سيناريو روسيا في أوكرانيا.. ما احتمالات أن تكرره الصين ضد تايوان؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

منذ 24 فبراير/شباط 2022، حولت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، أنظار العالم إلى هذه المنطقة الجغرافية، لتجري العديد من التحليلات والمراجعات بشأن هذه الحرب التي خلقت حراكا جيوسياسيا جديدا.

وبينما تسبب التدخل الروسي في أوكرانيا بحدوث أزمة أمنية تتمحور حول أوروبا، بدأت الأنظار تتجه إلى شرق آسيا، حيث تقع تايوان، وفق ما يقول مركز أنقرة لدراسة السياسات والأزمات التركي في مقال للكاتب مصطفى جيم كويونجو.

وتدور تساؤلات كثيرة حول ما إذا كانت الصين ستنفذ عملية في تايوان، على غرار الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقال الكاتب: زعم بعض الخبراء أن الوضع بين أوكرانيا وروسيا مشابه للوضع بين تايوان والصين، وحذروا من صراع محتمل فيها.

وتزايدت هذه الشكوك مع إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في بيان مشترك للاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية دخول العلاقات الدولية حقبة جديدة، خلال زيارته إلى بكين لحضور دورة الألعاب الأولمبية في 4 فبراير 2022.

خيار خاطئ

واستدرك كويونجو: أزمة تايوان بدأت عام 1949 مع انتقال القوميين إليها عقب هزيمتهم أمام الشيوعيين في الحرب الأهلية التي اندلعت في الصين، وهو ما جعل الجزيرة في وضع المناطق التي يمكن أن تحدث فيها صراعات ساخنة.

من جانبها تعتبر بكين جزيرة تايوان تابعة لها وفقا لسياسة "صين واحدة" التي تعد أحد أسس سياستها الخارجية، وتقول إنها ستتحد مع الأراضي الصينية يوما ما.

لكن ما مدى إمكانية إطلاق الصين عملية عسكرية ضد تايوان التي تحتل مكانة مهمة في تاريخ بكين وإستراتيجيتها الخارجية؟ يتساءل الكاتب التركي.

ويجيب: في الواقع، من الممكن أن نقول إن خيار إطلاق الصين عملية عسكرية في تايوان سيكون خاطئا بالنظر إلى التطورات على الساحة الأوكرانية، وهو مستبعد تماما.

كما أن الفرضية القائلة بأن "انتهاك الصين لمنطقة تمييز الهوية لأغراض الدفاع الجوي (أديز) في تايوان، مؤشر على وجود خطط لعملية"، طرح خاطئ.

وشرح ذلك بالقول: لطالما انتهكت الصين منطقة "أديز" التايوانية وعلى فترات مختلفة منذ الماضي.

ولم يكن الانتهاك الذي وقع في 24 فبراير 2022 مختلفا عن الانتهاكات السابقة التي يمكن القول إنها عبارة عن سياسة استنزاف تتبناها بكين تجاه تايوان بشكل عام.

وتابع: بيد أن هناك عاملا آخر سيجعل من الخطأ أن تغزو الصين تايوان في الوقت الحالي، وهو التوقيت.

إذ تعمل الصين وروسيا بشكل مشترك ضد هيمنة الولايات المتحدة منذ سنوات. ولطالما كانت بكين البديل الأقوى للهيمنة الأميركية في النظام العالمي.

وأعقب قائلا: لذلك، تسعى الصين إلى التأكيد على تفوق أيديولوجيتها أولا في سبيل أن تصبح الفاعل المهيمن في النظام الحالي قبل أن تؤسس نظامها العالمي الخاص.

وفي حال أقدمت الصين على غزو تايوان فإنها ستظهر بمظهر "الدولة الانتهازية" التي تختبئ في ظل روسيا، الأمر الذي لن ترغب فيه بكين كونها تتبنى أيديولوجية "المصير المشترك للإنسانية". 

إضافة إلى ذلك، فإن أي غزو محتمل لتايوان سيقوي من صورة الولايات المتحدة كقائدة للعالم، كما يلاحظ بعدما حدث في أوكرانيا.

وبالنظر إلى أن دول منطقة آسيا لديها مشاكل سيادية مع الصين، من الممكن أن يبدأ ذلك موجة مناهضة لها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يلفت الكاتب. ويضيف: من ناحية أخرى، تعد قدراتها العملياتية سببا آخر يمنع بكين من غزو تايوان.

إذ إن تنفيذ عملية عسكرية في منطقة والاستيلاء عليها بشكل دائم أمر يزداد صعوبة يوما بعد يوم، خاصة في وقت تطورت فيه تقنيات الاتصال، وزادت فيه تكاليف الحرب، وأصبح يجري استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتضليل، وتطورت فيه تكنولوجيا المسيرات.

وشدد قائلا: ما يؤكد ذلك، مدى فعالية هذه العوامل في أداء روسيا بحربها على أوكرانيا، مع أنها تعتبر ثاني أقوى جيوش العالم.

وفي حالة تايوان، يمكن القول إنها تمثل تحديا أكبر للصين أكثر مما تمثله أوكرانيا لروسيا. فكما هو معروف فإنها عبارة عن جزيرة.

وبالنظر إلى أن الدول التي تحدها البحار مثل إسبانيا تكون بارعة في الدفاع، فإن تايوان ستشكل تحديا كبيرا.

وأردف الكاتب: انعكست قوة بكين التي تزايدت مع تولي الرئيس الصيني شي جين بينغ الحكم في الصين، على قدرتها العسكرية أيضا.

ومع تحديث الجيش، تطورت القوة البرية والبحرية والجوية للصين وزادت البحرية كثيرا في أعدادها. غير أن القوة العسكرية المتنامية لبكين لم يجر اختبارها بعد على أرض الواقع.

وتابع: لذلك من غير المعروف مدى فعالية أسلحة بكين وقدرتها على الهيمنة رغم أن ترسانة الجيش الصيني الجوية والبحرية مليئة بالأسلحة التكنولوجية، خاصة وأن هناك جبالا شاهقة شديدة الانحدار في سواحل تايوان مقابل الصين، ما يقلل من فرص نجاح عملية محتملة.

استفزازات محتملة

ويرى الكاتب أن الذين يقارنون بين تايوان وأوكرانيا يغفلون الجانب العسكري.

إذ إن غزو أوكرانيا كان مجرد احتمال حتى اللحظة الأخيرة، بينما دائما ما تتحرك تايوان وترسم سياساتها وفقا لغزو متوقع، وتدرب عناصرها المدنية والعسكرية وتعد لمواجهة التهديد المفترض.

ويقول: بالنظر إلى العوامل الأخرى مثل وجود القوات الأميركية في الجزيرة، والوجود العسكري المتزايد للولايات المتحدة وحلفائها في المحيط الهادئ، يمكن القول إن فرص نجاح بكين في مثل هكذا عملية ستكون ضعيفة، وأنها ستفقد ثقلها في حال أقدمت على مثل هذا الشيء.

هناك عامل أخير، لكنه الأهم، سيمنع غزو الصين لتايوان وهي الأسباب الاقتصادية.

إذ إن أكبر نجاح حققته بكين كان النمو الاقتصادي الذي بدأ مع الإصلاحات الاقتصادية والثقافية في عام 1978 واستمر مع اتباع الصين سياسة الاندماج مع العالم الخارجي وخلق فرص نمو قائمة على التصدير، وفقا للكاتب التركي.

وأضاف: ساعد النمو الاقتصادي في بكين على انتشال 748.5 مليون شخص من براثن الفقر وخفض معدله من 66.3 إلى 0.3 بالمئة.

ومع إطلاق مشروع الحزام والطريق في عام 2013، اتخذت الصين خطوة أخرى واستثمرت في جميع أنحاء العالم، وأنشأت أسواقا جديدة واكتسبت قوة دبلوماسية وثقافية.

واستطرد قائلا: وبما أن انخراطها في عملية ضد تايوان سيؤدي إلى فرض عقوبات عليها ومنع وصولها للأسواق الخارجية، فلن تقدم الصين على هذا.

فعلى الرغم من أن روسيا كانت أقل اندماجا في النظام العالمي فإن روسيا بدأت تعاني بالفعل من صعوبات مع اندلاع الأزمة الأوكرانية. أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تشكل أكبر أسواق الصين الخارجية.

وعلى صعيد آخر، تعد أزمة الرقائق التي قد تحدث مع غزو محتمل للصين على تايوان، جانبا اقتصاديا آخر للأزمة.

فمع دخول التكنولوجيا في جميع المجالات تقريبا في العالم، أصبحت الرقائق شديدة الأهمية. فمثلا، أدى إغلاق المصانع المنتجة للرقائق خلال جائحة كورونا إلى إحداث تأثير الدومينو في جميع قطاعات العالم تقريبا وتعطل التجارة العالمية، يؤكد الكاتب.

ووفقا لبيانات عام 2020، تنتج تايوان وحدها 63 بالمئة من الرقائق في العالم. وفي ظل غزو محتمل، سيواجه العالم مشكلة إمداد أكبر مما واجهها خلال الجائحة وسيؤدي ذلك إلى أن يفرض الغرب عقوبات أشد مما تفرضه على روسيا اليوم، وهو أسوأ سيناريو قد ترغب به الصين.

ويختم الكاتب مقاله بالإشارة قائلا: إن الحرب لقادرة على أن تغير في جميع القواعد والعمليات، وقد تأكد ذلك مرة أخرى مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وهنا، وجب التنويه على أنه لا شك في أن خطط الصين لغزو تايوان موجودة دائما في مخططات الأركان العامة الصينية.

لكن السؤال الكبير يدور حول "متى سيجري إنزال هذه الخطة من على الرفوف لتنفيذها".

وإذا نفذتها الصين حاليا، فإن ذلك سيعطي انطباعا بأنها فقدت رشدها خاصة في ضوء الأحداث الأخيرة.

أما السؤال الذي يثير الفضول فهو ما إذا كانت الولايات المتحدة تستفز الصين لتنفذ عملية في تايوان. والحق أن جواب هذا السؤال يختبئ في طيات التطورات الحادثة بعد إطلاق روسيا للعملية العسكرية في أوكرانيا، يلفت الكاتب التركي.