باحثة فرنسية: هكذا يبدو مستقبل التحول الديمقراطي في السودان

12

طباعة

مشاركة

منذ 19 ديسمبر/كانون الأول 2018، احتشد السودانيون من أجل تغيير النظام، ورغم إقالة الرئيس عمر البشير في 11 أبريل/نيسان الماضي، ما زال المحتجون يطالبون المجلس العسكري بالديمقراطية، فما هي الأفاق السياسية والتداعيات الإقليمية تجاه ما تشهده السودان؟

أسئلة حاولت الباحثة الفرنسية بولين بروكر، أن تجيب عليها، في مقابلة مع موقع "الدراسات الدولية" الفرنسي، فذكرت في البداية أن الانتفاضات في السودان بدأت بقرار أصدرته الحكومة لتخفيض الدعم على بعض الضروريات الأساسية، ما أدى إلى زيادة سعر الخبز ثلاث مرات.

عجز بتوزيع الثروات

وأضافت: "لذلك، هناك عامل أول يتعلق بالوضع الاقتصادي الصعب في السودان، خاصة بعد انفصال جنوب السودان، ما أتبعه انخفاض عائدات النفط والاستثمارات الخارجية بعد انتهاء العقوبات الأمريكية، بالإضافة إلى ذلك، تخصص الحكومة ميزانيات كبيرة لأجهزة الاستخبارات والحروب في السودان، ما أدى إلى عجز خطير في إعادة التوزيع الثروة داخل المجتمع السوداني".

وأشارت إلى أنه على الجبهة السياسية، أدى الطموح الديمقراطي القوي إلى إنهاء 30 سنة من السلطة الاستبدادية لعمر البشير، وتحولت الثورات الاقتصادية بسرعة كبيرة إلى ثورات سياسية، وهكذا، في الأيام الأولى لتعبئة ديسمبر/كانون الأول 2018، تم إحراق بعض مكاتب المؤتمر الوطني، الحزب الذي ينتمي إليه البشير.

وأكدت الباحثة، أن هذه الثورات تلقي الضوء في النهاية على المستوى الاجتماعي والرغبة في وضع حد للتمييزات المختلفة ضد فئات اجتماعية معينة، وخاصة النساء.

وتساءلت: هل يمكن أن نتوقع ذلك؟ مضيفة: "من السهل دائما الإجابة بأثر رجعي بالإيجاب، ولكن يمكننا أن نرى أنه في عام 2010، وخاصة خلال ثورات الربيع العربي، كانت حركات التعبئة المختلفة قد رددت قصة السودان، خاصة في عام 2013 وعام 2016 عندما رأينا نوعين مختلفين من التعبئة".

وأردفت الباحثة: "إذن، هناك سوابق أثرت بطرق مختلفة على ظهور ومحتويات التعبئة التي لا تزال جارية، فعلى سبيل المثال، في عام 2016، تم تأسيس تجمع المهنيين السودانيين، والذي يلعب دورا رئيسيا في التظاهرات الحالية، وهكذا، توجد روابط مختلفة واضحة بين موجات التعبئة هذه، وفي المقام الأول، استمرارية المطالب السياسية بشأن الديمقراطية في البلاد".

وضع شديد التقلب

وعن المستقبل الذي ينتظر أن يتجه السودان إليه؟ وهل يمكن للمجتمع المدني تحقيق أهدافه والوصول بالبلاد نحو انتقال ديمقراطي؟ أكدت بولين بروكيه، أنه سؤال صعب، فالوضع شديد التقلب، وعملية الانتقال قيد التفاوض.

وبينت أنه منذ إقالة عمر البشير في 11 أبريل/نيسان وتولي المجلس الانتقالي العسكري الحالي الحكم في 13 من الشهر ذاته، تجري مفاوضات بين هذا المجلس وتحالف قوى الحرية والتغيير، الممثل للمجتمع المدني.

وأكدت الباحثة، أن التحدي الرئيسي للتحالف، يتمثل في التوصل إلى توافق مع الجيش حول مشروع مجلس انتقالي يتكون أساسا من المدنيين، فتكوين هذا المجلس الانتقالي هو الآن المحور الرئيسي للمفاوضات.

ولفتت إلى أن المشكلة الرئيسية في البداية كانت تتمثل في فترة المرحلة الانتقالية، والتي تم تحديدها أخيرا بـ مدى 3 سنوات؛ واليوم، فإن حجر العثرة أصبح تكوين هذا المجلس الذي سيشرف على المرحلة الانتقالية.

وأوضحت أنه بدون دهشة، يسعى الجيش للحفاظ على التفوق العددي في هذا المجلس، وهو ما يرفضه المتظاهرون والذي يفسر استمرار التعبئة أمام مقر الجيش منذ 6 أبريل، ولكن أيضًا داخل تجمع المهنيين، لرفض المقترحات الصادرة عن الجيش. 

ردود فعل دولية

وفي سؤال عن ردود الفعل الدولية؟  قالت الباحثة أيضا: في معهد التنمية المستدامة والعلاقات الدولية في بداية الأحداث، كان هناك نوع من عدم الاهتمام أو تجاهل الإمكانيات الثورية لهذه التعبئة التي بدأها المجتمع في ديسمبر.

وأشارت إلى أن، إدراك قوة هذه الحركة الاجتماعية ظهر في 6 أبريل/نيسان، عندما تغير مجرى الأحداث، وأصبحت المظاهرات المنتشرة في أنحاء مختلفة من البلاد ترمز إلى تطور توازن القوى لصالح المدنيين، حيث نتج منذ هذه اللحظة حركة دعم أو، على أي حال، المزيد من اهتمام وسائل الإعلام.

وأوضحت بولين، أن الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى والنرويج أصدرت بيانا في 9 أبريل/ نيسان يدعو إلى وقف جميع أشكال العنف والاعتقالات السياسية، مذكّرة بدعمها المادي والمالي لعملية انتقال ديمقراطي. 

من جانبه، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانا خجولا جدا في ديسمبر/ كانون الأول، ولا يبدو أنه يتمتع اليوم بموقف واضح للغاية فيما يتعلق بالوضع في السودان، وفي ظل عدم إظهار أي دعم للحكومة أو المجلس الانتقال العسكري، امتنع أيضا عن تقديم دعم واضح للمتظاهرين.

وقالت: هنا يمكننا أن نتساءل عن وقوف الدور الذي تلعبه الخرطوم في مجال الهجرة، في رد الفعل الخجول هذا، حيث تم التوقيع في عام 2015 مع السودان ليكون شريكًا في مراقبة الهجرة، ولهذا يبدو أن الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في الانتقاد.

دعم عربي

أما بالنسبة لدعم الحكومة والجيش، فرأت الباحثة أنه أمر مهم للغاية من الدول العربية في المنطقة: إذ أعلنت السعودية والإمارات، أنها ستدعم حكومة الخرطوم بـ 3 مليارات دولار، لكن هذا رفض من المتظاهرين؛ مصر أيضا، التي أعلنت استضافة قمة بين المدنيين والجيش، تميل إلى جانب الجيش.

من جهتها، كانت روسيا تدعم الحكومة منذ بداية التعبئة، ولاسيما عسكريًا من خلال نقل مختلف الدبابات والأسلحة وما إلى ذلك، الذي ثبت وجودها في الخرطوم.

وواصلت الباحثة: إن "النظام الديكتاتوري لعمر البشير أدى إلى تغذية حركة الهجرة من السودان لمدة 30 عاما، وظهور مثل هذه التعبئة الوطنية غير المسبوقة على الإطلاق دفع بعض الناس إلى تأجيل الرحيل؛ وأعادت بعض أفراد الشتات الذين أرادوا أن يعيشوا هذه اللحظات التاريخية على الفور".

وتابعت: لكن على المدى المتوسط​​، من الممكن أن تحدث حالات مغادرة جديدة، إذا حدث قمع من جانب الجيش، وأيضا في حالة عدم تحقيق الانتقال آمال المتظاهرين، وهو ما يصعب التكهن به، كما حدث في تونس عام 2011 فالقمع وحده لم يعجل بهجرة المواطنين، بل التطلعات المخيبة للآمال في الحركة الثورية.

 وعن قضية دارفور في هذا السياق؟ قالت الباحثة إن دارفور هي محور هذا التحول، لكنها تساءلت كيف يمكن وضع حد لهذه الحرب التي تضرب ميزانية الدولة بشكل كبير وماذا تفعل مع دارفور؟ كيف يمكن دمجها في المعادلة السياسية للسودان، وماذا ستفعل الدولة مع الجماعات المسلحة الموجودة في دارفور؟ 

وأكدت، أنه لا تزال هناك صراعات سياسية داخل دارفور حول الإستراتيجية التي يجب تبنيها فيما يتعلق بالخرطوم، واليوم تبرز مجموعات من أجل الانتقال الديمقراطي، بينما يعارض آخرون أي شكل من أشكال التعاون مع الخرطوم، ففي هذه المعادلة وإعادة التشكيل المتوقعة للسودان من قبل المتظاهرين، تعتبر قضية دارفور مسألة مركزية.