مدينة كوابيس ابن راشد.. هكذا خسر حاكم دبي معاركه القضائية وسمعته في لندن

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تناول فيلم "الديكتاتور" الذي عرض في بريطانيا عام 2012، للممثل ساشا بارون، مجسدا بشكل صارخ شخصية ديكتاتور يتصرف بغرابة، وكيف يمكن أن يصبح شخصا خادعا لنفسه بطريقة أو بأخرى، ويعتقد أن كل ما يقوم به هو الصواب، وتساءل عن سبب قيام المستبدين الحقيقيين في العالم بأشياء غريبة وغير مألوفة.

ينطبق ذلك مع شخصية حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم، فالرجل الذي ولد عام 1949، اتسمت شخصيته بالغرابة الشديدة، كونه على غير عادة السياسيين مهتما بالأدب ويكتب الشعر والنثر، ويحرص على الظهور في مظهر الحاكم الطيب المهتم بسعادة المواطنين وبالتنمية البشرية في بلاده. 

لكن في الكواليس هناك شخصية مغايرة تماما، تنتهك القريب والبعيد، فتارة يسجن بناته، وتارة يسيء إلى زوجته السابقة ويطاردها ويتجسس عليها، فضلا عن تورطه في ظلم كبير للقطاعات العمالية. 

الحياة الجدلية لابن راشد تجاوزت حدود بلاده إلى ساحات المحاكم البريطانية، وأصبح الحاكم الإماراتي مثيرا للجدل وسيء السمعة في إنجلترا والعالم أجمع، بسبب عدد القضايا المرفوعة ضده، وتتعاطى معها كبريات الصحف العالمية. 

هزيمة جديدة 

تعرض حاكم دبي، ابن راشد، لهزيمة بعد معركة قضائية طويلة وباهظة التكاليف، في أروقة المحاكم البريطانية بينه وبين طليقته الأميرة الأردنية هيا بنت الحسين، الأخت غير الشقيقة للعاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين. 

وفي 24 مارس/آذار 2022، أقر القضاء البريطاني حكمه بمنح طليقة حاكم دبي، حضانة طفليهما وحدها، بعد أن خلص إلى أن ابن راشد أساء بشدة معاملة زوجته السابقة الأميرة هيا.

وأنهى بذلك معركة استمرت ثلاث سنوات شهدتها المحكمة العليا بلندن، وكانت محل اهتمام الصحف البريطانية والدولية.

وتطرقت القضية لتفصيلات شديدة الحرج، وصلت للاتهامات بالخطف والتهديد بالقتل، وما تردد من شائعات مخجلة حركها ابن راشد وأذرعه الإعلامية عن علاقة الأميرة بحارسها الشخصي، إضافة إلى تهم ابتزاز وتجسس واختراق هواتف بأساليب متطورة.

وخلص القاضي البريطاني خلال إصدار حكمه إلى أن حاكم دبي أثار خوف الأميرة هيا على حياتها واختطف ابنتين من زيجة أخرى، وأساء معاملتهما بشدة، وأمر بمراقبة هاتف الأميرة وهواتف محاميها، مستخدما برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس.

وحكمت المحكمة على ابن راشد، الذي يشغل أيضا منصب نائب رئيس الإمارات، ورئيس وزرائها، ووزير دفاعها، بدفع مبلغ قياسي تجاوز 554 مليون جنيه إسترليني (731 مليون دولار) لتأمين الطفلين ورعايتهما، وتعويضا على ما لحق الأميرة هيا من أضرار مادية ونفسية. 

أما القضية نفسها فذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية أنها تكلفت أكثر من 70 مليون جنيه إسترليني (92.30 مليون دولار)، هي أتعاب محاماة. 

وبحسب وكالة "رويترز" البريطانية، فإن الحكم قضى أن تكون الأميرة وحدها من تقرر كل الأمور المتعلقة بتعليم وصحة الطفلين، "جليلة" و"زايد"، مع إطلاع الأب على شؤونهما فقط.

وستقتصر علاقة الأب مع الطفلين على الاتصالات الهاتفية والرسائل، بعد أن قرر بنفسه عدم التواصل المباشر معهما.

ويذكر أن الأميرة هيا فرت من الإمارات عام 2019، واستقرت في المملكة المتحدة مع طفليها، وبمجرد وصولها طلبت وضع الطفلين تحت وصاية المحكمة.

وطالبت المحكمة العليا منذ ذلك الوقت بإجراء تحقيقات بخصوص ابن راشد.

رجل متعجرف

ولم تقف معارك حاكم دبي داخل المحاكم البريطانية على قضيته الشائكة مع الأميرة هيا فقط، ففي 17 مارس/آذار 2022، أعلنت صحيفة "تليغراف" البريطانية، أن ابن راشد بصدد مواجهة نزاع شرس مع النقابات العمالية في البلاد، بسبب طرد إحدى الشركات المملوكة لحكومته نحو 800 عامل دفعة واحدة.

وقالت الصحيفة إن "شركة (Pride of Canterbury) العاملة في مجال الشحن البحري، قررت طرد 800 موظف يعملون على متن سفنها". 

وأضافت أن "ذريعة إدارة الشركة هي أن المئات من الموظفين لم يعد لهم ما يلزم، برغم أن السبب الحقيقي هو إيجاد عمال برواتب أقل".

وذكرت تليغراف أنه "بسبب قرار الشركة إبعاد 800 موظف تعطل سير العمل، وتم إلغاء كافة الرحلات لمدة أسبوع على الأقل". 

وتصاعدت قضية الشركة المملوكة لحاكم دبي، ووصل الأمر إلى تدخل الحكومة البريطانية، بعدما أعلن المتحدث باسم رئيس الوزراء بوريس جونسون، إدانته تصرفات شركة (P&O)، قائلا إنها "غير مقبولة على الإطلاق". 

وكذلك أكد وزير النقل، روبرت كورتس، أنه "قلق للغاية وغاضب بشدة من معاملة (P&O) للقوى العاملة لديها". 

وتستعد نقابة "RMT" البريطانية المتشددة في قضية الإضرابات، للدخول أيضا في النزاع ضد حاكم دبي، وهي نقابة معروفة بأنها تنتهج الإضرابات الدائمة.

ومما يؤكد أن شخصيات سياسية ونافذة في بريطانيا دخلت على خط المواجهة مع ابن راشد، ما فعله النائب عن المحافظين، روجر جيل، بحثه الحكومة على "الوقوف في وجه الشركة، وإلزامها بتطبيق قانون العمل البريطاني".

وشدد جيل على أن "الطريقة التي تصرفوا بها مروعة للغاية، أظن أن الأكثر ترجيحا هو أن هذا مالك ثري يقول: حسنا، أفعل ما يعجبني".

وأردف: "هذا هو السبب تحديدا في أن ابن راشد لا يحظى بشعبية.. على أي حال، هو رجل متعجرف، وغير لطيف للغاية".

نكل بابنته 

وفي 16 فبراير/شباط 2021، كان ابن راشد على موعد مع فضيحة أخرى، هذه المرة كانت متعلقة بابنته لطيفة.

ونشرت شبكة "إن بي سي" الأميريكية، تسريبا لابنة حاكم دبي، قالت فيه إنها "محتجزة في منزل محصن، ولا تريد أن تكون رهينة في فيلا مثل السجن، بل تريد أن تكون حرة".

وأضافت أنها "لا تعرف ما الذي يخططون لفعله معي"، وذكرت أن "حياتها مهددة وفي خطر شديد".

هذا المقطع الذي أثار ضجة عالمية، وتسبب في حرج شديد للقيادة السياسية الإماراتية، دفع أيضا مجموعة من محامي حقوق الإنسان البريطانيين، وطلابا في جامعة "لويزفيل" البريطانية، إلى التقدم بشكوى تطالب بمنع حاكم دبي من دخول البلاد، غير أنها لم تصدر حتى الآن.

وهو الأمر الذي واجهه ابن راشد بأسلوب مثير ومستهجن، عندما أصدر بيانا شكك في القوى العقلية لابنته.

وفي 19 فبراير 2021، خرج عن صمته بعد فضيحة ابنته لطيفة، عندما أمر سفارة الإمارات في لندن بإصدار بيان، قالت فيه إن "الشيخة لطيفة آل مكتوم، وهي إحدى بنات حاكم دبي، تتلقى الرعاية النفسية والصحية في المنزل تحت رعاية الأطباء".

وزعمت السفارة أن "التغطية الإعلامية لا تعكس الوضع الحقيقي". 

وغرد المدير التنفيذي لمنظمة هيومن رايتس ووتش، كينيث روث، حينها قائلا إن "المباني الشاهقة في دبي لا ينبغي أن تحجب حقيقة أن ابن راشد قد حبس ابنته الأميرة لطيفة لرغبتها في التخلص من سيطرته".

وأكد أن "الدولة الخليجية تحتجز أولئك الذين ينتقدون السلطات، ويقضي مئات النشطاء والأكاديميين عقوبات مطولة، وفي كثير من الحالات، توجه اتهامات غامضة لا معنى لها للمعارضين".