"بلا أوراق ضغط".. ما تأثير تجاهل السيسي بدء الملء الثالث لسد النهضة؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أظهرت صور أقمار صناعية نشرتها وسائل إعلام دولية، في 15 مارس/ آذار 2022، توقف تدفق المياه من أعلى الممر الأوسط لسد النهضة الإثيوبي، الذي يُبنى على النيل الأزرق، استعدادا للملء الثالث، وسط ردود فعل مصرية رسمية باهتة.

وكعادته منذ سنوات، يواصل نظام عبدالفتاح السيسي في مصر "ترقب" ما يجرى من تهديد لأمنها القومي للمرة الرابعة بعد الملء الأول، والثاني، ثم تشغيل السد وبدء توليد الطاقة الكهربائية منه في 20 فبراير/ شباط 2022.

شعبيا، أبدى ناشطون غضبهم من الصمت الرسمي إزاء هذا التطور، لافتين إلى أن إثيوبيا تنفذ منذ سنوات ما تريد وتفرضه على القاهرة والخرطوم دون أي رد فعل سوى التحذيرات الكلامية عن مخالفة الاتفاقيات، معتبرين أن الملء الثالث هو رابع "صفعة" لمصر.

وتعالت تساؤلات عن سبب عدم استغلال السيسي حرب إثيوبيا الداخلية لضرب السد أو تعطيله، وكانت فرصة ذهبية فعلت أديس أبابا مثلها حين بنت السد بينما كانت القاهرة مشغولة داخليا بثورة يناير/ كانون الثاني 2011.

واستشهد البعض بأن روسيا غزت أوكرانيا بذريعة أمنها القومي دون المبالاة بالرأي العام العالمي، كما تحركت إيران لضرب ما اعتبرته "مركزا استخباريا إسرائيليا" في العراق ولم تعبأ بغضب بغداد، من أجل أمنها القومي أيضا.

ورد عليهم نظام السيسي عبر لجانه الإلكترونية بترويج قصص وهمية عن عمليات عسكرية يُعد لها لضرب سد النهضة، وأخرى تطرح تفسيرا غريبا لاتفاقية السد عام 2015، ملخصه أن "القاهرة ورطت أديس أبابا في التوقيع عليها كي تجر أقدامها للاعتراف بحق مصر في التدخل لضرب السد حال المساس بمياهها".

هدف إثيوبيا

ويتمثل السيناريو الإثيوبي في وصول تخزين مياه السد في الملء الثالث إلى سعة إجمالية 18.4 مليار متر مكعب، وهو ما يشكك خبراء مصريون في إمكانية إتمامه.

أستاذ الموارد المائية والجيولوجيا بجامعة القاهرة الدكتور عباس شراقي، أكد أن صور الأقمار الصناعية، الملتقطة في 15 مارس أظهرت توقف تدفق المياه من أعلى الممر الأوسط لسد النهضة، وهي خطوة أساسية للتجهيز للملء الثالث.

وأضاف، عبر حسابه بـ"فيسبوك"، أن العمل على تعلية الممر الأوسط قد يبدأ خلال أيام بعد أن توقفت المياه، متوقعا تعلية الممر خمسة أمتار هذا العام.

وعلى عكس التوقعات الفنية المصرية تؤكد إثيوبيا نيتها تعلية السد بمقدار يسمح بتخزين 10 مليارات متر مكعب أخرى (كل تعلية متر مربع أسمنت تعني تخزين نصف مليار متر مكعب مياه) تضاف لقرابة ثمانية مليارات داخله حاليا.

ولكي تخزن كميات مياه أكبر في السد، تجهز إثيوبيا لتعلية ممرات الخزان لمنسوب 596.6 مترا فوق مستوى سطح البحر، وهو ما بدأت فيه وفق صور نشرها موقع "نهر مصر الخالد" عبر فيسبوك في 12 مارس.

لكن شراقي يشكك في قدرة إثيوبيا على تنفيذ تعلية الخمسة أمتار المستهدفة ويؤكد أنها ستكون أقل، كما أنها لن تكون قادرة على تخزين سوى 2 مليار متر مكعب لا 10 كما تزعم.

ويؤكد أنه لابد من تعلية جانبي السد الأيمن والأيسر أيضا بنفس القدر، وهو ما يصعب تنفيذه خلال المدة المتبقية (أقل من 4 أشهر).

كما أن تعلية المتر الواحد شاملة الجانبين والممر الأوسط تتطلب 60 ألف متر مكعب خرسانة، ويصاحبها أعمال فنية خاصة بالتوربينات العلوية ما يجعلها تحتاج إلى وقت مضاعف.

وحذر أنه لو لم تجهز إثيوبيا السد بعرض 60 مترا خلال 3 أشهر ونصف ستؤدي مياه الفيضان الهادرة التي تمر بمعدل 600 مليون متر مكعب، لتدمير محطتي الكهرباء خلف جانبي السد.

تأثيرات مباشرة

من جانبه، يؤكد خبير المياه هاني إبراهيم أن ملء السد بشكل أحادي، بأي كمية، يضر مصر والسودان تدريجيا، واستعداد إثيوبيا لتعلية السد هدفه حجز كميات مياه أكبر عن مصر والسودان.

وأوضح أن السد الإثيوبي يضم حاليا 7.2 مليارات متر مكعب من المياه كان مسارها الطبيعي هو حجزها في خزانات السودان والسد العالي.

وشدد، عبر تويتر، على أن "تلك الكمية تكفي لزراعة خمسة ملايين فدان قمح خسرتها مصر والسودان" (المليون فدان قمح تحتاج 1.5 مليار متر مكعب مياه).

أي أنه لو نفذت إثيوبيا التعلية الثالثة إلى 18.5 متر مكعب كما تزعم فهي بذلك تمنع مصر والسودان من مياه تكفي لزراعة 12 مليون فدان قمح.

وفي 20 فبراير 2022 أعلنت مصر، أن قرار إثيوبيا البدء بشكل أحادي في تشغيل سد النهضة هو بمثابة خرق لإعلان المبادئ الموقع عام 2015.

وعقبت الخارجية المصرية على إعلان إثيوبيا تشغيل سد النهضة، بعد الملء الأول والثاني، بأن "هذه الخطوة تُعد إمعانا من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته بمقتضى اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015، الموقع من قِبَل رئيس الوزراء الإثيوبي".

وفي 27 فبراير وجهت مصر خطابا جديدا لمجلس الأمن بشأن إعلان إثيوبيا تشغيل أول توربينين وقالت إنه "يعد خرقا جوهريا لاتفاق إعلان المبادئ المبرم في 2014، وضمن ممارسات فردية تهدد بإلحاق ضرر كبير بمصر".

ورغم مطالبة مصر والسودان لإثيوبيا تأجيل خطط ملء خزان السد حتى التوصل إلى اتفاق شامل، أعلنت أديس أبابا في 21 يوليو/تموز 2020 إنهاء المرحلة الأولى من ملء السد، ثم أعلنت الملء الثاني في يوليو 2021، وتستعد للثالث حاليا.

وأشار تقرير لموقع "اتلانتيك كونسل" في 2 يونيو 2021 إلى أن المشكلة ليست في سد النهضة وحده، والذي يهدد بترك مصر في حالة عطش، فهو أحدث قشة تضغط على ظهر البعير.

وأوضح أن الواقع أن أزمة المياه في مصر تتراكم منذ فترة طويلة، حتى قبل ظهور أزمة السد، بسبب الزيادة الهائلة في عدد السكان الذين تضخمت احتياجاتهم لتتجاوز قدرة النيل، والذين يتعرضون الآن لمخاطر عدم تناول ما يكفي من الشرب.

وفي آخر رصد للأزمة، قال وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، في أول مارس 2022، إن نصيب الفرد في مصر من المياه حاليا 500 م3 ومنذ عشر سنوات كان 800 م3 بينما كان منذ 20 سنة نحو 1000 م3.

وصرح معاون وزير الإسكان طارق الرفاعي، في 27 يناير 2022 أنه "بعيدا عن سد النهضة وغيره من الشؤون السياسية، توجد ندرة في المياه، لأن حصة مصر من مياه نهر النيل ثابتة رغم تضاعف عدد السكان خمس مرات على الأقل".

كما زادت مساحة البناء وتشعبت في مصر من 7 بالمئة إلى 14 بالمئة خلال السنوات السبع الأخيرة، وتم تنفيذ أنشطة صناعية وتجمعات عمرانية جديدة، تحتاج إلى توفير موارد مياه متعددة لهذه التجمعات.

أوراق ضغط غامضة

مصدران، أحدهما أكاديمي مصري خبير بالشؤون الإفريقية، وآخر أمني سابق، أبلغا "الاستقلال" أن موقف القاهرة "محير وغير واضح"، لأن ملف سد النهضة لدى السيسي بشكل مباشر ولا تعلم عنه الأجهزة شيئا، وهو لا يعلق إلا نادرا وبدبلوماسية.

وأوضحا، مفضلين عدم الإشارة إلى اسميهما، أن هذا يدفع أي مسؤول أو خبير حكومي لعدم تخطي الخط الأحمر في أي تصريحات، بحيث يقتصر حديثهم على "الدبلوماسية" و"ماذا سنفعل.. لا يوجد في يدنا شيء نعمله!".

وقالا إن تحمس بعض الخبراء العسكريين في وسائل الإعلام، ليقولوا إن مصر لن تسكت وستضطر للحرب، حفظا لماء الوجه هو استهلاك إعلامي لأن وقت الخيار العسكري يضمحل أو شبه انتهى مع تعبئة السد وصعوبة تدميره وإلا غرق السودان.

ربما لهذا قال مدير مركز البحوث العربية والإفريقية، مصطفى مجدي الجمال لموقع "الحرة" في 20 فبراير 2022 إن قضية سد النهضة "أصبحت معلّقة".

وذكر أن "الحكومة المصرية ترهن موقفها بأي نقص في مياه النيل، خاصة عندما يحدث جفاف".

وأكد مجدي أنه "لو حدث نقص ستتحرك مصر مهما كان الظرف الدولي معاكسا، لأنه ليس هناك دولة تقبل أن يكون هناك حكم بالإعدام على مجتمعها"، على حد تعبيره.

وأضاف: "لو نقصت حصة مصر فإنه لن يكون هناك أي حل أمامها إلا الحرب بأي شكل، رغم أنف أي حكم في السودان أو الاتحاد الإفريقي أو الأمم المتحدة".

على العكس تماما، أكد الخبير الأمني في الشؤون الإفريقية، اللواء محمد عبد الواحد، الذي كان مسؤولا سابقا عن ملف مياه النيل في إحدى الجهات السيادية، إن "مصر ملتزمة تماما بالمسار الدبلوماسي"، بحسب قوله.

وبرر للموقع نفسه "عدم استخدام القوة لاعتبارات كثيرة جدا، تتعلق بالقيم الدبلوماسية المصرية وأنها من الدول التي تدعو للسلام في المنطقة وتحافظ على الأمن واستقرار القارة".

وقال: "سنستخدم القوة الناعمة من خلال المفاوضات"، ومع هذا أضاف أن "القيادة السياسية لديها مراحل كثيرة من عمليات التصعيد، لأن مصر لن تتنازل عن قطرة مياه من حصتها التاريخية"، دون ذكر مرحلة واحدة.

ويلخص أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق الدكتور عبد الله الأشعل، الموقف المصري الضعيف من السد بقوله إن "القاهرة باتت بلا أوراق في إفريقيا".

ويوضح الأشعل لـ"الاستقلال"، أن ضعف الموقف المصري في إفريقيا جعل إثيوبيا أقوى وتصر على أن يبقى الحل داخل الاتحاد الإفريقي لعلمها أن كثيرا من دول القارة تدعمها.

ويشير إلى أن الموقف الروسي الداعم لإثيوبيا في ملف السد يجعل مصر بحاجة إلى الغرب لدعم المفاوضات وإعادة طرح الملف مجددا على المنظمات الدولية.

من جانبها، أكدت "أنيت وايبر" الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الإفريقي والبحر الأحمر، في أول مارس 2022، أن "اهتمام الاتحاد الأوروبي بسد النهضة سيزداد بعد الحرب الروسية بسبب احتياجنا للطاقة".

كما حثت مراكز بحثية أميركية واشنطن على تعزيز الوساطة في مفاوضات السد، بما يؤهلها للعب دور أكبر في منطقة القرن الإفريقي، فضلا عن تقويض التحركات الروسية والصينية التي تهدف إلى تهديد المصالح الغربية على المدى البعيد.

وتر السودان

ولأن السودان سيستفيد من كهرباء سد النهضة تحاول أديس أبابا عزل موقفه عن النهج المصري عبر حيل مختلفة، وفق مراقبين.

وآخر هذه الحيل، لقاء مسؤولين إثيوبيين وسودانيين بشكل منفصل بشأن سد النهضة الإثيوبي في 3 مارس 2022 دون حضور أي مسؤول مصري.

المباحثات جرت بين وزير الري والموارد المائية بالإنابة داو البيت عبد الرحمن، وسفيرة إثيوبيا بالخرطوم بيتال أميرو، بحضور مسؤولين من وزارة الري والشؤون الخارجية السودانية، وقيل إنها محاولة لإحياء مفاوضات السد المتوقفة.

لكن بعد هذا الاجتماع بأسبوع، أعلنت وزارة الخارجية الإثيوبية، في 11 مارس عن رفع حجم إمدادات السودان بالطاقة الكهربائية من السد لتصل إلى ألف ميغاوات، ما يبدو كرشوة للخرطوم.

وكان ملفتا قول المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي في 9 فبراير 2022، إن "موقف السودان من سد النهضة يخدم مصلحة طرف ثالث، وليس السوداني"، في تلميح إلى مصر.

من جانبه أكد أحمد المفتي، العضو السابق في الوفد السوداني لمفاوضات سد النهضة الإثيوبي، إن "إثيوبيا منزعجة من التنسيق بين مصر والسودان بشأن أزمة السد".

وأضاف لموقع "المونيتور" الأميركي في 11 مارس، أن "أديس أبابا تتبنى إستراتيجية تهدف إلى تقليص التنسيق بين مصر والسودان من خلال عقد اجتماعات مع الجانب السوداني وحده".

وقال إن لقاء السودان أحادي الجانب مع المسؤولين الإثيوبيين يثير شكوك الجانب المصري ويؤثر سلبا على العلاقات المائية السودانية المصرية، إلا أنه لا يتوقع أن تصل إثيوبيا إلى هدفها.

وأوضح أن "مصالح السودان تتماشى مع المصالح المصرية، حيث يعبر البلدان عن عدة مخاوف مشتركة، بما في ذلك سلامة السد والأمن المائي للبلدين".

وتسعى إثيوبيا لإقناع السودان أنه سيستفيد من السد في تنظيم مياه النيل الأزرق والاستفادة من الكهرباء المولدة منه، لكن الخرطوم تريد ضمانات بشأن تشغيله بشكل آمن ومناسب حفاظا على سدودها مثل الروصيرص.