الغرب يفرض خطوطا حمراء.. كيف قلب غزو روسيا لأوكرانيا الموازين في إفريقيا؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية التركي "إنسامر"، أن الدول الإفريقية تواجه تحديات كبيرة من قبل الغرب، على خلفية تصاعد تعاونها مع موسكو في السنوات الأخيرة، ما قد يقابل بضغوط جديدة، على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.

وأوضح المركز في مقال للكاتب "سرحات أوراكتشي"، أن التراجع أو الصعود المحتمل الذي ستشهده روسيا في القارة في أعقاب الحرب بأوكرانيا، سيكون له تأثير على العلاقات التركية الإفريقية أيضا، في ظل زيادة الإقبال الإفريقي على أنقرة للتعاون وتبادل الخبرات.

مصالح متعارضة

وذكر المركز أن التوتر بين الغرب وروسيا أثر على إفريقيا، وخاصة غربها.

إذ تدرك موسكو جيدا أن الغرب يجني قوة اقتصادية وسياسية عبر هذه القارة، وسعت طوال السنوات الماضية إلى قطع العلاقات الإفريقية الغربية لتؤسس هي بديلا عنها في المقابل.

فروسيا دعمت تغيير الأنظمة في إفريقيا في محاولة لإعادة إحياء التراث السوفييتي ونشره في الأراضي الإفريقية، وذلك بعد أن عززت من وجودها العسكري بإنزال شركة فاغنر إلى الميدان بعد عام 2010.

وتجلى ذلك خلال الانقلابات العسكرية التي حدثت بشكل متتابع في غرب إفريقيا في السنوات القليلة الماضية، إذ تشهد معارضة فرنسا والإعجاب بروسيا تصاعدا في هذه الدول.

وتسعى روسيا إلى تحقيق أهداف إستراتيجية، مثل بيع الأسلحة والوصول إلى اليورانيوم وغيره من الموارد، من خلال إحياء العلاقات التي أقامتها خلال الحقبة السوفييتية.

وينشط اليوم مرتزقة فاغنر في بلدان مثل ليبيا وإفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية وموزمبيق ومالي.

ومع أنه لم يتضح حتى الآن ما إذا كانت الحرب الروسية الأوكرانية ستؤثر بالسلب أو الإيجاب على روسيا، إلا أنه من المؤكد أن الغرب سيضغط على الدول الإفريقية بنفوذه، لتتخلى عن موسكو وتبتعد عن تطوير العلاقات معها.

وبالنظر إلى أن الغرب يرى في الوجود الروسي المتزايد في إفريقيا، نسخة ثانية من الحرب الباردة، ويتضح أن تقييد الوصول الروسي إلى القارة السمراء يشكل إحدى أولوياته.

أما روسيا التي تواجه عقوبات شديدة، فتعتبر إفريقيا منطقة من الممكن أن توفر لها الموارد التي تحتاجها وتزعج عبرها الدول الأوروبية مثل فرنسا.

وأوضح المركز أنه لا ينبغي هنا نسيان أن الروس، الذين شكلوا معسكرا مناهضا للغرب في القارة خلال العهد السوفييتي، لعبوا دورا مهما في تعزيز التسلح والصراعات العرقية في القارة وكذلك غرس الاشتراكية.

ورغم ذلك، لا ينبغي التقليل من عدد الأفارقة الذين يتعاطفون مع روسيا بسبب معاداتهم للغرب.

أبعاد أخرى

وروسيا ليست الدولة الوحيدة الذي يحاول الغربيون إضعاف شوكتها في القارة الغنية بالمعادن.

ففي الوقت الذي بدأ يتضح فيها تغير الموازين في القارة، كانت الصين قد قطعت شوطا طويلا خلال العشرين عاما الماضية وأصبحت شريك تعاون لا غنى عنه للدول الإفريقية.

ومن المعروف أن البلدان الإفريقية الغنية بالموارد مثل زامبيا وأنغولا، تعتبر الصين فاعلا قويا.

وبدأت تنتشر شائعات في السنوات الأخيرة، بأن الصين تجر البلدان الإفريقية إلى الديون.

وبدأت بلدان مثل كينيا وأوغندا في البحث عن بدائل جديدة أو تمديد تاريخ دفع ديونها مقابل تقديم تنازلات جديدة للصين، وذلك بعد أن واجهت صعوبات في سداد القروض التي أخذتها من بكين بفائدة منخفضة.

وبينما يلاحظ تصاعد المقاربة المبنية على تحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وجيوسياسية في إفريقيا بين الجهات الفاعلة العالمية، يمكن القول إن مجموعة الدول التي تعرف بـ"التكتل الشرقي" تسعى لتغيير وقطع العلاقات بين إفريقيا والغرب.

و تملأ الدول مثل روسيا والصين الفراغ الذي خلفه تراجع قوة ونفوذ الدول الغربية في إفريقيا، وينعكس تغير ميزان القوى على دول القارة بأبعاد ومستويات مختلفة.

كما أن عملية التحول هذه مهمة بالنسبة لتركيا أيضا، والتي برزت في القارة الإفريقية وتسعى إلى إنشاء منطقة نفوذ خاصة بها.

فرغم وجود مشاكل وأزمات كبيرة حولها، فإن أنقرة تبذل جهودا خاصة لتعزيز العلاقات مع دول القارة ، ما يشير إلى أنها مدركة بشأن ما يدور هناك.

وتهدف الزيارات الرسمية التركية إلى الدول الإفريقية والقمم التركية الإفريقية إلى تطوير العلاقات الثنائية بين أنقرة ودول القارة في مختلف المجالات، مثل التجارة والدبلوماسية والتعليم والصحة والأمن.

وتعمل الاتفاقات الموقعة خلال هذه الزيارات على تعزيز الوجود التركي في القارة.

الفاعل الثالث

وآخر الزيارات كانت إلى السنغال والكونغو. ولقد تقاربت تركيا والكونغو مؤخرا، فخلال الأشهر الستة الماضية، التقى الرئيس رجب طيب أردوغان مع رئيس الكونغو فيليكس تشيسكيدي ثلاث مرات.

ويمكن القول إن الكونغو دولة تلفت انتباه العديد من القوى العالمية بالنظر إلى عدد سكانها الذي يقترب من 100 مليون نسمة ومواردها الإستراتيجية.

ولقد شهدت الكونغو صراعا خلال فترة الحرب الباردة. ونظرا إلى أن الصراع الداخلي مستمر في شمال وشرق البلاد، تتمتع تركيا بفرص تعاون واسعة النطاق في مجال الأمن في هذه البلاد.

إضافة إلى أن هناك مشاريع تقوم بها تركيا هناك في مجال البنى التحتية إلى جانب تقديمها لـ 100 ألف جرعة من لقاح تركوفاك محلي الصنع.

كذلك فإن تركيا ترغب في تعميق العلاقات مع السنغال.

وكانت الزيارة الأخيرة هي الخامسة التي يقوم بها أردوغان إلى هذا البلد. وبالنظر إلى موقعها في غرب إفريقيا، تعد السنغال بلا شك دولة ذات قيمة إستراتيجية لتركيا، وزادت أنقرة استثماراتها في هذه البلاد بالفعل.

ويمكن القول إن توقيت زيارة أردوغان بالتزامن مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022، كان ملائما تماما باعتبار التغيير في موازين القوى في غرب إفريقيا خلال السنوات الأخيرة.

فبينما يتراجع مجال نفوذ القوى الغربية مثل فرنسا، تتخذ روسيا والصين خطوات لملء الفجوة في المجال الاقتصادي والعسكري.

لذا، من المناسب تماما أن تكون تركيا في الساحة أيضا لتعزيز علاقاتها.

وكان من المهم مشاركة الرئيس أردوغان في افتتاح الملعب الأولمبي الذي قامت شركة مقاولات تركية ببنائه في السنغال التي فازت بكأس الأمم الإفريقية مؤخرا، حيث التقى أردوغان بقادة دول إفريقية مثل بول كاغامي، وجورج ويا، وأومارو إمبالو، وأداما بارو.

ولا يمكن تقييم جهود تركيا لتعميق العلاقات مع إفريقيا في الفترة الأخيرة، بمعزل عن صراعات القوى العالمية والتغيرات في ميزان القوى.

ولفت المركز إلى أنه يمكن للدول الإفريقية التي ترسم صورة بعيدة كل البعد عن التعاون فيما بينها ضد القوى العالمية، أن تتحول إلى الطرف الخاسر في العلاقات الثنائية التي تقيمها مع هذه القوى.

لذلك، وفي مواجهة هذا الوضع الذي يحمل مخاطر كبيرة، يوفر وجود تركيا فرصة لهذه الدول لتنويع علاقاتها الخارجية السياسية والاقتصادية.

وبينما يلاحظ الصعود التركي في القارة بسبب نقلها للخبرات التركية وسياستها التي تعطي الأولوية للتنمية، يمكن القول إن التراجع أو الصعود المحتمل الذي ستشهده روسيا في القارة، سيكون له تأثير على العلاقات التركية الإفريقية أيضا.