هل تفلح وساطة العراق في إنهاء أزمة واشنطن وطهران؟

يوسف العلي | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

مع تصاعد حدة التوتر في منطقة الخليج بين أمريكا وإيران، قرر العراق لعب دور الوسيط بين الطرفين في محاولة منه لنزع فتيل الأزمة، لكن التساؤل الملح: هل يمتلك البلد المثقل بالأزمات السياسية مؤهلات تتيح له ذلك، أم أنها خطوة جاءت بطلب خارجي؟

وأعلن رئيس الوزراء العراقي، عادل عبد المهدي في مؤتمره الصحفي الأسبوع الماضي، اعتزامه إرسال وفود إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران لإنهاء حدة التوتر بين البلدين.

وترتبط إيران بعلاقات وثيقة للغاية مع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في بغداد، كما يرتبط العراق بعلاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة.

سخرية واسعة

مبادرة رئيس الحكومة العراقية، لإنهاء الاحتقان في المنطقة بين واشنطن وطهران، قوبلت بسخرية واسعة على المستوى الشعبي، حيث أصبحت مادة للتندر في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

ونشر حساب "الخوة النظيفة" الذي يتابعه نحو 3 مليون على حسابيه في "تويتر" و "فيسبوك"، منشورا تهكميا جاء فيه: "حكومتنا ما قادرة تتوسط بين عشيرتين تتقاتل بالبصرة، ولا قادرة تتوسط بين كتلتين وتحسم أربع وزارات متبقية، ويريدون يتوسطون بين أمريكا وإيران لإنهاء الأزمة".

ولاقى منشور الصفحة الذي شخّص أبرز الأزمات التي تواجهها الحكومة العراقية في الداخل، تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد رأى ناشطون أن تدخل العراق ليس له أي معنى، وأنه جاء بتوجيه من إيران.

وسخر الإعلامي العراقي عدنان الطائي من إقحام الحكومة العراقية نفسها في الوساطة، بالقول: ‏"الحكومة العراقية وضعت نفسها في موقف بايخ جدا. لم يطلب منكم أحد الوساطة. حالة بلادكم يرثى لها، من الفساد وغياب في الرؤى الوطنية. الأزمات السياسية تلاحقكم  حتى الآن لم تكتمل الحكومة. طيب، مالكم والوساطة؟ أين ثقلكم السياسي؟ فكرة الوساطة فكرة بايخة جدا".

وكتب الناشط يوسف إبراهيم، في تغريدة له على حسابه في "توتير"، قائلا: إنهم (الحكومة العراقية) لا يريدون ذلك، وإنما إيران تلقنهم الكلام.

وعلق فراس الشيخ، قائلا: "رحم الله من عرف قدر نفسه. بطالة، حرمان، سوء خدمات، سرقة المال العام، ابتزاز بكل أنواعه. كل هذه الشغلات موجودة وما خفي كان أعظم. ويريدون الوساطة بين دولتين هم سبب كل المشاكل التي وقع فيها المواطن البسيط. كفى ضحكا على أنفسكم".

أما الناشط أمير الباختي، فقد رأى في تغريدة له، أن "البعض من الشخصيات العراقية تدخل من أجل الوساطة بين أمريكا وإيران وهذه أمر جيد. متناسين بأن العراق منذ سنة كاملة دون وزارت الداخلية والدفاع والتربية والعدل. اهتموا بالعراق أفضل".

وكان عبد المهدي، قد أعلن أن حكومته تجري اتصالات عالية المستوى بين واشنطن وطهران، لمحاولة نزع فتيل الأزمة، وذلك بالاستفادة من العلاقات الدبلوماسية لبغداد مع الطرفين.

وأضاف عبد المهدي: "سنرسل وفودا إلى طهران وواشنطن لإنهاء التوتر بین الطرفین"، لافتا إلى أن "العراق في مرحلة نقل الرسائل ورؤيته قريبة جدا من الرؤية الأوروبية لتسوية الأزمة في المنطقة".

ومضى عبد المهدي قائلا: "المسؤولون الأمريكيون والإيرانيون أكدوا لنا عدم رغبتهم بخوض الحرب"، مؤكدا أن "جميع القوى العراقية متفقة على أهمية إيجاد حل للأزمة في المنطقة، ولا يوجد من يريد تأجيج الأوضاع".

محاولة للتنصل

وبعد أقل من أسبوع على تصريحات عبد المهدي، وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد والتقى بالمسؤولين العراقيين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة، ووزير خارجية العراق محمد الحكيم.

وجرى أثناء اللقاء التداول في الأوضاع الاقليمية والدولية وكيفية تجنيب البلدين والمنطقة أضرار العقوبات ومخاطر الحرب، مع تأكيد أهمية الأمن والاستقرار للمنطقة وكيفية الإبقاء على الاتفاق النووي وكل ما فيه مصلحة البلدين والشعبين وشعوب المنطقة، بحسب بيان لمكتب عبد المهدي.

وعلى غير عادة الأطراف التي تقود وساطات لحل الخلافات، فقد أعلن العراق الابتعاد عن الحياد والوقوف إلى جانب إيران، وذلك بحسب تصريح لوزير الخارجية العراقي، الأحد، أثناء مؤتمر صحفي ببغداد مع نظيره الإيراني.

وقال محمد الحكيم في حديثه للصحفيين: "نقولها بصريح العبارة، نحن بالضد من العقوبات الأمريكية على طهران ونقف بجانب إيران، وأن الحظر الأمريكي ضد إيران لن يجدي نفعا".

وفي حديث مع صحيفة "الاستقلال"، قال المحلل السياسي العراقي عدنان التكريتي: إن "العراق يجهد نفسه ليكون له دور في الأزمة الإيرانية الأمريكية"، لافتا إلى أنه "بطبيعة الحال الكل تتمنى للعراق عودة لموقعه المؤثر عربيا وعالميا، ولكن هذا شيء وما يحدث فعلا شيء آخر".

وحول دوافع العراق، رأى التكريتي أن "الجزء الأكبر من دوافع ما يحصل متعلق بمحاولة للتنصل من تهمة الانحياز لإيران، ولا يدري أصحابها أنهم بهذا الخيار هم منحازون شاؤوا أم أبوا".

وتابع التكريتي: "اليوم بدأنا نسمع خطابا يندد بالوقوف على الحياد، وعلى المنابر الحسينية من يعلنها صراحة بوجوب الدفاع عن إيران، وبعض من تلك الأصوات يتطرف كثيرا حتى يلبس الزي العسكري ويحمل سلاح الدفاع".

وعلى الوتيرة ذاتها، أدلى زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، تصريحات أكد فيها أن الوقوف على الحياد في الأزمة الأمريكية الإيرانية "لم يعد مقبولا".

من جهته، شن ممثل خامنئي في العراق هاشم الحيدر، هجوما حادا على المرجعية الدينية الشيعية في النجف، لإعلانها الوقوف على الحياد في الأزمة بين إيران وواشنطن، وقال: إن "الوقوف على الحياد يعني الانحياز إلى أمريكا".

الحياد البارد

لم تكن مبادرة العراق في الدخول بوساطة بين واشنطن وطهران معلنة، إلا بعد دعوة  رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشة، إلى عقد مفاوضات أمريكية إيرانية في قطر أو العراق، لتجاوز التوتر بين البلدين.

وكتب حشمت الله فلاحت بيشة، على صفحته الخاصة في "تويتر": "على الرغم من نفي كبار المسؤولين في إيران وأمريكا النية لإشعال الحرب، إلا أن هناك جهة ثالثة، على عجلة لتدمير قسم كبير من العالم".

وأضاف أنه "ينبغي إيجاد طاولة بخطوط حمراء في العراق أو قطر، تضم مسؤولي البلدين (إيران وأمريكا)، توكل إليها مهمة خاصة بإدارة التوتر".

من جهته، رأى الباحث في الشأن السياسي العراقي هشام الهاشمي، أن "سعي رئاسة الوزراء العراقية الحالية لتيسير تفاوض بين واشنطن وطهران، سوف لن تختلف عن تجربة مؤتمر الكويت لدعم العراق في ملفات الإعمار والاستثمار التي فشلت فشلا واضحا، ولن تكون أقل فشلا منها".

وبحسب مقال للهاشمي على حسابه في "فيسبوك"، فإن "الحكومة العراقية في عهد عادل عبد المهدي تحاول التمسك بنظرية أهمية الوساطة والتيسير العراقي بالنسبة للقوة العظمى والاقليمية، وتتصرف على هذا الأساس رغـم افتقارها إلى التحكم السيادي الشامل على أجزاء واسعة من مؤسسات الدولة العراقية".

وأردف: "ثم تدعو في الوقت نفسه إلى علاقات إقليمية جديدة قائمة على التفاوض والتحاور، وأن وضع الدولة العراقية في تـدهور مطرد وتحتاج إلى معركة حقيقية لفرض القانون ومكافحة الفساد بعدالة لوقف هذا التدهور".

ورأى الهاشمي أن "الدولة العراقية فقدت موقعها كقوة متفوقة في المنطقة منذ عام ١٩٩١، بعدما هزمت في الكويت، بالتورط في احتلال دولة جارة، واستنزاف قواها فيها حتى لم تعد تملك الموارد الكافية لتبقى في موقع القوة والتأثير".

وأشار إلى أن "الدولة العراقية اليوم في منتصف المواقف المضطربة، والتي بـدأت في نهاية عام ٢٠١٧ وتنتهي في نهاية الحياد البارد، الذي أصبح لا يقنع طرفي الصراع في المنطقة".

ويتفق مع ذلك عدنان التكريتي، بالقول لـ"الاستقلال": إن "الحكومة بحاجة الى استقلالية في قرارها أولا، واستقرار ونهضة شاملة تعيد للعراق قوته ثانيا، ثم حينها يمكن للعراق أن يتحدث عن دور الوساطة".

وأشار إلى أن "في حديث قبل أيام تكلم أحد السياسيين العراقيين عن عدم قدرة الحكومة دخول جرف الصخر لكونها منطقة تحكمها فصائل مسلحة، وأن أحد الوزراء السابقين أعتقل لما حاول فعل ذلك. ولنا أن ندرك كم قيمة مثل هذه الوساطات مع هذا الحال".

قصف السفارة

ويأتي إعلان رئيس الوزراء العراقي أيضا، بعد يومين من سقوط صاروخ كاتيوشا في محيط السفارة الأمريكية داخل المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد.

واتهم المسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية مايكل غيلداي، السبت، إيران بالوقوف وراء الهجوم، بالقول: "نتائج التحقيقات، أظهرت أن وكلاء إيران أطلقوا صواريخ على مقربة من السفارة الأمريكية في بغداد"، مؤكدا أن "التحقيقات استندت إلى معلومات إستخباراتية ودلائل جمعت من المنطقة".

وكان موقع "واشنطن إغزامينير" الأمريكي، قد أكد في وقت سابق، أن الصاروخ الذي سقط بمحيط السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في بغداد من نفس الطراز الذي تروجه إيران، وتستخدمه "الجماعات الإرهابية" بالشرق الأوسط.

وكشفت صحيفة "الجارديان" البريطانية في منتصف الشهر الجاري، نقلا عن مصدرين استخباريين، أن قاسم سليماني اجتمع في بغداد، قبل أقل من شهر، بقادة في المليشيات وطالبهم بـ"الاستعداد للحرب بالوكالة".

وتهدد واشنطن برد صارم على طهران، في حال استهدفت القوات والمصالح الأمريكية في المنطقة، أو استهدفت مصالح الحلفاء، وخاصة الخليجيين.

ووجهت السعودية، أحد أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة، اتهامات إلى إيران، بدعم هجمات ضد المملكة عبر الحوثيين، ودعت القادة العرب إلى حضور قمتين نهاية الشهر الجاري، لمناقشة التهديدات التي تواجه المنطقة.