إضافة لنزيفه الاقتصادي.. صحيفة بريطانية: لبنان أمام خطر نزوح أبنائه المتعلمين

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة فاينانشنال تايمز البريطانية أن لبنان يواجه خطر خسارة رأس ماله البشري بسبب هجرة نخبه إلى الخارج بحثا عن حياة وآفاق مستقبلية أفضل.

وتفكر لانا نورا التي تبلغ من العمر 18 عاما فقط وهي طالبة في علوم الكمبيوتر بالسنة الأولى في الجامعة الأميركية المرموقة في بيروت، مثل العديد من زملائها في الفصل في مغادرة لبنان بمجرد أن تنهي دراستها.

وقالت: "سأغادر إلى العمل وآمل أن آخذ والدي معي.. في أي مكان سنكون على ما يرام، لكنني أفضل مكانا في الشرق الأوسط، من أجل حياة جيدة. هنا الوضع غير مستقر ولن تعرف أبدا ما سيحدث مستقبلا".

كما يخطط جاد المصري وهو طالب طب في السنة الخامسة للمغادرة إما إلى ألمانيا أو أميركا.

وقال في هذا السياق: "هناك سيكون لي دخل وتعليم وأسلوب حياة أفضل، لا يمكن للسياسيين في لبنان أن يجلبوا لنا مستقبلا جيدا لأنهم فاسدون".

نزوح المتعلمين

ولطالما كان للبنان جالية كبيرة في الشتات بعد موجات من الهجرة على مدى القرنين الماضيين، لا سيما نتيجة الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما وانتهت في عام 1990. 

والآن مرة أخرى، مع غرق البلاد بشكل أعمق في الانهيار الاقتصادي، فإنها تواجه أزمة نزوح جديدة لألمع مواطنيها وأفضلهم تعليما.

ويضطر العديد من اللبنانيين إلى مواجهة التضخم المفرط وانقطاع التيار الكهربائي ونقص الكهرباء، ولا يثقون كثيرا بالمستقبل.

وأردف: "لقد فقدوا الأمل في أن يتخذ قادتهم المنقسمون إجراءات لوقف الانهيار المالي الكارثي للبلاد"، وفق الصحيفة. 

وبعد عامين من بداية الأزمة المالية والمصرفية، لم تتخذ أي إجراءات كفيلة بإنقاذ الاقتصاد المتدهور فيما وصفه البنك الدولي بـ "الكساد المتعمد المدبر من قبل النخبة التي استولت على الدولة".

وقال البنك الدولي في ديسمبر/كانون الأول 2021: "ما زال على لبنان تحديد مسار ذي مصداقية نحو التعافي الاقتصادي والمالي، ناهيك عن الشروع في ذلك". 

وأضاف "نتيجة لذلك، من المرجح بشكل متزايد أن تستغل العمالة الماهرة فرصا محتملة في الخارج، مما يشكل خسارة اجتماعية واقتصادية دائمة للبلد".

ومن بين اللبنانيين الذين يبحثون عن وظائف في الخارج مهنيون سابقون يتقاضون رواتب جيدة والذين أغلقت البنوك حساباتهم بالدولار وشباب لا يرون أي مستقبل في وطنهم. 

ويفكر حوالي 40 في المائة من السكان البالغ عددهم حوالي سبعة ملايين في الهجرة، وفقا لمسح حديث أجرته مؤسسة كونراد أديناور شتيفتونغ الفكرية ألمانية.

وغادر بالفعل حوالي 40 بالمئة من أطباء لبنان إلى الخليج أو الغرب، إما بشكل دائم أو مؤقت، وفقا للبنك الدولي.

كما وجد ما لا يقل عن 10 آلاف مدرس، وظائف في الخارج، وفقا لبعض التقديرات التي استشهد بها البنك الدولي. 

وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95 في المائة من قيمتها مقابل الدولار خلال العامين الماضيين، ما جعل رواتب المعلمين عديمة القيمة تقريبا.

ووجد الاستطلاع الألماني أن 40 بالمئة من اللبنانيين اضطروا إلى الإقلال من الطعام وأن ثلثهم غير قادر على تحمل تكاليف أدويتهم.

 وانغمس ثلاثة أرباع السكان فيما تسميه الأمم المتحدة "الفقر متعدد الأبعاد" وهو إجراء يشمل الوصول إلى الصحة والتعليم والمرافق العامة بالإضافة إلى فقر الدخل.

تأثيرات منهكة

وبدأ التأثير المنهك لهجرة الأدمغة محسوسا بالفعل في قطاع الصحة. وقال رئيس نقابة الأطباء شرف أبو شرف، إن المستشفيات الجامعية الرئيسة في بيروت التي وظفت أخصائيين من ذوي المهارات العالية فقدت ما بين 100 و150 طبيبا في كل منها. 

وأضاف: "هذا يعني أنه لا يمكن تنفيذ بعض العمليات المتخصصة، وهي ليست مجرد مسألة أطباء، فهناك نقص في الإمدادات والأدوية. إذا لم يصحح الوضع السياسي والمالي بسرعة، فإن الوضع الصحي سيكون في خطر".

وفي المركز الطبي بالجامعة الأميركية ببيروت، قالت أخصائية الغدد الصماء منى نصر الله، إن ثلاثة من أصل عشرة أطباء في قسمها ذهبوا إلى الخارج. 

وأضافت: "ازداد العبء الإكلينيكي والتعليمي والإداري، الأمر أيضا أكثر تعقيدا الآن لأنه لا يمكنك إحالة المرضى إلى متخصصين معينين إذا لم يكونوا موجودين. عليك أن تعمل لإيجاد بدائل مناسبة".

وأردفت أن الحكومة لم تبذل أي جهد للاحتفاظ بالأطباء، فيما حاولت المستشفيات الخاصة إيجاد طرق للاحتفاظ بهم من خلال دفع نسبة من رواتبهم "بالدولارات الجديدة".

 وهو مصطلح يشير إلى الأموال المحولة إلى البلاد من الخارج أو من العملات الجديدة التي تدخل النظام معفى من القيود المفروضة على الحسابات المصرفية. 

وتابعت: "إنها ليست أموالا كثيرة، لكنها كافية للمضي قدما، إذا كنت قد قررت بالفعل الذهاب، فلن يجعلك ذلك (قلة الأموال) تبقى".

ويحذر الخبراء من التأثير طويل المدى للهجرة الجماعية للمهارات، حيث قال المدير الإقليمي للمشرق بالبنك الدولي "ساروج كومار جها" إن جودة التعليم في لبنان كانت تتدهور حتى قبل الأزمة.

وبين أن رحيل الأطباء والمعلمين ذوي المهارات العالية يعني عدم وجود تدفق "لرأس المال البشري" لاستبدالهم.

وأضاف "الأطفال اللبنانيون الذين ولدوا في أيامنا هذه عندما يبلغون من العمر 18 عاما، ستكون إنتاجيتهم 48 بالمئة فقط من إمكاناتهم، مما يعني أن هناك خطأ هيكليا في جودة التعليم بالمدارس".

كما حذر الخبير الاقتصادي والوزير السابق ناصر سعيدي من مخاطر استنزاف "مخزون لبنان من رأس المال البشري".

وقال: "عندما يكون لديك أشخاص ماهرون يعملون جنبا إلى جنب مع أشخاص غير مهرة، فإنهم يساعدونهم على التحسن لأنهم يعلمونهم. أما إذا لم يكن الأشخاص المهرة والمتعلمون موجودين، فعندئذ يكون لدينا البؤس".

ومع ذلك، فإن مثل هذه الاعتبارات طويلة الأجل ليست من أولويات أولئك الذين يتصارعون مع الحقائق اليومية لعملة لا قيمة لها، وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، والغذاء والوقود باهظ الثمن. 

زاهر نشابي طالب الكيمياء في السنة الرابعة والذي يخطط للذهاب إلى الولايات المتحدة قال: "لو علمت أن الأمر سيكون على هذا النحو، لكنت قد غادرت منذ وقت طويل".

وتابع: "سأعمل بالولايات المتحدة لبضع سنوات، وأحصل على بعض الاستقرار المالي وربما أعود. ولكن إذا أتت عائلتي أيضا ووجدت عملا، فسأبقى هناك".