مرسي ومندريس وأليندي.. زعماء أنصفهم التاريخ وفضح المنقلبين عليهم

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

من أرشيف لقاءات الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، خلال حملته الانتخابية عام 2012، قال: "لن أخون الله فيكم، وعندما أقول أنا خادم الشعب، وأن الحاكم أجير عند الأمة، لا بد لي من النظر إلى التاريخ، ماذا فعل بالحكام الذين عدلوا؟ وكيف أنهم حصلوا على احترام شعوبهم، وكذلك احترمهم التاريخ".

ورغم وفاة الرئيس مرسي، الذي انقلب عليه قائد الجيش (آنذاك) عبدالفتاح السيسي، ونكل به في السجون سنوات متتالية، حتى رحيله خلال محاكمته الجائرة عام 2019، لكن النظام يواصل العمل على تشويه صورته.

وذلك عبر كتابة تاريخ مزيف من خلال أعمال درامية موجهة، آخرها كان مسلسل "الاختيار 3"، الذي يجسد شخصية مرسي في صورة غير لائقة، حملت كثيرا من الظلم والعدوان، كما أفاد نشطاء وسياسيون مصريون. 

ومع ذلك فإن حملات التشويه ضد مرسي، وجدت صدى شعبيا هائلا من الجماهير، الذين أبدوا عبر منصات التواصل الاجتماعي تعاطفهم مع الرئيس الراحل ودعواتهم له، ما أشار إلى فشل النظام بإعلامه وسلطته الطاغية، في فرض رواية محرفة، وإقناع عموم الناس بها.

تعاطف كبير 

مع انطلاق الموسم الدرامي الرمضاني في مصر، في 2 أبريل/ نيسان 2022، ساد جدل كبير على مواقع التواصل المصرية، وفي الأوساط الشعبية، مع إذاعة الحلقة الأولى من مسلسل "الاختيار 3"، الذي يشرف النظام المصري على كل تفصيلة به.

ويتناول هذا الجزء من المسلسل كواليس انقلاب، عبد الفتاح السيسي، حين كان وزيرا للدفاع، على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي عام 2013.

وغلب على التعاطي مع المسلسل حالة سخرية بشأن الفوارق الجسدية بين بطل العمل الفنان ياسر جلال، الذي يتميز بطول فارع، وبين السيسي المعروف بقصر قامته، ومن جانب آخر، سادت حالة تعاطف كبير مع الرئيس مرسي، حتى تصدر اسمه قائمة وسوم موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في مصر. 

ولاقى الرئيس الراحل موجة تأييد كبيرة، ودعوات بالرحمات والمغفرة في الشهر الفضيل، على عكس ما كان يأمله نظام السيسي.

وكتب الإعلامي المصري أسامة جاويش، في تغريدة عبر "تويتر"، قائلا: "صنعوا (الاختيار3) وظنوا بذلك أنهم قد محوا أثر الرئيس الراحل محمد مرسي، فخلد الجميع ذكراه وأعادوا إحياء صورته كأول رئيس مدني منتخب". 

وبذلك يمضي محمد مرسي على طريق زعماء وقادة، صمدوا أمام انقلابات عسكرية، وتعرضوا للتنكيل كما تعرض، لكن التاريخ خلدهم، وأصبحوا رموزا في بلادهم.

مندريس "تركيا"  

تعد مأساة رئيس الوزراء التركي الراحل عدنان مندريس، هي النموذج الأقرب لقصة محمد مرسي في مصر.

فمندريس كان أول ضحايا الصراع الداخلي في تركيا مع الجنرالات، عندما حاول إجراء حزمة إصلاحات متعلقة باقتصاد وهوية الدولة، كان أبرزها إعادة فتح مدارس "الأئمة والخطباء"، وإعادة الأذان باللغة العربية، بعدما كان باللغة التركية، وتخفيف يد الجيش على الحياة العامة. 

وفي صباح 27 مايو/ أيار 1960، تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، إذ تم اعتقال مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء، وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

ووصلت المأساة إلى ذروتها في 17 سبتمبر/ أيلول 1961، عندما أعدم رئيس الوزراء التركي، على يد الجنرالات الانقلابيين، وعلق جسده في الجزيرة النائية. 

لكن القصة لم تنته حيث احتاجت تركيا إلى 30 عاما ليرد اعتبار مندريس، وتنقل رفاته في مشهد مهيب إلى "إسطنبول"، يوم 17 سبتمبر/ أيلول 1990.

 كما أطلق اسمه على واحد من أكبر شوارع إسطنبول، بالإضافة إلى بعض الميادين، ومحطات الحافلات والقطارات، وفاعليات أخرى كثيرة تحمل اسم "مندريس"، ليغدو من رموز النضال الوطني التركي والعالمي.

وفي السنوات الأخيرة، يحيي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذكرى السنوية لإعدام مندريس ورفاقه.

وفي 15 يناير/ كانون الثاني 2022، افتتح أردوغان متحف عدنان مندريس للديمقراطية بولاية أيدن غربي البلاد، بتوجيهات من الرئاسة التركية، ويحتضن المتحف مقتنيات مندريس الشخصية وسيارته وصورا ووثائق تخصه.

مصدق "إيران" 

النموذج الثاني من القادة والزعماء الذين تعرضوا لانقلاب غاشم، ومحاولات تشويه، على غرار الدكتور محمد مرسي، ثم رد إليهم اعتبارهم، هو رئيس الوزراء الإيراني "محمد مصدق".

ولا يوجد في تاريخ الملكية الإيرانية الحديثة أشهر من رئيس الوزراء الراحل محمد مصدق، الزعيم المتمرد من داخل النظام وأحد أبرز ضحايا التدخلات الأميركية البريطانية في السياسة الإيرانية، زمن الشاه. 

وأصبح مصدق رئيسا لوزراء إيران، في 30 أبريل/ نيسان 1951، وبعد يومين فقط من استلامه السلطة قام بتأميم النفط الإيراني، وأقام تحالفا مع كتل اليسار السياسي مثل حزب توده الشيوعي، ليوازن ضغوطات الشاه من الداخل وبريطانيا وأميركا من الخارج. 

وكانت إصلاحات مصدق الديمقراطية تضرب في الأساس الشمولي لحكم الشاه، كما أن خطوة  تأميم النفط الإيراني مثلت ضربة كبيرة لمصالح لندن وواشنطن.

ورغم الشعبية الطاغية التي كانت لمصدق بين الإيرانيين من الطبقات والشرائح الدنيا والمتوسطة تحديدا، فقد ناصبته طبقة الملاك المتحالفة مع المؤسسة الدينية، العداء بسبب إعلانه عن وضع خطة للإصلاح الزراعي وتحديد الملكية الزراعية. 

وبدأت التحالفات الداخلية المتمثلة في الشاه، والمؤسسات الدينية، والإقطاعيين، العمل على إسقاط مصدق، بالإضافة إلى الأعداء الدوليين، وتحديدا الولايات المتحدة، وبريطانيا، بسبب تأثر مصالحهم نتيجة سياسة مصدق الوطنية.

وفي 19 أغسطس/ آب 1953، وقع انقلاب ضد حكومة مصدق بعد أن احتدم الصراع بينه وبين الشاه، وقام بالانقلاب الجنرال فضل الله زهدي، بدعم كامل من المخابرات الأميركية، التي أطلقت عليه العملية "أجاكس". 

وخلال العملية قصف المنقلبون منزل مصدق وسط العاصمة طهران، وانتهى الأمر باعتقال مصدق، وحكم نظام الشاه عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم لاحقا إلى سجن انفرادي لثلاث سنوات، ومن ثم إقامة جبرية مدى الحياة في قرية أحمد آباد، شمالي إيران حتى وفاته في 5 مارس/ آذار 1967.

كثيرون عدوا أن الانقلاب الإيراني، شبيه بحالة مصر خلال سنة حكم الرئيس مرسي من توظيف وسائل الإعلام لشيطنة الحاكم، ودعم المعارضين لصناعة حالة من الاحتقان تهيئ عامة الناس للقبول بإسقاط السلطة المنتخبة واستبدالها بأخرى عسكرية شمولية تحت سطوة الجنرال السيسي، الذي أحال حياة المصريين إلى جحيم، كما فعل الشاه في إيران من قبل. 

واليوم رد للزعيم الإيراني محمد مصدق جزء من اعتباره، وأطلق اسمه على عدد من الشوارع والميادين والمؤسسات في عموم الجمهورية الإيرانية، بالإضافة إلى مرافقة ذكراه بالمحبة والاحترام من عموم الشعب، خلافا للذين تآمروا عليه، وذهبوا إلى غياهب التاريخ.

أليندي "تشيلي" 

النموذج الثالث الذي تتشابه وقائع حكمه ونهايته مع مسيرة الرئيس محمد مرسي، هو سلفادور أليندي، زعيم تشيلي المناوئ للغرب، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية عام 1970، لكنه قتل خلال انقلاب عسكري نفذه الجيش، بقيادة الجنرال أوغيستو بينوشيه في 11 سبتمبر 1973. 

وكان أليندي قد عمل على إجراء خطة إنقاذ اقتصادية وإصلاحية شاملة في بلاده، تتضمن رفع أجور الموظفين بأكثر من 40 بالمئة، وتأميم القطاعات الإنتاجية الرئيسة مثل إنتاج النحاس والصناعات الغذائية.

وعلى المستوى التعليمي، شرع في إصلاح كبير في جميع قطاعات التعليم، لتأسيس جيل جديد قادر على النهوض بالدولة، ومناهضة التدخلات الأجنبية التي كانت دارجة في تشيلي آنذاك. 

انزعجت الولايات المتحدة من قرارات التأميم التي اتخذها أليندي خاصة في قطاع النحاس، فضغطت اقتصاديا على تشيلي وحرضت هيئات التعاون الإقليمي ضدها، كما مولت إضرابات اجتماعية لسائقي الشاحنات لشل النشاط التجاري المحلي.

وبعد اضطرابات كبيرة مدبرة، نجح قائد الجيش بينوشيه في محاولته الانقلابية، واقتحم القصر الجمهوري، وقتل أليندي، وساد اعتقاد بأنه تمت تصفيته بأمر من الاستخبارات الأميركية التي لم تكن بعيدة عما حدث. 

خسر أليندي معركته في الحكم بنهاية مأساوية، لكنه أصبح رمزا للنضال الوطني، وملهما لشعبه الذي رفع صوره وأطلق اسمه على كثير من الميادين والأحياء.

حتى خارج تشيلي تم تكريم أليندي على أكثر من صعيد، وفي منتصف الثمانينيات قامت ألمانيا الشرقية (آنذاك) بإصدار طابع بريدي يحمل اسم وصورة أليندي. 

أما عدوه قائد الانقلاب بينوشيه، فأسقط من حكمه بعد مظاهرات عارمة في مطلع التسعينيات، وطويت صفحته تماما عقب توقيفه في بريطانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 1998، بناء على مذكرة اتهام إسبانية.

واستعدت المحكمة العليا في تشيلي لمحاكمته بالفعل، إلا أن جهودا بذلت لتعطيل هذه المحاكمة حتى وفاته في ديسمبر/ كانون الأول 2006.

تصحيح مسار 

وفي هذا السياق، قال الباحث السياسي المصري، محمد ماهر، إن "الحملة الإعلامية الموجهة ضد الرئيس مرسي، رغم وفاته، إنما تعبر عن مدى هشاشة بنية هذا النظام، لأنه بالفعل ما زال يخشى من التاريخ والثورة".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "كما يحارب السيسي الثورة في كل موطن ويعمل على تشويهها في نفوس الشعب، كذلك يعمل على تشويه الرئيس مرسي، لأن السيسي يعلم حجم جرمه ويعلم جيدا كيف سيذكره التاريخ، وما محاولاته لفرض الرواية ولي ذراع التاريخ إلا نوع من العبث، فالتاريخ يصحح نفسه دائما".

وأوضح ماهر: "كم من أنظمة امتلكت الدعاية والإعلام وتوجيه الجماهير بشكل أحادي، ثم انهارت روايتها ودعايتها في النهاية، مثلما حدث مع الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، وكما حدث في الاتحاد السوفييتي" 

ومضى يقول: "حتى على المستوى المحلي في مصر، كان إعلام جمال عبدالناصر أكثر قوة وهيمنة، وتميز بأحاديته المطلقة، فأين هو الآن، وقد غلبته الحقيقة وما كتبه الشهود على ذلك العصر بعد ذلك، وأظهروا ما كان يحدث في السراديب السوداء داخل دولاب الدولة نفسها، لا أقول السجون والمعتقلات فهذا شأن آخر".

وأكد ماهر، أن "النظام يعلم جيدا أن الرئيس مرسي أصبح أيقونة حقيقية للحرية والصمود ضد العسكر والجنرالات، شأنه شأن عدنان مندريس، ونيلسون مانديلا، ومهما عملوا على تحطيم رمزيته، سيبقى أثره للأجيال القادمة، خاصة وأن نهايته كانت ملحمية، وهو ما لا يتمناه أشد أعدائه، خاصة السيسي".