أميركا تهون من "مخاوف إسرائيل" بشأن إيران.. هل تتحرك تل أبيب منفردة؟

خالد كريزم | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

طفت في الآونة الأخيرة تحركات منفردة لكل من إسرائيل والولايات المتحدة على عكس التنسيق المعهود بينهما، ما دفع مراقبين للحديث عن اختلافات عميقة في الرؤى بشأن عدة ملفات، أهمها الاتفاق النووي الإيراني المرتقب توقيعه قريبا.

وظهر الغضب الإسرائيلي أخيرا في بيان أصدره بشكل مشترك كل من رئيس الوزراء نفتالي بينيت ووزير خارجيته يائير لابيد، أكدا فيه أنه: "يستحيل علينا التصديق بأن الولايات المتحدة ستلغي تعريف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية".

وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن امتناع وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس عن الانضمام إلى المسؤولين الموقعين على البيان الصادر في 18 مارس/ آذار 2022، الذي وجهته حكومة تل أبيب إلى إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.

الحرس الثوري

وكان موقعا "واللا" الإخباري الإسرائيلي و"أكسيوس" الأميركي، قد قالا إن الولايات المتحدة تدرس إزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب، مقابل تعهد علني من إيران بوقف التصعيد في المنطقة.

وأوضح بينيت ولابيد في البيان المشترك، أن الحرس الثوري الإيراني هو حزب الله في لبنان، والجهاد الإسلامي في غزة، والحوثيون في اليمن، والمليشيات في العراق".

وأضافا: "يقف الحرس الثوري خلف الهجمات التي استهدفت المواطنين والجنود الأميركان في كل أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك خلال العام الماضي (2021). وهم الذين وقفوا خلف التخطيط لاغتيال بعض كبار موظفي الإدارة الأميركية".

وتابعا: "لعب الحرس الثوري دورا في قتل مئات الآلاف من المدنيين السوريين، وهم يدمرون لبنان، ويمارسون القهر الفتاك بحق المواطنين الإيرانيين".

وشدد البيان على أن محاولة إلغاء تعريف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية، هو "استهزاء بالضحايا وشطب الواقع الموثق المدعوم بأدلة دامغة".

في السياق، بين موقع القناة 13 العبرية أن "غانتس تجنب الرد على سؤال صريح حول ما إذا كان قد رفض التوقيع على البيان القاسي وغير العادي، لذلك يمكن فهم أنه اختار الامتناع عن المشاركة في تلك الخطوة".

ولفت الموقع يوم إصدار البيان إلى أن "هذه ليست المرة الأولى التي يعترض فيها غانتس على تحركات بينيت المعارضة للولايات المتحدة بشأن القضية الإيرانية". 

فهذه المرة انضم لابيد إلى خط رئيس الوزراء، لكن وزير الجيش لم يعد في المكان نفسه، من حيث شكل التعبير عن الاحتجاج الإسرائيلي ودرجة الدعاية التي تقرر تقديمها، وفق الموقع.

وأوضح أن وزير الجيش قلق للغاية من القرار الوشيك، شطب الحرس الثوري من قائمة التنظيمات الإرهابية، ويعتقد أنه يجب اتخاذ إجراءات ضده. لكن يبدو أن غانتس اعترض على لهجة البيان غير المعهودة.

وفي الاتفاق النووي الأول عام 2015، لم يكن الحرس الثوري كمنظمة جزءا من العقوبات، وجرى إدراجها بأكملها (وليس بعض الأفراد داخلها) في القائمة السوداء من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب.

وجاء ذلك بناء على طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في عام 2019 بعد الانسحاب من الاتفاق وكجزء من سياسة الضغط لطهران.

لم يكتف نفتالي بينيت بالبيان المشترك، وجدد في 20 مارس الإعراب عن "قلقه" بشأن نية الولايات المتحدة الاستجابة لـ"المطلب الإيراني الصفيق". 

وأوضح في سلسلة تغريدات أنه "حتى لو اتخذ هذا القرار المؤسف، فإن دولة إسرائيل ستستمر في معاملة الحرس الثوري كمنظمة إرهابية"، مؤكدا: "سنستمر بالعمل ضدهم". 

ومع الحديث عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي جديد، يواصل بينيت التأكيد على أن إسرائيل "لن تلتزم بنتائجه وستحتفظ بحق التصرف بحرية مطلقة مع إيران بغض النظر عن نتائج اجتماعات فيينا". 

اختلاف الرؤى

وفي 9 فبراير/شباط، التقى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، "إيال حولتا"، في واشنطن نظيره الأميركي جيك سوليفان وأجريا مباحثات حول المحادثات النووية مع إيران وهو الاجتماع الثالث بينهما خلال شهر.

وقبلها بيومين، أكد "حولتا" أن تل أبيب وواشنطن لا تتفقان في الملف الإيراني خاصة عندما يتعلق الأمر بالاتفاق النووي، مستدركا "لكن التنسيق مهم للغاية وإستراتيجي ونحن نعمل عليه".

وتابع: "سواء جرت العودة للاتفاق النووي أم لا، سيكون 2022 عاما نلزم فيه بالتصرف بشكل مختلف عن الطريقة التي عملنا بها حتى الآن، ونحن بحاجة إلى أن نكون مستعدين"، دون مزيد من التوضيح.

وخلال الآونة الأخيرة، لوح مسؤولون إسرائيليون في أكثر من مناسبة باللجوء للخيار العسكري ضد البرنامج النووي الإيراني، وسط اتهامات لطهران باستغلال المحادثات التي تجريها مع القوى الكبرى بالعاصمة النمساوية لكسب الوقت من أجل تطوير قدراتها النووية.

ودخلت إلى المرحلة النهائية المحادثات غير المباشرة في فيينا بين واشنطن وطهران بشأن العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، والذي انسحبت منه إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/ أيار 2018.

وبحسب موقع القناة 13 العبرية، حاول البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية طمأنة تل أبيب في الفترة الأخيرة، قائلين إن واشنطن ستتأكد من بقاء الشخصيات داخل الحرس الثوري المتورطة في الإرهاب محجوبة ومحددة، ولكن "إسرائيل غير قادرة على فهم كيفية تنفيذ الأمر".

بشكل عام، إسرائيل غاضبة من فكرة تمييز الولايات المتحدة بين الأجنحة والأشخاص داخل منظمة "جوهرها الكامل هو الإرهاب وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط"، وفق ما يقول الموقع.

وتلخص التصريحات الأخيرة لقائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكنزي منتصف مارس إستراتيجية واشنطن في التعامل مع إيران.

وقال ماكنزي الذي شارفت ولايته على الانتهاء، إن السياسة الأميركية هي أن إيران لن تمتلك أسلحة نووية، مشيرا إلى أن العودة إلى الاتفاق قد لا تكون خطوة مثالية، لكن من المهم الوصول إلى الهدف.

وبحسب عاموس هرئيل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، فإن الانطباع السائد في إسرائيل هو أن الإدارة الأميركية مصرة على توقيع الاتفاق "وإنهاء القصة النووية، من أجل وقف أنشطة تخصيب اليورانيوم الإيرانية وبسبب الحاجة إلى التركيز على مناطق أخرى ملحة أكثر وفي مقدمتها المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا".

وأضافت الصحيفة العبرية خلال تقرير نشرته في 21 مارس أنه "في المؤسسة الإسرائيلية يعترفون بأن التأثير على مواقف الولايات المتحدة في المفاوضات (مع إيران) كان ضئيلا للغاية، إثر رغبة الرئيس جو بايدن بالإسراع للتوقيع على الاتفاق النووي".

وبين أن "الإنصات الأميركي للتحفظات الإسرائيلية كان متدنيا، والمفاوضون الأميركيون في فيينا لم يشددوا مواقفهم في أعقاب الادعاءات الإسرائيلية".

وقالت هآرتس في 29 مارس إن بايدن يريد إزالة هذه القضية (الاتفاق النووي) من جدول الأعمال، وهو أقل اهتماما بالتحفظات والمخاوف من حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك السعودية وإسرائيل والإمارات.

مخاوف مستقبلية

بحسب الادعاء الإسرائيلي، فإن الاتفاق الجديد لا يعيد الوضع بشكل بسيط إلى ما كان عليه في عام 2015، لأنه خلال السنوات الماضية، منذ الانسحاب الأميركي من الاتفاق، جمعت إيران خبرات تكنولوجية كثيرة، ووضعت أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة وجمعت كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب.

كذلك تعتبر إسرائيل أن البند الموجود في الاتفاق حول الرفع التدريجي للمطالب من إيران، الذي سيبدأ في 2025 ويستمر حتى 2031، سيزيل "في مرحلة مبكرة" القيود على طهران بتشغيل أجهزة طرد مركزي.

وبينت القناة 12 العبرية في 15 مارس، أن إسرائيل صعدت من لهجتها مؤخرا لأنه "بعد التوقيع (على الاتفاق) فإن أي عمل إسرائيلي دراماتيكي ضد الإيرانيين ستطلب الولايات المتحدة تفسيرا له".

وأردفت: "قد يتضرر العمل ضد تمركز إيران عسكريا في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا من الاتفاق، وبمجرد التوقيع ستكون طهران قادرة على ضخ الأموال في الأماكن التي لديها فيها نفوذ بفضل رفع  العقوبات".

وعلى الرغم من أن إسرائيل تحافظ على السرية (في التنفيذ وتحمل المسؤولية) عند العمل على الأراضي الإيرانية، يبدو أنها الآن مستعدة لتحمل مخاطر أكبر مما كانت عليه في الماضي لتعطيل القدرة العملياتية للإيرانيين ومحاولة ردعهم، كما تقول صحيفة إسرائيل اليوم.

وتوضح الصحيفة خلال تقرير نشرته في 16 مارس أنه "بموجب الاتفاق ستمتنع إسرائيل عن اتخاذ إجراءات ضد منشآت تخصيب اليورانيوم، لكنها ستكون حرة بالعمل ضد أي شيء آخر يعرضها للخطر، مثل منظومة الصواريخ والقذائف الإيرانية ونظام الطائرات بدون طيار، وأنشطة فيلق القدس".

ويبدو أن التقدم في الاتفاق النووي وخطوات واشنطن المرنة شجعت إيران على تجاوز خطوط كانت تعتبر حمراء في السابق، وكان آخرها الاعتراف بوقوفها خلف الهجوم بصواريخ "باليستية" على أهداف في أربيل كبرى مدن إقليم كردستان شمالي العراق.

وقال الحرس الثوري في 13 مارس إنه استهدف "مركزا إستراتيجيا إسرائيليا" في حين نفت سلطات الإقليم وجود أي مواقع إسرائيلية على أراضيها.

وعلى هذا الأمر، علقت وكالة سبوتنيك الروسية - النسخة الفارسية بالقول إن إيران "كانت تستطيع أن تطلق الصواريخ، ولا تعترف بالأمر كما تفعل إسرائيل في سوريا، لكن عندما تصرح بفعلتها فهذا أمر يرسل رسائل لأطراف متعددة". 

وأوضحت في مقال للكاتب عماد آبشناس منتصف مارس، أنه من الظاهر أن الحرس الثوري قد صفع الأعداء بقوة حيث جعل الطرف المقابل يدور حول نفسه، وفق تقديره.

وتوقع المسؤولون الأميركيون أن الهجوم قد يكون ردا على غارة جوية إسرائيلية في سوريا قبلها بنحو أسبوع أسفرت عن مقتل اثنين من الحرس الثوري الإيراني.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني عن مسؤول إيراني كبير لم يسمه قوله، إن "الضربة كانت ردا على هجوم إسرائيلي سابق انطلق من كردستان العراق، على مصنع للطائرات بدون طيار في مدينة تبريز شمال غرب إيران قبل بضعة أسابيع".

وفي 21 مارس، قالت قناة كان العبرية تحت عنوان "سمح بالنشر" إن طائرتين بدون طيار أطلقتا من إيران أسقطتهما مقاتلة أميركية في أجواء العراق، بينما كانتا في الطريق للانفجار في إسرائيل، دون أن توضح زمن الحادثة.

تحركات عملية

توضح القناة 12 العبرية أنه بالتزامن مع مفاوضات العودة إلى الاتفاقية النووية الجارية في فيينا، تزيد كل من إسرائيل وإيران وتيرة الأنشطة ضد بعضهما بعضا.

ويأتي هذا التصعيد في العمليات على خلفية الاتفاق النووي الناشئ وبدون أي علاقة حقيقية بالتحضيرات لهجوم كبير من قبل سلاح الجو الإسرائيلي.

وبشكل أو بآخر، يظهر تسلسل الأحداث هذا مرة أخرى أن الحرب بين إسرائيل وإيران أصبحت أكثر عنفا وعلانية مما كانت عليه في الماضي.

وحول هذا التصعيد، قال قائد القيادة الوسطى الأميركية "كينيث ماكنزي" في مؤتمر صحفي من مقر وزارة الدفاع "البنتاغون" إن الهجمات المتبادلة من قبل إيران وإسرائيل على الأراضي العراقية والسورية تعرض الجنود الأميركيين للخطر.

وردا على سؤال حول الموضوع، أضاف ماكنزي في 18 مارس: من الواضح أن تل أبيب "ستتخذ خطوات للدفاع عن نفسها في مواجهة خطوات إيران، كما أن طهران ملتزمة بتدمير إسرائيل".

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في 22 مارس إن الضعف الأميركي في مواجهة إيران ومبعوثيها يقلق إسرائيل ودول الخليج، لذلك هناك جولات دبلوماسية لترتيب العلاقات المستقبلية في إطار التعامل مع هذا الموضوع.

ويعزز ذلك ما نقله موقع واللا العبري بأن بينيت بحث مع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد خلال قمة شرم الشيخ في 22 مارس، التعاون الإقليمي ضد إيران خاصة فيما يتعلق بالحماية من الطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية.

كما كشفت قناة كان العبرية في 26 مارس أن: “الرسالة إلى طهران من القمة السياسية (في النقب المحتل)، أننا نحن والسنة متحدون، وبغض النظر عما ورد في الاتفاق، لسنا مستعدين لقبول إيران نووية”.

ويجري الحديث هنا عن القمة التي جمعت وزراء خارجية أميركا وإسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين ومصر والمغرب والتي عقدت في 28 مارس وعلى مدار يومين.

وقال الخبير العسكري الجنرال “عاموس جلعاد” حول القمة السياسية: “جرى تشكيل نوع من التحالف الإستراتيجي هنا في مواجهة الأعداء المشتركين، من جهة إيران ومن جهة أخرى الإرهاب الإسلامي السني، وحاليا يجري خلق واقع خاص جدا للتقارب بيننا وبين العرب”، وفق تعبيره.

 لكن يبدو أن حضور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ورغبة واشنطن في تمرير الاتفاق، أجهض التحالف والاتفاق للعمل ضد إيران.

وغضبت مصادر عربية حضرت مؤتمر النقب من “تسريبات إسرائيلية”، تتحدث عن أن وزراء الخارجية اتفقوا في المحادثات على إقامة تحالف موحد ضد إيران، وذلك كما قال الصحفي “جاكي حوجي” من إذاعة جيش الاحتلال.

واحتج مصدر عربي “للمضيفين الإسرائيليين” على هذا التسريب الذي قد يزيد التوتر بينهم وبين الإيرانيين.

وأضاف وزير الخارجية المصري سامح شكري في كلمة ألقاها نهاية مارس بالقاهرة، أن القمة “لم تنعقد بهدف تشكيل تحالف، ولا العمل ضد أي طرف”، في خلاف للحشد والتسريبات والتصريحات الإسرائيلية.

وبين الصحفي حوجي أن المعلن حتى الآن أنه ⁩لم يجر تشكيل تحالف سياسي أو عسكري ضد⁧ إيران⁩، ولم يكن هناك أي نية جادة لإنشائه.

وهو ما يرجح إمكانية أن تعمل تل أبيب منفردة "إذا اقتضت الضرورة، خاصة في ظل تصاعد استهدافات مليشيا الحوثي (المدعومة من طهران) مواقع حيوية مؤخرا في السعودية والإمارات.