تخشى المفاضلة.. هكذا حصرت حرب أوكرانيا الجزائر بين روسيا وأوروبا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة "لوبوان" الفرنسية، أن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، وضعت الجزائر في وضع حساس للغاية، تخشى فيه من أن تضطر على المفاضلة بين شريكيها الأساسيين، روسيا والاتحاد الأوروبي.

وأوضحت الصحيفة أن أوروبا تنتظر من الجزائر دعمها بمزيد من إمدادات الغاز الطبيعي في ظل الغموض الذي يخيم على العلاقات مع روسيا، بينما الجزائر لا تريد أن تكون طرفا بالأزمة، لأن موسكو شريك إستراتيجي تاريخي بالنسبة لها.

توازن دقيق

ولفتت الصحيفة إلى تصريحات أدلى بها رئيس شركة سوناطراك، عملاق المحروقات الجزائري، توفيق حكار، أكد فيها أن شركته تظل "موردا موثوقا للغاز للسوق الأوروبية ومستعدة لدعم شركائها على المدى الطويل في المواقف الصعبة". 

كما تحدث حكار لصحيفة ليبرتي الجزائرية الناطقة بالجزائرية، في 27 فبراير، عن احتمالية تعطل إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا على خلفية الحرب الأوكرانية. 

وأوضح أن إمدادات الغاز الإضافية لأوروبا مشروطة بـ"توفر الكميات الفائضة بعد تلبية طلب السوق الوطنية" و"الالتزامات التعاقدية" للجزائر مع عملائها.

وسرعان ما استنتج المعلقون والخبراء أن الجزائر تنزلق نحو موقف مؤيد لأوروبا في مواجهة ابتزاز روسي محتمل بشأن الغاز. 

لذا جاء رد فعل السلطات سريعا في اليوم التالي، عبر شكوى قدمتها سوناطراك ضد صحيفة ليبرتي بتهمة "التلاعب والتشويه" بتصريحات حكار.

وتوفر هذه الحادثة معلومات عن حذر الجزائر في الحالة الأوكرانية وعن رغبتها الواضحة في البقاء على مسافة متساوية في هذا الصراع أثناء دورها كلاعب في الطاقة في أوروبا، وهي ثالث أكبر مورد للغاز في أوروبا بعد روسيا والنرويج.

ويمكن القول إن الشريك الإستراتيجي مع أوروبا موقفه معقد، لأن الجزائر تبدو مطلوبة بشدة من جانب شركائها الأوروبيين لضمان إمدادات الغاز إذا استمرت الأزمة أو انزلقت إلى أزمة طاقة بسبب موسكو.

وأوضحت الصحيفة الفرنسية، أن ثمة حقيقة أخرى جديرة بالملاحظة، وهي ردة فعل الجزائر بعد نشر السفارة الأوكرانية في 3 مارس/ آذار 2022، دعوة لتجنيد متطوعين لإرسالهم للقتال ضد القوات الروسية. 

وسرعان ما تدخلت السلطات وطلبت من السفارة الأوكرانية حذف المنشور، مؤكدة أن هذا العمل "ينتهك أحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية بين الدول".

العنصر الثالث الذي يجب تذكره: امتناع الجزائر، مثل 34 دولة أخرى، بما في ذلك الصين، خلال التصويت، في 2 مارس بالجمعية العامة للأمم المتحدة، على قرار "يطالب روسيا بالوقف الفوري لاستخدام القوة ضد أوكرانيا". 

وكانت الجزائر قد امتنعت بالفعل عن التصويت خلال تصويت الأمم المتحدة لإدانة ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

عدم الانحياز

ونقلت "لوبوان" عن مصدر جزائري رسمي لم تسمه قوله، "نحن لسنا في حالة اللاموقف فيما يتعلق بهذا الصراع".

وأضاف: تتمسك الجزائر بمبدأ عدم التدخل ورفض إشراكنا بطريقة أو بأخرى في هذه الأزمة.

ومن الواضح أن موقف الجزائر حساس للغاية بالنظر إلى العلاقات مع شركائها الغربيين من ناحية، وعلاقاتها مع موسكو من ناحية أخرى.

وذكرت الصحيفة أن التعاون الجزائري الروسي يقترن بتوفيق وجهات النظر بين البلدين حول القضايا الإقليمية (سوريا وليبيا وغيرها).

وذلك حتى لو ظلت الجزائر حذرة في مواجهة التدخل العسكري الروسي في النزاعات السورية والليبية، ومؤخرا في مالي، من خلال شركة فاغنر.

وأضافت أن هذا هو الموضع الذي يمكننا فيه إضافة فارق بسيط إلى مظهر الانسجام التام بين الجزائر العاصمة وموسكو.

ونقلت عن دبلوماسي جزائري سابق أن الجزائر ستستضيف القمة القادمة لحركة عدم الانحياز، لأنها كانت، وترغب في أن تظل كذلك.

ويتذكر الدبلوماسي السابق نفسه أن الجزائر كانت على خلاف مع الاتحاد السوفييتي لفترة عندما حاولت موسكو، في 1966-1967، إطلاق مشروع غاز منافس في أوروبا، لا سيما لتزويد جنوب القارة.

وأضاف :"هو صديق وفي، لكنه يراقب مصالحه، كما يفعل الآخرون".

وتوقع أن" الجزائريين سيبقون على الربوة بكل الحذر اللازم؛ لأننا نتحدث عن حرب مع عواقب عالمية لا يمكن التنبؤ بها من حيث المخاطر وإعادة التوازن بين القوى العالمية". 

والشيء المهم، كما يقول، هو إيجاد "توازن جيد بين مواقفنا المبدئية ومصالحنا الخاصة".

تعاون قوي

وتعود العلاقة مع روسيا، وقبلها الاتحاد السوفييتي، إلى السنوات الأولى لاستقلال الجزائر، في الستينيات من القرن العشرين.

وتبرز العلاقة خاصة في المساهمة في التدريب والتسليح العسكري، والدعم السوفييتي الحاسم لإزالة الألغام الضخمة بعد الحرب في الجزائر، ومساعدة متعددة الأوجه للتنمية الصناعية والتعدين.

وتلقت الجزائر، منذ عام 1963، نصف إجمالي المساعدات السوفييتية لما يسمى ببلدان العالم الثالث، ما يعطي عمقا تاريخيا للعلاقات الجزائرية الروسية.

جانب مهم آخر: قام العديد من كبار ضباط الجيش الجزائري بجزء من تدريبهم في الاتحاد السوفييتي سابقا، بما في ذلك آخر ثلاثة رؤساء أركان أو رؤساء أجهزة المخابرات.

وبعد تباطؤ الشراكة في الثمانينيات والتسعينيات (مع ضعف ثم تفكك الاتحاد السوفييتي)، تم تسجيل انتعاش في العلاقات منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالتوازي مع تقارب روسيا بوتين مع الحلفاء أو الأصدقاء القدامى.

وفي عام 2001، وقع الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في موسكو إعلان "شراكة إستراتيجية" بين وزارتي الدفاع، وهي الأولى مع دولة عربية وإفريقية.

بعد خمس سنوات، ألغى بوتين خلال زيارته للجزائر العاصمة ديون الجزائر البالغة 4.7 مليارات دولار، ووقع سلسلة من اتفاقيات الشراكة مع الجزائر، لا سيما في مجال التسلح، بلغت 7.5 مليارات دولار لشراء أسلحة روسية.

والجزائر هي ثالث أكبر عميل لتصدير المعدات العسكرية لروسيا (بعد الهند والصين)، وتمثل نصف صادرات الأسلحة الروسية إلى إفريقيا.

في عام 2014، تم توقيع اتفاقية مهمة أخرى بين البلدين حول التعاون في مجال الطاقة النووية، وبدايات تطوير محطة الطاقة النووية الجزائرية في السنوات المقبلة.