بعد المقاطعة ثم الهجوم.. قيس سعيد ينتقل إلى مرحلة إخضاع الإعلام وتدجينه

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لا يترك الرئيس التونسي قيس سعيد فرصة دون التعرض للإعلام والصحفيين بجملة من الاتهامات ومحاولات التقزيم وتحميلهم مسؤولية جزء من الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها البلاد.

ومنذ انقلاب سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021، للسيطرة على مختلف السلطات في تونس وتعطيل العمل بالدستور، تراجعت حرية الصحافة التي كان ينظر إليها على أنها أهم مكتسبات الثورة التي شهدتها البلاد عام 2011.

وأمام مزيد من التضييق على الحريات العامة ومنها حرية الإعلام، يخوض الصحفيون في تونس جملة من التحركات النضالية للدفاع عن حقوقهم، ستكون أهمها إضراب عام في 2 أبريل/ نيسان 2022، للتعبير عن تخوفهم من العودة إلى مربع إسكات الأصوات الذي عاشته البلاد خلال فترة الديكتاتورية.

وتأتي هذه المعركة الجديدة التي يخوضها سعيد ضد الإعلام في وقت حساس تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية غير مسبوقة، ومفاوضات متعثرة مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى ارتفاع المطالب الاجتماعية وإضرابات نقابية في أكثر من قطاع.

سياسة الصمت

منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، لم يجر الرئيس التونسي سوى حوار واحد يتيم بعد 100 يوم من أدائه القسم الدستوري وتوليه الرئاسة بصفة رسمية.

هذه الحوارات المنتظرة استبدلها سعيد بظهور متكرر على الصفحة الرسمية بفيسبوك إما بإلقاء خطابات أو بالحديث الأحادي خلال لقاءاته في قصر قرطاج.

وهو ما وصفه صحفيون بالتعتيم الإعلامي المتعمد الذي تمارسه مؤسسة رئاسة الجمهورية، ويتعارض مع حق النفاذ إلى المعلومة؛ ما دفع نقابة الصحفيين التونسيين إلى التعبير أكثر من مرة عن تنديدها بهذا السلوك.

وبعد تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن، بعد انقلاب 25 يوليو، اعتقد الصحفيون أن المقاطعة الرسمية لوسائل الإعلام ستنتهي.

إلا أن بودن سارت على خطى رئيسها في عدم الظهور بتاتا على وسائل الإعلام أو الإدلاء بتصريحات صحفية أو حتى توجيه خطابات للشعب التونسي الذي من المفترض أنها تحكمه.

ولم تكتف بذلك بل وجهت منشورا، في 10 ديسمبر/ كانون الأول 2021، إلى الوزراء وكتاب الدولة تحت عنوان "حول قواعد الاتصال الحكومي للحكومة".

تمنع فيه للمتحدثين باسم المؤسسات الرسمية الإدلاء بتصريحات للصحفيين إلا بعد الرجوع لرئاسة الحكومة، وهو ما لم يكن متبعا في السابق.

وأدانت نقابة الصحفيين "بشدة هذا القرار"، ودعت إلى "سحبه الفوري وتوفير كل الضمانات القانونية لعمل الصحفيين وحق التونسيين في المعرفة والاطلاع على ما يحدث وما يقرر وما ينجز بعيدا عن كل أشكال الاختطاف التي تنال حريتهم وحقهم في التعبير".

واعتبرت النقابة أن هذا المنشور "يتعارض كليا مع الضمانات الدستورية والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها الدولة التونسية".

وما زاد الطين بلة في سياسة قيس سعيد وحكومته الاتصالية، قيامه في سابقة تاريخية بندوة صحفية دون حضور صحفيين أو وسائل إعلام، وذلك إثر لقاء جمعه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس بالقصر الرئاسي بقرطاج في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2021.

قمع ممنهج

الصمت وحده والمقاطعة للصحفيين لم يكن ميزة " العهد الجديد" في تونس بعد انقلاب 25 يوليو، حيث تحولت ملاحقة الصحفيين والاعتداء عليهم وعرضهم على القضاء العسكري إلى أخبار مألوفة تتداولها الصحف والمواقع التونسية. 

في صبيحة قرارات قيس سعيد التي رافقها تطمينات شفوية بحماية الحقوق والحريات في تونس، تحركت قوات الأمن لتغلق مكتب قناة الجزيرة والتلفزيون العربي دون تبرير أو حكم قضائي يتم الاستناد عليه.

ووجه القضاء العسكري مجموعة من التهم للإعلامي في قناة الزيتونة عامر عياد، بينها "التآمر على أمن الدولة الداخلي المقصود به تبديل هيئة الدولة والدعوة إلى العصيان وارتكاب أمر موحش ضد رئيس الدولة".

بالإضافة إلى "المس من كرامة الجيش الوطني وسمعته والقيام بما من شأنه أن يضعف في الجيش روح النظام العسكري والطاعة للرؤساء والاحترام الواجب لهم ".

ويتعلق الأمر بإلقاء الإعلامي عياد قصيدة للشاعر العراقي أحمد مطر خلال البرنامج الذي يقدمه على قناة الزيتونة الخاصة التونسية وقد تحرك القضاء العسكري على أساسها.

يشار إلى أن المحامي سمير بن عمر كان قد أكد، في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أنّ قاضي التحقيق العسكري أذن بالاحتفاظ بالصحفي عامر عياد والنائب عبد اللطيف العلوي (كان مشاركا في ذات الحلقة) وذلك بعد سماع أقوالهما من طرف الفرقة المتعهدة بالبحث.

مسلسل الاعتداءات عرف أوجه في 14 يناير/كانون الثاني 2022، خلال تغطية التظاهرات التي دعت لها المعارضة لإحياء الذكرى 11 للثورة.

إذ سجلت وحدة الرصد بمركز السلامة المهنية بالنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين أكثر من 20 اعتداء، استهدفت قوات الأمن الصحفيين بالعنف الشديد خلال تصديها لمحاولة المحتجين دخول شارع الحبيب بورقيبة. 

وبحسب بلاغ للنقابة فإنه تم استهداف الصحفيين رغم ارتدائهم لصدرياتهم المميزة وتأكيدهم خلال الاعتداء عليهم على صفتهم الصحفية.

قلق متزايد

ونالت الإيقافات 4 صحفيين ومصورين صحفيين خلال عملهم بسبب تصويرهم التعاطي الأمني مع المحتجين ولعمليات الإيقافات التي استهدفت المحتجين المنتمين لمختلف الأطراف السياسية. 

وأثار إيقاف الصحفي خليفة القاسمي، مراسل إذاعة موزاييك في ولاية القيروان، غضبا واسعا بين الصحفيين التونسيين، خاصة بعد توجيه اتهامات له من قبل النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب.

وتعود أطوار القضية إلى نشر القاسمي لخبر الكشف عن خلية إرهابية من قبل أحد الفرق الأمنية، ورفض الإفصاح عن مصدره بعد دعوته للتحقيق. 

وقال القاسمي، في كلمة له بثتها نقابة الصحفيين على صفحتها الرسمية: "قضيت 7 أيام في الإيقاف لا لشيء إلا لأنني طبقت ما جاء في المرسوم 115 المتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر الذي ناضل من أجله الصحفيون".

وأكد أنه تعرض لـ"الهرسلة والتهديد" في مقر الجهة الأمنية التي تم إيقافه بها في اليومين الأولين من الإيقاف، مما دفعه إلى خوض إضراب جوع حينها.

كما قامت عناصر الشرطة بضاحية رادس (جنوب تونس العاصمة) بمنع مصورين صحفيين من فريق منصة "نواة" الإعلامية من العمل ظهر 23 مارس 2022 قبل اقتيادهما إلى أحد مراكز الشرطة بالضاحية الجنوبية للعاصمة تونس. 

وكان الصحفيان يقومان بتغطية لتحرك نفذته حملة "تعلم عوم" (تعلم اسبح) بشأن قضية مقتل الشاب عمر العبيدي عام 2019 غرقا إثر ملاحقة أمنية لمشجعي النادي الإفريقي بعد مباراة كرة قدم.

إلا أن عناصر شرطة بالزي المدني أجبرتهما على عدم التصوير قبل أن تحتجز وثائق ثبوت هويتهما وتقتادهما إلى مركز الشرطة، حيث تم تحرير محضر في شأنهما.

مقاومة الانحراف

أمام كل هذه الاعتداءات والتجاوزات، ارتفعت الأصوات المنددة من داخل المهنة الصحفية وفي محيطها من حقوقيين وسياسيين محذرين من خطر العودة إلى مربع الاستبداد وقمع الحريات.

إذ نددت نقابة الصحفيين بالسياسة المنتهجة داخل مؤسسة التلفزة التونسية (التلفزيون الرسمي) الذي منع بقرار من مديرته دعوة أي من ممثلي أحزاب المعارضة للظهور في البرامج الحوارية التي تبثها القناة.

واتخذت المديرة الجديدة للقناة والتي تم تعيينها أياما بعد انقلاب 25 يوليو، جملة من القرارات والعقوبات التي دفعت الصحفيين والتقنيين بالمؤسسة إلى رفع الشارة الحمراء والاعتصام في بهو مقرها رفضا لكل الإجراءات التي اعتبروها غير قانونية.

كما دعت نقابة الصحفيين إلى إضراب عام يشمل جميع المؤسسات الإعلامية العمومية في 2 أبريل 2022، للمطالبة بإنهاء كل أشكال الانحراف بالخط التحريري لمؤسسة التلفزة التونسية بوصفها مرفقا عموميا يتطلب التوازن والاستقلالية والتعددية، والنأي به عن أي تجاذبات سياسية أو سلطوية

وإلغاء كل الإجراءات التأديبية والعقوبات الانتقامية التي اتخذتها المكلفة بتسيير مؤسسة التلفزة التونسية، بهدف ضرب الحق النقابي، بالإضافة إلى مطالب نقابية أخرى.

وفي حديث لـ"الاستقلال" اعتبر عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري عيسى خضري، أن "حرية الإعلام مكسب من مكاسب الثورة رغم أن الإعلام المحلي العمومي والخاص لا يستجيب لتطلعات التونسيين نتيجة عدة عوامل يطول شرحها".

وأضاف خضري أن "الصحفي يتعرض الآن في تونس لمحاولات التدجين من السلطة بالترغيب أو بالتهديد أو بعصا الأمن والملاحقات القضائية، والعجيب في تونس أنه حتى القوى المعارضة للسلطة مثلت في أكثر من مناسبة تهديدا للصحفي وخرقت مبدأ حرية الإعلام بل تعرض صحفيون للاعتداء أثناء تغطيتهم لمسيرات مواطنين ضد الانقلاب".

وأكد القيادي في الحزب الجمهوري على أنه "لا يجب أن يُعتقد أن حرية الإعلام مطلب حصري للصحفيين بل هي حق لكل تونسي، وجب على السياسي والأكاديمي والصحفي ورأس المال أن يتمسك به والدفاع عنه بكل الوسائل الشرعية، فلا يهم إن كان الصحفي قادرا على الدفاع عن هذا الحق أو لا، لأن الأصل ألا نتخلى عن حقنا في إعلام حر ومتنوع ومستقل". 

ورغم تأكيد جل الطيف السياسي والناشطين المدنيين والحقوقيين على ضرورة التصدي لأي محاولة للارتداد عن الحقوق والحريات إلا أن هنالك تخوفات جدية من عدم الدفاع بجدية عن هذه الحقوق مثلما حصل مع السلطة القضائية بعد قرار سعيّد حلّ المجلس الأعلى للقضاء واستبداله بآخر معيّن من قبله.