المشاورات اليمنية في الرياض.. ماذا وراء توقيت الجلسات ومكان انعقادها؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مضت مشاورات الرياض اليمنية- اليمنية التي دعا لها مجلس التعاون الخليجي، بالانعقاد دون حضور الحوثيين، الذين رفضوا المشاركة، داعين إلى إجرائها في بلد محايد، في إشارة لرفضهم القدوم إلى السعودية.

وكان مجلس التعاون قد أعلن في 17 مارس/ آذار 2022، عن إطلاق مبادرة لاستضافة مشاورات يمنية-يمنية تحتضنها العاصمة السعودية الرياض في 29 من الشهر نفسه، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وانطلقت المشاورات في 29 مارس بمقر أمانة مجلس التعاون الخليجي بالرياض، بمشاركة مكونات وأحزاب وشخصيات يمنية، وحضور أممي ودولي لكن دون مشاركة الحوثيين، على أن تستمر لمدة أسبوع.

وبالتزامن مع جلسات المشاورات، دخل حيز التنفيذ قرار التحالف السعودي الإماراتي وقف عملياته العسكرية في الداخل اليمني طيلة شهر رمضان المبارك.

واستجاب التحالف لطلب مجلس التعاون من أجل وقف إطلاق النار، من أجل تهيئة الظروف المناسبة لإنجاح المشاورات، وخلق بيئة إيجابية خلال رمضان لصناعة السلام وتحقيق الأمن والاستقرار باليمن، بحسب بيان للتحالف.

وبعد يومين، كشف المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، في الأول من أبريل/ نيسان 2022، موافقة أطراف الصراع على هدنة لمدة شهرين قابلة للتمديد، قال إنه سيستغلها للتوصل لوقف إطلاق نار دائم، وسط ترحيب سعودي وإيراني ودولي.

خطوة استباقية

وتبحث مشاورات الرياض 6 محاور عسكرية وسياسية وإنسانية، وهي الشق العسكري والأمني، والعملية السياسية، والإصلاح الإداري والحوكمة، ومكافحة الفساد، والمحور الإنساني، والاستقرار والتعافي الاقتصادي.

ويرى مراقبون أن الخطوة السعودية باستضافة المشاورات اليمنية، تأتي لسحب البساط من قوى إقليمية ودولية في رعاية أي مشاورات سلام لوقف الحرب في اليمن.

وتعد سلطنة عمان أهم الفاعلين، فيما يتعلق باحتمالية استضافة حوار يمني، نظرا لموقفها المحايد واستضافتها لمختلف الأطراف اليمنية.

وتستضيف السلطنة قادة حوثيين منذ عام 2018، على أراضيها، أهمهم الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام، وتقدم لهم التسهيلات وتسمح لهم بمغادرة مسقط إلى طهران والعودة بشكل طبيعي.

وكذلك اللقاءات الرسمية والسرية مع وفود الدول الأجنبية، وتسمح لهم بعمل لقاءات صحفية والتواصل السياسي مع اليمن وجميع الأطراف الدولية.

كما أن الطيران السلطاني العماني ينقل العديد من قيادات وجرحى الحوثيين، من وإلى مطار صنعاء الدولي المغلق أمام الرحلات التجارية.

وفي 5 يونيو/ حزيران 2021، هبطت طائرة لسلاح الجو السلطاني العماني في صنعاء، كان على متنها وفد من المكتب السلطاني وعدد من المسؤولين الحوثيين بينهم رئيس وفد المليشيا المفاوض والناطق باسمها محمد عبدالسلام.

والتقى العمانيون خلال وجودهم بصنعاء قادة حوثيين بارزين، بينهم زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي في إطار الجهود الدبلوماسية الساعية إلى وقف إطلاق النار باليمن.

كما تستضيف سلطنة عمان، الكثير من أفراد أسرة وأقارب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وعدد من أعضاء حزب الإصلاح.

وغالبا ما كانت عمان تشترط على ضيوفها عدم الانخراط بالسياسة، لكنها عدلت هذه القاعدة في السنوات الأخيرة لصالح الحوثيين، إذ إن أغلب نشاط الأخيرين في مسقط موجه تجاه نزاعهم مع الحكومة اليمنية ومع التحالف.

ونأت سلطنة عمان منذ اليوم الأول لعاصفة الحزم عام 2015، بنفسها عن الحرب في اليمن، على عكس جميع الدول الخليجية التي شاركت بها ودعمتها.

وكدليل على سحب الرياض للبساط من مسقط، سخر المحلل السياسي العماني، سيف النوفلي من المشاورات اليمنية في السعودية وهو ما يؤشر على امتعاض عماني من المشاورات.

 ووصف النوفلي، المشاورات بأنها أشبه بمباراة كرة قدم لكن بغياب أحد الفريقين.

وأضاف في تغريدة عبر تويتر، أن "تلك المشاورات مجرد مسرحية هزلية حيث يقرر مدرب الفريق الحاضر، أن يقسم فريقه إلى فريقين ويلعب المباراة مع بعضه البعض، ويكون المدرب هو ذاته الحكم، فقط لإقناع الجمهور بأن المباراة أقيمت".

مناورة سياسية

وتأتي استضافة السعودية للمشاورات، بعد سلسلة ضغوط أميركية على المملكة، منذ صعود إدارة الرئيس جو بايدن.

فبعد وقت قصير من تولي بايدن منصبه عام 2021، أعلن في 4 فبراير/ شباط 2021، في خطاب حظي بإشادة كبيرة من الديمقراطيين أنه سينهي الدعم الأميركي للعمليات العسكرية الهجومية في حرب اليمن، وتعيين تيم لندركينج مبعوثا خاصا لليمن.

وذلك بعد أن طالب نواب في الحزب الديمقراطي الأميركي، بتوضيح طبيعة الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للتحالف الذي تقوده السعودية في حربها مع الحوثيين في اليمن.

وفي هذا الجانب قال الصحفي والكاتب اليمني، ياسين التميمي، أن "مبادرة مجلس التعاون الخليجي ليست سوى مناورة سياسية أريد أن تثبت السعودية من خلالها أنها طرف حريص على السلام، وتحاول أن تتموضع من خلالها في موقع الوسيط لا المتحكم بقرار السلم والحرب".   

وأضاف لـ"الاستقلال"، "لهذا لا يبدو أن دعوة الأطراف اليمنية لمحادثات في الرياض تعبير عن إرادة خليجية مشتركة، وليست جزءا من عملية سياسية متماسكة تتشاركها مع الأمم المتحدة والقوى الدولية الرئيسة في مجلس الأمن".

ومضى التميمي بالقول، يتضح من مدخلات هذه المحادثات أنها لا تهدف إلى مخرجات شاملة يمكن أن تخلق فرصا حقيقية للسلام وإنهاء الحرب بقدر ما تشير إلى وجود أجندة خفية.

وتابع: هذه الأجندة ترتبط أكثر ما ترتبط بمخطط التحكم الكامل بالشرعية وتغيير شخوصها ومنح الأدوار الرئيسة لممثلين عن مشاريع سياسية تتصادم مع إرادة الشعب اليمني ومع مبادئ ومرجعيات العملية السياسية وأهدافها النهائية.

في المقابل، أوضح الكاتب اليمني، أن "الهجمات العسكرية للحوثيين على أهداف في العمق السعودي تأتي في سياق ردة فعل تهدف إلى إعادة تصويب الاهتمام الدولي إلى معادلة الحرب التي يتصورها الحوثيون وتضعهم ندا وحيدا لطرف خارجي هو السعودية".

تلميع الفشل

وبعد مرور أكثر من سبع سنوات على تأكيد السعودية أن الضربات الجوية التي شنتها قوات التحالف أزالت أي تهديد ضد المملكة ودول الجوار وأنها تمكنت بنجاح من إزالة التهديد على أمن المملكة والدول المجاورة، من خلال تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية.

ومع تكثيف الحوثيين لعملياتهم العسكرية، في جبهات القتال المختلفة واستهدافهم المتكرر للسعودية بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

بات واضحا أن الفشل في تحقيق الحسم الميداني أو الدفع باتجاه حل سياسي هو النتيجة الأبرز للتدخل العسكري الذي بدأ في 25 مارس 2016.

كما أن إعادة الحكومة الشرعية لليمن، التي شكلت الهدف الأساسي للتدخل تعثرت على الرغم من مضي سبع سنوات على الحرب، التي تحولت إلى ما يشبه الاستنزاف لمختلف الأطراف.

وتعليقا على المشاورات اليمنية، قال الباحث والكاتب اليمني، عبدالناصر المودع، أن "ما يحدث في الرياض هو مهرجان سياسي، وليست مفاوضات سلام، لأن الحوثيين، وهم الطرف الرئيس في الحرب لا يشاركون كما أنها ليست مشاورات سياسية حقيقية".

وأضاف في منشور عبر "فيسبوك"، أن "المشاورات لا تحتاج مشاركين بالمئات، وإنما عدد محدود من الممثلين للقوى الفاعلة على الأرض، فيما أغلب المشاركين لا وزن لهم".

ومضى المودع بالقول،" يمكن التكهن بعدد من الأهداف الموضوعة من دول الوصاية ليخرج بها المهرجان، منها تقليص سلطة هادي وحزب الإصلاح، وتقوية أطراف أخرى وتمرير مشروع التجزئة فيما يسمى الأقاليم، والتي لم تقر بدستور تم الاستفتاء عليه من الشعب اليمني".

وتابع، "من الأهداف أيضا تمرير صيغة لتقرير المصير في الجنوب، وهذا يعني تقسيم اليمن من قبل دول الوصاية والتعهد بعبارات مطاطة لضم اليمن لمجلس التعاون، وتقديم مبلغ مالي لدعم العملة وإعادة الإعمار كرشوة ومقايضة لليمن مقابل تمرير التقسيم والتجزئة.

وختم المودع قائلا: " في حال لم يتم التطرق لما ذكرنا، فيمكن التكهن بأن هدف المهرجان حملة علاقات عامة للعالم الخارجي لتلميع الفشل خلال سبع سنوات من الحرب والإيحاء بأن دول التحالف مدت يدها للسلام وأن الحوثيين هم من رفضها.