نفط روسيا الرخيص.. هل يدفع الهند للتضحية بتحالفها مع الولايات المتحدة؟

علي صباحي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

معتمدة على شراكتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، أصبحت الهند في السنوات الأخيرة إحدى أكثر الدول نموا بالعالم، لتبرز كخامس أقوى اقتصاد في عام 2019 متجاوزة بريطانيا وفرنسا، ما عزز نفوذها لمواجهة خصميها المجاورين، الصين وباكستان.

لكن هذه الصحوة، اصطدمت بتحديات مؤثرة ألحقت أضرارا كبيرة بها، كان في مقدمتها جائحة كورونا في عام 2020، التي لا تزال تداعياتها قاسية على الاقتصاد الهندي، لا سيما على صعيد أزمة الطاقة، التي زاد من حدتها الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022.

وخلافا لمواقف أميركا وأوروبا، امتنعت الهند عن التصويت على ثلاثة قرارات أممية تدين غزو حليفتها التاريخية، كما لم تشارك بالعقوبات غير المسبوقة المفروضة على موسكو، بل أقدمت على إبرام عقود لشراء نفط روسي بأسعار رخيصة، في خرق لافت للنهج الغربي.

أولويات متباينة

في 16 مارس/ آذار 2022، كشف مسؤول حكومي هندي لصحيفة "واشنطن بوست"، أن بلاده اشترت من روسيا ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام، لتأمين احتياجاتها من الطاقة، ما يعزز نية نيودلهي الحفاظ على العلاقات التجارية والعسكرية واسعة النطاق مع موسكو.

وأضافت الصحيفة الأميركية، أن الهند أكبر مستورد للنفط في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، واشترت هذه الكمية بخصم كبير في سعرها، يقدر بـ20 بالمئة، في وقت وصل فيه سعر البرميل إلى 130 دولارا.

وتهدد القفزة بأسعار النفط في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا بإشعال التضخم في الهند الذي اقترب في فبراير من سبعة بالمئة، إضافة إلى استنزاف المالية العامة والإضرار بالنمو، بينما تخرج البلاد من تباطؤ اقتصادي كبير تسببت فيه جائحة كورونا.

ونقلت الصحيفة عن المسؤول الهندي دون تسميته، أن هذه الصفقة "صغيرة نسبيا إذا قيست بحجم الإنتاج الروسي والطلب الهندي"، إلا أنه لم يخف توقعه بأن "نيودلهي قد تستورد كميات أكبر في الأشهر المقبلة".

وتشتري الهند غالبية احتياجاتها النفطية من الشرق الأوسط، حيث يقدم العراق 28 بالمئة، والسعودية 18 بالمئة، والإمارات 11 بالمئة.

وقبل هذا الكشف بيومين، نشرت وكالة بلومبرغ الأميركية، أن نيودلهي تدرس آليات لتفادي العقوبات على روسيا لشراء خامها المتوفر بخصم كبير حاليا، في وقت يتجنب فيه المزيد من العملاء الإمدادات الروسية في أعقاب الحرب الدائرة بأوكرانيا.

وأضافت نقلا عن مسؤولين حكوميين هنديين دون تسميتهم، أن نيودلهي تتشاور مع بنكها المركزي والمصدرين والسلطات الروسية، بشأن مدفوعات بالروبية الهندية، يكون أساس قياسها الدولار الأميركي، لشراء النفط.

والرد الأميركي على هذه التطورات لم يتأخر سوى ساعات، إذ استنكرت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين بساكي الصفقة، وقالت، إنه ينبغي على الهند أن تقلق بشأن ما سيرد في التاريخ عند سرد أحداث غزو أوكرانيا.

وأضافت في موجز صحفي بالبيت الأبيض، أنه سيتعين على الهند توقع أسئلة حول ما إذا كان الغرب قد أخطأ حين قدم كثيرا من الدعم لها إن أتبعتها بمزيد من الصفقات.

وأوضحت بساكي أن رسالة الرئيس جو بايدن هي دعوة الدول إلى الالتزام بالعقوبات الأميركية على روسيا، "وعلى الدول أن تفكر في الجانب الذي تريد أن تقف فيه".

وأكدت أن هذه الخطوة ستضع "أكبر ديمقراطية بالعالم" في الجانب الخطأ من التاريخ.

ويؤكد مراقبون أن مخاوف واشنطن الحقيقية من الخطوة الهندية تتعلق بتبني مزيد من الدول النامية نفس النهج، ما يفتح نافذة مهمة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للتخفيف من وطأة العقوبات وما بات يعرف بـ"الروسفوبيا" التي يروج لها الغرب حاليا، لنبذه وعزله عن المجتمع الدولي.

معايير غريبة

وفي قراءته للمشهد، قال الكاتب والباحث السياسي الهندي ميهير شارما، إن انتقاد شراء الهند للنفط من روسيا أمر غريب، خاصة أن الدول الأوروبية لم تمنع نفسها عن إمدادات الطاقة الروسية، كما فعلت أميركا.

وأوضح خلال مقال لوكالة بلومبيرغ في 18 مارس، أن الهند لا يمكنها تحمل فواتير باهظة مثل الدول الأوروبية، فإذا استمر سعر النفط فوق 70 دولارا للبرميل لأشهر، ستنهار الروبية وتنفد سيولة الحكومة ويرتفع التضخم بشكل كبير، ما سيدفع البلاد إلى القلق بشأن أزمة في ميزان المدفوعات.

وأضاف شارما أن لدى الهند أيضا أسبابا للتساؤل عما إذا كانت قد أخطأت بشدة في الركون للغرب. فبينما تعلن أوروبا وأميركا عن سعادتهما بسرعة وفعالية العقوبات ضد روسيا، يغفلان عن تأثير تلك العقوبات على بقية دول العالم.

ومضى يقول: تلحظ الهند وباقي الدول النامية معايير غريبة لدى القوى الغربية والمؤسسات التي تهيمن عليها فيما يخص الصراعات القريبة منها، كما في حالة أوكرانيا.

 بينما لا تأخذ بالحسبان التأثيرات العالمية لقراراتها، كما هو الحال بإخراج العديد من البنوك الروسية من نظام سويفت للتحويلات المالية.

وتابع الخبير الهندي: كنا نعتقد من قبل أن التحويلات بين البنوك تمثل منفعة عالمية لكنها تحولت إلى أداة للسياسة الخارجية الغربية، وقرار إخراج موسكو من نظام سويفت جاء من جانب واحد دون الاكتراث بكيفية دفع دول مثل الهند ثمن النفط والأسمدة من روسيا.

وخلص للقول: لذا لا ينبغي أن نتفاجأ من رد فعل الهند التي تبحث عن طريقة للالتفاف على العقوبات عبر تسوية تجارتها مع روسيا بالروبل والروبية.

إستراتيجيا، أشار شارما إلى أن الهند تخشى من اندفاع روسيا على المدى الطويل باتجاه الصين نتيجة العقوبات، ما يوسع من سيطرة بكين على الاقتصاد العالمي.

وأضاف الخبير الهندي أنه إذا كان البعض في الغرب يقلق من عدم دعم نيودلهي لهم، فالأمر مشابه تماما عندما يشعر الكثير من الهنود بالقلق من عدم وقوف الغرب لجانبهم.

ومع ذلك، لفت إلى أنه لا يمكن إنكار استفادة بلاده من دعم الغرب لمواجهتها الاضطرابات الاجتماعية وضعف الأداء الاقتصادي.

كما أنها بحاجة لرأس مال أوروبي، واستثمارات يابانية وتقنية أميركية لتحديث اقتصادها، ناهيك عن الأسلحة والدعم الدبلوماسي من أجل الوقوف في وجه منافستها الصين.

توازن دقيق

ولعل الأسباب المذكورة هي ما دفعت الهند لتهدئة هذه السياسة الحريصة على التقرب من موسكو وإرضاء واشنطن، إذ كشفت وكالة رويترز البريطانية في 19 مارس، أن واردات نيودلهي النفطية من الولايات المتحدة ستزيد 11 بالمئة في 2022.

وأضافت نقلا عن مسؤول حكومي هندي مطلع لم تسمه، أنه بعد هذه الزيادة سيرتفع نصيب أميركا من السوق الهندية إلى ثمانية بالمئة في 2022، وستكون رابع أكبر مصدر للنفط للهند.

ومن أجل إعادة الهند إلى التكتل الغربي من جديد، زار في نفس اليوم رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، نيودلهي، لإجراء محادثات مع نظيره الهندي ناريندرا مودي، حضه خلالها على تبني نهج أكثر صرامة إزاء الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن كان لافتا أن بيانا مشتركا صدر بعد المحادثات خلا من أي إدانة لأفعال موسكو.

والهند هي الدولة الوحيدة التي تتبنى موقفا محايدا إزاء روسيا في مجموعة "كواد" التي تضم إلى جانبها أستراليا والولايات المتحدة واليابان، وتهدف إلى تعزيز قوة الدول الأربع في منطقة المحيطين الهندي والهادي لمواجهة نمو القوة الصينية.

وبينما أكد رئيس الوزراء الياباني في مؤتمر صحفي أن "الغزو الروسي يهز أسس نظام المجتمع الدولي وينبغي التعاطي إزاءه بحزم"، اكتفى البيان المشترك الذي صدر بعد اللقاء، بالدعوة إلى "وقف فوري لأعمال العنف والإشارة إلى عدم وجود خيار آخر سوى مسار الحوار والدبلوماسية لتسوية النزاع".

ومن دون تسمية أي دولة، شدد البيان على "ضرورة أن تسعى جميع الدول إلى تسوية سلمية للخلافات بما يتماشى مع القانون الدولي ومن دون اللجوء إلى التهديد أو استخدام القوة أو إلى أي محاولة من جانب واحد لتغيير الوضع القائم".

وتأتي هذه المحادثات بعد أيام من قمة افتراضية جمعت رؤساء الدول الأربع مطلع مارس، لكنهم لم يتمكنوا أيضا من إقناع رئيس الوزراء الهندي بدعم موقفهم إزاء أوكرانيا.

ودعت الهند في هذه القمة مجموعة كواد إلى مواصلة "تركيزها على هدفها الرئيس في منطقة المحيطين الهندي والهادئ والمتمثل بإرساء السلام والاستقرار والازدهار".

وعن هذا الحذر الشديد، قال الأكاديمي والباحث السياسي الهندي ذكر الرحمن، إن امتناعها عن التصويت في مجلس الأمن ضد روسيا في البداية أتاح للهند تجنب الانحياز إلى جانب واحد والانجرار إلى أزمة تحدث في أماكن بعيدة.

وأوضح في مقال نشرته صحيفة الاتحاد الإماراتية في 4 مارس 2022، أن الهند ليس لها مصالح مباشرة في أوكرانيا باستثناء إجلاء مواطنيها هناك، وتسعى لتجنب حدوث رد فعل للأزمة على علاقاتها مع روسيا، لأنها شريك رئيس لها في مجال الدفاع، أو مع أميركا التي تعد عنصرا حاسما لمواجهة الإشكالات المتزايدة مع الصين في المنطقة.

ولفت إلى أن أزمة أوكرانيا تأتي أيضا في وقت كانت فيه الهند في سبيلها للحصول على خمسة أنظمة صواريخ دفاع جوي من طراز "إس-400" من روسيا، وكانت تنتظر استثناء من أميركا التي فرضت بالفعل عقوبات على تركيا لحيازتها نفس الصواريخ.

وأضاف أن موسكو بالفعل بدأت تسليم الصواريخ إلى نيودلهي، وهو ما ينظر إليه على أنه عنصر مهم للاستعداد الدفاعي للهند التي لديها حدود غير مستقرة مع كل من باكستان والصين.

تعاون تاريخي

كما أشار الباحث الهندي إلى أن موسكو ونيودلهي حليفتان منذ فترة الحرب الباردة، وطالما شكل التعاون الدفاعي حجر الأساس في علاقتهما.

وكانت الهند قد سعت إلى تنويع مشترياتها الدفاعية خارج روسيا، من دول مثل أميركا وإسرائيل وغيرهما في السنوات الأخيرة.

لكن ما يزيد على 60 بالمئة من الأسلحة الهندية لا يزال يأتي من روسيا، ما يعني أن نيودلهي بحاجة إلى الاستمرار في الحصول على قطع الغيار من موسكو، يوضح ذكر الرحمان.

وزاد أنه لا شك أن العلاقة بين الهند وروسيا قد تعرضت لضغوط في السنوات الأخيرة أيضا، حيث أصبحت نيودلهي أقرب إلى واشنطن، مع تواصل صعود بكين.

ومضى بالقول: بدورها، أصبحت روسيا أقرب إلى الصين وباكستان، لكن التطورات الأخيرة في أفغانستان، أفضت إلى زيادة مشاركة نيودلهي السياسية مع موسكو، لأن الأولى تسعى للوصول إلى آسيا الوسطى.

وأكد أن الهند تحاول الحفاظ على توازن دقيق بين روسيا وأميركا، فكان مودي من بين عدد قليل من قادة العالم الذين تحدثوا هاتفيا مع بوتين في خضم الأزمة الأوكرانية، وناشده من أجل الوقف الفوري للأعمال العسكرية.

وفي الوقت نفسه تحدث مودي أيضا مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معربا عن استعداده للمساهمة بأي شكل من الأشكال في جهود السلام.

والتوتر بين الهند والصين في أعلى مستوياته منذ المواجهات التي دارت بينهما عام 2020 في المنطقة الحدودية المتنازع عليها في الهيملايا، وأوقعت 20 قتيلا على الأقل من القوات الهندية وأربعة قتلى بصفوف الصين.

وأكدت تقارير صحفية حينذاك أن روسيا عملت بهدوء خلف الكواليس لنزع فتيل التوترات بين الهند والصين عقب تلك المواجهات.

ونقلت دراسة أجراها مركز أبحاث "ستيمسون" الأميركي في 4 مارس 2022، عن المسؤول المتقاعد في وزارة الدفاع الهندية "آميت كوشيش"، تأكيده أن القوات المسلحة لبلاده قد تشل في غضون عام إذا لم تستطع مواصلة التجارة مع روسيا.

وأوضح آميت أن التعاون في القطاع العسكري بين البلدين يتضمن "ذخائر واتفاقات تجميع فرعية وتراخيص مهمة، وكلها ستنتهي، ولن يكون من مصلحة أميركا إعاقة شريك مهم لها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ أو تنفيره بسبب العقوبات".