عمليات القتل الروسية في أوكرانيا.. "إبادة جماعية" أم جرائم حرب؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أثار اكتشاف جثث مئات المدنيين الأوكرانيين في مدينة بوتشا بالقرب من العاصمة كييف استنكارا وغضبا دوليا واسعا.

تقول صحيفة لوموند الفرنسية إن ذلك "يستدعي تحقيق العدالة الدولية ضمن أطر زمنية واقعية ودون أن يعطى للجناة الوقت للاستمتاع بأيام هنيئة".

وبينت في ذات السياق أن الحروب تشهد أحيانا معارك أكثر دموية من غيرها، ومذابح أكثر وحشية وخطورة من سابقاتها، مما يصدم الرأي العام.

نقطة تحول؟

ويمكن لمثل هذا الحدث -وفقا للصحيفة- أن يشكل بالثقل الرمزي لرعبه نقطة تحول في صراع ما.

ولا شك أن اكتشاف المئات من جثث المدنيين الأوكرانيين في 3 أبريل/نيسان 2022 بعد انسحاب الجيش الروسي من القرى المحيطة بكييف -بما في ذلك جثث بوتشا- هو نقطة تحول في هذا الصراع، حسب لوموند. 

أضافت الصحيفة أن صور المدنيين المختبئين في الأقبية والمستشفيات التي تعرضت للقصف وصور الجنود الذين قتلوا في المعارك أصبحت منذ بداية حرب روسيا على أوكرانيا قبل 40 يوما جزءا من الحياة الإعلامية اليومية للأوروبيين.

لكن الذي ظهر على شاشاتهم أخيرا نقل هذه الحرب -وفقا للصحيفة- إلى مستوى جديد من الهمجية. 

وشملت تلك الصور الفظيعة مدنيين أُعدموا برصاص في مؤخرة العنق وآخرين قتلوا بعد أن قيدت أيديهم وراء ظهورهم وآخرين قتلوا بالرصاص وهم على دراجاتهم.

ناهيك عن صور لجثث متفحمة بعد أن اخترقها الرصاص وصور لمقابر جماعية تفيض بالجثث، "إنها صور المذابح والدمار". 

وأوردت لوموند نفي موسكو أي مسؤولية لقواتها عن تلك الانتهاكات واتهامها السلطات الأوكرانية بأنها من دبرت ذلك وقدمته لوسائل الإعلام الغربية.

وعلقت الصحيفة على ذلك الاتهام بالقول "إن سوء نية الكرملين في هذا الصراع وفن الكذب البارع لا يتركان مجالا كبيرا لمصداقية هذا الإنكار، وهو ما يتناقض مع الشهادات التي جمعها الصحفيون على الفور وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش".

ولهذا، ترى لوموند أن الغضب وحده والاستنكار لا يكفيان، بل لا بد من مد يد العون للمدعية العامة لأوكرانيا إيرينا فينيدي كتوفا التي تعمل على جمع الأدلة من أجل إعداد الشكاوى المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. 

وأشارت إلى أن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني كريم خان فتح تحقيقا في هذا الشأن، بل وزار أوكرانيا بالفعل. 

وحثت لوموند الدول الأوروبية على منح هذا العمل المتعلق بالتحقيق وجمع الأدلة موارد أكبر، ولا سيما في ما يتعلق بالموظفين، حتى يدرك أولئك الذين يتخذون القرارات في موسكو ومن ينفذون أوامرهم ما ينتظرهم، كما تقول.

وأردفت: "إذا كان من الممكن إصدار أوامر اعتقال فإن لوموند ترى أنه يجب إصدارها دون تأخير مهما علت رتبة المستهدفين بتلك الأوامر".

وبينت أن مذبحة بوتشا تفرض نقطة تحول على الأوروبيين، إذ يجب أن يتخلوا عن هذا التدرج المثير للشفقة في ردهم، وعليهم مواجهة الهجوم القاتل للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهجوم مضاد حقيقي من التضامن مع كييف، حسب الصحيفة. 

في هذا السياق من الصراع اتهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 4 أبريل موسكو بارتكاب "إبادة جماعية" و"جرائم حرب" فيما يتعلق بالغزو.

هذان المفهومان، بالإضافة إلى مفهوم "الجريمة ضد الإنسانية"، محددان بدقة في القانون الدولي. 

الإبادة الجماعية

جرى الاعتراف بمصطلح الإبادة الجماعية كجريمة بموجب القانون الدولي من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1946، كما يشير إلى ذلك مكتب منع الإبادة الجماعية والمسؤولية عن الحماية، وهو هيئة تابعة للأمم المتحدة.  

وقد أدى ذلك إلى إدراجه في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، التي صدقت عليها 149 دولة.  

ثم اعتبرت محكمة العدل الدولية أن جميع الدول، سواء كانت موقعة أم لا، ملزمة قانونا بهذا النص.

يمكن أن تحدث "الإبادة الجماعية" في أوقات السلم والحرب. ولكي يجرى توصيفها كذلك، يجب أن يحتوي الفعل أولاً على "عنصر نفسي".  

بعبارة أخرى، يجب إثبات أن هناك هدفا يتمثل في "تدمير كل أو جزء من مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية". وهي نية أو هدف من الصعب تحديد ما إذا كانت موجودة أم لا. 

ثم، إذا جرى إثبات هذا العنصر النفسي، فهناك العديد من العناصر المادية التي يمكن أن تبرر وصف فعل ما على أنه إبادة جماعية.  

وهي تشمل القتل العمد، وتعمد إخضاع جماعة ما لظروف معيشية تهدف إلى تدميرها المادي كليا أو جزئيا، ومنع الولادات ونقل الأطفال قسرا من مجموعة إلى مجموعة أخرى.

استخدم المصطلح لأول مرة من قبل المحامي البولندي رافائيل ليمكين، في عمله "عهد المحور في أوروبا المحتلة" الذي نُشر عام 1946. 

مصطلح genos يعني "العرق" أو "القبيلة"، بينما تشير اللاحقة -cide إلى فكرة القتل.

عُرّف مفهوم "الجريمة ضد الإنسانية" على التوالي من قبل المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا. لم يجر بعد تدوين المفهوم في شكل معاهدة محددة. 

جرى التعبير عن أحدث توافق في الآراء بشأن هذه القضية في مدونة روما الأساسية لعام 1998، التي أنشئت بموجبها المحكمة الجنائية الدولية (ICC).

يمكن وصف الفعل بأنه "جريمة ضد الإنسانية" فقط خلال "هجوم واسع النطاق أو منهجي يشن ضد أي مجموعة من السكان المدنيين"، كما تذكر الأمم المتحدة، ويجب أن يكون الجاني على علم بهذا الهجوم. ولتمييزه، يجب أن يتضمن الفعل عنصرا سياقيا بالإضافة إلى العنصر النفسي. 

 ومن بين الأفعال المُجرَّمة على وجه الخصوص، يمكن ذكر الإبادة والترحيل والتعذيب والاسترقاق الجنسي أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة والاختفاء القسري.

تحظر اتفاقية لاهاي لعام 1899 بعض أعمال الحرب. وتحمي اتفاقيات جنيف لعامي 1864 و1949 المدنيين.

صُدّق على النص الأخير من قبل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو مستوى غير مسبوق من القبول لمعاهدة القانون الإنساني الدولي.

وبالتالي فإن "جريمة الحرب" مفهوم أوسع بكثير من "الإبادة الجماعية" أو "الجريمة ضد الإنسانية".  

ويشمل على وجه الخصوص القتل العمد والتعذيب والاستيلاء على الممتلكات والترحيل وأخذ الرهائن والهجمات المتعمدة ضد السكان المدنيين. ويمكن أن ينطبق أيضا على استخدام الأسلحة المحظورة بموجب الاتفاقيات. 

جريمة الحرب لها عنصر سياقي، أي النزاع المسلح، وعنصر نفسي يقتضي أن يكون الجاني على علم بالتصرف بما يخالف القواعد.  

على عكس "الإبادة الجماعية" و"الجريمة ضد الإنسانية"، يمكن ارتكاب "جرائم الحرب" ليس فقط ضد المدنيين ولكن أيضًا على المقاتلين.