"كوشيب" بقفص الاتهام.. هكذا تعود جرائم حرب دارفور إلى الواجهة من جديد

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة "الغارديان" البريطانية، الضوء على بدء محاكمة قائد مليشيا الجنجويد السابق في إقليم دارفور غربي السودان، علي كوشيب أمام المحكمة الجنائية الدولية في 5 أبريل/ نيسان 2022.

ويحاكم علي محمد علي عبد الرحمن، الشهير بـ"علي كوشيب" أمام المحكمة الجنائية الدولية، عن 31 تهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور بالسودان في الفترة بين أغسطس/آب 2003 ومارس/أذار 2004.

ويعد كوشيب أول من يمثل أمام المحكمة الجنائية الدولية في هولندا بشأن الصراع الذي أودى بحياة 300 ألف شخص، بين مطلوبين آخرين بينهم الرئيس المخلوع عمر البشير قيد المحاكمة في السودان حاليا.

وكان كوشيب قد سلم نفسه طوعا في 9 يونيو/حزيران 2020 لقوات الأمم المتحدة في جمهورية إفريقيا الوسطى.

وقت الحساب

وذكرت الصحيفة البريطانية أنه على حوالي 5000 ميل عن صحراء غرب السودان، بدأت في هولندا رحلة محاكمة علي كوشيب، الرجل البالغ من العمر 65 عاما، والذي كان قائدا "مرعبا وموقرا" في آن واحد.

وأوضحت أنه كان لواء بمليشيا الجنجويد سيئة السمعة، التي شاركت، جنبا إلى جنب مع القوات الحكومية السودانية لتنفيذ حملة الأرض المحروقة ضد المتمردين بدارفور ومجتمعاتهم التي تقول الأمم المتحدة إنها خلفت 300 ألف قتيل وشردت 2.5 مليون.

وإذا قرر قضاة المحكمة الثلاثة أنه مذنب، فإن كوشيب يمكن أن يقضي بقية حياته خلف القضبان.

ووصف النشطاء هذه المحاكمة بأنها علامة بارزة في الكفاح من أجل تقديم مرتكبي جرائم القتل الجماعي في إفريقيا جنوب الصحراء إلى العدالة.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية عن المحاكمة: "إنها المرة الأولى التي يحاسب فيها زعيم على جرائم خطيرة في دارفور، وإن كان ذلك بعد 18 عاما من بدء الجرائم".

وأضافت: أنها أيضا المرة الأولى التي ستصدر فيها المحكمة الجنائية الدولية أحكاما بشأن الجرائم التي ارتكبتها القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة معها في دارفور، وتوضح أن مرتكبي الجرائم لا يزالون يواجهون العدالة، حتى بعد أكثر من عقد.

وتأتي المحاكمة في وقت صعب يعيشه السودان، حيث خرج البلد عن مسار الانتقال الديمقراطي عقب سقوط البشير في عام 2019 بسبب انقلاب عسكري في أكتوبر / تشرين الأول من العام نفسه.

وتتوسع حاليا أزمة إنسانية في أنحاء مختلفة من السودان حيث يصل التضخم إلى أكثر من 250 بالمئة على أساس سنوي.

عسكر جدد

وأوضحت الصحيفة البريطانية أنه منذ توليهم السلطة، بدد حكام السودان، الجنرالان عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو "حميدتي"، قائد الجنجويد، أي آمال في أن الديمقراطية قد تترسخ بعد عقود من الديكتاتورية.

وتم تفريق المظاهرات المتكررة ضد الحكم العسكري بالغاز المسيل للدموع والنيران الحية، مما أسفر عن مقتل 93 شخصا على الأقل منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021، على الشركاء المدنيين بالحكم.

ووفق مراقبين، أصبحت مليشيا الجنجويد المعروفة حاليا بـ"الدعم السريع"  القوة الحاكمة الحقيقية في السودان. وتمثل نوعا جديدا من النظام، فهي مزيج من المليشيات القبلية والمشاريع التجارية، ومتهمة بارتكاب انتهاكات واسعة النطاق في البلاد.

وفي هذا السياق قالت مرام مهدي، المحللة في معهد الدراسات الأمنية في بريتوريا بجنوب إفريقيا، "هناك دافع قوي للغاية لرفض الحكم العسكري، لكن الجيش يرفض تماما تحرير قبضته على السلطة".

وأضافت: "هناك عقلية محصلتها صفر.. لا أحد على استعداد للتفاوض أو التسوية".

ويحتجز كوشيب حاليا لدى المحكمة الجنائية الدولية منذ يونيو 2020، وكان قد فر من السودان بعد سقوط البشير لتجنب المحاكمة بتهم القتل والاغتصاب وغيرها من الجرائم التي يعاقب عليها بالإعدام هناك.

 وقالت رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية آنذاك، فاتو بنسودة، إن استسلام كوشيب ونقله إلى عهدة المحكمة بعد ما يقرب من عقدين من بدء النزاع في دارفور كان "تذكيرا قويا وكئيبا بأن ضحايا الجرائم الفظيعة في إقليم دارفور بالسودان قد تعرضوا للخطر. انتظرت طويلا حتى تتحقق العدالة".

وفي جلسات استماع لاحقة سابقة للمحاكمة في 2021، قالت بنسودة إنها ستظهر أنه قاد هجمات على البلدات والقرى وتورط في أكثر من 300 جريمة قتل ومداهمات أجبرت 40 ألف مدني على ترك منازلهم.

وأضافت أن "الأدلة تظهر أن كوشيب كان مرتكب هذه الجرائم وعلى علم بها".

وعود غائبة

ورغم أن السودان ليس طرفا في المحكمة الجنائية الدولية، إلا أن قرارا للأمم المتحدة يطالب الحكومة بالتعاون مع المحكمة.

لكن الاضطرابات السياسية تعني أن فرص إحضار المزيد من الفارين المطلوبين من المحكمة الجنائية الدولية إلى لاهاي ضئيلة.

وأحد هؤلاء هو الرئيس السابق البشير المطلوب بتهمة الإبادة الجماعية، وهناك شخصان آخران مشتبه بهما من كبار الشخصيات في حكم البشير.

وهما عبد الرحيم محمد حسين، وزير الداخلية والدفاع خلال معظم فترات الصراع، وأحمد هارون، مسؤول الأمن في ذلك الوقت ثم زعيم حزب البشير الحاكم.

ويعتقد أن هارون محتجز في السودان لكن مكان عبد الرحمن حسين غير معروف.

ولفتت الصحيفة إلى أن الحكومة الانتقالية في السودان التي قادها المدنيون في 2019 بعد سقوط البشير، قد وعدت بالتعاون ووافقت على نقل المطلوبين الثلاثة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

لكن الانقلاب الأخير قطع الطريق على هذه الوعود.

وأشارت إلى أن العديد ممن يشغلون الآن مناصب في السلطة هم أنفسهم متورطون في أعمال العنف المروعة في هذا البلد المضطرب.

وانضم الآلاف من قدامى المحاربين في ميليشيا الجنجويد إلى قوات الدعم السريع شبه العسكرية، بقيادة الجنرال حميدتي، وهو الآن نائب رئيس مجلس السيادة الحاكم، بحكم الأمر الواقع.

 فيما يعتبره كثيرون الرجل الأكثر نفوذا في البلاد.

وقالت المحللة مهدي: "الأوضاع في الوقت الحالي تشير إلى أن عرقلة المحكمة الجنائية الدولية فرضية أقوى بكثير من استمرار التعاون".