ورقة الاحتياطيات.. هكذا يمكن للمغرب الاستفادة من غزو روسيا لأوكرانيا

فاتحة المودن | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع انتشار الأحاديث في وسائل الإعلام المغربية عن الأضرار التي يلحقها باقتصاد البلاد، الغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022، برزت أصوات أخرى تتحدث أن ثمة فرصا يمكن استثمارها للتخفيف من وطأة هذه الحرب.

ورغم البعد الجغرافي للمغرب عن رحى الحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا أن "شظايا" التداعيات تصل إليه نظرا للعلاقات التي تجمع الرباط بموسكو وكيف، فضلا عن العوامل العالمية، وفي مقدمتها ارتفاع أسعار المحروقات التي لها تأثير كبير على القدرة الشرائية للمغاربة.

ولا تزال الأنظار تتجه نحو أوكرانيا وروسيا بسبب استمرار الحرب وعدم نجاح المساعي الدبلوماسية في نزع فتيلها، التي لها تأثيرات تشمل معظم اقتصادات العالم، وبينها المغرب، خاصة مع ظروف أزمتي كورونا والجفاف التي عانت منهما المملكة في الشهور الماضية.

الفوسفات حاضر

وفي مسعى للتخفيف من حدة الأزمات المتتالية، أشارت وسائل إعلام مغربية إلى أنه يمكن استثمار الفرص الناجمة من هذه الحرب، لتحقيق مكاسب اقتصادية نسبية.

فبعد فرض الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان وكندا وأستراليا، عقوبات اقتصادية ومالية قاسية على روسيا، تأثرت عديد من صادراتها، وفي مقدمتها الفوسفات.

ويعد الفوسفات عنصرا جوهريا في صناعة الأسمدة، وكانت روسيا من أهم مصدريه عالميا إلى جانب الصين وأميركا والمغرب.

وكانت روسيا تحتل المرتبة الرابعة في توفير هذه المادة بالسوق الدولية بمتوسط سنوي يبلغ  14 مليون طن، وهذه الكمية يتوق إليها العالم حاليا، ويمكن للمغرب أن يوفرها.

وتحتل الصين المرتبة الأولى عالميا على مستوى صادرات الفوسفات بـ100 مليون طن سنويا في المتوسط وتليها المغرب ثانيا بـ36 مليون طن، وبعدها تأتي أميريكا بالمركز الثالث.

وفي تعليقه على هذه الفرصة، ذكر الكاتب الصحفي المغربي حمزة المتيوي، أنه "على الصعيد السياسي، لا يميل الأوروبيون تحديدا إلى الصين كبديل أول لروسيا نتيجة تحالف البلدين اقتصاديا وعسكريا، بل إن بكين أضحت متهمة بتوفير الدعم السياسي للحرب الروسية على أوكرانيا".

وأضاف في تقرير نشره موقع "الصحيفة" الإخباري المحلي في 11 مارس/ آذار 2022، "أما جغرافيا فإن المغرب أقرب من الصين والولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى أراضيه يوجد أحد عمالقة الصناعة الفوسفاتية عالميا".

في إشارة إلى عملاق الفوسفات المغربي "المكتب الشريف للفوسفات"، المعروف بامتلاكه إمكانات مادية ولوجيستية كبيرة تمكنه من رفع مستويات الإنتاج.

وأوضح الكاتب المغربي أن المغرب يملك ورقة هامة "هي الاحتياطيات، فالمملكة الأولى عالميا في مخزون الفوسفات بـ50 مليار طن، وهو ما يشكل 72 بالمئة من إجمالي احتياطيات هذه المادة على مستوى العالم".

"متبوعا بالصين بفارق كبير، التي تملك احتياطيات تصل إلى 3,2 مليارات طن، أما تقديرات الاحتياطات الأميركية فتصل إلى 1,1 مليار طن، تليها احتياطيات روسيا المقدرة بـ600 مليون طن"، يتابع المتيوي.

طلب متزايد

 وفي نفس الاتجاه، أكد المحلل الاقتصادي محمد جدري لـ"الاستقلال"، أن ارتفاع أسعار الفوسفات على المستوى العالمي سيعود بالنفع على الاقتصاد المغربي".

وأضاف أن "معاملات المكتب الشريف للفوسفات حققت في عام 2021 ارتفاعا بـ50 بالمئة، إذ بلغت تقريبا 86 مليار درهم (نحو 9 مليارت دولار)، وبالتالي فهذا الارتفاع العالمي في أسعار هذه المادة سيستفيد منه المغرب حتما".

وعرف الطلب العالمي على الفوسفات المغربي ارتفاعا في ظل الأزمة بين روسيا و أوكرانيا.

فحسب صحيفة "هسبريس" المحلية، تعتزم الهند رفع واردات الفوسفات ومشتقاته من المغرب وكندا وإسرائيل لضمان إمدادات كافية لموسم الصيف، بعد تعطل الشحنات بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأضافت "هسبريس" في 16 مارس 2022، أن وزيرة الفلاحة والثروة الحيوانية والتموين البرازيلية تيريزا كريستينا عقدت قبل أيام لقاء مع ممثلي عدد من البلدان العربية، بينها المغرب، لبحث سبل ضمان إمداد بلادها بالأسمدة التي تشكل مصدر قلق كبير لها بعد اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

وأمام هذا الارتفاع في الطلب العالمي، تطمح مجموعة المكتب الشريف للفوسفات لرفع إنتاجها خلال 2022 بنسبة 10 بالمئة لتلبية الطلب العالمي المتزايد.

وإلى جانب الفوسفات والأسمدة، سيكون المغرب أيضا مستفيدا من هذه الأزمة في تصدير الخضروات والفاكهة، لا سيما إلى روسيا وأوروبا، وهما سوقان يتنافس عليهما كثيرون.

وحسب المحلل الاقتصادي جدري "فالارتباك الحالي في السوق الأوروبية يتسبب بارتفاع الطلب على مجموعة من الخضراوات والفواكه، ما يشكل فرصة كذلك للمصدرين المغاربة من أجل تصدير منتجاتهم بأثمنة مرتفعة مقارنة بالمعتاد".

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن هذا الأمر سيشكل فرصة لاستفادة الاقتصاد المغربي، خاصة المنتجات الفلاحية من خلال ارتفاع الطلب عليها من طرف الزبون الأوروبي.

الخضروات والفاكهة

من جانبه، أعرب موقع "أغرو أنفورماثيون" الإسباني المتخصص في الزراعة عن مخاوفه من احتلال صادرات المغرب من الخضراوت والفاكهة مكانة مهمة في السوق الروسية، في ظل القيود المفروضة على الصادرات الأوروبية إلى موسكو.

وتوقع الموقع في 12 مارس 2022، أن يصدر المغرب خلال الغزو الروسي لأوكرانيا مئات الآلاف من الكيلوغرامات من منتجات زراعية نحو أوروبا وروسيا، مضيفا أن هذا الأمر يؤثر سلبا على الإنتاج الإسباني.

وأرجع الموقع قدرة الخضراوات والفاكهة المغربية، لا سيما البطيخ، في إزاحة نظيرتها الإسبانية من طريقها نحو أوروبا وروسيا، لعدة عوامل، بينها الجودة والسعر التنافسي والعمالة الرخيصة.

يشار إلى أن روسيا تعتبر الزبون الأول للحمضيات المغربية حيث تستحوذ على 60 بالمئة من حجم الصادرات.

وفي سياق تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، يتخوف بعض المراقبين من أن تتضرر الصادرات المغربية بسبب عقوبات الغرب على موسكو.

ويرى أستاذ القانون والعلاقات الدولية بجامعة عبد الملك السعدي بطنجة، عبد الله أبو عوض، أن "السوق العالمية ستتأثر لا محالة اقتصاديا، وهو ما سينعكس نسبيا على الصادرات المغربية في بعض تفاصيلها".

غير أن "ما يبعث على الاطمئنان، موقف المغرب الحيادي في النزاع الروسي الأوكراني، الذي يدل على سيادة قراره في الدبلوماسية الدولية"، يضيف أبو عوض لموقع "سكاي نيوز عربية" في 12 مارس.

ويسجل أستاذ العلاقات الدولية المغربي أن هناك" بعض التحديات على مستوى الموسم الفلاحي الحالي في المغرب، الذي يشكل الركيزة الأساسية لصادراته، لكن بالنسبة للسوق الأوروبية فسيزداد الطلب في تأمين حاجياته الغذائية".

وفي الوقت نفسه فالصادرات المغربية لا ترتكز على الطاقة بالدرجة الأساس، وهي التحدي الحقيقي للدول المستوردة، يضيف أبو عوض.

تحديات عديدة

ويأتي في مقدمة التحديات التي يواجهها المغرب على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، عودة آلاف من الطلبة المغاربة من جامعات أوكرانيا، ما يفرض على الحكومة المغربية ضغوطا كبيرة، من أجل إدماجهم بجامعاتها.

وإلى جانب ذلك، رصد تقرير صدر في نهاية فبراير 2022، لـ"مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد" المغربي، أن المملكة ستتضرر بشدة من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.

وأرجع التقرير ذلك إلى أن المغرب من الدول ذات الدخل المتوسط، ويستورد أغلب احتياجاته من الطاقة ونحو نصف احتياجاته من الحبوب.

وفي ذات السياق، قال المحلل الاقتصادي جدري لـ"الاستقلال"، إن المغرب سوف يتأثر بشكل كبير من الارتفاع المهول لأسعار المواد البترولية، حيث إن سعر البترول تجاوز 120 دولارا للبرميل ومن المرتقب أنه يصل لأكثر من ذلك.

وتابع: "هذا الأمر الذي سيضطر إلى استيراد المواد البترولية من الخارج وستباع بالمغرب بمستويات قياسية مما سيؤثر على القدرة الشرائية للمواطن البسيط.

وإلى جانب المواد البترولية والقمح، رأى جدري أن المغرب يمكن أن يتأثر أيضا من خلال صادراته من السيارات السياحية نحو روسيا وأوكرانيا.

وكان المغرب قد سجل ارتفاعا في صادرات السيارات السياحية خلال 2021 بنحو 12.8 بالمئة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، حسب إحصاءات مكتب الصرف المغربي.

ولفت إلى أن روسيا هي كذلك "مستورد مهم بالنسبة للحوامض والخضروات المغربية، فأعتقد بأن مع الارتفاع في المواد البترولية وارتفاع تكلفة الشحن والنقل الدولي والبحري، فإن هذه الصادرات نحو روسيا سوف تتأثر من ناحية التكلفة".

واسترسل جدري أن الحكومة ستكون مطالبة بدعم مجموعة من القطاعات من أهمها "قطاع النقل والخدمات اللوجستية من بين القطاعات التي يمكن أن تدعمها، وهذا سيشكل عبئا إضافيا على ميزانية الدولة.

فيما أشار تقرير "مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، إلى أن هذه التحديات ستتوقف على مدى ومدة العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا واستجابتها لها.