اليوان الصيني لتسعير النفط السعودي.. تحول مدروس أم لعبة لابن سلمان؟

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع انتشار أنباء عن توجه سعودي غير مسبوق في قبول اليوان الصيني بدلا من الدولار الأميركي في مبيعات النفط الصينية، بدأ الحديث عن التحولات الجذرية في علاقة المملكة تحت قبضة ولي العهد محمد بن سلمان، وأميركا بقيادة جو بايدن. 

هذه الأنباء دفعت إلى استرجاع ما كتبه أكاديميون بارزون مثل الأمريكي مايكل كلير، في كتابه الشهير "دم ونفط"، وقال فيه إن "الأعمال العسكرية الأميركية المرتبطة بالنفط، ستزداد في السنوات القادمة، ومع حلول عام 2020 ستحتاج أميركا إلى استيراد ضعف ما كانت تستورده من النفط الخام عام 1990". 

وأشار كلير، في الكتاب الذي أصدره عام 2010، إلى "تراجع أميركا سياستها في الشرق الأوسط العائم على محيط من النفط الخام، وبما أن هذا النفط سيأتي من مناطق غير مستقرة، كالخليج وبحر البلطيق وإفريقيا، سيؤدي ذلك إلى تورطها المتكرر في نزاعات عنيفة". 

وبعد سنوات من نظرياته التي طرحها في كتابه، ها هو الواقع يقربها من خلال التحولات الأخيرة في سياسة السعودية، المصدر الأهم للنفط في العالم. 

مسعرة باليوان 

في 15 مارس/ آذار 2022، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن "السعودية تبحث قبول اليوان بدلا من الدولار في مبيعات النفط الصينية" في خطوة غير مسبوقة تقدم عليها الدولة الخليجية. 

وأكدت أن "السعودية بدأت إجراء مشاورات مع الصين لتسعير بعض من صادراتها النفطية باليوان، في خطوة يتوقع أن تؤثر بشدة على سيادة الدولار في أسواق النفط العالمية، وتعد مؤشرا على توجه أكبر مصدر للخام في العالم نحو العملاق الآسيوي". 

وأوردت أن "المفاوضات حول العقود المتوقع تسعيرها باليوان، بدأت منذ حوالي ست سنوات، إلا أنها شهدت نموا بشكل خاص خلال 2022، في الوقت الذي أظهر فيه السعوديون استنكارهم للالتزامات الأميركية بشأن الدفاع عن سلامة المملكة، في ظل الحرب ضد الحوثيين في اليمن". 

وبحسب ما نقلته "وول ستريت جورنال" عن مصادر لم تسمها، فإن الرياض عبرت مرارا عن عدم قبولها لتوجه إدارة الرئيس بايدن، نحو عقد اتفاق نووي مع إيران، خصمها اللدود، بالإضافة إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان، الذي صدم السعوديين. 

ووصفت الصحيفة توجه السعودية لبيع النفط إلى بكين باليوان بأنها فكرة "شديدة التقلب وعدائية"، وأشارت إلى أن المملكة كانت طرحت هذه الفكرة في الماضي عندما شهدت علاقاتها مع واشنطن توترا ملحوظا. 

فيما ذكر موقع الحرة الأميركي، أن "الدولار يبرز في 80 بالمئة من مبيعات النفط العالمية، وكانت المملكة قد حددت الدولار للمبيعات النفطية منذ عام 1974، في اتفاقية مع إدارة الرئيس السابق ريتشارد نيكسون، شملت في المقابل ضمانات أمنية للمملكة".

وأضاف أن "الصين تشتري أكثر من 25 بالمئة من صادرات السعودية النفطية، وإن تم تسعيره باليوان، فإن تلك المبيعات ستنعش مرتبة العملة الصينية عالميا، ومن المتوقع أن يدفع تسعير جزء صغير من صادرات المملكة البالغة نحو 6.2 ملايين برميل يوميا بأي عملة غير الدولار إلى تغيير عميق".

وبالفعل بدأ تغيير عام يطرأ على سياسة المملكة الخارجية، وتباينت تحركاتها دوليا خلال السنوات الماضية. 

أقرب إلى بكين 

فبعد الحادثة المروعة لمقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018، والتوترات التي طرأت بسببها على علاقة محمد بن سلمان مع واشنطن وكثير من العواصم الغربية، انتهجت الرياض سياسة مختلفة وتبنت توجهات أقرب إلى الشرق. 

ففي 21 فبراير/ شباط 2019، وصل ابن سلمان إلى بكين بهدف تقوية علاقات المملكة السياسية والاقتصادية مع الصين، حيث التقى بالرئيس الصيني شي جين بينغ. 

وشهدت هذه الزيارة الاستراتيجية في العلاقة بين البلدين توقيع السعودية والصين نحو 35 اتفاقية تعاون اقتصادي مشتركة تقدر بأكثر من 28 مليار دولار، وذلك في ختام المنتدى السعودي الصيني للاستثمار الذي عقد في بكين.

وقالت حينها وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا)، إن "الصين هي الشريك التجاري الأكبر للمملكة، والتجارة الثنائية قوية ومزدهرة مع انفتاح الأسواق الصينية، والمملكة لديها حصتها في تلك الأسواق".

وبحسب أرقام الدائرة العامة للجمارك الصينية لعام 2021، أصبحت السعودية هي أكبر مزودي النفط لبكين عام 2021، وبلغت صادراتها 1.76 مليون برميل يوميا، تليها روسيا بحوالي 1.6 مليون برميل يوميا. 

وتعد الصين أكبر مستورد للخام من المملكة، ووفرت لها حوافز ربحية مذهلة.

وهو ما ذكرته وكالة "بلومبرغ" الأميركية، في 16 مارس 2022، عندما قالت: "تشتري الصين أكثر من 25 بالمئة من النفط الذي تصدره السعودية. وإذا تم تسعيره باليوان، فإن هذه المبيعات ستعزز مكانة العملة الصينية". 

وأردفت: "خاصة مع دخول شركة أرامكو السعودية أكبر منتج للنفط بالعالم في شراكة استثمارية لتطوير منشأة تضم مصفاة رئيسة ومجمعا متكاملا للبتروكيماويات في شمال شرقي الصين". 

وبالتالي كان صعبا على المملكة أن تضحي بالصين، الغريم الأول للولايات المتحدة، بعد أن قدمت لها كل شيء، وعلى العكس سارت العلاقات السعودية الأميركية على ما لا يرام. 

حيث أخذت العلاقة السياسية والاقتصادية بين واشنطن والرياض بعدا متباينا، ولم يحدث تواصل مباشر بين بايدن وابن سلمان حتى اليوم.

فعلى سبيل المثال، ذكرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية، في إحصائيات عام 2021، أنه بعد أن كانت الولايات المتحدة تستورد مليوني برميل نفط يوميا من المملكة في مطلع التسعينيات، تقلصت لتبلغ 500 ألف برميل فقط بحلول ديسمبر/ كانون الأول 2021. 

انهيار البناء 

وفي قراءته للمشهد، رأى الباحث الاقتصادي أحمد يوسف، أن الخطوة التي اتخذتها المملكة القائمة على تسعير الصادرات النفطية إلى الصين باليوان، قد تدفع مستثمرين آخرين إلى الاقتداء بها، خاصة المصدرين الآخرين إلى الصين، مثل العراق وإيران". 

وقال لـ"الاستقلال: "لا شك أن التسعير باليوان الصيني سوف يؤدي إلى تهديد واضح لسيادة الدولار في النظام المالي العالمي، لأن سوق النفط، مثله مثل سوق السلع العالمية تماما، وبالتالي تداوله هو التأمين الوحيد لضمان استقرار الدولار كعملة احتياطية بعد الذهب". 

وذكر يوسف أن "الأمر أشبه ببناء متكامل الأركان إذا أخذت طوبة من المبنى، فإن الكيان سيكون مهددا بالانهيار الكامل فيما بعد".

وأضاف: "مع ذلك لا يمكن إغفال الأضرار اللاحقة على تلك الخطوة، فالريال السعودي مثل باقي العملات مرتبط بشكل أساسي بالدولار، وفي حال اهتز يمكن أن يهتز الاقتصاد السعودي بأكمله".

لذلك فإن "الأمر واضح أنه أخذ بعدا سياسيا انطلاقا من إرادة ولي العهد السعودي، أكثر منه بعدا اقتصاديا قائما على حسابات المصلحة والمخاطر"، يوضح الباحث الاقتصادي.

واستبعد يوسف أن تكون هذه الخطوة حقيقية في مجملها أكثر من كونها معبرة عن تباعد واختلاف بين الإدارتين.

وفسر ذلك بالقول: "لأنه من الصعب على المملكة التي تعتمد اعتمادا جذريا على الولايات المتحدة في اقتصادها وسياستها، أن تحدث هذا الانقلاب الكامل، فحتى على سبيل المثال معظم الشركات النفطية العاملة داخل البلاد هي أميركية في الأساس".