بعد قطيعة طويلة.. ما أسباب تواصل مقتدى الصدر مع خصمه نوري المالكي؟

يوسف العلي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

أثار تواصل زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، مع خصمه السياسي الأبرز رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، بعد قطيعة طويلة بينهما، تساؤلات بخصوص مصير حكومة الأغلبية السياسية التي طالما دعا إلى تشكيلها الأول على عكس ما يطلبه الأخير.

ويطالب ائتلاف المالكي (34 مقعدا) من أصل 56 نائبا داخل "الإطار التنسيقي" الشيعي، بحكومة توافقية، بينما تيار الصدر (75 مقعدا)، وحليفاه (الحزب الديمقراطي الكردستاني 33 مقعدا وتحالف السيادة السني 67 مقعدا)، يصران على حكومة الأغلبية السياسية.

كسر العزلة

في خطوة مفاجئة، أجرى مقتدى الصدر في 9 مارس/آذار 2022 اتصالات بخصمه السياسي الأبرز نوري المالكي، لإنهاء حالة الانسداد السياسي التي يشهدها العراق منذ الانتخابات الأخيرة قبل خمسة أشهر.

وقال بيان لمكتب الصدر إن الأخير أجرى خلال الساعات الأخيرة اتصالات هاتفية مع زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وزعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، إضافة إلى نوري المالكي.

وتأتي الاتصالات في ظل حالة من الانسداد السياسي التي تشهدها البلاد وضرورة التوصل لاتفاقات تنجز بقية الاستحقاقات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، تمهيدا لترشيح شخصية أخرى لتشكيل الحكومة الجديدة.

وعن تفاصيل الاتصال الذي كسر العزلة السياسية بين الخصمين الشيعيين، كشفت مواقع إخبارية عراقية أن الصدر أسقط "فيتو" مشاركة المالكي في الحكومة المقبلة، وأن الجانبين- الإطار التنسيقي والتيار الصدري- ماضيان صوب اتفاق يقود لتشكيل الحكومة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة السني.

وأضافت تسريبات المواقع المحلية أن "باكورة هذا الاتفاق ينطلق بلقاء يجمع ممثلين عن الإطار والتيار على أن يجتمع الصدر مع قادة الإطار في بغداد، ثم تحديد موعد لعقد اجتماع أوسع يضم أيضا الديمقراطي الكردستاني والسيادة تمهيدا لتشكيل الحكومة الجديدة بمشاركة جميع القوى السياسية الفائزة دون إقصاء".

وأوضحت أن "الخطوط الأولية قد تقود لاختيار رئيس تسوية للجمهورية، وتمرير رئيس حكومة توافقي يجمع عليه الأقطاب الأربعة".

وأشارت إلى أن "التطورات الحاصلة بين التيار والإطار جاءت بعد مبادرة تقدمت بها شخصيات إيرانية مؤثرة، إضافة إلى شخصية بارزة في النجف لعبت دورا محوريا لاحتواء الخلاف ورأب الصدع داخل البيت الشيعي".

وأكدت تقارير أخرى في 10 مارس/آذار أن "تحرك الصدر المفاجئ هذا نحو حلفائه وخصومه في العملية السياسية جاء إثر ضغوط مارسها عليه قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني الذي كان يوجد في النجف".

وأفادت بأن "قاآني أقنع الصدر بالموافقة على إشراك المالكي في الحكومة الجديدة مع الاحتفاظ بعلاقاته مع قوى التحالف الثلاثي وتوحد الإطار التنسيقي للقوى الشيعية مع التيار الصدري والذهاب إلى البرلمان ككتلة أكبر ترشح رئيس الحكومة المقبلة". 

ويضم الإطار التنسيقي: نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون، وهادي العامري رئيس تحالف الفتح، وحيدر العبادي رئيس ائتلاف النصر، وعمار الحكيم رئيس تحالف قوى الدولة، وفالح الفياض رئيس حركة عطاء، وهمام حمودي رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، وشخصيات شيعية أخرى.

ضغط المحكمة

من جهته، يقول المحلل السياسي القريب من التيار الصدري، عصام حسين، خلال تصريح له في 11 مارس 2022 إن "قرار المحكمة الاتحادية المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية وضرورة أن تجري بأغلبية الثلثين، كان له تأثير كبير على قرارات الصدر".

وأضاف حسين أن "العدد المطلوب لانتخاب الرئيس هو 220 نائبا، والتحالف الثلاثي يضم 170 فقط، وبالتالي نحتاج لأكثر من 50 نائبا لإتمام العملية وهذا صعب جدا".

وتابع أن هذه المعطيات أجبرت الصدر على التراجع والتفاهم مع قوى الإطار التنسيقي وبالتحديد نوري المالكي، في محاولة منه لعدم تأخير انتخاب رئيس الجمهورية وبالتالي عرقلة تشكيل حكومة جديدة".

بحسب قرار المحكمة الاتحادية، تحتاج جلسة انتخاب الرئيس حضور ثلثي عدد أعضاء البرلمان، البالغ عددهم 329 نائبا، وكذلك موافقة الثلثين لتمرير اسم المرشح.

وأكد حسين أن "وساطات حصلت من قبل خميس الخنجر وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني من أجل الاتصال بالمالكي والإسراع بتشكيل الحكومة وعدم تأخيرها أكثر".

ويتفق المحلل السياسي العراقي، علي البيدر، مع طرح حسين، بالقول إن "اتصال الصدر بالمالكي كان متوقعا خصوصا بعد قرار المحكمة الاتحادية المرتبطة بجلسة البرلمان المتعلقة برئيس الجمهورية، وهي العقبة الأهم لتسمية رئيس الحكومة الجديدة".

وأوضح البيدر خلال تصريح له في 12 مارس أن "قرار المحكمة ألزم جميع الأطراف ضمنيا باللجوء إلى خيار التوافق، ودون ذلك لا يمكن لأي طرف فرض إرادته على الآخر"، لافتا إلى أن "المالكي كان عاملا رئيسا في تعطيل إرادة التيار الصدري، لذلك فإنه لا يمكن تجاوزه بسهولة وإبعاده عن المشهد".

وأكد أن "عوامل عدة دفعت الصدر إلى الاتصال بالمالكي، أولها أن العالم بدا منشغلا بالأزمة الروسية الأوكرانية، ولم يعد يهتم كثيرا للعراق وحتى على المستوى الإقليمي".

الأمر الآخر يتمثل بوجود حالة من التذمر والسخط الشعبي على المنظومة السياسية في البلاد وتحميلها وزر كل ما يجرى للعراق، وهو ما قد يعيد الاحتجاجات، "وإذا عادت فإنها ستكون بمثابة رصاصة الرحمة في جسد المنظومة السياسية"، وفق تقديره.

ورجح البيدر أن "يفرض الصدر توافقا مشروطا، وفي المقابل لا يمكن إقصاء المالكي، لأنه وصل إلى درجة من التصوف السياسي وأصبح أشبه بالمنظر الذي يطرح المبادرات والحلول، كونه يمتلك نفوذا شعبيا وسياسيا وبرلمانيا وحكوميا، لذلك فهو قادر على إسقاط الحكومة التي قد تتشكل بعيدا عنه".

إصرار الصدر

وبعد تواصل الصدر مع المالكي، زار وفد ضم قيادات تحالف السيادة والإطار التنسيقي زعيم التيار الصدري في النجف، ضم كلا من: "محمد الحلبوسي، خميس الخنجر، هادي العامري، فالح الفياض، أحمد الأسدي، للاتفاق على تشكيل الحكومة المقبلة".

وعقب اللقاء الذي جرى في 12 مارس 2022 لم يصدر أي تصريح رسمي من كل الأطراف عن تفاصيل ما دار بينهم، لكن زعيم التيار الصدري صاحب الأكثرية العددية في البرلمان العراقي، جدد موقفه الثابت بتشكيل حكومة أغلبية وطنية.

ونشر الصدر في تغريدة عبر حسابه على موقع "تويتر" صورة ورقة بيضاء يطلق عليها "الكصكوصة" (القصاصة) وقد كتب عليها عبارته الشهيرة: "لا شرقية ولا غربية، حكومة أغلبية وطنية".

وتعليقا على ذلك، يرى الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي في حديث لـ"الاستقلال" أن الصدر لن يذهب إلى حكومة توافقية والائتلاف مع المالكي، لأن العداء بينهما قائم، لكن زعيم التيار الصدري أراد تحريك المحادثات من جديد، وربما التخلص قليلا من الضغوط.

وأضاف أن "الصدر في النهاية لن يقبل بغير مرشحه لرئاسة لحكومة، سواء تواصل مع قادة الإطار التنسيقي أم لا، فهو يحاول تقديم شخصية لن يستطيع رفضها الأخير، ولذلك طرح ابن عمه جعفر الصدر الذي كان في عام 2010 نائبا في ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي".

وأشار المهداوي إلى أن "حديث الصدر عن حكومة أغلبية وطنية بعد زيارة وفد الإطار التنسيقي له تثبت أنه يأخذ رئاسة الوزراء وحلفائه ليحصل أحدهم على رئاسة البرلمان، والثاني (الديمقراطي الكردستاني) سيحصل على منصب رئيس الجمهورية".

من جهته، يرى المحلل السياسي محمد زنكنة أن المنطق كان يقضي بتشكيل حكومة أغلبية وطنية، إلا أن الضغوط دحضت هذه الفكرة مع تسليم الأطراف المتحالفة بالأمر الواقع نتيجة التدخلات الخارجية ووجود معارضة مسلحة من الممكن أن تتسبب فيما وصفه بـ"تخريب العملية السياسية".

وبين زنكنة خلال تصريح له في 12 مارس 2022 أن العراق يسير على مفترق طرق وأن الأطراف الشيعية المتنفذة تتصارع من أجل السلطة.

ولفت إلى أنه ووفقا للتقارب الأخير فإن حظوظ جعفر الصدر لتولي منصب رئاسة الوزراء باتت كبيرة مع عدم استبعاد رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي.