ودعوا أحلامهم بأوكرانيا.. جزائريون يفضلون البقاء تحت القصف على طوابير النجاة

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت مجلة "جون أفريك" الفرنسية الضوء على معاناة مئات من الشباب الجزائريين على حدود أوكرانيا للنجاة من القصف الروسي، تاركين وراءهم أحلامهم وجامعتهم التي سافروا آلاف الأميال للوصول إليها.

وأوضحت المجلة، المختصة بالشأن الإفريقي، أنه بينما تعج طوابير اللاجئين بعشرات الآلاف من الأوكرانيين والأجانب الراغبين في مغادرة البلاد، فضل بعض الجزائريين البقاء لحماية ما حققوه طيلة السنوات الماضية.

ويوجد نحو 1200 طالب جزائري في جامعات أوكرانيا، إضافة إلى عدد غير معروف من المقيمين، وفق السفارة الأوكرانية بالجزائر.

صعوبة الفرار

وذكرت المجلة أن كثيرا من الجزائريين، المحاصرين تحت رحمة الغزو الروسي المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022، يجدون صعوبة في الفرار، ولا يزال العديد منهم عند الحدود يبحثون عن وسيلة للعبور.

ويقيم الشاب الجزائري غيلس (27 عاما) في شقة استوديو أقرضها له متطوعون بولنديون، وهو حاليا يتعافى من الرحلة الشاقة التي قادته مع زوجته الأوكرانية من كييف إلى كراكوف في بولندا.

وحتى اندلاع الغزو الروسي، كان غيلس يدير مطعما للوجبات السريعة في قلب العاصمة الأوكرانية.

لكنه لم يكن ليتخيل أبدا أن الحرب ستدفعه إلى الفرار بسرعة من البلد الذي أقام فيه قبل عشر سنوات.

يقول غيلس "استيقظنا يوم الغزو في 24 فبراير (شباط) على صوت صفارات الإنذار.  عندما أدركت أن كييف تتعرض لهجوم، قلت لنفسي إننا لم نعد آمنين وأنه يتعين علينا المغادرة على الفور".

ويضيف: حزمنا حقائبنا بسرعة وتمكنا من العثور على سيارة أجرة نقلتنا إلى الحدود البولندية، كلفتنا 500 يورو، مقارنة بأقل من مئة يورو في الأوقات العادية".

عندما وصل الزوجان إلى المركز الحدودي، كان هناك بالفعل عشرات الآلاف من الأشخاص.

ليجد غيلس وزوجته نفسيهما عالقين في حالة من الظروف الصعبة.

يقول عن وضعهم إنه "نادرا ما كنا نأكل أو نشرب أي شيء.  لحسن الحظ، استقبلتنا عائلة أوكرانية لذا لم نضطر إلى البقاء بالخارج طوال الليل في البرد القارس".

بعد ثلاثة أيام من التجوال، تمكن الزوجان من إقناع سائق بنقلهما إلى بولندا، مقابل رسوم.

مثل غيلس، جاء المئات من المغتربين الجزائريين- معظمهم من الطلاب- إلى هذا البلد.

من جانبه، يأسف طالب هندسة كمبيوتر يبلغ من العمر 23 عاما كان يسافر مع اثنين من زملائه ويقول: "نحن وحدنا، السلطات الجزائرية لا تفعل شيئا لنا، على الحدود، رأيت ممثلين من السفارتين التونسية والمغربية، لكن لم يكن هناك مبعوثون جزائريون".

وبسبب الاختناقات المرورية الهائلة، أمضوا ثلاث ليال في سيارة ولم يكن لديهم سوى القليل من المؤن.

ويضيف: "لقد كان كابوسا، حيث رأيت الشرطة الأوكرانية تتصارع وهي تضرب اللاجئين الأفارقة".

دعم وتضامن

وأعلنت وزارة الخارجية الجزائرية، في بيان، بتاريخ 26 فبراير، أنها تتابع عن كثب التطورات في أوكرانيا و"تنسق الجهود لضمان أمن أفراد الجالية الوطنية القائمة في هذا البلد، من خلال السفارات في وارسو البولندية وبوخارست الرومانية".

وأكدت الوزارة، مقتل طالب جزائري يبلغ من العمر 25 عاما، كان في خاركيف، ثاني أكبر مدن أوكرانيا، على مقربة من الحدود الروسية.

وتم وضع رقمين باللون الأخضر مخصصين لبضعة آلاف من الجزائريين المقيمين في أوكرانيا في الخدمة. 

وفي 2 مارس/ آذار 2022، أعلنت السلطات الجزائرية أن رحلة خاصة للخطوط الجوية الجزائرية ستقلع من بوخارست في 3 مارس، لإعادة الجزائريين من أوكرانيا الذين تقطعت بهم السبل في رومانيا.

وقد ولدت طفرة عفوية في التضامن بين مختلف هؤلاء الهاربين من جحيم الحرب في أوكرانيا. 

كان هناك متطوعون من شمال إفريقيا يعيشون في بولندا ينظمون جهودهم لمساعدة اللاجئين الأفارقة الذين تركوا لمواجهة مصيرهم. 

ورضا، مصمم غيرافيك جزائري مقيم في كراكوف، هو أحد هؤلاء المتطوعين.

توزع هؤلاء المتطوعون طوال الليل عند نقطة عبور ميديكا الحدودية، حيث استقبلوا العشرات من الناجين المنهكين والمعوزين. 

يوضح رضا، الذي يستضيف بنفسه ثلاثة طلاب من شمال إفريقيا ويقول "لقد قدمنا ​​السندويشات والمياه ونسألهم أين يريدون الذهاب".

وبالنسبة لأولئك الذين لديهم وجهة معينة في الاعتبار، نشرح كيفية الوصول إلى هناك ونرافقهم إلى أقرب محطة.

ويضيف: تمكنا من إيواء الآخرين في شقق متاحة لهم مجانا، بدأ كل شيء على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرنا تفاصيل الاتصال الخاصة بنا وطلبنا من المؤثرين نقل رسائلنا.

وفي الطرف الآخر من بولندا، بالقرب من الحدود مع ألمانيا، حيث يعيش فاهم منذ بضعة أشهر بعد أن عاش لعدة سنوات في أوكرانيا.

حتى إنه أخذ إجازة ليكرس نفسه بالكامل لمساعدة اللاجئين. 

يبتسم فاهم وهو مؤسس مجموعة "الجزائريون في أوكرانيا "على فيسبوك، التي تضم ما يقرب من 10 آلاف عضو ويقول عن ذلك "رئيسي من أصل أوكراني وكان يتفهم ذلك".

أكثر ما يحتاجه هؤلاء اللاجئون هو مكان للإقامة، أحاول إرشادهم وإيجاد حلول سكنية لهم.

عودة قسرية

وأوضحت المجلة أن عددا قليلا جدا من اللاجئين الجزائريين يجبرون على العودة إلى بلادهم.

والتقى الكثيرون بالفعل بعائلاتهم، أو استقروا في مكان ما في أوروبا، أو هم في طريقهم وذلك لعدم وجود بديل، فيما يتحلى البعض بالصبر في بولندا، ويأمل الكثير في العودة إلى أوكرانيا.

يوضح أحدهم: "لم أرغب حتى في المغادرة لأنني اضطررت لإجراء اختبار، وكان أصدقائي هم من منعوني من البقاء". 

وأضاف: الآن كل ما أريده هو العودة إلى أوكرانيا، والعودة إلى المدرسة والتخرج، لقد استثمرت الكثير من المال لدفع رسوم التسجيل ولا أريد أن أفقد كل شيء".

لا يريد الشاب غيلس أيضا إطالة فترة إقامته في بولندا، ويقول "لا أريد الذهاب إلى أي بلد آخر في أوروبا أو العودة إلى الجزائر، حياتي في أوكرانيا، تركت كل شيء ورائي".

وتابع: "أنا في انتظار تهدئة الوضع حتى أعود إلى هناك".

وفيما يواصل الجيش الروسي تقدمه نحو كييف واشتداد القتال في شرق البلاد، اختار جزائريون البقاء، وفق المجلة الفرنسية

يقول فاهم، الذي هو على اتصال بالعديد من هؤلاء الأشخاص: "إما لأنهم لا يستطيعون تحمل نفقات السفر، أو لأنهم لا يريدون مغادرة أسرتهم الأوكرانية".

ويضيف: "الظروف المعيشية تزداد صعوبة، خاصة في كييف، قال لي جزائري يعيش بالقرب من المطار إنه بالكاد يجد ما يأكله، والأرفف التجارية فارغة تقريبا".

ووصل يوسف لالوت إلى أوكرانيا في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، ولم يخطط للمغادرة بعد.

وبعد أن تم إجلاؤه من كييف من قبل صاحب العمل قبل أربعة أيام من بدء الاشتباكات، يعيش الآن ويعمل في غرفة فندق في مدينة لفيف، ولا يزال الروس بمنأى عنهم.

يستشهد الجزائري البالغ من العمر 27 عاما بالجولة الثانية من المحادثات الروسية الأوكرانية، التي عُقدت في 2 مارس على حدود بيلاروسيا، ويتمسك بأمل ضئيل في وقف التصعيد. 

وقال: "إنهم يتفاوضون، هناك مقاومة أوكرانية قوية، يمكننا التحرك نحو وقف إطلاق النار، لست مستعدا للمغادرة، والعودة إلى المربع الأول، أنا بخير هنا".