مؤتمر البحرين.. عرسٌ دون عروس

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

الوصف الأدق الذي يمكن أن يوصف به مؤتمر البحرين المزمع عقده لتسويق "صفقة القرن" التي يروج لها دونالد ترمب وصهره جاريد كوشنر يمكن أن يكون: عرساً دون عروس، أو حفل غناءٍ دون مغني، أو محاضرةً دون محاضِر، أو حفلَ تخريجٍ دون خِرِّيجين، في كل هذه الأمثلة نشهد المدعوين من غير ذوي الصلة بالموضوع يأتون ويجلسون ليأكلوا ويشربوا وينظروا إلى بعضهم فقط، لكن دون أن يكون الطرف الذي قامت لأجله كل هذه "الزيطة" حاضراً..!

لا تزال نشرات الأخبار تضج بأنباء إعلان الإدارة الأمريكية الحالية قبل عدة أيام دعوتها لعقد ما أطلقت عليه "ورشة عمل اقتصادية" تحمل عناوين فاقعةً عرفها الفلسطينيون من قبل مثل "السلام" و"الازدهار" و"تشجيع الاستثمار" في الأراضي الفلسطينية. إذ كانت قد أعلنت أن هذا المؤتمر سيعقد في العاصمة البحرينية المنامة، وسيتم فيه تقديم أموال وهبات وتبرعات لما سمته "دعم الاقتصاد الفلسطيني". ولا يحتاج الأمر إلى كبير عناءٍ لاستنتاج أن هذا المؤتمر ليس أكثر من حفلة جمع أموال لتنفيذ "صفقة القرن" التي يبشر بها كوشنر وحموه ترامب منذ سنوات.

تبدو الأنباء المسربة عن محتويات هذه "الصفقة" غير سارة لأيِّ جانبٍ باستثناء الجانب الإسرائيلي وبعض حلفائه العرب الذين باتوا يجاهرون باصطفافهم مع الخيار الإسرائيلي لوأد القضية الفلسطينية ورفعها عن كواهلهم بشكل نهائي. فالقدس في هذه "الصفقة" هي عاصمة دولة الاحتلال، واللاجئون تم شطب قضيتهم، ولا وجود لدولةٍ على الأرض، وهناك قطعة صغيرة من الصحراء يريدون إلقاء من تبقى من الفلسطينيين فيها لينتهي الأمر بهم بلا شيء. هكذا وبكل بساطة يحلم السيد ترامب وصهره كوشنر بإنهاء القضية الفلسطينية التي استعصت على جهابذة ودهاقنة السياسة الدولية على مدار عقود طويلة.

يظن السيد ترامب أن المال يمكنه شراء كل شيء. ولم لا؟ فهو لم يعرف في حياته غير هذا المفهوم منذ أن بدأ حياته "العصامية" بمبلغ صغير من أبيه بلغ 45 مليون دولار فقط! ولعل هناك من يشبهه في هذا الفهم من بعض الساسة المراهقين العرب اليوم. لكن من يحمل هذه الفكرة يغفل عن مجموعة مهمة من الحقائق، على رأسها أن السياسة لا تتم بصفقات البيع والشراء، وهي أشد تعقيداً من ذلك بكثير.

السلطة الفلسطينية المتمسكة بالتنسيق الأمني مع الاحتلال والقيام بواجباتها "المقدسة" –كما يحلو لرئيسها وصفها– في تنظيم الأمن وضمانه للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية لم تتمكن من ابتلاع مؤتمر البحرين الذي لم تتم استشارتها فيه، ولو مجرد استشارة نظرية لا تقدم ولا تؤخر، وهي المعنية الأولى بالأمر (على الأقل من وجهة نظر النظام الرسمي الدولي الحالي)، فأعلنت أنها لن تحضر المؤتمر. بل ذهبت السلطة إلى أبعد من ذلك لتعلن أن "من يحضر من الفلسطينيين إلى المؤتمر متعاون مع الولايات المتحدة وإسرائيل"، وغنيٌّ عن الذكر أن لفظ "متعاون" في القاموس الفلسطيني المعاصر يعني باختصار "عميل".

الأردن أيضاً يخشى هذا المؤتمر، لأنه بات يفهم تبعات ما يمكن أن يحدث لو تم تنفيذ هذا المشروع، وخطورتَه على النظام الأردني برمته، ولذلك لا يزال يتردد في إعلان موقف حاسم من مسألة المشاركة في هذا المؤتمر من عدمها، وكانت الحكومة الأردنية –حتى لحظة كتابة هذا المقال– ترفض الرد على سؤال مشاركة الأردن وتكتفي بالقول إن "من المبكر الرد بشأن المشاركة في مؤتمر البحرين الاقتصادي". وحتى مصر التي يحتفظ النظام الحالي فيها بعلاقات وثيقة مع دولة الاحتلال لا تزال تبدو متحفظةً أو على الأقل حذرةً في التعامل مع طريقة سير المؤتمر والإعلان عنه والمشاركة فيه.

إن الدول الوحيدة التي أعلنت بحماس ترحيبها بهذا المؤتمر والمشاركة فيه كانت الإمارات والسعودية، إضافةً إلى البحرين التي أقحمت نفسها في هذه المعمعة دون مسوِّغ! وكذلك تبدي دولة الاحتلال الإسرائيلي نوعاً من الحماسة للمشاركة، إذ ظهر من خلال التصريحات الأمريكية أنها ستشارك وإن كانت لم تحدد بعد المستوى السياسي الذي سيحضر. وهذا ما يعطي انطباعاً بأن هذا المؤتمر لن يكون أكثر من تظاهرةٍ تحاول إغراء الفلسطينيين بالأموال لإنهاء القضية الفلسطينية وإعلان انتصار إسرائيل، والقبول ببعض مشروعات البنى التحتية والمصانع والمؤسسات والأموال لقاء تخليهم عن كافة مكونات القضية الفلسطينية هكذا وبكل بساطة.

لا أستبعد أن تضغط الإدارة الأمريكية الحالية على دول مختلفة للحضور، ولا أستبعد أن تقوم بعض الدول العربية المتحمسة للمؤتمر بطرح مبالغ خيالية لقاء تنفيذ "صفقة القرن"، بل لا أستبعد أن يتم استقدام بعض رجال الأعمال المحسوبين على الفلسطينيين لتجميل الصورة وإظهار كون المؤتمر يحظى بمشاركةٍ فلسطينية وقبول شعبي، لكن كل هذا لا يغير من الحقيقة شيئاً، وهي أن هذا المؤتمر ليس أكثر من حفلةٍ باهتةٍ سمجةٍ تحاول النجاح فيما فشل فيه الساسة، ولن تكون أكثر من "حفلة زار" ليس فيها أكثر من بعض المشاهدين الذين يخدعون أنفسهم بسراب التخلص من "عبء" فلسطين، وهو في الحقيقة يحمل بذرة فشله قبل حتى أن يبدأ.