رغم الغضب الشعبي الظاهر من ارتفاع الأسعار.. لماذا قرر السيسي تخفيض الجنيه؟

محمد السهيلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد حالة الغضب في الشارع المصري قبيل قدوم شهر رمضان الذي يحل بداية أبريل/ نيسان 2022، مع ارتفاع أسعار جميع السلع وخاصة الإستراتيجية منها.

بعض التجار والأهالي، كان ينتهي نقاشهم لبيع أو شراء أي سلعة إلى الحديث عن التضخم المتصاعد، فيما عبر بعضهم عن غضبه الشديد من عجز الحكومة عن ضبط الأسعار منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/ شباط 2022.

وذلك الغضب الشعبي زاد بشكل لافت مع إعلان البنك المركزي المصري في 21 مارس/ آذار 2022، رفع أسعار الفائدة الرئيسة 100 نقطة أساس، وخفض قيمة الجنيه بنسبة 17 بالمئة، ليصل سعر الدولار نحو 18.5 جنيها.

ويعد هذا التعويم هو الثاني في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، بعدما خسر الجنيه 100 بالمئة من قيمته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016.

الأخضر واليابس

متحدثون لـ"الاستقلال"، أكدوا أنهم لم يعودوا يحتملون تلك الأوضاع، وخاصة في ظل معاناتهم مع ضعف الرواتب وزيادة نسب البطالة خاصة بين الفئات الشعبية وأصحاب المهن المرتبطة بقطاع الإنشاءات.

ولفتوا إلى أن "موجة الغلاء الجارية تتزامن مع الفصل الدراسي الثاني من عام 2022، ومتطلبات الدروس الخصوصية وغيرها، وذلك إلى جانب حلول شهر رمضان وما يتطلبه من طعام ولحوم ودواجن وياميش تفاقمت أسعارها جميعا".

وقال أحد التجار: "أصبحنا اليوم في خسارة دائمة بسبب الأسعار التي تعني ضعف الإقبال، وتحملنا لأجور العاملين بجانب الضرائب والتأمينات والكهرباء والرسوم المفروضة على المحال التجارية".

وحذر من أن تجاهل النظام لحالة الناس الصعبة لن يقابلها "سوى غضب يأكل الأخضر واليابس، كما أكلت الأسعار وتجاهل الدولة للناس ما لديهم من الأخضر واليابس".

ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفعت أسعار اللحوم والدواجن بين 10 و50 بالمئة، وفق تقارير شعبة القصابين بالغرفة التجارية للقاهرة.

وارتفع سعر رغيف الخبز غير المدعم 50 بالمئة، والمخبوزات بين 20 و30 بالمئة، مع زيادة سعر طن الدقيق من 9 آلاف جنيه (573 دولارا) إلى 12 ألف جنيه (765 دولارا).

وارتفعت أسعار الأرز بين 15 و20 بالمئة مع ارتفاع سعر الطن من 8 آلاف جنيه (510 دولارات) إلى 11 ألف جنيه (700 دولار)، بحسب شعبة الحاصلات الزراعية بالقاهرة.

كما ارتفع سعر طن المعكرونة إلى 10 آلاف جنيه (637 دولارا) مقابل 8 آلاف جنيه (510 دولارات) قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

وارتفع معدل التضخم السنوي لشهر فبراير 2022، للشهر الثالث على التوالي، مسجلا 10 بالمئة مقابل 4.9 بنفس الشهر من 2021، بحسب بيان للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في 10 مارس 2022.

ومن المتوقع ارتفاع هذه الأسعار مجددا خاصة مع قرار تعويم الجنيه، الذي تسبب في زيادة الأعباء على ملايين الفقراء، وأفقد الشريحة المتوسطة من المصريين نحو 20 بالمئة من قيمة مدخراتهم بالجنيه.

وإزاء ذلك الوضع تحدثت تقارير صحفية عن قلق داخل الأجهزة السيادية المصرية من أن ينتج عن حالة الغضب الراهنة انتفاضة شعبية، ونصحت الأجهزة الحكومة بمحاولة تجاوز الأزمة والسيطرة على الأسواق.

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، توقع ناشطون اندلاع ثورة شعبية قريبا نتيجة حالة الغضب الشعبي المعلنة وغير المكتومة كما كانت سابقا.

وقال الفنان العالمي والمعارض المصري عمرو واكد: "هي لحظة ونحن الآن أغلبنا على الطرفين شايفين أنها قربت وهتحصل في أي وقت"، ولذلك أتوقع في أي يوم أصحى أقرأ عن مظاهرات وثورة جياع".

وأضاف عبر "تويتر"، أن هذا شيء طبيعي ومنطقي، ولكن غير الطبيعي هو أنك (رأس النظام عبدالفتاح السيسي) تعاند مع المنطق لأنك مؤمن بكل نرجسية واستعلاء أن شعب مصر لا يستحق ولا ينتمي لأي من المقومات الكونية الطبيعية".

قلق غربي

حالة الغضب المتصاعدة بالداخل المصري، عبرت عنها المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا، في 10 مارس 2022، بالقول: "أنا قلقة على مصر، إذا كان لدينا ارتفاع مستمر بأسعار الغذاء والطاقة، فكيف سيؤثر ذلك على الناس هناك؟"

وفي سياق التقارير الدولية، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو" في 11 مارس، إن الأسعار العالمية للأغذية والأعلاف قد ترتفع بين 8 و20 بالمئة نتيجة الصراع في أوكرانيا، مؤكدة أن لذلك تداعيات خطيرة على بلدان كثيرة بينها مصر.

وحذرت "الفاو" من تعرض نحو 9.6 بالمئة من المصريين لخطر عدم القدرة على توفير طعام صحي مع تراجع قدرتهم الشرائية بنسبة الثلث، في ظل معانة أكثر من 60 بالمئة من المصريين من الوقوع تحت خط الفقر العالمي، وفقا للبنك الدولي في مايو/ آيار 2019.

وتحدث "معهد الشرق الأوسط" الأميركي في تقرير له بتاريخ 3 مارس 2022، عن الآثار السلبية على مصر جراء الحرب الروسية الأوكرانية، مشيرا للمخاوف الكبيرة من أزمة غذاء وتهديد اقتصاد مصر بالكامل، وثورة غضب شعبي على غرار عهدي الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك.

وقال المعهد، إن "الأمن الغذائي لمصر بات مهددا والقطاع الزراعي في البلاد غير قادر على إنتاج ما يكفي حتى نصف الاحتياجات المحلية من الحبوب الغذائية".

وأوضح أنه في 2021، واجهت مصر مستويات غلاء لم تشهدها منذ الربيع العربي عام 2011، والذي نجم عنه الإطاحة بمبارك، مشيرا إلى أنه "بعد 8 أعوام باتت حكومة السيسي الآن معرضة بالقدر ذاته إلى ارتفاعات هائلة في تكاليف الغذاء".

ولفت التقرير إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية تسببت برفع الأسعار لمستويات تتجاوز قدرة مصر على التحمل، إذ زاد سعر القمح بنسبة 44 بالمئة، وسجل زيت زهرة الشمس 32 بالمئة ارتفاعا.

"معهد الشرق الأوسط"، عاد بذاكرة المصريين إلى عهد الرئيس السادات عندما خضع لمطالب البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وقلص دعم الخبز وزيت الطهي، فكانت النتيجة اندلاع "انتفاضة الخبز" عام 1977، التي واجهها باستدعاء الجيش لقمع المحتجين.

وأكد أن حظوظ خليفة السادات، مبارك، أسوأ بكثير عندما وصل معدل التضخم لـ18.9 بالمئة عام 2011، مع تقليص الدعم عن المواد الغذائية الأساسية بطلب من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وقال المعهد: "الآن تواجه مصر مرة أخرى نقصا حادا في واردات القمح في وقت وصلت فيه الأسعار إلى مستويات قياسية، خاصة مع إقبال شهر رمضان".

ودعا التقرير الغرب للوقوف بجانب حكومة السيسي، قائلا: "ينبغي على واشنطن وأوتاوا وباريس وبرلين وبروكسل مساعدة مصر قبل أن تظهر فيها الاحتجاجات".

محاولات بائسة

وعلى عكس توجهات النظام المصري وإعلان السيسي في أغسطس/ آب 2021، تقليص الدعم الحكومي للخبز، اتخذت الحكومة المصرية قرارات عديدة منها ما هو محاولات بائسة لوقف ارتفاع الأسعار ومنها ما هو لتقليل حالة الغضب.

وهو ما لاقى سخرية مصريين تحدثوا لـ"الاستقلال"، مشيرين إلى أنها "محاولات عبثية لن تجدي في وقف الأسعار التي تسعى لرفعها الحكومة دون مبرر منذ بدء الحرب الروسية".

ووفق تقارير صحفية فإن زيارات السيسي المتتابعة لدول الخليج في 26 يناير/ كانون الثاني 2022، للإمارات، وفي 22 فبراير للكويت، وفي 8 مارس للسعودية، كانت بهدف الحصول على دعم مالي سريع.

وداخليا، وفي مقابل أزمة الأسعار وقرارات تعويم الجنيه ورفع سعر الفائدة، اتخذت الحكومة إجراءات أعلنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في 21 مارس 2022، بينها "تبكير تطبيق زيادة الرواتب وزيادة المعاشات، من أول أبريل/ نيسان 2022، بدلا من يوليو/ تموز 2022".

وكذلك: "رفع حد الإعفاء الضريبي بنسبة 25 بالمئة من 24 ألفا إلى 30 ألف جنيه"، و"إضافة 450 ألف أسرة جديدة للاستفادة من معاش (تكافل وكرامة)"، و"تثبيت الدولار الجمركي عند 16 جنيها للسلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج نهاية أبريل 2022".

وفي 15 مارس 2022، اجتمع السيسي مع مدبولي ووزراء الدفاع الفريق أول محمد زكي، والتموين علي المصيلحي، والداخلية محمود توفيق، ورئيس المخابرات العامة عباس كامل.

وفي قرارات عاجلة قرر السيسي، دراسة تسعير الخبز غير المدعم، ووضع حافزا ماديا لتوريد الفلاحين للقمح للصوامع الحكومية، مع قرارات لوقف تصدير بعض السلع لزيادة المخزون الإستراتيجي منها، هي العدس والمعكرونة، والقمح والدقيق والفول.

ووجه السيسي، بالتنسيق بين القوات المسلحة ووزارة التموين وصندوق "تحيا مصر"، لتوفير السلع الغذائية منخفضة الأسعار، وكذلك توزيع كراتين رمضان للمواد التموينية.

وفي إطار محاولات السيطرة على الأسواق، أخرجت وزارة الداخلية ما في مخازنها من بضائع مصادرة من الأهالي لبيعها بمنافذ البيع الخاصة بها والمنتشرة بالقاهرة وعواصم المحافظات بأسعار أقل، وعبر سيارات مخصصة لبيع الأطعمة تجوب أحياء القاهرة الشعبية.

وأعلنت الحكومة في بيانات متتابعة أنها ستستخدم ما لديها من مخزون إستراتيجي من السلع المختلفة، وإتاحتها بالأسعار المعروضة قبل موجة الزيادة الأخيرة.

وأكدت أن المواطن يستطيع الحصول على السلع بالأسعار القديمة من المنافذ التابعة لوزارتي التموين والداخلية وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة.

وعبر الإعلام توجه الحكومة رسائلها لتهدئة الشارع معلنة عن عقاب المحتكرين، وتطمئن في نفس الوقت المواطنين على تواجد المخزون الإستراتيجي من السلع، مع توجيه الإدارة المحلية لمراقبة الأسعار في الأسواق.

وأعلن مجلس الوزراء، رصد 100 مليار جنيه (5.5 مليارات دولار) للاستثمار الداجني لوقف ارتفاع أسعار اللحوم والدواجن، والإعلان أن مخزون الفول يكفي ثلاثة أشهر والزيت لمدة خمسة أشهر والقمح لنهاية 2022، والأرز بنسبة اكتفاء 100 بالمئة، واللحوم الحية بنسبة اكتفاء 57 بالمئة.

وفي اليوم ذاته، أصدر رئيس الوزراء قرارا بالتسعير الجبري لأنبوبة البوتغاز بسعر 75 جنيها للأسطوانة سعة 12.5 كيلو غراما، و150 جنيها للأسطوانة سعة 25 كيلو غراما.

إلى أسوأ

 وفي قراءته للمشهد، قال الخبير الاقتصادي المصري أحمد ذكرالله، إن "التعويم الجديد للجنيه يأتي بهدف حصول مصر على قرض جديد من صندوق النقد الدولي".

وأوضح لـ"الاستقلال"، أن "رفع سعر الفائدة هو أيضا مرتبط بمحاولة الحفاظ على الأموال الساخنة التي هرب منها نحو 15 مليار دولار في مارس 2022".

وأكد أن "تأثير القرارين كبير على الشعب المصري الذي يعاني بالفعل، وذلك لأن الحكومة تواصل سياساتها برفع أسعار السلع، وزيادة نسبة الضرائب، وتخفيض الدعم".

وتوقع الأكاديمي المصري "المزيد من ارتفاع الأسعار والأزمات في الشارع المصري خاصة مع قدوم شهر رمضان".

وعن الغضب الشعبي المتصاعد في الشارع المصري، قال الخبير الاقتصادي والإستراتيجي الدكتور علاء السيد، إنه "غضب بدون آليات واضحة ولا قيادة ولا قدرة لأحد على حساب نتائجه المحتملة".

وبشأن القلق السيادي من هذه الحالة، أضاف لـ"الاستقلال"، أن "الدولة لم تغمض لها عين منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، ولم ولن تتوقف عن تنفيذ أجندة الفساد والإفساد الممنهجة لأن هذا واجبها نحو من نصبها على سدة الحكم من أعداء الوطن".

وفي تقديره لإمكانية نجاح المحاولات الحكومية في تجاوز أزمة ارتفاع الأسعار في مصر، أكد السيد، أن "ما يشار إليه من محاولات حكومية لضبط أزمة الأسواق في مصر قبيل رمضان؛ محض دعاية للاستهلاك المحلي ليس إلا".

وتوقع ألا "تفلح أي من مساعيها المزعومة في ظل ثلاث موجات جديدة لارتفاع الأسعار ستضرب الأسواق المصرية تباعا، أولها مع دخول شهر رمضان".

"وثانيها تزامنا مع التعويم الثاني للجنيه المصري الذي جرى تنفيذه قبل التوقيع مع بورصة (يوروكلير) على طرح الديون المحلية على شكل سندات بالجنيه المصري دوليا، تضمنها أصول مصر التي استحوذ عليها صندوق مصر السيادي".

ووفق توقعات الخبير المصري فإن الموجة الثالثة من الغلاء تبدو "بعد وصول شحنات الأغذية والبضائع للموانئ المصرية والتخليص عليها وضخها في الأسواق بالأسعار العالمية الجديدة".

وأوضح أن "الارتفاعات التي ضربت الأسواق المصرية فعلا خلال الأسبوعين الأولين من الحرب الروسية الأوكرانية محض جشع من التجار ومن الدولة ومن القطاع الاقتصادي للجيش، للصيد في الماء العكر على حساب الشعب وتعليق ذلك على شماعة الحرب".

ولفت إلى أن "غضب الشارع المصري الذي يسبق رمضان بسبب ارتفاع جميع الأسعار ينبغي توجيهه بحكمة لتصويب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

"وهو ما لا أتوقع أن يتم دون قيادة شعبية على الأرض، وهو الأمر غير المتوفر بعد حالة الانسداد السياسي المتعمد"، يستدرك السيد.

وعن تصريحات القلق الصادرة عن المدير العام لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا يعتقد السيد، أنها "أشبه بالمشي في الجنازة بعد أن شارك الصندوق في قتل القتيل".

وألمح إلى أن توقعات المسؤولة الأممية صحيحة، مشيرا إلى أن "أزمة الغذاء في مصر ستصل إلى حدوث عجز في السلع الإستراتيجية، وخاصة مع عدم وجود سيولة بالبنك المركزي المصري بكل تأكيد".