طه الهاشمي.. رئيس وزراء عراقي آثر الاستقالة على الانقلاب العسكري

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في 13 أبريل/ نيسان من عام 1941، انتهت ولاية رئيس الوزراء العراقي طه الهاشمي، عندما هرب عبد الإله بن علي بن حسين الوصي على عرش الملك، خوفا من اغتياله بأوامر من رئيس الحكومة المقال رشيد العالي الكيلاني، الذي قاد ثورة ضد الحكم الملكي في البلاد آنذاك.

طه الهاشمي كان عسكريا وأحد القادة السياسيين في العراق وتقلد مناصب عدة إبان العهد الملكي (1920- 1958)، وتوفي عام 1961 في العاصمة البريطانية لندن عن عمر ناهر 73 عاما، مع ذكرى اندلاع حرب الثلاثين يوما.

واندلعت الحرب المذكورة في (1-30 مايو/أيار 1941) بين بريطانيا وقوات الجيش العراقي عام 1941.

 وكان تبرير بريطانيا لشن الحرب هو الانقلاب العسكري الذي وقع في الأول من أبريل 1941 وأدى بعدها لاستقالة رئيس الوزراء طه الهاشمي وحكومته وتشكيل حكومة وطنية برئاسة رشيد عالي الكيلاني.

قائد عسكري

طه بن سلمان بن أحمد بن علي بن حسن أصله من مدينة سامراء، هاجر جده أحمد إلى الموصل للعمل فيها، ثم عاد إلى بغداد واستقر فيها، حيث ولد في بغداد بمحلة البارودية عام 1888.

نشأ في أسرة متواضعة، وكان أبوه سليمان مختارا لذلك الحي في بغداد، إذ تؤكد صبيحة ابه أخيه ياسين أن نسبهم علوي.

فكانت تسمع والدها يردد أمام العائلة أنه أقرب إلى الإمام زين العابدين من الملك فيصل (فيصل الأول بن الحسين بن علي الهاشمي كان ملكا على العراق منذ 1921 وحتى 1933).

تخرج طه الهاشمي في المدرسة الحربية بإسطنبول عام 1906 برتبة رئيس أركان حرب، وكان الأول في دفعته، فهو عسكري وسياسي عراقي ومتخصص بالجغرافيا البشرية في العهد الملكي في العراق.

"طه" هو شقيق ياسين الهاشمي رئيس وزراء العراق في العهد الملكي، التحق بالجيش العثماني المرابط في سوريا وشارك في السيطرة على ثورة الكرك.

كما شارك في حرب البلقان في 1912، وبعدها بعام التحق بجمعية العهد السرية برئاسة عزيز علي المصري ثم التحق بالجيش التركي المتواجد في اليمن عام 1914 وبقي هناك حتى عام 1918.

أسره الإنجليز عام 1919 ثم أطلق سراحه فذهب إلى دمشق ليعينه فيصل بن الحسين مديرا للأمن العام عام 1920.

وبعد معركة ميسلون ذهب إلى تركيا وتسلم رئاسة قسم التاريخ في دائرة الأركان التركية وعاد إلى العراق عام 1922 وعينه فيصل بن الحسين آمرا لمنطقة الموصل.

ثم أصبح طه الهاشمي رئيسا لأركان الجيش العراقي عام 1923 وبقي يتدرج في المناصب حتى انقلاب بكر صدقي على حكومة شقيقه ياسين الهاشمي عام 1936.

وكان في مهمة رسمية في لندن فمنعه بكر صدقي من العودة إلى العراق حتى اغتيال الأخير.

وانتخب نائبا عن بغداد وعين وزيرا للدفاع عام 1938 وتولى عددا من المناصب والمهام منها منصب رئيس الوزراء لمدة شهرين فقط من الأول من فبراير/شباط 1941 إلى 13 أبريل 1941، ثم خبيرا في وزارة المعارف حيث ألف عددا من الكتب المنهجية لمدارس الثانوية العامة.

تعيين طه الهاشمي رئيسا للوزراء كان من الوصي على العرش عبد الإله بن علي بن حسين بعد إقصاء حكومة رشيد عالي الكيلاني.

وانتهت ولاية طه الهاشمي عندما هرب عبد الإله من بغداد خوفا من أن يغتال بأوامر من رشيد عالي الكيلاني.

رئيس وزراء

بعد هروب الأمير عبد الإله الوصي على عرش العراق من بغداد إلى محافظة الديوانية، وبعدما قدم رشيد عالي الكيلاني استقالة وزارته برقيا في 31 يناير/كانون الثاني 1941، شكل طه الهاشمي وزارته الأولى (الوحيدة) في الأول من فبراير/شباط من ذات العام.

تولي طه الهاشمي رئاسة الحكومة كان أمرا مريحا للعقداء الأربعة في الجيش العراقي: صلاح الدين الصباغ وفهمي سعدي ومحمود سلمان وكامل شبيب، الذين هددوا بالثورة إذا لم تعط الرئاسة للهاشمي الذي حاز على ثقتهم.

 ولا سيما أن الأخير كان يرى أنه يستطيع إيجاد التفاهم بين العقداء وبين الوصي، فقد كان في نظرهم المرشح المناسب لرئاسة الوزارة.

وكان طه الهاشمي، المقتنع بوطنية وإخلاص العقداء الأربعة، قد اجتمع بهم قبل سفره إلى الديوانية، وأحاطهم علما برغبة الوصي في تشكيل وزارة جديدة، وأبلغهم أنه سيقبل رئاسة الوزارة اتقاء لشر ما يحدث، وطلب منهم أن يتركوا السياسة ويتفرغوا لأعمالهم العسكرية.

ويقول أدموندس، المستشار البريطاني بوزارة الداخلية العراقية، في رسالته إلى السفير البريطاني عن الأحداث التي أدت إلى انقلاب الأوضاع "من المعتقد بوجه عام أن طه باشا قد أكد للضباط الأربعة بأنه إذا عاد إلى الحكم فلن يكون هناك ما يخشونه".

وهكذا، جرى تشكيل وزارة طه الهاشمي، الذي احتفظ لنفسه أيضا بوزارة الدفاع وأبقى عضوين من وزارة الكيلاني المستقيلة.

وقوبلت وزارة الهاشمي بارتياح من جانب مجلس الأمة العراقي وقادة الجيش، الذي كانوا يحترمون طه كثيرا، كما كان الأخير يعتبرهم أبناءه وتلاميذه.

وبعد مدة أخذت أيد خفية تلعب من وراء ستار الجيش، مما دفع طه الهاشمي إلى أن يصدر بصفته وزيرا للدفاع، قرارا بنقل العقيد كامل شبيب من قيادة الفرقة الأولى في بغداد إلى قيادة الفرقة الرابعة في الديوانية.

 عندئذ شعر القادة بأن هذا النقل مقدمة لعمليات أشد خطرا وأبلغ أثرا، وأن جهات أجنبية وأيد خفية ترغب بذلك.

وعلى ضوء ذلك، اجتمع العقداء الأربعة ورئيس أركان الجيش بالوكالة أمين زكي سليمان، وأعلنوا حالة الطوارئ في معسكر الرشيد، ووزعوا المفارز في نقاط مهمة من بغداد وحول القصر الملكي، وأوفدوا فهمي سعيد يرافقه أمين زكي لتقديم الرجاء إلى طه الهاشمي بالاستقالة.

فعاد فهمي سعيد يحمل استقالة طه الهاشمي موجهة إلى الوصي، وظلت استقالته معلقة بسبب هروب الأمير عبد الإله الوصي.

لكن أول عمل فعله الشريف شرف، الوصي الجديد المنتخب بعد هروب عبد الإله، هو قبول استقالة طه الهاشمي.

وفي 14 أبريل 1951 قدم طه الهاشمي وعدد من زملائه رؤساء الوزارات السابقين وبعض السياسيين المعروفين باتجاهاتهم الوطنية طلبا لوزارة الداخلية بتأليف جبهة سياسية من أحزاب وهيئات وأفراد باسم (الجبهة الشعبية المتحدة).

لكن وزارة الداخلية اعترضت على عبارة (من أحزاب وهيئات وأفراد) لمخالفتها لقانون الجمعيات، مما أدى إلى انسحاب ممثلي الحزب الوطني الديمقراطي، فأجازت وزارة الداخلية الجبهة في 26 مايو/أيار 1951.

وعقدت الجبهة مؤتمرها الأول في 8 يونيو/حزيران 1951 وانتخبت طه الهاشمي رئيسا لمكتبها الدائم. واستمرت الجبهة الشعبية في العمل السياسي حتى انتفاضة أكتوبر/تشرين الثاني 1951 فحلت مع بقية الأحزاب من قبل وزارة نور الدين محمود.

"جيش الإنقاذ"

اضطر طه الهاشمي للنزوح عن العراق أثناء الحرب العالمية الثانية، فلجأ إلى سوريا ولما كانت معركة فلسطين عام 1948، سمي مفتشا عاما للجيش العربي المجاهد (جيش الإنقاذ).

كان الهاشمي عراقيا قوميا مقربا منذ فترة طويلة من الرئيس السوري وقتها شكري القوتلي، الذي أراد أن يرأسه لجيش التحرير بدلا من الجنرال صفوت، مرشح مصر.

لكن تعين الهاشمي في نهاية المطاف مفتشا عاما لجيش التحرير العربي وتولى مسؤولية تجنيد وتدريب القوات في مقر قطنا. كان مكتبه في وزارة الدفاع السورية وكان يلتقي يوميا بالقادة السياسيين والعسكريين السوريين.

وعاد إلى العراق فعهدت إليه الحكومة بمنصب نائب رئيس مجلس الإعمار الذي يترأسه رئيس مجلس الوزراء، فأشرف على مناهج الإعمار بما اشتهر عنه من نزاهة وأمانة.

وبعد الانقلاب على الحكم الملكي بالعراق في 14 يوليو/تموز 1958 اعتزل العمل في المجلس، لا سيما بعد أن تعرض إلى سلسلة من الافتراءات. وانصرف بعد ذلك إلى التحقيق العلمي والتأليف.

ومن مؤلفاته، العديد من الكتب العسكرية والتاريخية والجغرافية، نذكر منها: "حرب العراق، خالد بن الوليد، جغرافية العراق العسكرية، مفصل جغرافيا العراق، أطلس العراق، الوحدة الإيطالية".

ومن مؤلفاته، كذلك: "تاريخ الأديان وفلسفتها، تاريخ الحرب، تاريخ الشرق القديم، التاريخ والحضارة في الأزمنة الغابرة، جغرافيا بلاد العرب، الخدمة السفرية، خريطة العراق الشمالي، دروس في المعلومات العسكرية، سفر خالد بن الوليد من العراق إلى الشام، مذكرات طه الهاشمي، نهضة اليابان وتأثير روح الأمة في النهضة".