قطار فشل.. لهذا لن يحل تخفيض السيسي للجنيه أزمات مصر الاقتصادية

طارق الشال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شهد الجنيه المصري حالة من التراجع الكبير أمام الدولار بنحو يزيد عن 18.2 بالمئة، في وقت يشهد فيه العالم اضطرابات شديدة على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، الأمر الذي انعكس بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي.

وانخفض سعر صرف الجنيه، في 21 مارس/ آذار 2022، من 15.64 جنيها للدولار الواحد إلى 18.50 جنيها، في قرار لنظام عبد الفتاح السيسي جاء عقب أيام من رفع البنك الفيدرالي الأميركي لسعر الفائدة.

وقرر البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة بنسبة 1 بالمئة، كما خفضت البنوك الحكومية قيمة الجنيه في نفس اليوم أكثر من 15 بالمئة، لتزيد حدة أزمة ضعف قدرات المصريين الشرائية قبيل حلول شهر رمضان المبارك.

وجاءت هذه التطورات بعدما  توقع بنك "جي بي مورغان" الأميركي في  8 مارس 2022، بأن الجنيه المصري ستنخفض قيمته بنحو 15 بالمئة، وأن مصر قد تحتاج إلى مزيد من مساعدات صندوق النقد الدولي.

أسباب التراجع

وكان يعيش الجنية المصري حالة من الاستقرار النسبي منذ تعويمه عام 2016، لكن لم تتمكن مصر من استغلال ذلك نتيجة غياب الهيكل الإنتاجي، لكن مع الوقت ضعفت الموارد الدولارية، ولم يرتفع الطلب على الجنيه، ومع ذلك ظلت العملة المحلية لسنوات شبه مستقرة بصورة غريبة.

الأمر الذي دفع بعض الاقتصاديين للحديث عن أن البنك المركزي يتدخل بشكل غير مباشر، من أجل السيطرة على سعر صرف العملة المحلية من خلال عدة أدوات.

بينها اللجوء إلى سوق السندات وأذون الخزانة لتلبية أكبر قدر ممكن من دولارات  المستثمرين الأجانب في أدوات الدين، فيما يسمى بالأموال الساخنة، لدعم الجنيه المصري.

وبالتالي لا يمكن القول إن هذا الاستقرار في الجنيه يعكس حالة من النجاح في الاقتصاد المصري، حيث ظلت صادرات البلاد في مستوى الـ25 و30 مليار دولار خلال السنوات الأخيرة، بينما تتجاوز الواردات الـ70 و75 مليار دولار.

ما يعني استمرار زيادة العجز التجاري بنحو يصل إلى 35 مليار دولار، الأمر الذي يعني استمرار تزايد الطلب على الدولار، وبالتالي مزيد من الضغط على الجنيه.

لتبقى الحكومة المصرية معتمدة في توفيرها للدولار على الاستدانة الخارجية التي تجاوزت 137.4 مليار دولار.

وإلى جانب الاستدانة من الخارج، تعتمد مصر بشكل أساسي على عائدات الصادرات، وتحويلات المصريين بالخارج التي تعد كلمة السر في دعم الاستقرار النسبي للجنيه، فضلا عن عائدات السياحة، ما يعكس ارتهان العملة المحلية لعوامل خارجية بشكل كبير.

وسجلت تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال عام 2021 مستوى غير مسبوق، لتصل إلى 31.5 مليار دولار، بينما تجاوزت إيرادات السياحة لنفس العام نحو 13 مليار دولار.

وتسببت جائحة كورونا في خنق سلاسل التوريد، ما تسبب في زيادة معدلات التضخم عالميا، بالإضافة إلى استعادة أسعار النفط عافيتها لتستقر عند حدود الـ 85 دولارا حتى خريف 2021.

الأمر الذي دفع بعض البنوك المركزية حينها إلى التفكير في رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم.

أزمة أوكرانيا

لكن جاء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، ليفاقم معدلات التضخم أكثر فأكثر، خاصة مع تجاوز أسعار النفط لـ130 دولارا للبرميل قبل أن تستقر حاليا عند مستويات فوق الـ115 دولارا للبرميل، فضلا عن ارتفاع أسعار الغذاء، لتضطر البنوك المركزية رغما عنها إلى رفع أسعار الفائدة.

ورفع الفيدرالي الأميركي، في 16 مارس، أسعار الفائدة الرئيسة بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصبح نطاق أسعار الفائدة عند 0.25 – 0.5 بالمئة، بدلا من صفر – 0.25 بالمئة، مع إعلانه عزمه الرفع عدة مرات خلال الشهور القادمة.

وهذا التطور أدى إلى هروب الأموال الساخنة من البلدان النامية مثل مصر إلى أميركا، بحثا عن أسواق آمنة خاصة في ظل الحرب القائمة فضلا عن تعظيم مكاسبها.

وخرج من مصر نحو 15 مليار دولار من الأموال الساخنة التي تستقر في سوق الدين المحلي للخارج خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مارس 2022، وفق وكالة بلومبرغ الأميركية.

لذا لم يعد بإمكان مصر الإبقاء على قيمة الجنيه المصري عند مستوياته خاصة في ظل الضغوط التي تمارس عليه وهروب احتياطات الدولار التي تعتمد عليها البلاد لتغطية احتياجاتها من الخارج.

وتستورد مصر نحو 60 بالمئة من احتياجاتها الغذائية، التي تقدر قيمتها بحوالي 15 مليار دولار، منها، 1.6 مليار دولار للزيوت، ولحوم حمراء مجمدة وحية بنحو 1.8 مليار دولار، وقمح بـ2.5 مليار دولار، وفول بـ1.5مليار دولار، وذرة بحوالي ملياري دولار خلال 2020، وفق بيانات رسمية.

فضلا عن اعتماد الصناعات المصرية المحدودة على سلع وسيطة تستورد من  الخارج، ما يعني أن المصنع المحلي لن يتمكن من تصنيع منتجه إلا عند استيراد بعض المواد الخام اللازمة للصناعة أو غيرها من المنتجات المستخدمة للتصنيع.

ومع تراجع قيمة الجنيه تزيد معاناة المواطن المصري الذي كان يعاني بالأصل من ارتفاع التضخم عند 8.8 بالمئة في فبراير 2022، كونه يستورد غذاءه ودواءه واحتياجاته للتصنيع بالدولار.

ويتوقع أن تتزايد معدلات الفقر خلال الفترة القادمة نتيجة تراجع القدرة الشرائية للمواطن، بالإضافة إلى تجميد النشاط الاقتصادي بسبب رفع البنوك لأسعار الفائدة حيث وصلت فوائد شهادات الادخار التي طرحتها بعض البنوك مثل بنك مصر والبنك الأهلي نحو 18 بالمئة.

ما يعني تحييد رؤوس الأموال عن المشروعات واتجاهها نحو البنوك، ما يؤدي إلى تراجع مؤشرات النمو المحلية وزيادة البطالة مستقبلا.

أسيرة الفائدة

وتبقى مصر أسيرة أسعار الفائدة التي لا تتناسب مع واقع اقتصادها، الذي يحتاج إلى تحريك عجلة النشاط الاقتصادي لامتصاص البطالة وتحريك مؤشر النمو صعودا ولتفعيل دائرة الإنتاج ما يدعم الصادرات التي تدر عملات صعبة.

فالبنك المركزي المصري خاضع لفشل إدارة نظام السيسي، الذي يعتمد على الديون الخارجية والأموال الساخنة التي لا تضيف للاقتصاد والمواطن أو سوق العمل والإنتاج والتصدير، بل تحصد  مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب في مصر وتفر بها إلى الخارج بمجرد شعورها بأي خطر، أو وجود امتيازات أعلى في دولة أخرى.

ويأتي رفع المركزي لأسعار الفائدة كمحاولة لإبقاء أكبر قدر ممكن من الأموال الساخنة الباحثة عن تعظيم مكاسبها، ما يمكن الجنيه المصري من التماسك قدر الإمكان، خاصة مع تزايد فقدان الثقة لدى المواطنين في عملتهم وتوجهم نحو الدولرة.

قواعد الاستيراد الجديدة في مصر: ما هي، ولماذا تثير مخاوف؟ - BBC News عربي

وأرجع الباحث بالشأن الاقتصادي المصري، طارق فتح الباب، سبب إقرار سعر الفائدة الجديد، إلى رغبة المركزي في جذب الدولارات القابعة خارج البنوك لدى المواطنين عبر إغراء هؤلاء المدخرين لتحويل أموالهم إلى جنيه للاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة.

وأضاف فتح الباب لـ"الاستقلال"، أن المركزي طرح سعر الفائدة الجديد لمدة عام واحد فقط، حتى لا يذهب أصحاب الودائع أو الشهادات الادخارية الموجودة في البنوك بالأساس لكسر ودائعهم ذات العائد الأقل وتحويلها للشهادات الجديدة.

نظرا لأن كسر العملاء القدامى لتلك الودائع لن تكون مجدية أمام عام واحد كما أنها ستكلفهم خسارة أرباحهم السابقة من الودائع التي يمتلكونها بالفعل، يشرح الباحث المصري.

ولفت إلى أن الحديث عن عام واحد فقط للفائدة الجديد، يعني أيضا إعطاء فرصة للمركزي لتقليل الفائدة في المستقبل لتقليل عبء العائد على الحكومة، بالإضافة إلى تصوير الأزمة الحالية على أنها مؤقتة ولن تستمر طويلا .

حلول ضيقة

وفي خضم تلك المعطيات تبقى الحلول المتاحة محدودة في ظل ارتهان الاقتصاد المصري للخارج بشكل كبير، لذا فإن أدواته لتغيير الحاصل في تداعيات العملة والاقتصاد لا يقع بيده بقدر ما يؤول إلى العالم الخارجي.

وتتمثل تلك الحلول في وقف الواردات الخاصة بالبضائع والسلع الكمالية غير الضرورية، ما يسمح بتوفير بعض الدولارات.

وكذلك عمل الدولة على تحفيز الإنتاج المحلي الصناعي والزراعي، وبخاصة السلع الإستراتيجية مثل القمح، بحيث تتمكن الدولة من التخلي عن بعض وارداتها، وبالتالي خفض الطلب على الدولار بشكل نسبي.

ومن المهم أيضا الاتجاه نحو وقف تصدير الإنتاج المحلي من السلع الرئيسة التي تحتاجها البلاد، وتوفير مخازن تستوعب الإنتاج المحلي الحالي بما يضمن عدم تلفه، الأمر الذي سيحد قدر الإمكان من التأثر بالتضخم العالمي.

كما على مصر أن تسعى إلى إقامة علاقات اقتصادية قائمة على التبادل التجاري مع الدول الأخرى بالعملات المحلية بدلا من الدولار، عوض الاتجاه نحو الاستدانة قدر الإمكان.

وتسعى مصر إلى الاتجاه نحو الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي في محاولة لتوفير بديل دولاري عن الأموال الساخنة التي خرجت، ولم تعلن مصر حجم القرض الذي تسعى للحصول عليه حتى الآن.

وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في 24 مارس 2022، إن مصر أجرت محادثات جديدة مع صندوق النقد الدولي بشأن تمويل محتمل كإجراء وقائي من آثار الأزمة الروسية الأوكرانية على اقتصادها في حال استمرار الصراع لفترة طويلة.

ويرى الباحث الاقتصادي، إبراهيم الطاهر، أنه من الضروري العمل على توظيف قروض صندوق النقد الدولي في مشروعات حقيقية تعمل على إيجاد هيكل إنتاجي يسهم في خلق قيمة مضافة للاقتصاد المحلي ويزيد من المدخولات الدولارية للبلاد.

وأكد الطاهر، لـ"الاستقلال"، أن توظيف أموال الصندوق خارج الإطار الإنتاجي سيكرر التجربة السابقة الصندوق، ما يؤدي إلى تراكم ديون وفوائد دولارية ويزيد من عجز الموازنة.

كما يضع مزيدا من المعوقات على الاقتصاد الوطني، حيث يتبع تلك الخطوة تخصيص إيرادات الموازنة لسداد تلك الديون على حساب المواطن والمشاريع القومية، يختم الباحث المصري.