مع فتح أبوابها لاستقبال الأوكرانيين.. هل تتحمل تركيا موجة لجوء جديدة؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع بدء الغزو الروسي على كييف في 24 فبراير/شباط 2022، بدأت تركيا التي تربطها حدود بحرية بالجانب الأوكراني تستقبل أسرا وأفرادا غادروا البلاد جراء الهجوم، وسط مخاوف من أزمة لجوء جديدة.

وحتى 27 فبراير/شباط 2022، فر نحو 368 ألف شخص من القتال، حيث دخل أكثر من نصفهم إلى بولندا و"يستمر عددهم في الارتفاع"، بحسب بيانات صادرة عن الأمم المتحدة والسلطات البولندية.

هذا الغزو أثار تساؤلا ملحا عن مدى تعرض تركيا إلى أزمة لجوء، بعد استقبال ملايين السوريين منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، ومئات آلاف العراقيين إبان اجتياح "تنظيم الدولة" للبلاد عام 2014، إضافة إلى آلاف آخرين من دول عربية شهدت اضطرابات عقب ثورات "الربيع العربي".

دفعة أولى

في مؤشر أولي على دخول تركيا أزمة لجوء جديدة، أعلنت ولاية أدرنة (غرب) في 26 فبراير/شباط 2022، استقبال أول دفعة من الأسر الأوكرانية التي أجبرها الهجوم الروسي على الفرار إلى خارج بلادهم.

وأعربت الأسر الأوكرانية، التي وصلت أدرنة عبر بلغاريا، عن سعادتها للوصول إلى منطقة آمنة من جهة، وحزنها على مغادرة وطنها ومفارقة أقاربها من جهة أخرى.

ونقلت وكالة "الأناضول" التركية عن المواطن الأوكراني ستانيسلاف فولكاف، قوله إنه دخل تركيا مع ابنته وابنه عبر معبر حمزة بيلي الحدودي مع بلغاريا.

وأشار إلى أن "المدن الأوكرانية تتعرض لقصف عنيف من قبل الجيش الروسي"، لافتا إلى تعرض منزلهم ومنزل والدته لـ"أضرار" جراء ذلك.

بدورها، قالت يوليا وهي من سكان العاصمة كييف، إن "الحرب الحالية قلبت حياتها رأسا على عقب"، داعية إلى "إنهاء القتال في أقرب وقت".

وأوضحت يوليا أنهم سيحلون ضيوفا لدى أصدقائهم في تركيا حتى انتهاء الحرب.

وفي 1 مارس/آذار 2022، وصل 45 شخصا من أتراك القرم من النساء والأطفال، الذين انطلقوا من أوكرانيا، مكونين من 9 نساء و17 طفلا، وجرى وضعهم في دار للضيافة بأدرنة، بينما ذهب الآخرون إلى أقاربهم في المحافظات الأخرى.

ونقلت صحيفة "حرييت" التركية عن النساء قولهم إن "أزواجهم بقوا في أوكرانيا للقتال ضد روسيا".

وقالت المواطنة حنيفة قرطسيت: "لقد أتينا من الحرب، كنا على الطريق لمدة 4 أيام، ومررنا بأيام عصيبة. جئنا فقط كنساء وأطفال، فيما بقي أزواجنا في الحرب".

وأشارت قرطسيت إلى أن الأزواج يقاتلون في "البقعة الساخنة، كان بعضهم جنودا بالفعل، وبعضهم التحق بالجيش، كل الشعب موجود هناك لحماية البلاد في الوقت الحالي".

وفي 24 فبراير/ شباط 2022، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في تصريح متلفز، إطلاق عملية عسكرية في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا، متهما ما سماها "الدول الرائدة" في حلف شمال الأطلسي "الناتو" بدعم من وصفهم بـ"النازيين الجدد في أوكرانيا".

وأثار الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا غضبا دوليا، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مسؤولين روس رفيعي المستوى، بينهم وزير الدفاع سيرغي شويغو.

الأوكرانيون قادمون

وتنذر العملية العسكرية الروسية بكارثة إنسانية جديدة، وذلك بعد هروب مئات الآلاف من الأوكرانيين إلى البلدان المجاورة، الأمر الذي يضع تركيا أمام موجة نزوح هي الأكبر أمام حدودها البحرية مع أوكرانيا.

وأشارت صحيفة "حرييت" التركية في 27 فبراير/شباط 2022، إلى أن مجموعة من الأوكرانيين دخلوا إلى البلاد عبر بوابة حدود ديريكوي، حيث استقبلهم أقاربهم في تركيا.

وعلى الصعيد ذاته، نشرت صحيفة "أكيت" التركية في 27 فبراير/شباط 2022 تقريرا تساءلت فيه عن وجود هجرة من أوكرانيا إلى تركيا، مع استمرار الغزو الروسي.

ونقلت عن ركاب أوكرانيين قولهم إن "الخوف من الحرب في كييف يتزايد يوما بعد يوم، وهم يبيعون منازلهم، وأن هناك من انتقل إلى مناطق أكثر أمنا في البلاد".

وأشارت الصحيفة إلى أن الركاب الذين يصلون إسطنبول على متن رحلات الجوية، تحدثوا عن الوضع الحالي في بلادهم، مؤكدين أن الأهالي يتابعون التطورات بخوف.

ونقلت عن الراكبة آنا، أن "العاصمة بدأت تفرغ لأن الناس الذين يعيشون فيها يتوقعون حدوث أشياء سيئة، لذلك بدؤوا في التحرك نحو الجهات الغربية من البلاد إلى مدن أخرى، مثل لفيف".

وأوضحت أن "الأحداث تؤثر على مزاج الناس، يبيعون سياراتهم وشققهم، إنهم يحاولون جني قليل من الأموال، يسحبون أموالهم من البنوك، لأنها تضع قيودا على عمليات السحب".

من جهتها، قالت مارجريتا بيفن، التي أتت إلى إسطنبول مع عائلتها إن "الوضع سيء ويزداد سوءا".

تحذيرات أوروبية

وحذر المفوض الأوروبي، يانيس ليناريتش، في ختام اجتماع في بروكسل لوزراء الداخلية الأوروبيين في 27 فبراير/شباط 2022 من "أننا نشهد ما قد يصبح أكبر أزمة إنسانية في قارتنا الأوروبية منذ أعوام".

وأوضح ليناريتش أنه "لا يزال من الصعب للغاية وضع تقديرات صحيحة بسبب شدة القتال"، لكنه لفت إلى أن "سيناريو للأمم المتحدة يشير إلى أن أكثر من سبعة ملايين أوكراني سينزحون" بسبب الهجوم الروسي.

وبشكل عام، إذا استمرت الحرب "سيتأثر نحو 18 مليون شخص على المستوى الإنساني" في أوكرانيا والدول المجاورة، وقد يصل عدد اللاجئين إلى أربعة ملايين مع مغادرة البلاد، كما قال المفوض مستندا إلى توقعات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

وتفيد مصادر المفوضية بأن أكثر من 100 ألف لاجئ أوكراني كانوا وصلوا حتى يوم 27 فبراير/شباط 2022 إلى بولندا، وجرى استقبالهم في مراكز على طول الحدود لتسجيلهم وتقديم العناية الطبية لهم قبل توزيعهم على أماكن للاستراحة تمهيدا لنقلهم في حافلات إلى مناطق داخل البلاد.

وقال وزير الداخلية البولندي إن اللاجئين كانوا يتدفقون بمعدل 10 آلاف في الساعة خلال نهاية الأسبوع، وإن جلهم من النساء والأطفال والرجال الذين تجاوزوا سن القتال.

من جهتها، أكدت وزيرة الخارجية الألمانية آنالينا باربوك أن "أبواب الاتحاد الأوروبي مفتوحة أمام جميع الذين يهربون من الغزو الروسي لأوكرانيا، ومن واجبنا أن نبذل ما بوسعنا لاستقبال الفارين من القنابل والدبابات بأسرع وقت ممكن"، وعرضت تقديم المساعدة اللازمة لبولندا والدول الأخرى.

وقبل ذلك، أرسلت جمهورية التشيك قطارات مخصصة إلى المناطق البولندية المحاذية لأوكرانيا لنقل مواطنين أوكرانيين يعيشون في التشيك ويرغبون في ملاقاة أفراد عائلاتهم وأقاربهم الهاربين من المعارك ومرافقتهم إلى المدن التي يعيشون فيها.

وكانت الحكومة التشيكية قررت إعفاء الأوكرانيين من الرسوم في جميع وسائل النقل العام، كما أعلنت سلوفاكيا استعدادها لاستقبال كل اللاجئين الذين يعبرون حدودها، أسوة بالدول الأخرى.

وكان ناطق بلسان المجلس الأوروبي أعلن في 28 فبراير/شباط 2022 أن جميع المساعدات والتدابير التي سيقرها وزراء الداخلية "تبقى مؤقتة وجاهزة للتعديل وفقا لمقتضيات الأزمة التي نعرف كيف بدأت، لكن لا يعرف أحد كيف ستكون نهايتها".

وفي ظل استمرار الغزو الروسي على أوكرانيا، يتوقع مراقبون أن تفتح تركيا أبوابها لاستقبال الأوكرانيين، لكنها لن تتحمل العبء الأكبر منهم، ذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي فتحت أبوابها لهم على عكس ما حصل مع اللاجئين السوريين للأعوام التي أعقبت اندلاع الثورة عام 2011.