لغز اقتصادي وسياسي.. لهذا تخشى تركيا استمرار حرب أوكرانيا فترة طويلة

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "حريت" التركية، أن الأزمة العالمية التي اندلعت مع الغزو الروسي لأوكرانيا، وضعت تركيا في واحدة من أصعب الاختبارات التي مرت بها منذ الحرب العالمية الثانية في مجال العلاقات الخارجية.

وأوضحت أن مشاريع وتفاهمات عديدة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، قد تواجه الإلغاء أو التعليق، حال طالت فترة الحرب الروسية على أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، لأن وضع تركيا في حلف شمال الأطلسي "ناتو" سيفرض عليها التزامات كثيرة.

توازن مهم

وذكرت الصحيفة أن تركيا تمكنت من المحافظة على علاقات خاصة مع روسيا رغم كونها عضوا في معظم المؤسسات الغربية، وأهمها الناتو، محققة توازنا مهما بين المعسكرين الروسي والغربي.

غير أن هناك حربا دخلت فيها الدبابات الروسية إلى أراضي دولة مستقلة، وزلزلت بذلك النظام الجغرافي السياسي الشامل لأوروبا زلزالا شديدا.

لذلك ستواجه تركيا صعوبة أكبر في إقامة هذا التوزان من جميع النواحي مقارنة بالسابق، خاصة وأن هناك العديد من العوامل المؤثرة في المعادلة، ما يعقد المسألة أكثر فأكثر.

فتتبنى تركيا نفس موقف الغرب ضد الهجوم الروسي وتوقع القرارات الصادرة من الناتو، مع أن هناك مشاكل وخلافات مزمنة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة أخرى.

كذلك فإن العلاقات التركية الروسية تشهد زخما كبيرا أيضا، مع شراء أنقرة أنظمة "أس-400" الصاروخية التي كانت سببا في توتر العلاقات التركية الأمريكية.

وبعبارة أخرى، اشترت تركيا أنظمة أس-400 من روسيا التي تدينها في غزوها أوكرانيا وتوقع على بيان الناتو الذي جاء فيه أنها "ستدفع ثمنا سياسيا".

وعلى الرغم من اكتساب العلاقات التركية الروسية زخما في السنوات الأخيرة، إلا أن هذه العلاقات ليست وردا بلا أشواك. خاصة وأن تركيا قامت ببيع مسيراتها لخصم روسيا، أوكرانيا، ما يعقد الأمور.

وشاهد المجتمع الدولي كم الأضرار التي سببتها المسيرات التركية التي اشترتها أوكرانيا، للقوات الروسية في الحرب.

وبطبيعة الحال، فإن هذا يزعج روسيا. ولا يزال السؤال حول ما إذا كانت موسكو سترد على هذه الخطوة في انتظار جواب.

لكن تركيا رغم ذلك، تعتزم مواصلة علاقاتها مع كل من أوكرانيا وروسيا دون أن تضطر لاختيار أحدهما.

وتهدف تركيا بموقفها هذا إلى لعب دور الوساطة وفتح قناة حوار بين الطرفين، وبالتالي تعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

توقيت حساس

وأشارت الصحيفة إلى أن محاولات الموازنة بين الغرب وروسيا، جاءت في وقت يعاني فيه اقتصاد تركيا من هشاشة كبيرة.

لذلك لم تشارك تركيا في فرض العقوبات على روسيا، مع أنها أدانت الغزو الروسي ودعمت موقف الناتو.

فلا شك أن تركيا لن ترغب في أن يلحقها آثار العقوبات السلبية فوق الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعاني منها بالفعل.

من جانبها، تقيّم موسكو إعلان تركيا بأنها لن تشارك في فرض عقوبات على روسيا، كخطوة إيجابية على الصعيد السياسي بين البلدين.

وتظهر حقيقة أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جاء إلى تركيا للقاء نظيره الأوكراني وأن الكرملين يرغب في فتح ممر دبلوماسي مع تركيا خلال هذه الأزمة.

خاصة وأنه من الممكن أن تشكل تركيا بوابة مهمة لتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية والحظر على روسيا، بما أن الغرب يفرض حصارا اقتصاديا عليها.

إذ نقلت وسائل إعلام أن تركيا تسعى لمواصلة تعاونها التجاري والاقتصادي مع روسيا دون أن تتأثر بالأزمة الأوكرانية بأي شكل من الأشكال، بل وحتى تطويرها.

ووفقا لهذه التقارير، اقترح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيره الروسي بوتين إمكانية إجراء المعاملات التجارية بين تركيا وروسيا والصين باليورو والليرة التركية والروبل الروسي واليوان الصيني أو بالذهب.

كما أن روسيا لم تدرج تركيا في قائمة "الدول التي ارتكبت أعمالا عدائية ضد روسيا والشركات والمواطنين الروس".

علاقة فريدة

وعلى أي حال، لفتت الصحيفة إلى أنه على تركيا أن تقيم العلاقات مع روسيا بنظرة واقعية، إذ إن موسكو تعد المورد الرئيس للغاز الطبيعي إلى أنقرة.

ووفقا لمؤسسة تنظيم سوق الطاقة التركية، غطت تركيا 33.6 بالمئة من حاجتها للغاز الطبيعي، من روسيا في عام 2020. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن النسبة لعام 2021، تشير التقديرات إلى أنها ارتفعت لتصبح 44.8 بالمئة.

والواقع أن الأمر لم يقتصر على التعاون الاقتصادي، إذ تجاوزت صادرات تركيا إلى روسيا خمسة مليارات دولار في 2021، فيما لا يزال المقاولون الأتراك ينفذون حوالي 150 مشروعا في روسيا بقيمة 21 مليار دولار. أضف إلى ذلك أن عددا كبيرا من السياح يأتون إلى تركيا من روسيا.

غير أن هناك خلافات أيضا، فمثلا تتعاون تركيا وروسيا في شرق الفرات، بينما تحارب ضدها في غرب الفرات. كذلك يتبنى البلدان موقفا متناقضا في ليبيا.

وباختصار، هناك علاقة معقدة بين البلدين يتعاون فيها الطرفان في قضايا ويتنافسان في أخرى ويتصارعان في ثالثة.

إن مثل هذه العلاقة ليست منتشرة وهي خاصة وفريدة من نوعها وتحتوي على تعقيدات كبيرة.

وفي محاولاتها للمحافظة على التوازن بين الغرب وروسيا، ستكون خطوات تركيا التي ستتخذها مع الجانب الروسي، موضع متابعة ومراقبة أكثر من أي وقت مضى.

كما أن مصير المشاريع التي طرحت خلال اجتماع أردوغان مع بوتين في سوتشي في 29 سبتمبر/ أيلول 2021 والتي من المتوقع أن تعمق التعاون بين البلدين، يشكل لغزا كبيرا، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة.

إذ تحدث أردوغان في بيانه آنذاك عن هدفه المتمثل في "تعميق التعاون العسكري" وطرح مسألة التعاون في صنع الطائرات الحربية وبناء الغواصات.

كذلك اقترح أردوغان على بوتين بناء محطتين جديدتين إلى جانب محطة الطاقة النووية "أك كويو" في مرسين التركية، والتي لا تزال قيد البناء.

لذا لن يكون من السهل تنفيذ هذه المشاريع بالتعاون مع روسيا في حال استمرت الحرب الدائرة في أوكرانيا.