حقوقي روهينغي لـ"الاستقلال": الصراع مع الصين وروسيا وراء تبني أميركا قضيتنا

جنيف - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد رئيس المركز الروهينغي لحقوق الإنسان بسويسرا، عزيز عبد المجيد الأركاني، أن أهم العوامل المشتركة التي تربط بين أقليتي الروهينغيا في ميانمار والإيغور في الصين، هو الإسلام، قائلا: "لو لم نكن مسلمين لما تم اضطهادنا".

وأوضح الأراكاني في حوار مع "الاستقلال"، أن جيش ميانمار ازداد وحشية تجاه مسلمي الروهينغيا منذ انقلاب فبراير/ شباط 2021، ويستفرد بنحو نصف مليون منهم تبقوا بأراكان بعد التشريد الجماعي في 2017.

وأشار إلى أنه لا توجد دولة إسلامية أو غير إسلامية تتبنى قضية الروهينغيا أو تناصرهم من أجل نيل حقوقهم على المستوى الدولي بصورة رسمية، إنما تعاطف شعبي كبير فقط بين المسلمين.

بالمقابل قال الناشط الحقوقي الروهينغي إن المسلمين في ميانمار يولون قضية الشعب الفلسطيني اهتماما كبيرا بمختلف شرائحهم، وهم على دراية تامة بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل المغتصب والمحتل الصهيوني.

وشدد على أن إعلان أميركا ارتكاب جيش ميانمار جرائم إبادة جماعية له رمزية كبيرة، في ظل الصراع الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، رغم أن الخطوة تأخرت كثيرا بسبب حسابات سياسية متعلقة بالصين وروسيا.

محليا، لفت الأراكاني إلى أن الوضع في المخيمات لا يزال كارثيا، ولا تتوفر أي خدمات هناك، لا سيما التعليمية، الأمر الذي يسهل على بعثات التنصير التوغل بين الأطفال الذين يشكلون غالبية اللاجئين.

ويتعرض المسلمون الروهينغيا في إقليم أراكان غربي ميانمار، منذ أغسطس/آب 2017، إلى حملة عسكرية ومجازر وحشية من قبل الجيش ومليشيات بوذية، وتصنفهم الأمم المتحدة "الأقلية الأكثر اضطهادا في العالم".

الموقف الدولي

ما دلالة إعلان الخارجية الأميركية امتلاكها دلائل على ارتكاب جيش ميانمار جرائم إبادة جماعية؟

صدر تقرير بعثة تقصي الحقائق الذي سبق أن شكلها مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة عام 2017، للتحقيق في جرائم القتل والتهجير الجماعي والفظائع التي تعرضت لها الأقلية الروهينغية المسلمة على أيدي جيش ميانمار في أراكان غربي البلاد.

وبعد عامين من التحقيق وتحديدا في 30 أغسطس/ آب 2019، خلص التقرير إلى وجود جرائم ضد الإنسانية واسعة النطاق ارتكبت من قبل جيش ميانمار بحق الأقلية الروهينغية بنية مبيتة ترقى إلى الإبادة الجماعية بهدف التطهير العرقي.

ومنذ ذلك الوقت فإن الولايات المتحدة أعلنت أنها هي الأخرى تجري تحقيقا خاصا بها حول الأمر.

ونحن كأبناء الروهينغيا كنا نترقب صدور موقف الولايات المتحدة حول هذه القضية منذ وقت طويل؛ لأن له رمزية كبيرة، في ظل الصراع الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، حيث اصطفت دولتان عظميان إلى جانب حكومة ميانمار هما الصين وروسيا.

صدور الموقف الرسمي للولايات المتحدة بحق الروهينغيا قبل أسبوعين يعد متأخرا، بسبب تراكمات السياسة الخارجية لعهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ومحاولة سلفه باراك أوباما احتواء نظام ميانمار سياسيا، بغض الطرف عن جرائمها بحق الروهينغيا، بغية قطع الطريق أمام محاولات الصين لضمها سياسيا وعسكريا واقتصاديا.

ودفعت الحرب الروسية الأوكرانية أميركا لتعلن عن قناعتها أخيرا، لا سيما بعد الانقلاب العسكري الأخير، ورفض الديمقراطية وخطورة العسكر الشيوعيين على كافة أطياف شعب ميانمار وليست الروهينغيا وحدها.  

ما دوركم كناشطي أراكان في الغرب عامة وأميركا خاصة في هذا الإعلان؟

نحن كأقلية لا نمتلك دولا بعينها تناصر قضيتنا، وعندما تنصرنا دولة بحجم الولايات المتحدة فذلك يأتي ضمن الصراع الجيوسياسي، ولا ينفي ذلك وجود تعاطف رسمي وشعبي لمحنتنا في كثير من دول الغرب كمأساة إنسانية.

ولذلك المنظمات الروهينغية في أوربا وأميركا الشمالية تبذل كثيرا من المجهودات من أجل توظيف هذا التعاطف للتأثير في سياسات تلك الدول.

وذلك عبر شراكات وتنسيق مع مؤسسات المجتمع المدني، ومنها متحف هولوكوست في واشنطن الذي ساهم بصورة فعالة في صدور الموقف الرسمي للولايات المتحدة حيال اعترافها بإبادة الروهينغيا.

وزير خارجية أميركا دعا لإجراء تحقيق دولي في تلك الجرائم.. كيف ترى إمكانية تحقيق ذلك؟

هذا الأمر يصطدم بموقفي الصين وروسيا اللتين تستخدمان حق الفيتو لتعطيله، وهو الأمر الذي حدث في محاولات سابقة.

هل رفعتم دعاوى من طرفكم أمام الجنائية الدولية ضد النظام العسكري في ميانمار؟

المحكمة الجنائية الدولية تسري ولايتها القانونية على الدول التي وقعت على ميثاقها، وتبت عادة في القضايا التي تحال إليها من قبل مجلس الأمن الدولي.

وفي حالة قضية الروهينغيا، لم يتم إلى الآن تحويلها من قبل مجلس الأمن إليها بسبب موقفي الصين وروسيا، كما أن ميانمار لم توقع على ميثاقها أصلا.

ما موقف الغرب من دعم الصين للانقلاب، وما الفرق بين مأساتكم ومأساة تركستان الشرقية؟

موقف الغرب من الانقلابيين هو التعامل مع الأمر الواقع مع فرض العقوبات على بعض رموز الانقلاب، إذ لا تزال حكومات الغرب تتعامل مع حكومة الانقلابيين وتتبادل معها الطواقم الدبلوماسية ما يضفي عليها شرعية.

وجل التصريحات التي تصدر من تلك الحكومات منتقدة عملية الانقلاب لا تعدو كونها ظاهرة صوتية لا تؤثر عمليا في أداء عمل الانقلابيين في حين تقف الصين معهم قلبا وقالبا.

أما بالنسبة لأوجه الشبه بين قضية الروهينغيا والإيغور فهي الاضطهاد لكليهما لنفس الأسباب، وفي السياق نفسه لو أنهم غير مسلمين لما تم اضطهادهم.

وكذلك أدوات القمع التي تستخدم في قمع الشعبين هي نفسها، سواء بيد عسكر ميانمار أو بيد الشيوعين في الصين، وربما قد يكون هناك تواطؤ وتنسيق بينهما في هذا الشأن.

الوضع الراهن

بعد عام على الانقلاب العسكري إلى أين وصلت أوضاع مسلمي الروهينغيا في ميانمار؟

جيش ميانمار ازداد وحشية تجاه مسلمي الروهينغيا منذ انقلاب فبراير/ شباط 2021، وتحرر من كل الالتزامات الدولية، ويستفرد بنحو نصف مليون روهنغي تبقوا بولاية أراكان الآن بعد التشريد الجماعي في عام 2017.

عشرات الآلاف يعيشون في مخيمات، وقليل منهم يعيش في بيته أو قريته، وهم محرومون من أبسط مقومات الحياة، وفرض عليهم حصار عسكري خانق لإجبارهم على اللجوء إلى الدول المجاورة أسوة بمن سبقوهم.

ناهيك عن نحو مليون لاجئ روهنغي تم تشريدهم إلى بنغلاديش عام 2017 وحدها، وأوضاعهم لا زالت مزرية للغاية، وحكومة الانقلابين لم تعد تولي أي اهتمام بإجراء المفاوضات لاستعادتهم أملا أن تتوه قضيتنا في طي النسيان من المجتمع الدولي.

والأمر المؤكد أن حكومة ميانمار شغلها الشاغل أن لا يعود الروهينغيا مطلقا، وخير دليل على ذلك أن الحكومة العسكرية تسجن كل من يعود طواعية إلى أراكان من مخيمات بنغلاديش.

ما انعكاسات الحراك الرافض للانقلاب على الروهينغيا في أراكان على وجه الخصوص؟

شعب ميانمار عاش لعقود تحت أنظمة عسكرية دموية، وهو من أكثر شعوب الأرض حرمانا من الحرية، وأجيال عدة لم تعرف طوال حياتها سوى الحكم العسكري الديكتاتوري وهم في عزلة تامة عن العالم الخارجي.

لكن منذ سنوات قليلة أبدى عسكر ميانمار نوعا من الانفتاح على العالم الخارجي كتكتيك مرحلي.

ومن هنا أدرك جيل اليوم من شباب ميانمار مدى التخلف والإفقار الذي أوصلت الطغمة العسكرية البلاد إليه، مقارنة بدول الجوار التي تنعم بالحريات والرفاهية الاجتماعية والتطور الاقتصادي والعمراني .

تعرضت عديد من الأقليات العرقية في ميانمار للاضطهاد منذ الانقلاب.. ما طبيعة التنسيق بينكم؟

عندما وقع الانقلاب العسكري خرج الشباب رافضين للانقلاب في عموم البلاد وتظاهروا سليما، إلا أنه تمت مواجهتهم بقوة السلاح وقتل 1500 شخص.

ومن هنا تيقن هذا الجيل أنه لا مفر من مواجهة هذا النظام الدموي، فخرج عشرات الآلاف من الشباب من مختلف الأعراق والأقليات حاملين السلاح في طول البلاد وعرضها لمحاربة الانقلابيين.

كما شكل النشطاء من مختلف الأعراق أيضا حكومة سميت بـ"حكومة الوحدة الوطنية" وانضوت تحتها الكثير من القوميات الميانمارية ، التي أدركت مدى كذب ووحشية جيش ميانمار بحق أقلية الروهينغيا المسلمة.

وكشفت الدعاية السوداء بحق الروهينغيا ، وذلك بعد أن رأى الجميع وحشية الجيش ضدهم منذ الانقلاب، وبدؤوا يظهرون بعضا من التعاطف مع الروهينغيا.

كيف تنصف المحافل الدولية حقوق أقلية الروهينغيا؟

المحافل الدولية في الأخير تتشكل من أفراد ومندوبي دول، ولهم انتماءاتهم وتوجهاتهم وفق مصالح دولهم، وعندما يتم تناول القضية الروهينغية في ردهاتها، فإنها تدخل في معمعة القوى المتصارعة وفق مصالحها، ما يجعلها لا تحظى بقرار دولي حازم رغم عدالتها.

الدول الإسلامية

ما موقف الدول الإسلامية من دعم حقوقكم كأقلية مسلمة في أراكان؟

لا توجد دولة إسلامية أو غير إسلامية تتبنى قضية الروهينغيا أو تناصر من أجل نيل حقوقهم على المستوى الدولي بصورة رسمية، إلا أنه يوجد هناك تعاطف شعبي كبير بين المسلمين بمختلف أقطارهم تجاه محنة الروهينغيا.

لذلك الحكومات الإسلامية حينما تعبر عن مواقفها الداعمة لقضية الروهينغيا في بعض المحافل الدولية، إنما ذلك نزولا على رغبة شعوبها المسلمة، وهو الأمر الذي تجسد في تبني منظمة التعاون الإسلامي مؤخرا لقضية الروهينغيا من خلال رفعها في محكمة العدل الدولية ممثلة في دولة غامبيا.

ماذا تنتظرون من الحكومات والشعوب المسلمة تجاه قضيتكم؟

الحكومات الإسلامية منقسمة بين الشرق والغرب وهي أيضا واقعة تحت تأثير الصراع الجيوسياسي الدائر في العالم، ولتلك الحكومات اهتماماتها ومشاكلها الخاصة بها.

لذلك فكثير منها لا تريد الخوض في قضايا تعتبرها هامشية، خشية تعرضها لتهمة التدخل في شؤون دول، وهذا الأمر ينسحب على قضية الروهينغيا.

ورغم ذلك إن توفرت إرادة سياسية لدى تلك الحكومات لمساعدة شعب الروهينغيا، فإنه بإمكانها تقديم الكثير من المساهمات لنصرة الروهينغيا.

وذلك بإعادة تأهيل كوادر الروهينغيا كقادة مجتمع متخصصين، ومن ثم جمع الشعب الروهينغي وتوحيده ورد الاعتبار لهويته من جديد، إذ يفتقر شعب الروهينغيا حتى الآن إلى كوادر سياسية وحقوقية من ذوي الكفاءات العالية.

ما أهم الدول الداعمة لقضيتكم العادلة؟

لا توجد دول تدعم قضيتنا بصورة ممنهجة، ورغم ذلك تعد تركيا والسعودية من أكثر الدول دعما للقضية الروهينغية في المحافل الدولية؛ بل وحتى في المجال الإغاثي الإنساني.

كيف ينظر الروهينغيا إلى قضية الشعب الفلسطيني؟

قضية الشعب الفلسطيني هي قضية المسلمين الأولى لاعتبارات روحية، والمسلمون في ميانمار يولون قضية الشعب الفلسطيني اهتماما كبيرا بمختلف شرائحهم، وهم على دراية تامة بما يتعرض له الشعب الفلسطيني من قبل المغتصب والمحتل الصهيوني.

ونظرا لمحدودية إمكانياتهم لا يستطيعون تقديم المعونات المادية بصورة مباشرة، رغم ذلك فهم متضامنون مع الشعب الفلسطيني في محنته بمختلف مراحلها.

الروهينغيا بالشتات

ما أهم مواطن تجمع الروهينغيا في الشتات خارج وطنهم ميانمار؟ 

الدول التي يوجد فيها لاجئو الروهينغيا في الوقت الراهن هي بنغلاديش بواقع مليون ومئتي ألف، وفي السعودية قرابة 300 ألف، وفي باكستان نحو ربع مليون،  وفي ماليزيا قرابة 150 ألفا، بالإضافة إلى نحو ربع مليون آخرين موزعين على مخيمات في كل من تايلاند، وإندونيسيا، والهند.

وكلهم غير معترف بكونهم لاجئين من قبل حكومات تلك الدول؛ باستثناء من يقيمون في بنغلاديش.

هل تتفاوض معكم حكومة ميانمار حول عودة لاجئي الروهينغيا عبر وسطاء دوليين؟

حكومة ميانمار لا تعترف بأقلية الروهينغيا كمواطنين، وبالتالي فهي لا تفتح أية قنوات للتواصل مع قادة منظمات الروهينغيا في الخارج.

كيف يمكنكم حماية اللاجئين الروهينغيا بالمخيمات من الانحراف والتنصير ورعاية أمورهم التعليمية؟

من أكبر المشاكل التي يعاني منها اللاجئون الروهينغيون في المخيمات هي مشكلة التعليم، إذ لا تتوفر فيها المدارس ولا المناهج ولا المدرسون ولا التمويل اللازم، ما أخرج جيلا كاملا من الأطفال بلا تعليم.

وخاصة إذا علمنا أن نصف سكان مخيمات اللاجئين الروهينغيين في بنغلاديش من الأطفال.

وهذا الأمر الذي سهل  على بعثات التنصير التوغل بينهم للأسف الشديد، وكل الأنشطة التعليمية الموجودة هناك تنحصر في الكتاتيب التي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم فقط، وحتى تعليم اللغة العربية فيها ضعيف لعدم وجود مدرسين.

ما رأيكم بعودة اللاجئين للتعايش السلمي مع بقية الملل وهل تتبنى دعوة استقلال أراكان عن ميانمار؟

نحن دعاة السلم والتعايش، أسلافنا عندما قادوا تلك المنطقة حاملين لواء الإسلام، دخلوها سلما وليس حربا، ومن هنا عندنا مبدأ التعايش مع الآخر مهما كان دينه وملته، ولا نسعى للاستقلال أو الانفصال، فذلك ليس من همنا ولا نعمل من أجله.