"تعهدات خطية".. ما سر توقيت عودة السفراء الخليجيين إلى لبنان؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

شهدت العلاقات الخليجية اللبنانية تطورا جديدا، بعد ستة أشهر من التوتر غادر خلالها سفراء خليجيون بيروت على إثر انتقاد وزير الإعلام اللبناني، جورج قرداحي، استمرار الحرب باليمن، ووصفه هجمات الحوثيين على السعودية، بأنها "دفاع عن النفس".

وقدم قرداحي استقالته من منصبه في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، وقال إنه قرر "وضع المصلحة الوطنية فوق المصلحة الشخصية"، في محاولة لتهدئة الأزمة الدبلوماسية، وذلك بالتزامن مع مبادرة قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنهاء التوتر بين الجانبين.

وقال قرداحي خلال مؤتمر صحفي أعلن فيه الاستقالة إنه يأمل في أن يساعد ماكرون خلال جولته الخليجية في تخفيف حدة الأزمة مع لبنان، فيما صرح الرئيس الفرنسي في وقت لاحق  أن بلاده "لها دور تلعبه في المنطقة".

عودة السفراء

وفي أحدث تطور للأزمة بين الطرفين، أصدرت السعودية والكويت واليمن بيانات منفصلة في 7 أبريل/نيسان 2022 تعلن فيها عودة سفرائها إلى بيروت، والذي عده مراقبون مؤشرا على تحسن العلاقات.

ورحب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بتلك الخطوة عبر تغريدة على "تويتر" في ذات اليوم، بالقول إن لبنان "يفخر بانتمائه العربي ويتمسك بأفضل العلاقات مع دول الخليج"، واصفا إياها بأنها "كانت وستبقى السند والعضد".

وقالت وزارة الخارجية السعودية إن سفيرها عاد "استجابة لنداءات ومناشدات القوى السياسية الوطنية المعتدلة في لبنان" وبعد تصريحات لرئيس الوزراء نجيب ميقاتي بخصوص إنهاء جميع الأنشطة السياسية والعسكرية والأمنية التي تؤثر على الرياض ودول الخليج.

وشدد البيان السعودي الذي نقلته وكالة الأنباء الرسمية على "أهمية عودة جمهورية لبنان إلى عمقها العربي". وكذلك أعادت الخارجية الكويتية سفيرها إلى بيروت في وقت متأخر من يوم 7 أبريل 2022.

وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، أعلنت وزارة الخارجية اليمنية عودة سفيرها إلى لبنان.

وقالت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية إن ذلك يأتي "استجابة لإعلان الحكومة اللبنانية التزامها بوقف كافة الأنشطة والممارسات والتدخلات العدوانية المسيئة للدول العربية".

ويدعم حزب الله اللبناني ومليشيا الحوثي طهران في صراعها الإقليمي على النفوذ مع دول الخليج العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة.

ولدى حزب الله جناح مسلح أقوى من الجيش اللبناني ويدعم حلفاء موالين لإيران في المنطقة، ومن بينهم في سوريا. كما تمارس الجماعة وحلفاؤها نفوذا كبيرا على سياسة الدولة اللبنانية.

وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قال وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إن أحدث أزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة "حزب الله" المسلحة المدعوم من إيران، ويتسبب في استمرار عدم الاستقرار.

وقال ابن فرحان: "أعتقد أن القضية أوسع بكثير من الوضع الحالي (تصريحات قرداحي). ومن المهم أن تصوغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر بيروت من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله".

أسباب العودة

من جهته، رأى أستاذ الإعلام في لبنان، إبراهيم حيدر، أن "الأسباب التي أدت إلى خروج السفراء الخليجيين من بيروت لم تنته نهائيا، وإنما الشيء الوحيد الذي حصل هو تعهد رئيس الوزراء اللبناني ومعه الحكومة بالالتزام بالمبادرة الخليجية التي قدمها وزير الخارجية الكويتي (أحمد الصباح)".

وأضاف حيدر في حديث لـ"الاستقلال" أن "لبنان سيتخذ بناء على ذلك (المبادرة الكويتية) مواقف إيجابية لها علاقة بدول الخليج ووقف الحملات التصعيدية التي كانت تحدث خلال الفترة السابقة والتي كان يتقدمها حزب الله وغيره بمهاجمة السعودية".

وفي 23 يناير/ كانون الثاني 2022، سلم الوزير الكويتي أحمد الصباح المقترحات إلى رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، والرئيس ميشال عون، خلال زيارة هي الأولى لمسؤول خليجي كبير إلى لبنان منذ نشوب التوتر الدبلوماسي في أكتوبر 2021.

وتضمنت المبادرة الكويتية، 12 بندا كان من أبرزها: "التزام لبنان باستحقاقات مؤتمر الطائف كافة، وبقرارات الشرعية الدولية وجامعة الدول العربية، ومنها التأكيد على مدنية الدولة اللبنانية وفق ما جاء في الدستور اللبناني، وأن سياسة النأي بالنفس يجب أن تكون قولا وفعلا".

وشملت أيضا: "وضع إطار زمني محدد لتنفيذ قرارات مجلس الأمن رقم 1559 (2004) والخاص بنزع سلاح المليشيات في لبنان. ودعت إلى "وقف تدخل حزب الله في شؤون الخليج بشكل خاص والعربية بشكل عام والتعهد بملاحقة أي طرف لبناني يشترك في أعمال عدائية ضد دول مجلس التعاون".

ورأى حيدر أن "النقطة الأساسية التي استدعت عودة السفراء الخليجيين لها علاقة بالتطورات الإقليمية، وجزء منها يتعلق بالمحادثات غير المباشرة بين السعودية وإيران، والتي يبدو أنها توصلت في اليمن إلى هدنة بدأت على الأرض، وبالتالي انسحب ذلك جزئيا على الوضع اللبناني".

وأعرب عن اعتقاده بأن "دول الخليج تشعر أن تطورات تحدث في الشرق الأوسط وفي المفاوضات الغربية حول الاتفاق النووي، وهناك شعور بقرب توقيع هذا الاتفاق وما قد يعكسه على المنطقة ولبنان أيضا".

الأمر الآخر الذي يتعلق بالعودة الخليجية إلى لبنان، يضيف حيدر، هو ليس بالضرورة ينطلق من التزام بيروت الكامل بالشروط التي وضعها مجلس التعاون الخليجي.

لكن يبدو أن دولا خليجية شعرت أن ترك لبنان بالنحو الذي يسير فيه قد يؤدي إلى اختلال في موازين القوى ليس السياسية فحسب وإنما الطائفية أيضا، وفق تقديره.

تقييم التعهدات

وعلى نحو آخر، قال رئيس مركز "القرن" للدراسات في السعودية سعد بن عمر: "لا نقول بوجوب زوال حزب الله، وإنما يجب أن يتوقف الأذى على السعودية ومصالحها، وأن الحكومة اللبنانية تعهدت خطيا بأن تمنع الأمور التي تشتكي منها الدول العربية سواء المخدرات أو حزب الله واشتراكه في المعارك".

وأضاف خلال مقابلة تلفزيونية في 9 أبريل 2022 أن "الرياض تهتم بلبنان ويؤسفها أن الستة أشهر الماضية توقفت العلاقة فيما بينهم، لكن عودة السفراء حاليا هو نتيجة ما قام به المسؤولون".

ولفت إلى أن "الرئيس الفرنسي جاء إلى السعودية للتوسط وعاد بخفي حنين، لذلك ما لم يتعهد المسؤولون اللبنانيون بعدم الإساءة للمصالح السعودية اللبنانية فلن تعود العلاقات".

وبين أن عودة السفراء هي مقدمة لعودة العلاقات الاقتصادية والتجارية، وأن ذلك يجري تحت أنظار وزارة الداخلية اللبنانية.

وأردف ابن عمر قائلا: "عندما تخل وزارة الداخلية اللبنانية بأي شرط من شروط التصدير ومن بينها أن تكون الشركات المصدرة تحت أنظارها والتفتيش والتأكد من خلوها من المخدرات،  فإن التصدير سيتوقف مرة أخرى".

وتابع: "لذلك لا دخل لفرنسا أو اليمن في إصدار قرار السعودية لعودة السفراء إلى لبنان".

فهناك أحزاب لبنانية معارضة وحتى حزب الله يتمنون عودة الرياض لبيروت ليس حبا بها وإنما حبا في لبنان، وفق قوله.

وزاد ابن عمر قائلا: "الإعلام اللبناني والصحف منذ عام 70 وحتى اليوم يسب السعودية، وهذا لا يضرها وإنما ما يعنينا هو المس بمصالح المملكة".

وفي هذه النقطة، نقلت صحيفة "عكاظ" عن مصادر حكومية (لم تسمها) أن الرياض ستستمر في تقييم التزامات الحكومة اللبنانية ولن تتهاون في التعامل مع أي تجاوز أو إشارة سلبية.

وأشارت المصادر خلال حديثها للصحيفة السعودية إلى أن عودة السفير إلى بيروت لا تعني أكثر من ذلك، إذ إن منع استيراد المنتجات الزراعية مستمر، ومنع السفر إلى لبنان لا يزال قائما.

ملف الانتخابات

من جانبه، قال الأكاديمي اللبناني إبراهيم حيدر إن "عودة السفراء، وتحديدا السعودية، لا يعني أنها تريد إعادة التوازن إلى الملف الانتخابي في لبنان".

وأرجع ذلك إلى أن عودتهم جاءت بعد انتهاء الترشيحات النيابية، وإقفال اللوائح، وبالتالي لم يعد هناك إمكانية بالتدخل المباشر ودعم فرقاء معينين في المعركة الانتخابية.

وأردف: "بالتالي العودة لها أهداف أخرى ترتبط بالاستحقاقات المقبلة في لبنان بينها الاستحقاق الرئاسي، ووضع بيروت في العلاقة بالمجتمعين العربي والدولي وأيضا تشكيل الحكومة اللبنانية في المرحلة المقبلة وما يحمله من تطورات على أكثر من مستوى".

وفي السياق، استبعد رئيس المنتدى الخليجي للأمن والسلام فهد الشليمي، انتهاء الأزمة بشكل كلي وربط الأمر بالانتخابات النيابية المقبلة.

وعد أن "دول الخليج تدخلت لمساعدة لبنان لأنها تريد أن توجد في بيروت وأن لا تترك الساحة للوجود الإيراني لا سيما في ظل انتخابات نيابية مقبلة" .

وأوضح الشليمي خلال تصريحات صحيفة في 9 أبريل 2022 أن "لبنان لم يخرج من الحضن العربي، غير أن المشكلة كانت في المزاج السياسي وفي التصريحات السياسية والاختراقات الأمنية".

وأشار إلى أن "الدول الخليجية حصلت على تعهدات غير كافية من الحكومة اللبنانية لمساعدة بلادهم في أزمتها المالية والاقتصادية".

ومن المقرر أن يشهد لبنان في 15 مايو/ أيار 2022، انتخابات برلمانية، حيث أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنهم سيزيلون أي شيء يمكن أن يهدد بتعطيل الانتخابات، وذلك بعد ساعات من إعلان وزارة الداخلية اللوائح الانتخابية في كل الدوائر.

وفي 7 أبريل، قال ميقاتي خلال تصريحات، ردا على التشكيك بإجراء الانتخابات بسبب الصعوبات المالية، إن "الانتخابات النيابية ستجري في موعدها المقرر في 15 مايو".

وفي اليوم نفسه، ذكرت الرئاسة اللبنانية أن رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات النائب في البرلمان الأوروبي جورجي هولفيني قال إن "نحو 200 مراقب سيتولون مراقبة الانتخابات في لبنان بحرفية وشفافية وحياد".

وأضاف هولفيني خلال لقائه الرئيس ميشيل عون في قصر بعبدا، أن "أفرادا من البعثة سيراقبون العملية الانتخابية في عدد من الدول الأوروبية".