تحيا مصر والإرهابي الحقيقي

أسامة جاويش | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"تحيةً وسلاماً على مَن كان الدرع وقت الدفاع وكان السيف وقت الهجوم.. الحرب ضد الإرهاب لم تنته ولن تنتهي قبل أن نسترجع حق كل شهيد مات فداءً لأجل الوطن.. عاشت مصر برجالها"، على حسابه الشخصي على موقع "تويتر" كانت الكلمات السابقة، التي قص بها عبدالفتاح السيسي شريط العواطف الجياشة والمشاعر الوطنية الفياضة ابتهاجا بـ"تسلم" هشام عشماوي ضابط الصاعقة السابق، والمتهم الأول في قضايا إرهاب مختلفة لدى السلطات المصرية. وليظهر بعدها المحامي الذي يعمل مقدم برامج خالد أبو بكر ليتقمص شخصية محمود ياسين في فيلم "الصعود إلى الهاوية" ويقترب من هشام عشماوي داخل الطائرة ليصرخ في وجهه قائلا: هي دي مصر يا هشام أنت في مصر. 

لا عجب لسينمائية اللقطة التي خرج بها المشهد لأن القاصي والداني يعلم أن صانع اللقطات للسيسي في السنوات الست العجاف السابقة، اللواء عباس كامل مدير مكتبه السابق ومدير المخابرات العامة الحالي، كان على رأس هذا المشهد السينمائي وذهب بنفسه ليلتقي بخليفة حفتر ويتسلم منه الصيد الثمين هشام عشماوي، بعد ثمانية أشهر من إلقاء القوات الليبية التابعة لحفتر القبض عليه في الأراضي الليبية.

وهذا يطرح عددا من علامات الاستفهام حول التوقيت ولماذا الآن تحديدا وهل هناك علاقة بين مشهد كهذا وبين تقرير منظمة حقوقية دولية بحجم هيومان رايتس ووتش، التي اتهمت فيه الجيش المصري بارتكاب جرائم حرب داخل سيناء؟ ومن الناحية الليبية هل الأمر يتعلق بتراجع حفتر ميدانيا في الداخل الليبي وحاجته لمزيد من الدعم العسكري المصري وتوفير السيسي للغطاء السياسي الكافي لمحاولاته اقتحام العاصمة الليبية طرابلس، والقضاء على حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليا برئاسة فايز السراج؟ 

الإرهابي هشام عشماوي، هكذا يصفونه ويتحدثون عنه، فهو وفقا للتصريحات الرسمية وإدعاءات وسائل الإعلام المصرية، هو المتهم الأول في محاولة اغتيال وزير الداخلية المصري السابق، اللواء محمد إبراهيم عام ٢٠١٣، وهو العقل المدبر لاستهداف مديرية أمن الدقهلية ومقتل وإصابة سبعة عشر شرطيا في ديسمبر من نفس العام، وهو العقل المدبر لعملية اغتيال النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، التي أعدمت السلطات المصرية أحد عشر شابا على ذمة هذه القضية. وهو أيضا المتهم الأول في عملية كمين كرم القواديس التي راح ضحيتها أكثر من سبعة وأربعين ضابطا وجنديا مصريا، وتورط أيضا في حادثة الواحات التي راح ضحيتها ستة عشر شرطيا، وهو من تورط في عملية استهداف حافلة للأقباط في محافظة المنيا. وهذه القضايا والعمليات كلها وفقا للبيانات الرسمية والاتهامات التي وجهتها له النيابة العامة على ذمة تلك القضايا.

كل ما يتهم به الضابط السابق في الجيش المصري هشام عشماوي "إن صحت هذه الاتهامات"، يندرج تحت بند العمليات الإرهابية وعلى الرغم من أنه وحتى الآن لم يتم تعريف مصطلح الإرهاب بشكل رسمي في القانون الدولي إلا أن المصطلح المتعارف عليه هو "انتهاج أعمال العنف والقتل ضد الآخرين بدوافع سياسية أو أيدولوجية" فإن أسقطنا هذا التعريف على عشماوي وأفعاله -حسب رواية النظام- فهو إرهابي مارس أعمالا إرهابية ضد الشرطة والجيش لأهداف سياسية وأيدولوجية. 

ولكن ماذا عن الأطراف الأخرى؟

في العشرين من شهر أبريل عام ٢٠١٧ بثت فضائية "مكملين" مقطعا مصورا عرف إعلاميا بـ"تسريب سيناء"، يظهر فيه عناصر للقوات المسلحة المصرية وهي تحتجز بعض المواطنين والأطفال العزل في منطقة صحراوية في شمال سيناء ثم تقتلهم من المسافة صفر وتضع بعض الأسلحة إلى جوارهم. وصاحب هذا التسريب تقرير نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، يتحدث عن معلومات مشابهة لما ورد في هذا المقطع، بعدها بعامين نشرت منظمة هيومان رايتس ووتش الحقوقية الدولية تقريرا تتهم فيه النظام المصري بارتكاب ما أسمته جرائم حرب تجاه المدنيين في شمال سيناء. قبلها بأشهر وفي مقابلة أجراها المذيع الأمريكي سكوت بيلي مع عبدالفتاح السيسي في برنامج "٦٠ دقيقة" قال له بيلي الجميع ينظر إليك داخل مصر بأن يديك ملوثة بالدماء. 

مشهد القتل من المسافة صفر تكرر ولكن هذه المرة في ليبيا حيث قوات اللواء خليفة حفتر الحليف الإستراتيجي للنظام المصري، التي ألقت القبض على هشام عشماوي منذ ثمانية أشهر، إذ أظهر تحقيق نشرته قناة "بي بي سي عربي" في الثلاثين من أبريل للعام الجاري مقاطع مصورة تعود لعام 2017، يظهر فيها قائد القوات الخاصة التابعة لقوات حفتر، محمود الورفللي، وهو يطلق النار على ثلاثة أسرى من المقاتلين. وقد شوهد هذا المقطع أكثر من عشرة آلاف مرة عبر موقع يوتيوب وأظهر التحقيق ارتكاب قوات حفتر في ليبيا جرائم حرب ضد المدنيين أيضا وفي جلسة استماع داخل الكونجرس الأمريكي الشهر الماضي اتهم عضو مجلس النواب الأمريكي توم مالينوسكي بأنه مجرم حرب. 

الإرهاب والقتل هو فعل مدان في كل قانون ومحرم في كل دين ومجرم في كل دولة، ولكن ما الفارق بين من يحرق الجنود في كمين الواحات وبين من أحرق المواطنين في رابعة والنهضة؟ وما الفارق بين من يقصف كمين كرم القواديس وبين من يقصف برلمان بلاده في طرابلس؟ ما الفارق بين خطف الجنود وقتلهم على يد عشماوي (حسب اتهام النظام له) وبين الإخفاء القسري والقتل خارج إطار القانون الذي يمارسه نظام السيسي؟

لا فارق بين إرهاب تمارسه التنظيمات المسلحة وبعض الضباط المنشقين عن الجيش المصري، وبين إرهاب تمارسه الأنظمة السلطوية سواء جاءت بانقلاب عسكري كما فعل السيسي أو بتجميع ميلشيات مسلحة وبدعم عربي كما يفعل حفتر، ووفقا لهذا المعيار فلا فارق بين عشماوي والسيسي لأنه كما حاولت اللجان الإلكترونية أن تقول، مش هي دي مصر يا هشام.