ريجيني "قتلوه كما لو كان مصريا".

محاكمة النيابة

ووجه ناشطون تساؤلات عدة للنيابة العامة عقب إصدار بيانها وطالبوها بالإجابة عليها، مستنكرين غموض البيان وإخفاءه الكثير من المعلومات الواجب إعلانها في مثل هذه الوقائع كحق من حقوق الرأي العام.

وقالت لبنى درويش: "نفترض أن كل شيء في بيان النيابة العامة عن موت أيمن هدهود صحيح، حسنا كيف مات؟ ولماذا الداخلية، والنيابة، ومستشفى العباسية أنكرت وجوده؟ وماذا حدث بين موته في 5 مارس واكتشاف الأهل في 9 أبريل؟".

وأوضح محمد حافظ أنه في انتظار بيان من النيابة العامة للرد على عدة تساؤلات مشروعة، منها "ما رقم القضية التي كان محتجزا عليها أيمن هدهود وبناء على ذلك تم صدور قرار بوضعه تحت الملاحظة بمستشفى العباسية للأمراض النفسية والعصبية، خاصة وأن بيان الداخلية لم يذكر رقم القضية؟". وتساءل إيهاب شيحة: "لماذا تم إنكار وجوده عند سؤال أهله بعد الاختفاء؟ إذا حاول كسر شقة فكيف لم تصبح قضية يحاكم فيه ويخطر أهله؟ إذا تم إيداعه مستشفى أمراض نفسية لاضطرابه لماذا لم يخطر أهله؟ لماذا لم يخطر أهله عند وفاته في مارس؟ لماذا منعتم تصوير جثته؟".

نماذج مماثلة

وذكر ناشطون بضحايا آخرين قتلهم النظام المصري بطرق مماثلة بعد إخفائهم قسريا ومن ثم فرض رواية النيابة العامة وتعميمها على الشعب عبر وسائل الإعلام المختلفة، كما ذكروا بآخرين ما زالوا قيد الإخفاء القسري في سجون النظام.

وأبرزهم خالد سعيد، الذي أشعلت وفاته بعد تعرضه للتعذيب والقتل على يد أفراد من الشرطة بمحافظة الإسكندرية، ثورة يناير/كانون الثاني 2011؛ والباحث الإيطالي جوليو ريجيني الذي قتل في مصر عام 2016، ووجهت تهم القتل العمد والتعذيب والخطف إلى أربعة ضباط مصريين.

الفنان المعارض عمرو واكد، رأى أن أيمن هدهود مثله مثل خالد سعيد وريجيني، وآلاف المصريين الذين راحوا ضحية نظام جريمة منظمة وذنبهم الوحيد هو أنهم مصريون، بلا قانون يحميهم أو قضاء ينصفهم ولم يبق شعب يثور لأجلهم.

ونشر الصحفي عبدالمنعم محمود، صورة تجمع هدهود، والناشط والمدون والبرلماني السابق مصطفى النجار المختفي قسريا منذ نهاية سبتمبر/ أيلول 2018.

وقال: عندما أسمع سيرة مصطفى النجار أقول صعب يكون مختفي كل هذا الوقت وفي الغالب حصل له شيء وهو يحاول يخرج من مصر، لكن بعد طريقة إخفاء وقتل هدهود أراجع نفسي وأقول النظام هذا أقذر مما يمكن تخيله.

وفتح الكاتب وائل قنديل، قوسا وتركه مفتوحا عدد به أسماء بعض ضحايا التعذيب في السجون المصرية منهم (أيمن هدهود، شادي حبش، عويس الراوي، عمر محمد مرسي، جوليو ريجيني، خالد سعيد...  وأشارت المغردة أماني، إلى أن حكاية أيمن هدهود ترجع للذاكرة حكاية ريجيني  وغيره، ساخرة بالقول: "ابو خمسين في الميه، محتاج حد شاطر يعمل له حبكة درامية، مقنعة شوية".

حكم العسكر

وصب ناشطون غضبهم على السيسي وداعميه وذبابه الإلكتروني المكلف بترويج رواية النيابة العامة والداخلية بشأن وفاة هدهود، مؤكدين أن ما تمر به مصر الآن من استمرار في عمليات التصفية الجسدية عقب الإخفاء القسري نتاج حكم العسكر.

الكاتب والصحفي ياسر أبو هلالة، نشر صورة تظهر تبني الذباب الإلكتروني للرواية الرسمية للنظام المصري، قائلا إن طغيان السيسي ينتمون إلى القبائل البدائية التي تستمتع بأكل لحوم أعدائها بعد قتلهم. 

وحذر الصحفي عمرو خليفة، من أن أخطر تطورات عصر السيسي تسييس القضاء وتدمير ثقة المواطن في استقلاليته، قائلا: "لو انتهى حكم العسكر يوما ما، فإن إعادة بناء منظومة دولة القانون ستكون من أصعب التحديات بالنسبة لأي محاولة ديمقراطية".

وقال يحيى عياش: "في ظل حكم العسكر في مصر كان من اللازم أن يخفي النائب العام جرائم كلاب داخلية السيسي في حق أيمن هدهود وفي حق الشعب المصري، كله لأن القتل والتعذيب أسلوب حياة عند أجهزة الأمن.

وأكد ياسر شلبي، أن لا أحد آمن في نظام العسكر، قائلا: "أنت مصري.. يعني حتما أنت معرض أن تكون أيمن هدهود في أي وقت".