بين حكومتي باشاغا والدبيبة.. هكذا يخيم شبح الصراع المسلح على العاصمة الليبية

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في تطور لافت للأحداث السياسية في ليبيا، صوت مجلس نواب طبرق، في أول مارس/ آذار 2022 على منح الثقة للحكومة الجديدة برئاسة وزير الداخلية السابق بحكومة الوفاق، فتحي باشاغا، ليكون خلفا لرئيس حكومة الوحدة الحالية عبد الحميد الدبيبة.

وجاء هذا التطور عقب أسبوع من إعلان الدبيبة في 22 فبراير/ شباط 2022، أنه لن يسلم السلطة إلا عبر انتخابات، كاشفا عن خطة لإجراء انتخابات تشريعية قبل نهاية يونيو/ حزيران 2022، موعد نهاية خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي الذي تشكلت حكومته بموجبه.

وبين الحكومة القائمة التي يرأسها الدبيبة وحكومة باشاغا المصادق عليها، تقف ليبيا على مفترق طرق، بين الوصول إلى موعد متفق عليه لانتخابات أو عودة الانقسام من جديد بين حكومتين تتنازعان الشرعية محليا ودوليا. 

مسارات متعارضة

ما يبدو مختلفا هذه المرة هو تحالف معلن بين باشاغا رجل مصراتة القوي ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح، وعدو الأمس القريب اللواء الانقلابي خليفة حفتر الذي خرج الناطق باسمه أحمد المسماري، ليبارك الاتفاق ويعلن تأييد الميليشيات المسيطرة على الشرق لها .

وفي 21 فبراير 2022، أقر مجلس نواب طبرق مقترح خارطة طريق يتضمن إجراء الانتخابات، بعد تعديل الإعلان الدستوري، بموافقة كل من البرلمان نفسه والمجلس الأعلى للدولة (استشاري)، خلال مدة لا تتجاوز 14 شهرا.

وقرر مجلس النواب منتصف فبراير "تشكيل لجنة لتقديم مقترح بتعديل الإعلان الدستوري، ثم إحالته لمجلس النواب للتصويت عليه واعتماده باعتباره مشروعا للدستور".

وقال إن اللجنة ستشكل مع مجلس الدولة، على أن يكون غالبية أعضائها من الخبراء، وبشروط محددة.

وأشار إلى أن "مجلس النواب سيقوم بصياغة المقترحات، ومن ثم سيحيلها إلى المفوضية العليا للانتخابات، للاستفتاء عليها كمشروع للدستور".

وكان من المحدد وفق الاتفاق السياسي الذي تم بموجبه وقف القتال بين حكومة الوفاق السابقة المعترف بها دوليا ومليشيات حفتر، إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قبل نهاية العام 2021. 

لكن لم يتم الالتزام بهذا الموعد ولا استيفاء شروطه، ومن أهمها وضع قاعدة دستورية تسبق الانتخابات، وإعداد الظروف المناسبة لتسمح لمفوضية الانتخابات للقيام بعملها .

في المقابل، في كلمة متلفزة بثتها وسائل إعلام محلية، أعلن رئيس الحكومة الحالية الدبيبة، في اليوم التالي لخارطة مجلس النواب، خطة من عدة مسارات تقود لإجراء انتخابات برلمانية في يونيو/حزيران 2022.

وأطلق الدبيبة تسمية "خطة عودة الأمانة للشعب" على مساره المقترح التي ستؤدي "لإجراء الانتخابات، لتنتهي معها كل الأجسام الموجودة من بينها حكومة الوحدة الوطنية".

وذكر أن "الخطوط العريضة للخطة تضم تشكيل لجنة فنية لإعداد مشروعِ قانون الانتخابات البرلمانية يقدمه مجلس الوزراء للمجلس الأعلى للدولة وفقا للاتفاق السياسي ويحال إلى مجلس النواب لإقراره خلال أسبوعين".‎

وتابع الدبيبة موضحا أنه "إذا تعذر ذلك يحال مشروع القانون إلى ملتقى الحوار السياسي للموافقة عليه ويصدر بمرسوم من المجلس الرئاسي، ويمنح هذا المسار مدة أربعة أسابيع وكحد أقصى 14 مارس/آذار".

ولفت الدبيبة بأن" الخطة تتضمن إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور وفق التعديل العاشر للإعلان الدستوري وقانون الاستفتاء المحال للمفوضية، الذي عززه اتفاق الغردقة بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية".

ويبرر الدبيبة سبب إعلانه هذه الخطة، التي يتهمه خصومه بمحاولة السطو عبرها على اختصاصات السلطة التشريعية، بأن خريطة الطريق التي "توافق" عليها مجلسا النواب والدولة، "ستؤدي حتما إلى الحرب"، خاصة وأن الطبقة السياسية المهيمنة لا تريد الاستماع إلى أصوات المواطنين الرافضة "للتمديد".

أخطاء قديمة 

وتعليقا على هذا الصراع، قال الخبير في الشأن الليبي بشير الجويني، "أعتقد أن السؤال المطروح اليوم ليس من ولكن ماذا؟ تعددت الأسماء التي تداولت على رئاسة الحكومات الانتقالية في ليبيا خلال السنوات الماضية، فهل من مصلحة ليبيا اليوم الذهاب إلى حكومة جديدة مختلفة برئاسة أي اسم، أم الذهاب إلى مؤسسات مستقرة؟!"

وأضاف الجويني لـ"الاستقلال "المشكلة ليست في الدبيبة وإن كان جزءا منها وليست في باشاغا ولكنه أيضا جزء منها، الحل يكمن فقط في إنهاء المراحل الانتقالية التي عانى منها الليبيون كثيرا، لأن تواصلها سيؤدي إلى هذه النتائج الجانبية بما فيها من خلافات وصراعات". 

وتابع: "اطلعت على تشكيلة حكومة باشاغا، وهي لا تختلف في شيء عن حكومة الدبيبة ولا عن الحكومات السابقة، عدد مبالغ فيه، وصل لقرابة 30 حقيبة وزارية، بالإضافة إلى محاصصة قبلية ومناطقية" . 

وأوضح الخبير في الشأن الليبي أنه "ليس الخوف من هذه الحكومة في التوافق بين باشاغا وحفتر، فمن صالح ليبيا أن يكون هناك توافق بين المنطقتين الشرقية والغربية، لكن التخوف أن يكون توافقا تكتيكيا من أجل تقاسم السلطة حاليا فقط ولا يكون تحالفا إستراتيجيا دائما". 

وذكر الجويني أنه خلال الحوار السياسي في ديسمبر عام 2020، فإن القائمة التي ضمت باشاغا وعقيلة صالح قد هُزمت أمام قائمة الدبيبة ورئيس المجلس الرئاسي الحالي محمد المنفي. 

ولفت إلى أن "باشاغا قد ينجح في تسلم السلطة وقد يحظى باعتراف دولي محدود أو واسع، ولكن يجب أن نذكر أن فائز السراج كان له اعتراف دولي واسع ودعم محلي، وزار الإمارات وتركيا وتونس وغيرها من الدول، ولكن الآن هناك تقاطعات بين الأطروحات الموجودة وبين خيارات مخابرات بعض الدول المتدخلة في ليبيا".

والتوافق الموجود بين باشاغا وحفتر وهما من أكبر الفاعلين على الميدان، والجلوس بينها إما أن يكون جلوسا بين أميري حرب وقائدي مليشيات لاقتسام السلطة أو أن يكون جلوسا لرجال دولة يطمحان لإرساء دولة مدنية قوية وموحدة، يؤكد الجويني.

مواجهة منتظرة

هذا الاتفاق المعلن بين باشاغا ومعسكر الشرق الليبي بقيادة حفتر وصالح مهد لمنح ثقة مجلس نواب طبرق بسهولة للحكومة الجديدة، خاصة وأنه تم تسميته "بالإجماع" رئيسا للحكومة في 10 فبراير 2022.

مع كل ذلك، فإن عدم قبول الدبيبة بالحكومة الجديدة وإعلانه عدم تسليمها السلطة قد يحدث انقساما حادا خاصة في العاصمة طرابلس.

حيث لا يزال الدبيبة يسيطر على الأوضاع في العاصمة طرابلس، وتستحوذ قواته على المقار الحكومية والدواوين، إضافة إلى وضعه الدولي القوي، إذ إنه لا يزال رئيس الحكومة المعترف به دوليا.

وشكل الدبيبة، "قوة حماية الانتخابات والدستور"، ووضعها تحت سلطته بصفته وزيرا للدفاع، وهو ما اعتبره عدد كبير من المتابعين استعدادا للمواجهة العسكرية إذ حاول باشاغا، والكتائب الداعمة له، تنحيته بالقوة.

ولباشاغا تأثير قوي على عدد من المجموعات المسلحة في طرابلس بالإضافة إلى مجموعات أخرى موالية له في مسقط رأسه مصراته ذات التأثير العسكري القوي في الغرب الليبي. 

وعاشت طرابلس سابقا صراعا بين أكثر من حكومتين، حيث تنازعت الشرعية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل ما بين 2016 و2017، والذي انتهى بمواجهة عسكرية حسمت لصالح الأولى.

ويتوقع اليوم أن تشهد طرابلس نفس السيناريو، خاصة مع إصرار باشاغا على أن تعمل حكومته منها وليس من أي مدينة أخرى، وأن تتسلم حكومته المقار الوزارية.

وينطلق باشاغا من ثقته في قدرته على إزاحة حكومة الدبيبة من المشهد السياسي، من خلال الدعم الذي يحظى به من عشرات الكتائب في المنطقة الغربية خاصة في مدينة مصراتة.