حراك نظام الأسد وإيران بعد غزو روسيا لأوكرانيا.. مخطط ثنائي أم تنسيق ثلاثي؟

مصعب المجبل | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في وقت تركز روسيا جل ثقلها السياسي والعسكري على غزوها لجارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، اجتهد النظام السوري وإيران في إعادة تعريف علاقاتهما بشتى المجالات.

ومع "التورط الروسي في مستنقع أوكرانيا"، كما بات يوصف، وانشغالها بحربها هناك، لم ينتظر النظام السوري وإيران طويلا لدراسة الموقف وانعكاسه المباشر عليهما.

مملوك بإيران

وتمثل ذلك بإجراء رئيس "مكتب الأمن الوطني" التابع للنظام السوري علي مملوك، زيارة إلى طهران، ولقاء الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني في 27 فبراير/ شباط 2022.

وعرض مملوك خلال اللقاء على شمخاني تقريرا حول الوضع الأمني في جميع أنحاء سوريا، كما تحدث عن وجود فرص كبيرة للتعاون الاقتصادي مع طهران في مختلف المجالات، لا سيما الاقتصادية.

 ليرد عليه شمخاني بضرورة تسهيل وتسريع وتيرة تنفيذ وثائق التعاون والاتفاقيات الثنائية، خاصة في المجال الاقتصادي.

ومما دل على أهمية الزيارة هو مكوث مملوك الذي يعد أرفع شخصية أمنية سورية، يومين قبل أن يلتقي في 1 مارس/آذار 2022 الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في طهران.

إذ ركز مملوك أيضا في حديثه مع رئيسي، على "أهمية تعزيز العلاقات الإستراتيجية القائمة بين إيران وسوريا في شتى المجالات".

بدوره أشار الرئيس الإيراني إلى أهمية التعاون الاقتصادي مع النظام السوري في شتى المجالات.

وشدد على "ضرورة إزالة العقبات القائمة أمام توسيع العلاقات الاقتصادية وصولا إلى تطوير العلاقات الإستراتيجية بين البلدين".

وذلك في إشارة مباشرة من رئيسي على عدم الرضى السابق لمنع طهران من الحصول على مشاريع بسوريا بضغط روسي.

حراك النظام السوري وإيران المكثف على وقع انشغال موسكو بغزوها لأوكرانيا، لم يتوقف بزيارة مملوك الخاطفة إلى طهران، بل استكملها كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني علي أصغر خاجي، الذي حط في دمشق في 1 مارس 2022 والتقى رئيس النظام السوري بشار الأسد.

ودار الحديث خلال اللقاء حول العلاقات الثنائية والجهود التي تبذلها المؤسسات من كلا الطرفين لتعزيز التعاون في كافة المجالات، خصوصا بالقطاع الاقتصادي، إلى جانب "فرض العقوبات على الشعب الروسي كما فرضت على الشعبين السوري والإيراني من قبل"، وفق وكالة إعلام النظام "سانا".

وتركيز النظام السوري وإيران على البعد الاقتصادي، كمدخل أساسي للبعد الأمني بسوريا الذي يخشى الطرفان من حدوث تغيرات على خارطته إذا ما طالت العملية العسكرية الروسية لأوكرانيا، وجرى استنزاف موسكو هناك عسكريا واقتصاديا.

وهذا ما دفع الطرفين لتنشيط التواصل بينهما في هذه المرحلة لبحث تأثير ذلك على مكاسب الأطراف الثلاثة (النظام - إيران – روسيا) والتي جرى تثبيتها منذ التدخل العسكري الروسي في 31 سبتمبر/ أيلول 2015 لمنع سقوط الأسد.

تعريف العلاقة

وبعد بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، تعرضت موسكو لحزمة "عقوبات رادعة" من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أوجعت الاقتصاد الروسي وظهر سريعا على تراجع العملة الوطنية "الروبل".

إلى جانب عزل كثير من البنوك والمصارف الروسية من نظام "سويفت" للتحويلات المالية الدولية، إضافة إلى باقة واسعة من العقوبات شملت مجالات كثيرة.

ونتيجة لهذا خرجت إشارات حمراء من قلب العاصمة دمشق؛ دفعت الأسد لإعادة تقييم الموقف السوري الجديد من ناحية تضرر روسيا بشكل أكبر عبر خنقها اقتصاديا من الغرب لثنيها عن قرار المضي في الحرب ضد أوكرانيا.

وإرسال بشار الأسد، علي مملوك دون سواه إلى طهران وعقد لقاءات غالبها ذو طابع أمني نظرا لاعتبار مملوك اليد الأمنية الأولى بسوريا الممسكة بخيوط كافة أجهزة الأمن والمخابرات في كامل النظام السوري، له ارتباط مباشر بتدعيم الأسد موقفه مع طهران وإيجاد البدائل معها حول كل السيناريوهات المتوقعة التي قد تطرأ على روسيا نتيجة العقوبات الغربية.

وفي هذا السياق، أكد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، وائل علوان، أن "النظام السوري يحاول إعادة تعريف علاقته مع إيران بشكل أكثر عمقا، والاعتماد على طهران لمواجهة سيناريوهات محتملة ومقلقة في الأيام القادمة".

وأرجع علوان السبب في ذلك، وفق حديثه لـ"الاستقلال"، إلى "كون المعركة الروسية ضد أوكرانيا، ذات سيناريوهات مفتوحة ومن الصعب جدا التكهن بالمستقبل الذي ستكون عليه موسكو بعدها".

وأوضح أن "نظام الأسد يتخوف حاليا من عدم قدرة روسيا على استمرار التغطية السياسية له، وتحمل العبء الاقتصادي في سوريا، فضلا عن عدم بذل المزيد من القوة العسكرية؛ لأن روسيا ترى أن معركة أوكرانيا أهم ولها أولوية مطلقة".

واستدرك الباحث السوري: "لذا النظام السوري يسعى لتوثيق العلاقة مع إيران كبديل لأي انسحابات نسبية أو جزئية روسية من الملف السوري، بالإضافة إلى حاجة النظام السوري إلى الوجود العسكري والاقتصادي الإيراني".

وأردف: "وخاصة أن التوجه الدولي حول أوكرانيا مال على تشديد الضغط الاقتصادي على روسيا، وهذا ربما ينتج عنه التوصل لتفاهمات في مباحثات الملف النووي الجارية في فيينا، تقضي بتخفيف الأعباء والعقوبات عن طهران والذي سينتج عنه ارتياح اقتصادي أكبر لإيران ما يعود بالنفع على الأسد".

سد الفراغ

وبقي مملوك على مدى السنوات الأخيرة يتصدر لقاءات أمنية نيابة عن النظام السوري مع دول خارج قوس التحالف معه، وأغلب هذه الاجتماعات كانت سرية وتجري في خضم عزلة يعيشها الأسد بعد قمعه للثورة السورية منذ مارس/ آذار 2011.

ولهذا يعد شخصية مقبولة ولها ثقلها عند روسيا وإيران أبرز الداعمين للنظام السوري، ولهذا تصر موسكو على حضور مملوك كل اجتماع للمبعوث الروسي لافرنتييف مع الأسد في دمشق.

كما لم يجد بشار الأسد سوى مملوك كـ"مبعوث خاص" عنه للذهاب إلى طهران لتقديم "واجب العزاء" بعد يومين من مقتل قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" السابق، بضربة أميركية قرب مطار العاصمة بغداد في 3 يناير 2020.

ولهذا يرى الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية نوار شعبان، أن زيارة مملوك في هذا التوقيت "ليست لمناقشة القضايا الدولية، بل لمناقشة احتمالية امتداد المعارك الروسية في أوكرانيا وتكليفها الجانب الروسي فوق الميزانية الموضوعة للمعركة".

"ما قد يضطر موسكو إلى إعادة تموضع بعض قواتها وسحبها من سوريا إلى روسيا، وهذا ما يخشاه الأسد كونه سيخلف فراغا عسكريا وأمنيا"، يضيف شعبان لـ"الاستقلال".

وذهب الباحث في مركز عمران للقول إن "شدة العقوبات المفروضة على روسيا عقب الهجوم الروسي سيؤدي إلى توقيف الصادرات الروسية إلى النظام السوري؛ ما سيسبب خللا في هذا الجانب".

وأضاف: فضلا عن توقف روسيا في الاستثمار بمجال الطاقة سيخلف فراغا أيضا، وبالتالي هذه كلها ملفات مفتوحة ومطروحة على الطاولة ويمكن مناقشتها مع إيران".

ولفت شعبان إلى أن "زيارة مملوك لطهران تأتي من منظور كيف سيكون تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على الملف السوري؟ وكيف يمكن للنظام السوري بالتعاون مع طهران على إزالة هذا الأثر أو التخفيف من تداعياته؟".

رفع الجاهزية

وأمام هذه المعطيات يؤكد خبراء عسكريون أن تنسيق النظام السوري مع إيران؛ يأتي استكمالا لتنسيق ثلاثي مشترك سبق إعلان الغزو الروسي على أوكرانيا.

وهنا لا يفوت التذكير بأن روسيا وقبل إعلان غزوها لأوكرانيا فجر 24 فبراير بعثت برسالتين بأنها لن "تترك سوريا".

الأولى عبر حضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى سوريا في 15 فبراير والإشراف على مناورات وتدريبات البحرية الروسية انطلاقا من قاعدة طرطوس الروسية المقامة على ساحل البحر المتوسط.

ولقاء شويغو مع بشار الأسد في اليوم ذاته، في مطار الباسل الدولي باللاذقية، وإطلاعه على سير تلك التدريبات البحرية.

والثاني، إجراء بشار الأسد اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اليوم الثالث من الحرب وإبداء تأييده للغزو، زاعما أن "ما يحصل اليوم هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي".

وحول هذه الجزئية يشير المحلل والخبير العسكري العميد عبد الله الأسعد، إلى أن "القوات الروسية موجودة في سوريا برا وجوا وبحرا، لذا فإن الزيارات المذكورة بين الأسد وطهران؛ "من أجل التنسيق وحساب موضوع المعركة في أوكرانيا".

ونوه العميد إلى أن "روسيا تخشى حاليا من وقوع هجمات عليها في سوريا، وبالتالي فإن الحليف الكبير لها في هذا البلد هو إيران، وموسكو أعطت تعليمات من غرفة العمليات في قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية بإرسال قوات إلى جبهات البادية السورية من أجل صد هجمات من تنظيم الدولة ضد أرتال الشرط العسكرية الروسية أو المواقع التي توجد فيها قوات مشتركة بين الروس والإيرانيين وقوات الأسد".

واعتبر الخبير العسكري أن "الزيارات ليست اعتيادية، بل من أجل الاحتياط ورفع الجاهزية القتالية على الأرض السورية، من قبل القوات الموالية لروسيا مثل الفرقة 25 مهام خاصة بقيادة سهيل الحسن".

وأكد وجود "تدريبات مشتركة في ريف حماة بين قوات الفرقة 25 والمليشيات الإيرانية، وجرى إنهاء هذه التدريبات مع بدء الحرب على أوكرانيا وتوزيعها على محاور في ريف حمص والجنوب السوري وتدعيم مواقع الدفاع الجوي الروسية بسوريا".

ونوه الأسعد أن "القوات الموالية لروسيا في سوريا رفعت الجاهزية القتالية بشكل كامل، كما أنه وتحسبا للقيام بأي هجمات على المواقع الروسية في سوريا جرى إرسال دبابات ومدافع وعتاد ثقيل إلى بعض النقاط في سوريا".

وختم العميد بالقول، إن "المحادثات بين النظام السوري وإيران لمناقشة احتمالية إرسال روسيا عناصر من الموجودين على الأراضي السورية إلى روسيا للقتال في أوكرانيا". 

وسبق أن أكدت شبكة "درعا 24" المحلية أن روسيا جندت عناصر من الفيلق الرابع والخامس اللذين شكلتهما، لإعادة تدريبهم في قاعدة التيفور الجوية العسكرية بريف حمص، ضمن خطة لنقل هذه القوات إلى منطقة دونباس للمشاركة في الحرب في أوكرانيا.

وأفادت الشبكة في تقرير بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2022، بأن إحدى المجموعات بدأت بالتدريب بشكل فعلي منذ الأسبوع الثالث من الشهر المذكور.

ولروسيا باع طويل في عمليات التجنيد العسكرية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق، لكن التجنيد في سوريا الذي بدأ مع التدخل العسكري فيها بنهاية سبتمبر/ أيلول 2015 بدا بشكل منظم وعبر برامج جاهزة مشابهة لعمليات استقطاب المرتزقة من روسيا أو أوكرانيا أو بيلاروسيا.