مجلة أمريكية: إيران حائرة من خيارات واشنطن ضدها.. كيف ترد؟

12

طباعة

مشاركة

نشرت مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية، مقالا للكاتب سيث فرانتزمان، تحدث فيه عن مواجهة واشنطن لعقبات في مواصلة ممارسة الضغوط على طهران، ما جعل إيران في حيرة من أمرها حيال ما ينوي البيت الأبيض فعله في التوتر المتصاعد بين البلدين.

وقال الكاتب في مقاله، إن إيران تبادر دوما بالرد على التهديدات الأمريكية المتسارعة حول الرد على أي هجوم إيراني محتمل موجه ضد القوات الأمريكية، لافتا إلى قائد الحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي أكد مرارا، أن قواته مستعدة دائما لأي مواجهة مع واشنطن.

لا رغبة للحرب

وأشار سيث فرانتزمان إلى أن تعليقات قائد الحرس الثوري كانت دائما موجهة الى وسائل الإعلام الفارسية، وفي الوقت ذاته تكشف أن إيران كانت دائما مستعدة للمواجهة مع أمريكا، مؤكدا أن إيران وحلفاءها ووكلاءها غير راغبين في مواجهة جديدة، غير متوقعة مع الولايات المتحدة.

وفي سياق متصل، لفت الكاتب إلى أن إيران كانت تستمتع، على مر السنوات، بإحساسها بقدرتها على مهاجمة الولايات المتحدة وحلفاؤها في التوقيت الذي تختاره هي، لا الذي يتم فرضه عليها.

وأكد، أن حوادث نابعة من هذه الإستراتيجية قد وقعت خلال السنوات الماضية منها، أسر البحارة الأمريكيين لفترة وجيزة في 2016، وإطلاق الصواريخ على إسرائيل انطلاقا من سوريا خلال شهر مايو/أيار من العام الماضي، وأيضا تزويد الحوثيين بالصورايخ البالستية لمهاجمة أهداف في المملكة العربية السعودية.

ونوه الكاتب إلى استمرار إيران في ممارسة هذه الإستراتيجية في جميع ربوع الشرق الأوسط، ومنها مضايقة دورية عسكرية أمريكية في نينوى، قرب الموصل بالعراق في فبراير/شباط الماضي، وفق تقرير نشرته وزارة الدفاع الأمريكية مارس/آذار الماضي، إضافة إلى نقلها التكنولوجيا والصورايخ إلى حزب الله في لبنان، الأمر الذى حاولت إسرائيل مرارا اعتراضه عن طريق أكثر من ألف ضربة صاروخية وجوية على سوريا، كما أن إيران مُتهمة بأنها وراء التصعيد بين حماس وإسرائيل خلال شهر مايو/أيار الجاري وأكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.

وخلص الكاتب في مثاله، إلى أن دور إيران في الشرق الأوسط يتعاظم بشكل لافت للنظر، مستفيدة من الفراغ الذي خلفه تنظيم الدولة في العراق وسوريا، ومستغلةً الانقسامات في اليمن ولبنان وفي أي مكان آخر، بينما لا يأتي تعاظم الدور الإيراني في المنطقة من فراغ، ولكن يتم تغذيته من خلال الضعف الشديد الذي تعانيه الدول العربية، متحالفةً مع تنظيمات شيعية محلية مثل، حزب الله في لبنان ومنظمة بدر في العراق ونظام بشار الأسد، والحوثيين في اليمن.

شبكة إيران

وأكد سيث فرانتزمان، أن إيران أنشأت شبكة معقده من التحالفات في الشرق الأوسط، ومما يميز هذه الشبكة المعقدة من التحالفات أنها ذات فائدة للطرفين، حيث ترسل المجموعات المتحالفة مع إيران مجموعات قتالية لمساعدة إيران في سوريا، أو لمساعدة الحوثيين، وحزب الله الذين يدينون إسرائيل، ويقدمون الدعم الخطابي للحوثيين.

وأشار الكاتب إلى أن هذه الإستراتيجية تمنح إيران القوة والهيمنة الإقليمية، مما قد يشل هذا الطريق إلى البحر من خلال سوريا والعراق، وتبدو هناك الكثير من الأدلة على هذه الهيمنة الإقليمية، منها، أدلة حديثة على أن إيران تبني قواعد صواريخ في العراق، ودليل آخر من خلال الدبلوماسية الإيرانية مع كل من تركيا وروسيا، إلى الحد الذي جعل تركيا تعارض العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.

ورأى، أن اضطلاع إيران بالكثير من الأعباء والمسؤوليات، نتجت عنه شروخ في تحصين إيران نفسها، وقد ظهر هذا للمرة الأولي في الأسبوعين الأوليين من شهر مايو/أيار الجاري، حين سرّعت الولايات المتحدة من وتيرة التصعيد مع إيران، إلى الحد الذي هددت فيه بأن أية هجمات تقوم بها إيران أو أي من حلفائها في المنطقة سيتم الرد عليه عن طريق القوات الأمريكية المتواجدة في المنطقة.

 وأشار الكاتب إلى تصريح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو حين قال في 9 مايو/أيار الجاري، إنه "يتعين على إيران أن تعي أن أية هجمات منها أو أي من حلفائها ضد المصالح أو المواطنين الأمريكيين سيتم الرد عليها بالرد السريع القاسي من الولايات المتحدة".

وبحسب سيث فرانتزمان، فإنه مما يدل على السياسة الأمريكية تجاه إيران، ترديد كل من مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، والسيناتور الجمهوري ماركو روبيو، وأيضا المبعوث الأمريكي لدي إيران براين هوك، للحد الذي حذر فيه السيناتور الجمهوري روبيو المليشيات العراقية المدعومة من إيران، وكخطوة استباقية، كانت الولايات المتحدة قد صنفت قوات الحرس الثوري الإيراني، ومليشيات حزب الله العراقية كمنظمات إرهابية.

الرد الإيراني

وحيال التهديدات الأمريكية، خلص الكاتب، إلى أن الرد الإيراني المتوقع هو المزيد من المضايقات الإيرانية للقوات الأمريكية في المنطقة، بينما إيران لديها العديد منن البؤر في المنطقة لممارسة الضغوط على الإدارة الأمريكية، ولكنها لم تلجأ إلى ذلك خلال الأيام العشرة الأولى من الأزمة الحالية، في الوقت الذي ألمحت فيه الولايات المتحدة، أن إيران ربما تكون مسؤولة عن عملية التخريب المتعمد لأربعة سفن نفطية في خليج عُمان قُبالة ميناء الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنها لم تقدم دليلا على اتهاماتها لإيران حتى الآن.

وأردف: "في الوقت الذي ألقت فيه المملكة العربية السعودية باللوم على إيران لوقوفها وراء الهجمات التي شنتها طائرات مسيرة على منشآت نفطية سعودية، بينما في 19 مايو/أيار الجاري جرى اطلاق صاروخ بالقرب من السفارة الأمريكية في بغداد، في الوقت الذي أنكرت فيه الميلشيات الموالية لإيران مسئوليتها عن هذه الهجمات، إلا أنه من المعتقد أنهم الفاعلين المحتملين لهذه الحوادث".

وتوصل الكاتب في مثاله إلى أنه في العموم، يبدو رد الفعل الإيراني تجاه التهديدات الأمريكية هادئا وحذرا، حيث كان وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، في جولة أسيوية شملت كل من ( اليابان والهند و الصين وتركمانستان) ساعيا خلف دعم هذه الدول ومجموعة الدول المتواجدة في الاتفاق النووي الإيراني، في الوقت الذي هددت فيه إيران أنها من المحتمل أن تنسحب من أجزاء من الاتفاق النووي إذا لم تقم أوربا بتقديم الدعم اللازم للموقف الإيراني.

وزاد: في نفس الأثناء كان حسين سلامي، يتحدث في جلسة برلمانية مغلقة عن جاهزية قوات الحرس الثوري للدفاع عن إيران، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تشن حربا نفسية ضد إيران، وأن القوات الأمريكية المتواجدة في الخليج ليست كافية لشن حرب على إيران.

ومع ذلك، بيّن الكاتب، أن إيران قالت إنها مستعدة لمواجهة شاملة مع الولايات المتحدة، في الوقت الذي قللت فيه قناة "تي في برس" الإيرانية الشائعات اليومية عن قرب قيام حرب شاملة بين الولايات المتحدة و إيران، معللةً ذلك بأن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب لا يريد الحرب، في الوقت الذي يتم فيه تسريب معلومات عن صواريخ إيران الباليستية المتقدمة الجديدة، وأسراب القوارب الجديدة، وأيضا عن النجاحات التي تحققها إيران على الجبهتين السورية و العراقية.

القوة الناعمة

وحول مكمن القوة لدى إيران، رأى الكاتب، أن نفوذها يكمن في قوتها الناعمة، وتعطي مصادر قوتها أيضا فرصا كبيرة لخصومها، وفي هذه الحالة، الولايات المتحدة الأمريكية، فعلى سبيل المثال، قالت، أن أي هجوم يقوم بها حلفاء إيران سيتم الرد عليه بالهجوم على إيران نفسها، مما يضع مئات الآلاف من المليشيات الشيعية في العراق تحت تهديد الخطر، ويضع أيضا قوات حزب الله والقواعد الإيرانية في سوريا تحت تهديد مرمي النيران الأمريكية.

واستطرد سيث فرانتزمان: إن "أي هجمة وحيدة من المليشيات المدعومة من إيران سيتم الرد عليه بمهاجمة الحرس الثوري الإيراني في طهران، فعلى سبيل المثال قامت القوات الشيعية الموالية لنظام بشار الأسد والمدعومة من إيران بمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة في فبراير/شباط 2018 ".

وفي سبتمبر/أيلول 2018، تم اطلاق صواريخ على القنصلية الأمريكية في البصرة، ما أدى إلى إغلاق مبني القنصلية، إضافة إلى مضايقات متعددة قامت بها المليشيات الموالية لإيران للقوات الأمريكية في سوريا،  في حين توقفت كل تلك الهجمات والمضايقات الإيرانية للقوات الأمريكية بمجرد أن أطلقت الولايات المتحدة تحذيراتها تجاه إيران، بحسب الكاتب.

ولفت الكاتب إلى أن إيران ليست على استعداد لتحمل المسئولية عن أنشطة المليشيات الموالية لها، لهذا السبب كانت إيران قد قررت تكرار نموذج حزب الله في العديد من الدول في الشرق الأوسط، حيث تستطيع هذه المليشيات التأثير القوي داخل هذه البلدان أكثر من تأثير القوات الإيرانية الرسمية حال دخولها هذه البلدان، حيث تستطيع إيران إنكار ضلوعها في أية هجمات تشنها هذه التنظيمات بالوكالة عنها، سواء بعد تفجير ثكنات المارينز في لبنان عام 1983 أو الصواريخ التي أطلقتها مؤخرا حركة الجهاد الإسلامي المتحالفة مع إيران في غزة، أو حتى الاغتيالات في أوروبا.

وأشار إلى أنه "طالما كانت الولايات المتحدة حذرة ومدركة ضلوع مليشيات موالية لإيران مثل كتائب حزب الله أو مليشيات  أهل الحق أو بدر الذين لعبوا دورا في معارضة القوات الأمريكية هناك، في حين  لم تفكر الإدارات السابقة في تحميل طهران مسؤولية عمل وكلائها، بينما  انتهزت إدارة ترامب هذا كوسيلة للضغط على إيران، ويأتي ذلك بعد أن انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني وفرضت عقوبات على الحرس الثوري الإيراني ومليشيات عراقية مدعومة إيرانيا".

إيران مرتبكة

ومضى الكاتب قائلا: "إيران بدت مرتبكة في المنتصف من شهر مايو/أيار الجاري، حيال تصعيد لهجة الخطاب الأمريكي حيال أنشطتها، مدركةً أنها متورطة في سلسلة من الصراعات الصغير التي تعم منطقة الشرق الأوسط".

وأردف: "يجب النظر في كل هذه الصراعات وخطوط المواجهة الممتدة من وجهة نظر إقليمية، فهناك دائرة متسعة من الصراعات في الشرق الأوسط، من حزب الله على ساحل لبنان إلى دير الزور حيث تقع القوات الأمريكية، إلى العراق حيث تمت مضايقة الدوريات العسكرية الأمريكية، إلى الخليج العربي حيث يعارض حلفاء الولايات المتحدة تصرفات إيران".

وبيّن: "بعض من هذه الصراعات، هي ساخنة، مثلما يحدث في اليمن، بينما البعض الآخر هي صراعات باردة مثلما يحصل بين حزب الله في لبنان ومحاولات إسرائيل الدائمة لمنعه من الحصول على الدعم العسكري من إيران، بينما في حالات أخرى فإن هناك صراعات على حافة الحرب، كما هو الحال في العراق".

وتابع الكاتب: "على سبيل المثال، سعت إيران إلى اكتساب النفوذ في إقليم كردستان بشمال العراق، الذي كان ذات يوم شريكا أمريكيا مقربا، في الوقت الذي أرسلت الولايات المتحدة مساعد وزير الخارجية بالنيابة لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى أربيل في 8 مايو/أيار للقاء أعضاء كردستان الحكومة الإقليمية، حينها  أبرزت وسائل الإعلام الإيرانية الزيارة، مشيرة إلى أن واشنطن تسعى إلى الضغط على أربيل لتقليص العلاقات مع إيران".

وزاد: أن واشنطن تواجه عقبات في مواصلة ممارسة الضغوط على إيران، وجعلها في حيرة ما أمرها حيال ما ينوي البيت الأبيض فعله في التوتر المتصاعد بين البلدين، فالأمور لا تسير جميعها في نفس الاتجاه الذى تخطط له إدارة ترامب حيث هناك رد فعل محليا مجابه ضد الصراع مع إيران، يشمل أعضاء الإدارات السابقة، والافتتاحيات في وسائل الإعلام، وكذلك مؤيدي الاتفاق النووي مع إيران".

وأشار الكاتب إلى وجود شكوك بين بعض الحلفاء الأمريكيين، كما تبدو الولايات المتحدة قلقة أيضا من المزيد من النزاعات واسعة النطاق، في الوقت الذي تعي فيه إيران هذا جيدا، وقد استخدمت هذه المناقشات تاريخيا لصالحها.

ورأى سيث فرانتزمان، أن "الجانب المبدع في سياسة الضغط الأمريكية على إيران هو افتراض أن الأخيرة كانت ستتحمل مسؤولية أنشطة القوات والمليشيات الموالية لها و المدعومة منها، مما كان سيعرضها لخطر كبير في كل مناطق نفوذها، ويجبرها على الحذر  فيما يخص إستراتيجيتها".

وتابع قائلا: "فبقدر ما قالت طهران إن الولايات المتحدة لا تريد حربا كبيرة، فلا يوجد دليل على أن إيران تريد صراعا كبيرا أيضا، فالنظام في طهران لديه الكثير ليخسره في حرب حقيقية مع الولايات المتحدة، وذلك لأن قدرتها تعتمد على تحقيق التوازن الدقيق بين الوكلاء والحلفاء في جميع أنحاء المنطقة من خلال عدم تحديها بشكل كامل والسماح لكل حليف أو وكيل بمكافحة صراعاته المحلية، واستخدامها في بعض الأحيان للضغط على خصوم إيران، مثل السعودية أو إسرائيل".

واختتم سيث فرانتزمان، مقاله بالقول: إنه من خلال النظر إلى تصرفات إيران إقليميا والتهديد بالرد على الصعيد الإقليمي، اتبعت  الولايات المتحدة سياسة جديدة أربكت طهران.