رغم مطالب مغربية بحله.. سيارات جديدة لـ"المستشارين" بنصف مليون دولار

سلمان الراشدي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في غمار أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، ضجة جديدة يشهدها المغرب عقب الكشف عن قرار الغرفة الثانية للبرلمان "مجلس المستشارين"، شراء 11 سيارة فارهة بنصف مليون دولار، لصالح أعضاء في الغرفة.

واعتبر متابعون أن قرار شراء السيارات بمبلغ ضخم في هذا السياق الاجتماعي الصعب والمأزوم، "استهتار واستفزاز" للمواطنين من طرف مسؤولين وجب عليهم مراقبة السياسات العمومية لخدمة المجتمع وليس "هدر المال العام".

ضجة يقابلها رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، بصمت مطبق، متجاهلا كل الانتقادات، وضاربا بعرض الحائط دعوة سابقة لرئيس الحكومة، عزيز أخنوش، إلى التقشف في النفقات العامة.

فضيحة سياسية

وقالت مصادر إعلامية مغربية، إن السيارات الجديدة من نوع “ميرسيدس”، التي اقتنيت لفائدة أعضاء مكتب مجلس المستشارين، جرى تسليم بعضها لنواب الرئيس، فيما سيتسلم باقي الأعضاء السيارات التي ستوضع رهن إشارتهم فور عودتهم من العطلة البرلمانية التي تنتهي في أبريل/نيسان 2022.

ولفتت المصادر، بينها موقع "هسبريس" في 25 مارس/آذار 2022، إلى أن قرار شراء سيارات جديدة اتخذه رئيس مجلس المستشارين، النعم ميارة، منذ أشهر.

وبرر مصدر من مكتب مجلس المستشارين اقتناء المجلس مركبات لأعضائه، رغم توفر أخرى منذ الولاية السابقة، بكون “الجديدة ستسلم لرؤساء الفرق ورؤساء اللجان البرلمانية الدائمة، وهي المرة الأولى التي سيستفيد منها هؤلاء من سيارات جرى اقتناؤها من ميزانية المجلس”.

ورفض المتحدث ذاته الربط بين اقتناء هذه السيارات ودعوة أخنوش إلى التقشف وترشيد النفقات، مبرزا أن “ميزانية البرلمان مستقلة عن الحكومة”.

خطوة رئيس مجلس المستشارين التي أثارت الجدل، دفعت "مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل" (نقابة ممثلة في المستشارين)، للمطالبة بتفعيل لجنة مراقبة تنفيذ ميزانية المجلس المعروفة بـ”اللجنة 13".

ويهدف هذا المطلب إلى "التأكد من الأسباب الحقيقية التي دفعت رئيس المجلس إلى اقتناء هذه السيارات، وما إذا كان المجلس فعليا بحاجة إليها"، وفق ما قال أعضاء الكونفدرالية في تصريحات منفصلة للإعلام.

وفي تعليق على هذا القرار، قال الإعلامي، رضوان الرمضاني، في حلقة على قناة "كيفاش تيفي" بموقع يوتيوب في 24 مارس 2022، "إذا كانت أخبار اقتناء مجلس المستشارين السيارات الفاخرة في عز الأزمة صحيحة، فهي فضيحة سياسية وأخلاقية".

واعتبر أن "تزيار الصمطة (شد الحزام) يجب أن لا يكون صفة للمواطن فقط، أخلاقيا وسياسيا من ارتكب هذه الجريمة فإنه يلعب بالنار، لأنه يقف ضد المغاربة وضد أوضاع البلاد الرسمية والشعبية والاجتماعية حتى ولو جرى تبرير الموضوع بالقانون والميزانية والضوابط وغيرها من المبررات".

من جهته، أوضح الصحفي يونس دافقير، أنه "إذا كانت بعض الأمور تعتبر عادية في السياق العادي، فهي تتحول إلى فضيحة بجميع المقاييس في سياق آخر".

وبين دافقير، خلال نفس الحلقة، أنه "إذا كنا نتحدث عن الأسعار ومحدودية ميزانية الدولة، وعلى عدم قدرتها على التجاوب ونطلب من المواطن أن يتحمل، فيجب أن يفعل ممثلو الدولة ذات الأمر".

مهازل وصمت

وأمام صمت مجلس المستشارين ورئيسه، رفض الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، التعليق على الأمر، خاصة أنه تزامن مع دعوة أخنوش، عبر منشور صادر عنه إلى تقليص الإنفاق العام "إلا للضرورة"؛ بسبب الظروف الحالية.

وقال بايتاس خلال مؤتمر صحفي في 31 مارس 2022 إن “أخنوش وجه المنشور للحكومة، الآن الجماعات الترابية (البلديات) والمؤسسات الأخرى كل واحد عليه أن يدبر أموره بناء على الإمكانيات التي له، حينما أوجه منشورا أوجه للحكومة، والسلط الأخرى المستقلة عندها آليات لتدبير ماليتها وأمورها”.

وفي 23 مارس 2022، دعا أخنوش، وزراء حكومته، إلى "التقشف"، خلال إعداد الموازنة لثلاث سنوات مقبلة 2023-2025 للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية، وذلك من خلال ترشيد الإنفاق المرتبط بتسيير الإدارة، وضبط نفقات الموظفين، وعقلنة نفقات المعدات.

من جهته، اعتبر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، أن "شراء السيارات يأتي في عز الأزمة التي تجتازها البلاد والتي يبقى على الضعفاء والبسطاء فقط تحمل نتائجها وتكلفتها القاسية".

وأضاف في تدوينة عبر فيسبوك في 23 مارس 2022 أن "الذين يمدون أيديهم للمال العام بكل الطرق المشروعة منها وغير المشروعة لا يعرفون معنى أن يتصبب عرق جبين الفرد من أجل لقمة الكرامة وضمان الحد الأدنى للعيش، ببساطة لأنهم ألفوا صنبور الريع ومشتقاته".

 وتابع: "تساءلت أيضا عما إذا كانت هناك دراسة موضوعة على مكتب المجلس تبين فعلا الحاجة الموضوعية لهذا الأسطول الفخم من السيارات، وأن الانشغالات الكبرى للمستشارين تفرض تمكينهم من هذا النوع وبهذه التكلفة الثقيلة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون استجابة لهوس السلطة والجشع اللامحدود وتلبية لأحلام مريضة".

وقال الغلوسي: "بلدنا الحبيب من أجمل البلدان، لكن تطوره وتقدمه تواجهه معضلة كبيرة تتمثل في استمرار سياسة الريع والفساد ووجود نخب تعشق حتى الثمالة الفابور (المجانية) والهمزة (الفرصة)، لذلك تراها تتقاتل بكل الأساليب بما فيها تلك المنحطة والدنيئة لتبقى في مواقع السلطة والنفوذ لتضمن استمرار العيش الرغيد المحلى بالريع".

ودعا رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، "البرلمان ورئيس الحكومة ووزيرة المالية أن لا يتركوا مثل هذه المهازل والفضائح تمر، خاصة في عز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ويجب أن يفتح تحقيق حول ظروف وملابسات هذه الرائحة الكريهة".

تبديد الميزانية

هذه الأزمة أعادت إلى الأذهان سجالا قديما بشأن الغرفة الثانية في البرلمان المغربي، حيث طالبت أصوات سياسية بتجميد دور مجلس المستشارين، لتبقى فقط الغرفة الأولى ممثلة بمجلس النواب.

وهذا على اعتبار أن غرفة "المستشارين" التي يسميها البعض "مجلس الحكماء" أو "الناخبين الكبار"، تثقل المسار التشريعي في البلاد.

ويتألف البرلمان المغربي، من غرفتين؛ مجلس النواب الذي يضم 395 عضوا ينتخبون بالاقتراع العام المباشر من قبل الشعب لولاية مدتها خمس سنوات.

ومجلس المستشارين يضم 120 عضوا، وينتخب بطريقة غير مباشرة من ممثلي الجماعات المحلية، "مؤسسات إدارية في المدن"، والمنتخبين في الغرف المهنية، وممثلي العمال، وينتخب أعضاؤه لمدة ست سنوات.

الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية"، نبيل بن عبدالله، دعا إلى إلغاء مجلس المستشارين، باعتباره "يشكل عبئا على الهرم المؤسساتي في المغرب".

واقترح بن عبدالله، العودة إلى نظام برلماني قائم على غرفة واحدة، هي مجلس النواب، "لكونها منبثقة عن تصويت المواطنين مباشرة".

وينطلق زعيم "التقدم والاشتراكية"، في دعوته هذه خلال عام 2015، من كون العديد من أعضاء مجلس المستشارين يجري انتخابهم عبر "شراء أصوات الناخبين"، بحسب ما يقول.

ووصف انتخابات أعضاء الغرفة الثانية بـ"الفضيحة الكبرى"، وذلك على عكس "انتخاب نواب الغرفة الأولى الذي يجري بشكل مباشر، ويعبر عن الإرادة الحرة للمواطن".

ومع جدل "السيارات الفاخرة"، تساءل الصحفي مصطفى الفن في تدوينة عبر "فيسبوك" في 28 مارس 2022 عن "الوظيفة الدستورية والسياسية لغرفة ثانية بالبرلمان المغربي كمجلس المستشارين؟".

وأجاب "لا شيء (تقريبا) سوى أن هذا المجلس انتفت الحاجة إليه وأصبح ربما يشكل عبئا ثقيلا وعائقا حقيقيا على سلاسة التشريع بالبلد..".

وقال الفن إن "هذا المجلس لا يعدو أن يكون اليوم مجرد غرفة (تسجيل) ولا فرق بين وجودها وعدمها.. ولا أبالغ إذا قلت إن مهمة هذه المؤسسة تكاد تنحصر في تبديد ميزانية ضخمة من المال العام في قضايا بلا عائد سياسي يستفيد منه الوطن..".

وتابع: "ولا أدل على ذلك من أننا نرى كل هذه الأموال وهذه الامتيازات التي توزع صباح مساء على مجموعة من الأثرياء معظمهم أصحاب ملفات وأصحاب سوابق وأصحاب ثروات غامضة..".

ولفت إلى أن "أكثر من هذا، لا يختلف اثنان في كون هذا المجلس بات يرسم ربما صورة سيئة عن البلد من خلال هذه الكوارث التي تنفجر داخله تباعا".