"ميدل إيست آي": هكذا ستؤثر الميزانية التقشفية في الاقتصاد اللبناني

قسم الترجمة - الاستقلال | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

لأول مرة في تاريخ البلاد، اعتمدت الحكومة اللبنانية ميزانية تقشفية بهدف تقليص العجز إلى 7.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لمنع إفلاس الدولة، فهل من المحتمل أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إحياء الاقتصاد أم أنها ستؤجل الانهيار لبعض الوقت فقط؟

سؤال طرحه موقع "ميدل إيست آي" في مستهل تقرير نشره في نسخته الفرنسية عن ميزانية التقشف اللبنانية التي استغرقت الموافقة عليها تسعة عشر اجتماعا، وتوجَّت بعد اجتماع مع رئيس الدولة ميشال عون، بموافقة الحكومة الائتلافية على أول ميزانية تقشفية في تاريخ البلاد.

وقال الموقع: إن "المشروع، الذي سيتعين التصويت عليه في البرلمان قبل بدء نفاذه، يخفض العجز في الميزانية من 11.5 بالمئة في عام 2018 إلى 7.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، إذ تقدر الميزانية بحوالي 17 مليار دولار والعجز بحوالي 4.5 مليار دولار".

وأشار إلى أن الاجتماعات الماراثونية لمراجعة الميزانية تأتي في الوقت الذي يواجه فيه لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه، والتي من المحتمل أن تتحول إلى أزمة مالية بسبب ارتفاع الدين العام الذي يصل إلى 85 مليار دولار، 152 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ونوه إلى أنه يتم إنفاق نحو ثلث الميزانية على مدفوعات خدمة الديون، والثلث الآخر على رواتب موظفي الخدمة المدنية وأفراد القوات المسلحة، 11 بالمئة لشركة الكهرباء الوطنية (EDL)، والتي تعاني من نقص مزمن وفقط 5 بالمئة في نفقات الاستثمار.

خيارات رفيق الحريري

وأكد الموقع، أن الأزمة الحالية تعود بشكل رئيسي إلى الخيارات الاقتصادية التي اعتمدها رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في التسعينيات، والتي أهملت القطاعات الإنتاجية (الصناعة، الزراعة) لصالح قطاع الخدمات، معتقدا أن هذه ستكون مهمة لبنان في الشرق الأوسط المسالم.

وتابع: "إلا أن السلام بين العرب وإسرائيل لم يأت ولم يتم إجراء أي تعديل للتكيف مع هذا الواقع، وعلى مر السنين، تطور الاقتصاد الريعي مع انكماش الاقتصاد المنتج، إلى حد أن لبنان استورد 19 مليار دولار من البضائع المتنوعة في عام 2018 وصدر بـ 2.9 مليارات دولار فقط".

وبين الموقع، أن هذه  الأزمة الهيكلية تفاقمت بسبب عوامل أخرى مثل انخفاض تدفقات رأس المال الداخلي، ولاسيما من اللبنانيين العاملين في دول الخليج، وتراجع عدد السياح بسبب الحرب في سوريا والوضع غير المستقر في الشرق الأوسط، وفوق كل شيء، مجموعة العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على حزب الله والتي تعيق القطاع المصرفي اللبناني.

ولفت إلى أن كل هذه الصعوبات خيمت على مناخ الأعمال في البلاد، وصنف البنك الدولي لبنان في المرتبة 142 من بين 190 اقتصادا في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2019 (بانخفاض تسع أماكن عن الترتيب السابق)، وهو واحد من أدنى التصنيفات في الشرق الأدنى.

ضغوط المانحين الدوليين

وشدد الموقع على أن الوضع الاقتصادي للبلاد كان في المنطقة الحمراء منذ سنوات، لكن الزعماء اللبنانيين هم أبطال المماطلة، ناهيك عن عدم المسؤولية، وقد تطلب الأمر من المانحين الدوليين، الذين قدموا قروضا بقيمة 11 مليار دولار لتطوير البنية التحتية في مؤتمر باريس الرابع في أبريل/نيسان 2018 (سيدر)، ممارسة ضغوط قوية، اقتربت من الإنذار، حتى تستيقظ الحكومة اللبنانية أخيرا.

وأردف: "لذلك، فرضت السلطة التنفيذية، خوفا من فقدان وعود المساعدة هذه، تخفيضات، جرت المناقشات، التي كانت ساخنة في بعض الأحيان، تحت ضغط التعبئة الاجتماعية التي تميزت بالإضرابات والاعتصامات والمظاهرات، حيث بلغت هذه الاضطرابات ذروتها يوم الاثنين، 20 مايو/أيار، عندما حاول المئات من المتقاعدين من الجيش اقتحام السراي الكبير، مقر رئيس الوزراء، خلال اجتماع للميزانية الحكومية".

وأوضح الموقع، أنه خلال التسعة عشر اجتماعا، قام الوزراء بالخلط بين الأرقام لمحاولة زيادة الإيرادات وتقليل الإنفاق العام.

ونقل الموقع عن مروان بركات، كبير الاقتصاديين في بنك عودة، أكبر مؤسسة مصرفية في لبنان، أنه من بين أهم التدابير المتعلقة بالإنفاق "قررت الحكومة تجميد التوظيف في القطاع العام، ووضع سقف للبدلات والإيرادات الأخرى حتى لا تتجاوز 75 بالمئة من الراتب الأساسي، وتحديد عدد أشهر الرواتب السنوية لموظفي الخدمة المدنية (أربعة عشر شهرا)، ووضع حد أقصى لرواتب موظفي الخدمة المدنية حتى لا يكونوا أعلى من راتب رئيس الجمهورية (8،000 دولار شهريا)".

ولفت بركات إلى أنه لزيادة الإيرادات "قررت الحكومة أيضا زيادة ضريبة الفائدة على الودائع المصرفية من 7 إلى 10 بالمئة، جعل ضريبة الدخل أكثر تدرجا للوصول إلى سقف 25 بالمئة ( عوضا عن 20 بالمئة للموظفين و 21 بالمئة للمهن الحرة)، فرض واردات تصل إلى 2 بالمئة (باستثناء جملة أمور منها المستحضرات الدوائية)، فرض ضريبة على غرف الفنادق، زيادة تكاليف بعض الخدمات العامة (بما في ذلك رسوم جواز السفر والتأشيرات) زيادة رسوم تصاريح العمل للأجانب وإلغاء الإعفاءات الجمركية باستثناء الخاضعة للاتفاقيات الدولية".

وأضاف كبير الاقتصاديين في بنك عودة: "تؤكد مسودة الميزانية التزام الحكومة السنوي الأول لدائني (سيدر) والمانحين، مع العلم أن هذا المؤتمر يهدف إلى خفض نسبة العجز العام إلى الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 بالمئة على مدى خمس سنوات".

ووفقا له، فإنه يمكن تحقيق أرقام الميزانية ما لم يكن هناك تباطؤ اقتصادي كبير من شأنه أن يؤثر في كفاءة تحصيل الإيرادات العامة، ويستنتج أنه "من المتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلى 1.75 بالمئة وفقا لميزانية 2019، وهي ليست بعيدة عن توقعات المؤسسات الدولية".

هل توجد إستراتيجية اقتصادية؟

من جهته، عبّر ميلاد السباعي، رئيس "جلوبال ليرنينج"، وهي شركة استشارية في مجال التنمية والتعليم والتكنولوجيا، عن وجهة نظر أكثر تحفظا بشأن مشروع الميزانية هذا، وقال: "الميزان التجاري يظهر عجزا قدره 16 مليار دولار، أين هي الإستراتيجية الاقتصادية للحد من هذا العجز بشكل مستدام؟".

وأضاف الخبير خلال مقابلة مع "ميدل إيست آي"، أنه "في الماضي، تم سد العجز عن طريق تدفقات رأس المال، واليوم  هذه التدفقات تجف"، مشيرا إلى أن  "الأزمة في لبنان اقتصادية وليست مالية، في لبنان، نحن محاصرون في عقلية الديون عندما يتعين علينا التركيز على تطوير القطاعات الإنتاجية واقتصاد المعرفة لإعادة بناء قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة".

وبحسب الموقع، فإنه "على المدى القصير، من المحتمل أن يكون لإجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة تأثير إيجابي، لكن على المدى المتوسط ​​والبعيد، فإن الاقتصاد الذي يأتي بـ 4 آلاف وظيفة فقط في السنة في بلد يحتاج إلى 30 ألف، بحاجة إلى المزيد من المبادرات الجريئة للخروج من الأزمة".