أسباب اشتعال الأزمة بين الرئيس اليمني والمبعوث الأممي

آدم يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

ازدادت تعقيدات الأزمة اليمنية، وتضاعفت إشكالاتها، فإلى جانب الأزمتين السياسية والإنسانية، برزت في الواجهة أزمة دبلوماسية أخرى بين الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ومبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث.

بلغت الأزمة بين الجانبين أعلى مستوياتها منذ تعيين البريطاني مارتن غريفيث مبعوثا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلفا للمبعوث الدولي السابق إسماعيل ولد الشيخ  في فبراير/شباط 2018.

تقول الحكومة اليمنية إن غريفث تورط بشكل صريح في محاولة شرعنة الانقلاب من خلال الإشادة بـ "مسرحية هزلية" قامت بها جماعة الحوثي، وتجاهل فيها الرقابة الثلاثية المنصوص عليها في القرار الأممي 2451 الخاص بعملية انسحاب الحوثي من الحديدة وموانئها.

المبعوث أشاد من خلال إحاطة رفعها لمجلس الأمن مطلع مايو/آيار 2019، بالانسحاب الذي نفذه الحوثيون، وهو انسحاب أحادي سلم فيه الحوثيون الموانئ لعناصر من قوات خفر السواحل تابعة لهم، وهي الخطوة التي رفضها سابقا الرئيس السابق للجنة الدولية المشرفة على عملية الانسحاب الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، والتي استقال على إثرها بعد خلاف حاد مع المبعوث الأممي.

رسالة للأمين العام

على وقع هذه الأزمة وتصاعد حدتها، رفع الرئيس هادي رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، حصلت الاستقلال على نسخة منها، أكد فيها تجاهل المبعوث الدولي للبنود المتفق عليها وقفزه على مخرجات محادثة السويد المتعلقة بإعادة الانتشار، والعمل على شرعنة الانقلاب الذي قام به الحوثيون، بطريقة تتسبب بإطالة أمد الحرب.

وأكد هادي، في رسالته، رفضه استمرار العمل مع المبعوث الأممي إلى اليمن غريفيث، مالم يتم تقديم ضمانات من قبل الأمين العام شخصيا، لمراجعة تلك التجاوزات التي ارتكبها المبعوث الأممي وضمان عدم تكرارها.

"نثق برجلنا"

ردا على الرسالة التي بعث بها الرئيس هادي، اكتفى غوتيريش بالقول إنه يثق بمبعوثه الخاص ويثق بعمله ثقة كاملة، وبحسب موقع أخبار الأمم المتحدة، صرح المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوغريك إن المبعوث الخاص سيضاعف من جهوده لدعم الطرفين، الحكومة والحوثيين، للوفاء بالتزاماتهما التي تم الإعلان عنها في محادثات السويد.

وأضاف دوغريك أن المبعوث الأممي سيفعل ذلك بشكل متوازن يدعم التوصل إلى حل سياسي دائم للصراع، مؤكدا أن التزام الأمم المتحدة تجاه اتفاق السويد ينبع أولا وقبل كل شيء من رغبة عميقة لتخفيف معاناة الشعب اليمني والمساعدة في معالجة الأزمة الإنسانية، حسب قوله.

لم يلق رد الأمين العام للأمم المتحدة ترحيبا من قبل الحكومة اليمنية، وعلى إثر ذلك نقلت صحيفة الشرق الأوسط عن مصدر رفيع بالحكومة لم تسمه، اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة عقد لقاء يتم من خلاله مراجعة ومناقشة ما ورد في رسالة الرئيس اليمني هادي إلى الأمين العام، وحسب الصحيفة، لن يشهد اللقاء مشاركة المبعوث الأممي؛ ولكنه سيكون عبر الأمين العام مباشرة أو من ينوب عنه.

وأضافت الصحيفة عن المصدر قوله: "سنخبره بأننا لن نقبل بجملة أمور، منها تأكيدنا على المرجعيات الثلاث، وعدم المساواة بين الانقلاب والحكومة، والالتزام ببنود اتفاقية السويد، وعدم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب، وعلى ضوء ذلك الاجتماع ستحدد الحكومة موقفها من مسألة إعادة التعاطي مع المبعوث الأممي من عدمها، غير أن الصحيفة نقلت في الوقت نفسه عن مصدر أممي مسؤول قوله: "غوتيريش أوضح موقفه، وقال: لا أعتقد أن هناك أي خطط لاجتماعات قريبة".

بداية الأزمة

يعد البريطاني مارتن غريفيث هو المبعوث الثالث للأمين العام منذ اندلاع الأزمة باليمن، حيث سبقه المغربي جمال بن عمر ثم الموريتاني إسماعيل ولد الشيخ، غير أن فصول الأزمة مع غريفيث، اندلعت عقب محادثات السويد المنعقدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث طالبت الحكومة اليمنية المبعوث الأممي بتسمية الطرف المعرقل لاتفاقية محادثات السويد.

تلك المطالبات لم تلق تجاوبا من قبل المبعوث، ما دفع وزير الخارجية لانتقاد طريقة تعاطيه مع الحوثيين، محذرا من فشل اتفاق السويد، وكان اليماني قد قال في وقت سابق إن الأمم المتحدة لم توضح من هو الطرف المعرقل لاتفاق وقف إطلاق النار، وأضاف أنها تكتفي بتوجيه إشارات سلبية تجاه أداء الحكومة، وتتجاهل ممارسات الحوثيين.

أما مدير مكتب الرئاسة ونائب رئيس وفد محادثات السويد عبد الله العليمي فاتهم المبعوث الأممي بعدم اتخاذ خطوات جادة في تنفيذ اتفاق ستوكهولم، بحسب التصور الذي تم الاتفاق عليه في السويد.

زادت تعقيدات تلك الأزمة، إثر قيام المبعوث الأممي القيام بمباركة الخطوة التي نفذها الحوثيون في الانسحاب الأحادي (الأول)، وتسليم الموانئ لعناصر تابعة لهم، غير أن الحكومة الشرعية رفضت هذا الإجراء.

الإجراء رفضه أيضا رئيس اللجنة الدولية لمراقبة تنفيذ بنود ستوكهولم المتعلقة بالانسحاب من الموانئ وإعادة الانتشار الجنرال باتريك كاميرت، ما تسبب بنشوب خلاف بينه وبين المبعوث الأممي، قام على إثره بتقديم استقالته، ليتم تعيين الجنرال الدنماركي مايكل لوليسغارد خلفا له.

وبلغت الأزمة ذروتها، عندما قدم المبعوث الدولي إحاطة لمجلس الأمن الشهر الجاري، أشاد فيها بالانسحاب الأحادي (الثاني) لجماعة الحوثي وتسليم الموانئ لعناصر تابعة لهم.

تواطؤ دولي

يبدو أن الدور الذي يؤديه البريطاني غريفيث ينسجم إلى حد كبير مع موقف المجتمع الدولي الذي يدرك الأهمية الإستراتيجية لميناء الحديدة القريب من منفذ باب المندب، وهو الموقف الذي تدركه الأمم المتحدة أيضا، الذي عمل مبعوثها مع الحوثيين لتعزيز شكل من أشكال الإدارة الدولية في الحديدة.

كان سفير اليمن لدى المملكة المتحدة الدكتور ياسين سعيد نعمان قد قال في ندوة نظمها المركز الملكي للدفاع والأمن (روسي) في لندن: "ما يحدث في الحديدة من قبل ميليشيا الحوثي الانقلابية لعبة كبيرة غير مقبولة، فالحوثيون سلموا الموانئ لأنفسهم تحت سمع وبصر الأمم المتحدة للأسف".

يقول المحلل السياسي ياسين التميمي، في حديث لـ "الاستقلال"، بريطانيا هي الأخرى، تبدو متماهية مع الدور الذي يقدمه البريطاني مارتن غريفث، وهي، بصفتها المسؤول عن الملف اليمني في مجلس الأمن تريد تحقيق إنجاز في هذا الملف، بالإضافة إلى شكوك حول نيتها تحقيق شكل من أشكال الإدارة الدولية على الميناء القريب من مضيق باب المندب، بشكل مباشر أو عبر وكلاء لها في المنطقة.

وعن مآلات الأزمة، يقول التميمي: "يحاول المبعوث الأممي إيجاد صيغة معينة تستوعب الحوثي في الفترة المقبلة، ويبدو أن هناك رغبة دولية تتقاطع مع ما يقوم به غريفيث".

وفي حال لم ينجح المبعوث الأممي فمن السهولة تغييره بمبعوث رابع وخامس، لتمرير تلك الرغبات الدولية، خصوصا وأن هناك تسريبات عن شخصية ألمانية قد تخلف البريطاني غريفيث، الذي أعلن عن بحثه فكرة الاستقالة بعد إصدار مجلس النواب اليمني مذكرة رسمية للحكومة اليمنية يحثها على عدم التعامل معه باعتباره خرج عن مهمته الرسمية وانتهاجه سياسية تطيل أمد الحرب في اليمن.