رغم الفقر المدقع والانبطاح للعدو.. لماذا يواصل السيسي شراء السلاح من الغرب؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع ما تعانيه مصر من أزمات مالية تحذر كبرى المؤسسات الدولية من آثارها على الشعب، يصر نظام عبد الفتاح السيسي على عقد صفقات سلاح بمليارات الدولارات، في سياسة وضعته ضمن المراكز الأولى ضمن أكبر مستوردي الأسلحة بالعالم.

أحدث التقارير في هذا الإطار، صدر من قبل معهد "استوكهولم الدولي لأبحاث السلام" (سيبري)، في 15 مارس/ آذار 2022، الذي أكد أن 4 دول عربية ضمن الـ10 الأكثر استيرادا للأسلحة بالعالم بين عامي 2017 و2021.

وبحسب التقرير، احتلت الهند المرتبة الأولى عالميا بنسبة 11 بالمئة من حجم السلاح المستورد بالعالم خلال تلك الفترة، تلتها السعودية بذات النسبة، فيما جاءت مصر بالمركز الثالث عالميا بنسبة 5.7 بالمئة تماما كما في تقرير السنوات السابقة للمعهد، كما حلت قطر والإمارات بالمركزين السادس والتاسع عالميا.

التقرير أكد أن أكبر خمس دول مصدرة للأسلحة بتلك الفترة هي أميركا وروسيا وفرنسا والصين وألمانيا، وأكبر خمس دول مستوردة للأسلحة هي الهند والسعودية ومصر وأستراليا والصين.

ماراثون التسليح

ويؤكد التقرير أن مصر تواصل ماراثون التسليح الذي بدأته منذ بداية حكم السيسي منتصف 2014، وأنها باقية بالمرتبة الثالثة عالميا، وفق تقارير "سيري" الثلاثة الأخيرة (2017- 2021) و(2016- 2020)، و(2015- 2019)، وهو أمر يثير تساؤلات عديدة.

ووفق مراقبين، فإن لدى السعودية والإمارات وقطر مبرراتها ومخاوفها وأجنداتها التي تدفعها لشراء السلاح، لكن ما مبررات مصر كي تحل بالمرتبة الثالثة عالميا في شراء السلاح طوال ست سنوات، ويعاني غالبية شعبها من الفقر المدقع.

فالسعودية والإمارات دولتان نفطيتان تشتريان السلاح لمواصلة حرب إقليمية ممتدة منذ عام 2015 باليمن ضد "جماعة الحوثي"، ولديهما مخاوف من أطماع وأجندات إيرانية بالمنطقة العربية.

كما أنه لدى الرياض وأبوظبي أجندات معادية لثورات الربيع العربي، وتدعمان بالمال والسلاح نظام بشار الأسد في سوريا، وخليفة حفتر في ليبيا، وقيس سعيد في تونس.

وبالمثل، لقطر مخاوف من جيرانها الخليجيين وخاصة السعودية والإمارات والبحرين، وذلك منذ "المقاطعة الخليجية" لها (يونيو/ حزيران 2017- يناير/ كانون الثاني 2021)، وتهديد الرياض لها بالاجتياح البري، ما دفعها لزيادة معدلات التسلح.

وارتفعت واردات قطر من الأسلحة بنسبة 227 بالمئة من (2017- 2021)، مقارنة بفترة (2012- 2016)، لتتحرك من المركز الـ22 عالميا للمرتبة السادسة، (46 بالمئة من وارداتها أميركية، و36 بالمئة فرنسية).

بينما مصر لا تخوض حربا بمواجهة إثيوبيا في ملف نهر النيل الوجودي والأخطر على المصريين، رغم استمرار الأزمة لأكثر من عقد.

كما أنها لا تخوض حربا مع عدوها التاريخي الكيان الإسرائيلي المحتل لأرض فلسطين، والذي يجري معه التنسيق الأمني على أعلى مستوى، وتطورت العلاقات التجارية والاقتصادية حتى اشترت القاهرة الغاز من تل أبيب في صفقة لعام 2018، بقيمة 19.5 مليار دولار ولمدة 15 عاما.

وفي 17 يناير/ كانون الثاني 2022، وضع تصنيف "جلوبال فاير باور" الجيش المصري بالمركز الـ12 عالميا بقائمة أكثر الجيوش قوة، وكأول الدول العربية والإفريقية.

التساؤلات المطروحة بقوة أيضا، عن مبرر مواصلة شراء مصر السلاح لتصبح الدولة الثالثة عالميا بينما تعتمد على الاقتراض الخارجي من صندوق النقد والبنك الدوليين، ومدينة لأغلب دول الخليج وأوروبا والصين وغيرها من الدول والمؤسسات المقرضة.

وفي 6 يناير 2022، أكد البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي في الربع الأول من العام المالي (2021/2022) بلغ 137.42 مليار دولار، ما يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية على المصريين.

كارثة حقيقية

وبجانب التساؤلات السابقة، رأى السياسي وضابط الجيش المصري السابق الدكتور عمرو عادل، أن "موضوع التسليح المصري الهائل وخاصة بالقوات الجوية والبحرية يدعو لطرح أسئلة منطقية".

وتساءل عبر "الاستقلال": "هل منظومات التسليح متعددة المصدر قادرة على العمل بشكل متناغم؟"، مضيفا: "وهل منظومات التسليح المتعددة بها كل الإمكانات لتكون حقا إضافة للقوة العسكرية المصرية؟"

وتابع رئيس المكتب السياسي لـ"المجلس الثوري المصري" المعارض: "هل يثق الشعب بالجيش للدرجة التي يتساهل معها بكل هذا الإنفاق، وهو يعاني فقرا مدقعا ومشاكل اقتصادية لا تُحصى"، مواصلا تساؤلاته: "من العدو الذي يجرى شراء كل ذلك السلاح لأجله؟"

وقال: "عند الإجابة على هذه الأسئلة سنجد أننا نعيش كارثة حقيقية، فمعظم صفقات السلاح لها أهداف سياسية للحفاظ دعم القوى الكبرى لنظام الحكم، وندرك جميعا مدى نفوذ شركات السلاح الكبرى في النظم السياسية".

وأضاف: "كما أن شكل التسليح الحالي، وخاصة البحري، يشير إلى أن العدو لدى النظام المصري ليس الكيان الصهيوني بالتأكيد، ولكنه عدو آخر في البحر، وربما حال تطور الأوضاع نجد أن العدو هو تركيا، وخاصة مع تصاعد الصراع وعدم حسمه بشرق المتوسط".

وفي رده على تساؤل "الاستقلال": "هل ما يحصل عليه جنرالات الجيش ورأس النظام هو السر من وراء تلك الصفقات؟"، أجاب عادل: "بالتأكيد أن النسب القانونية المقررة لكبار الضباط من صفقات السلاح لها وزن كبير".

وختم حديثه بالقول: "هذا الملف مخجل، ولن يعرفه الشعب إلا بعد انهيار النظام العسكري، وستدرك الجماهير حينها مدى عمالة وخيانة هذا النظام العسكري".

وفي مقال للمحلل العسكري محمود جمال، بـ"المعهد المصري للدراسات"، في 22 مارس 2021، أكد فيه أن تمويل صفقات الجيش المصري تجرى بالقروض الخارجية وتسدد وفق بنود مكتوبة في العقد، وعبر دعم تلك الصفقات من قبل دول تدعم النظام، مثل الإمارات والسعودية.

وفي تقديره لأسباب تعدد صفقات التسليح منذ تولي السيسي الحكم منتصف 2014، أكد جمال أن أولها الوضع الإقليمي المضطرب، وحماية الأمن القومي المصري، ورغبة الجيش المصري لفرض نفسه كلاعب رئيس.

وثاني الأسباب وفق جمال، رغبة واشنطن بتقوية الجيش المصري حليفها الإستراتيجي عسكريا، وكذلك التقارب المصري الروسي بعد انقلاب يوليو 2013، كثالث الأسباب.

وذكر أن ما يحدث في سيناء وما تشهده من صراعات بين قوات الجيش المصري وتنظيم "ولاية سيناء"، وتعدد خسائر الجيش المصري، سبب التوسع الرابع بهذه الصفقات.

وربط خامسا بين تلك الصفقات ومشاركة الجيش المصري بتشكيلاته الجوية والبرية في عمليات عسكرية أو الإمداد بتعزيزات عسكرية داخل الأراضي الليبية، في إطار الدعم العسكري الذي قدمته مصر للجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

صفقات لا تنتهي

ودأب نظام السيسي، على شراء الكثير من الأسلحة والمعدات العسكرية في صفقات مليارية من روسيا والصين وأميركا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا.

وأصبحت مصر اعتبارا من عام 2014، أهم عملاء صناعة السلاح الفرنسية بالعالم، حيث اشترت فرقاطة "فريم"، و4 طرادات "جويند 2500"، وطائرتي هليكوبتر من طراز "ميسترال"، و24 مقاتلة "رافال" عام 2015 بصفقة قدرت بـ"5.2 مليارات يورو".

وفي عام 2017 ازدادت وتيرة الصفقات العسكرية مع روما لتبلغ 7.4 ملايين يورو، قبل أن تصل لمستوى قياسي عام 2018 بمبلغ 69.1 مليون يورو، وفق وثيقة صادرة عن وزارة الخارجية الإيطالية في 24 يوليو/ حزيران 2019.

وفي مايو/ أيار 2020، كشفت روما عن بيع 24 طائرة هليكوبتر عسكرية من طراز "ليوناردو" (AW149)، و8 طائرات هليكوبتر (AW189) للجيش المصري مقابل 871 مليون يورو (957 مليون دولار أميركي).

وفي يونيو/ حزيران 2020، عقدت القاهرة وروما صفقة سلاح هي الأكبر من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية، شملت "فرقاطتين" و4 سفن بحرية، و20 زورقا، و24 طائرة مقاتلة، و24 للتدريب؛ مقابل 11 مليار يورو (نحو 13 مليار دولار).

ومن الصفقات الأميركية، وافقت واشنطن في 9 مايو/ أيار 2020، على صفقة تحديث مروحيات هجومية لمصر بقيمة 2.3 مليار دولار.

وفي 29 ديسمبر 2020، أعلنت واشنطن عن صفقة لبيع نظام جوي لمصر لحماية الطائرة الرئاسية من تهديدات الصواريخ، بتكلفة 104 ملايين دولار.

 ومن روسيا، أعلنت موسكو في سبتمبر 2019، عن صفقة مثيرة للجدل لمصر تتضمن 20 مقاتلة من "سوخوي–35" بتكلفة 2 مليار دولار، بجانب منظومة (SA-17 وSA-23) للدفاع الجوي، و46 طائرة من طراز (KA-52).

وفي عام 2022، تتوالى صفقات السلاح المصرية رغم سجل القاهرة الأسود بمجال حقوق الإنسان، وتعليق الخارجية الأمريكية في سبتمبر 2021، مساعدات عسكرية لمصر بقيمة 130 مليون دولار.

وأعلنت مصر وكوريا الجنوبية في 2 فبراير 2022، إبرام اتفاق بينهما يقضي ببيع أسلحة مدفعية من طراز "كيه-9 هاوتزر" لمصر بصفقة تقدر بـ1.66 مليار دولار.

وفي 26 يناير 2022، وافقت الخارجية الأميركية على صفقتي معدات عسكرية لمصر بقيمة 2.56 مليار دولار تشمل 12 طائرة نقل "سي-130 جيه سوبر هيركيوليز" ومعدات أخرى تابعة لها وأنظمة رادار للدفاع الجوي.

وبعد نحو شهر ونصف الشهر، قررت واشنطن في 15 مارس 2022 إمداد القاهرة بطائرات "إف 15"، إحدى أقوى المقاتلات الحربية بالعالم، وتنتجها شركة "بوينغ".

صفقات سياسية

وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي والإستراتيجي الدكتور حسام الشاذلي: "شراء مصر للسلاح بهذه الكميات وإنفاق مليارات الدولارات على تسليح منه من لا يتفق مع المتطلبات الجيوستراتيجية لمصر، يثير الأسئلة عن الأهداف والأسباب والمعطيات".

الشاذلي، أضاف لـ"الاستقلال"، أن "شراء السلاح من أميركا وفرنسا وألمانيا، صفقات سياسية بحتة، وخاصة الصفقات المليارية كحاملات الميسترال ذلك المشروع الفاشل المشترك بين روسيا وفرنسا والذي توقف لعجز ميزانية التمويل".

ولفت إلى أنها صفقات "جعلت فرنسا من المصفقين الرئيسين لحكم الديكتاتور المصري، والذي من المفترض أن سياساته تتعارض مع مفاهيم الجمهورية الفرنسية والتي باتت علامات الاستفهام حولها كثيرة بعهد إيمانويل ماكرون، ومع العداء العنصري الواضح للمسلمين".

وأوضح الشاذلي، أن "الحال لا يختلف كثيرا في صفقات ألمانيا وأميركا"، مبينا أنه "في ظل حكم إمبراطورية العسكر الفاسدة فإن عمولات التسليح تبلغ أرقاما فلكية ولا يمكن تتبعها ولا مراقبتها".

وأكد أن "مفهوم التسليح يتفق دائما مع مفهوم الديكتاتورية المستديمة، والتي تتسلح لكي تدافع عن النظام، وليس لكي تكون جاهزة لمواجهة عدو خارجي، ولكن لتكون قادرة على قمع الشعب والتظاهرات ومحاولات التحرير".

وأشار إلى أن "توظيف طائرات (الأباتشي) في سيناء، والصواريخ (أرض- أرض) و(جو- أرض)، دليل حي على ذلك إذ استُخدمت بإزالة أحياء كاملة هناك".

وقال الخبير المصري، إن "أولويات إنفاق النظام لا علاقة لها باحتياجات الشعب ولا اقتصاده المتهالك، ولكن سياسته الاقتصادية جزء من منظومة مسمومة تخدم أهداف تثبيت أركان النظام، والحصول على القروض، وتوظيف أدوات الدولة بالسياسة".

وأشار إلى أن "مصر كدولة لها ثقل مهم بين جيوش المنطقة باتت داخل معادلة جديدة تغير فيها الأصدقاء وتبدل فيها الأعداء، وصارت إسرائيل العدو الطبيعي، أقرب أصدقاء النظام، وبات التوتر مع الصديق الطبيعي تركيا، بأعلى مستوياته".

 وختم بالقول: "وهذا يتطلب استعدادا عسكريا مختلفا، ويثير سؤالا خطيرا حول ما إذا اندلعت حرب بالمنطقة، ففي أي طرف ستكون مصر ومع من ستقف وتحارب"