غير بيدرسون.. دبلوماسي نرويجي عتيق "راوغ" في مهمته الأممية إلى سوريا

مصعب المجبل | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يسير مبعوث الأمم المتحدة الرابع إلى سوريا والدبلوماسي النرويجي "غير بيدرسون"، على درب أسلافه في الفشل بإنجاح العملية السياسية السورية.

هذا الدبلوماسي المخضرم الذي يعتبر أطول أسلافه المبعوثين الأمميين عمرا بمهمة إحلال السلام في هذا البلد، يتهم بمحاولة جر السوريين إلى حضن رئيس النظام بشار الأسد مرة أخرى، عبر خروجه عن مهام تفويضه الأممي.

وقد وصل الأمر إلى رفع بعض المعارضين السوريين شعار "لا تتبعوا خطوات بيدرسون"، في إشارة واضحة على تحركاته المشبوهة والمعاكسة للتطلعات الديمقراطية للشعب السوري.

النشأة والتكوين

ولد الدبلوماسي النرويجي غير بيدرسون، في العاصمة أوسلو عام 1955، وشغل مناصب مختلفة في وزارة الخارجية النرويجية، من 1995 إلى 1998، من بينها منصب رئيس ديوان وزير الخارجية النرويجي عام 1993.

وشغل قبل ذلك منصب المدير العام لإدارة الأمم المتحدة والسلام والشؤون الإنسانية، في وزارة الخارجية النرويجية.

كما شغل بيدرسون منصب الممثل الدائم للنرويج لدى الأمم المتحدة، من عام 2012 إلى 2017، وجرى تعيينه سفيرا لبلاده لدى الصين في 2017.

أيضا شغل منصب المنسق الخاص للبنان على مستوى وكيل الأمين العام من 2005 إلى 2008، وتقلد منصب مدير قسم آسيا والمحيط الهادئ في إدارة الشؤون السياسية، بين عامي 1998 و2003، ومثل بلاده لدى السلطة الفلسطينية.

عمل بيدرسون كدبلوماسي نرويجي في ألمانيا وإسرائيل، وفي عام 1993 كان عضوا في فريق مفاوضات أوسلو السرية التي أدت إلى توقيع إعلان المبادئ والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب.

يتهم بعض المعارضين السوريين بيدرسون بلعب دور الوسيط للثلاثي (النظام، روسيا، إيران) وليس كوسيط أممي بين النظام والمعارضة عبر إيهام المجتمع الدولي بوجود عملية سياسية في سوريا تسير على قدم وساق ولا يشوبها سوى عراقيل تقنية وسوء تفاهم من الأطراف المتفاوضة، إلا أن الحقيقة خلاف ذلك.

وهذا ما يلفت إليه عضو هيئة التفاوض السورية المعارضة سابقا، محمد حسام الحافظ بقوله لـ "الاستقلال"، إن "غير بيدرسون خرج عن التفويض في البداية، إذ إن مهمته هي جمع الأطراف (النظام والمعارضة) من أجل الوصول إلى تفاوض ومن أجل التطبيق الفعلي لبيان جنيف 1 لعام 2012، وليس ابتداع مسارات جديدة".

وأضاف الحافظ قائلا: "حراك بيدرسون هو فقط لتحريك طواحين الهواء للإشعار بأن هناك تحركا دبلوماسيا وعملية سياسية".

واستدرك قائلا: "كما أن تحركاته بين طهران ودمشق وموسكو لا يظهر بأنها مستندة إلى خطة واضحة المعالم بالنسبة للعملية الدستورية بل فقط يمزج الآراء حول أفكار عامة بدون أي نتائج محتملة".

فشل الأسلاف

فشل أسلاف بيدرسون في إنجاز مهمتهم بالوصول لعملية سلام بسوريا، منذ بدء الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وهم ثلاثة أمميين وواحد مبتعث من الجامعة العربية.

ويعد العسكري والدبلوماسي السوداني، محمد الدابي، أول منتدب لسوريا من قبل الجامعة العربية في ديسمبر/كانون الأول 2011، بوصفه رئيسا لبعثة المراقبين العرب التي جالت في المدن السورية واستمعت للنظام والمعارضة وقادة الحراك الثوري، ووثقت القتل والاعتقال من قبل أجهزة الأمن، دون أن تنعكس توصياتها لأي أمر إيجابي على الأرض.

وعقب ذلك قررت الأمم المتحدة أن تتولى إرسال وسيط منها لمهمة "إحلال السلام"، فبدأت بتعيين الأمين العام السابق للأمم المتحدة، الراحل كوفي عنان موفدا خاصا لجامعة الدول العربية وللأمم المتحدة إلى سوريا في 24 شباط 2012.

وحين اصطدمت خطة عنان بإرادات الدول وتعنت النظام ومماطلته، استقال في الثاني من أغسطس/آب 2012 تاركا إنجازا وحيدا في فترته تمثل بإقرار بيان "جنيف 1"، من قبل "مجموعة العمل من أجل سوريا".

وتطالب كثير من الدول العربية والدولية بتبني "جنيف 1" إلى الآن كسبيل للحل في سوريا، إلى جانب قرار مجلس الأمن 2254.

وعقب ذلك تسلم الراية من عنان الدبلوماسي الجزائري الشهير الأخضر الإبراهيمي، مبعوثا أمميا إلى سوريا في 17 أغسطس/آب 2012.

كان الإبراهيمي منذ البداية حادا في تعابيره وتصريحاته الإعلامية لدرجة أنه وصف مهمته بأنها شبه مستحيلة، ولم يتوان عن القول خلال زيارة إلى بيروت في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2012 بأن الملف السوري قد يأكل "الأخضر واليابس" في المنطقة.

حينما رأى الإبراهيمي أن المفاوضات بين النظام والمعارضة مفتوحة وبلا جدول زمني ولا شروط، أعلن استقالته في 14 مايو/أيار 2014، ليخلفه الدبلوماسي السويدي، ستيفان دي ميستورا، في 10 يوليو/تموز 2014، ويعلن أيضا تنحيه عن المهمة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وخلال إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018 تسمية غير بيدرسون خلفا لـ "دي ميستورا"، حدد ملامح عمل المبعوث الجديد بدقة بقوله إنه "سيدعم الأطراف السورية من خلال تسهيل حل سياسي شامل وذي مصداقية يلبي التطلعات الديمقراطية للشعب السوري".

دور مشبوه

وكثيرة هي المواقف التي أكدتها شخصيات من المعارضة السورية، والتي بدا فيها الوسيط بيدرسون يحاول تمييع العملية السياسية السورية وخطفها لصالح النظام.

ومنها اتهام رئيس "هيئة التفاوض السورية المعارضة الحالي، أنس العبدة، لـ "بيدرسون" في تصريحات صحفية في 11 فبراير/شباط 2022 بأنه يريد من المعارضة "شيكا على بياض".

وجاء كلام العبدة، في خضم رده على رفض المعارضة آلية طرحها بيدرسون تحت اسم "خطوة بخطوة"، لا سيما عقب وصول محادثات اللجنة الدستورية المكلفة بصياغة دستور للبلاد بإشراف أممي، إلى طريق مسدود.

وتتلخص سياسة "خطوة مقابل خطوة" في أن تقدم الولايات المتحدة مع حلفائها على رفع أو تخفيف بعض العقوبات عن النظام، مقابل دفع روسيا للأخير للتقدم خطوات في مسار عملية الحل السياسي المتعثرة، وعدم التصعيد عسكريا.

لكن وللمفارقة، هذه المقاربة رفضها النظام وكذلك انتقدتها "هيئة التفاوض" المعارضة، وأكدت على أن أي مبادرات أو آليات لا تؤدي بشكل عملي وواضح إلى تنفيذ القرار الأممي "2254" تمهيدا للوصول إلى الهدف الأساس له، الذي يتمثل بتحقيق الانتقال السياسي فهي مرفوضة.

وعلق المتحدث الرسمي للمجلس الإسلامي السوري المعارض، الشيخ مطيع البطين، في كلمة له بـ ندوة "سورية إلى أين" التي عقدت في العاصمة القطرية الدوحة يومي 5 - 6 فبراير/شباط 2022، مخاطبا المعارضة: "لا تتبعوا خطوات بيدرسون، التي توصل إلى إذلال شعبنا، وإخضاعه للنظام المجرم، وتفريطه بتضحياته ومستقبل ثورته".

ينافق سرا

كما أن المعارض السوري معاذ الخطيب، انتقد في تصريحات صحفية في 29 يناير/كانون الثاني 2022 "اللجنة الدستورية السورية"، وقال إن "بيدرسون وتوابعه يبحثون عن مصالح النظام والدول التي ظنت أن تدخلها في إرادة السوريين نزهة لها".

وفي 14 يناير 2022، طالب سوريون الأمين العام للأمم المتحدة، بإقالة غير بيدرسون من منصبه بسبب "فشله" في أداء مهامه، وإيجاد آليات لتحقيق بيان جنيف المدعوم بقرارين صادرين عن مجلس الأمن الدولي وهما القرار رقم 2118 والقرار رقم 2254 الصادران في عام 2015.

واعتبر هؤلاء أنه خلال فترة بيدرسون، تحول التفاوض بين النظام والمعارضة إلى عملية إدارة للجنة الدستورية التي تعتبر فكرة روسية تخدم مصالح الأسد وموسكو معا.

تصفه الصحافة الغربية بأنه قد يكون مثقلا بواحدة من أكثر المهام الدبلوماسية "الجائرة"، في حين تقول كثير من شخصيات المعارضة السورية التي خالطت بيدرسون إنه "ينافق سرا".

ومن أكثر الأمثلة على ذلك، الهجوم اللاذع الذي تلقاه بيدرسون من قبل السوريين، حينما نقلت عنه وسائل إعلام إيرانية خلال لقائه وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان في 17 يناير/كانون الثاني 2022 قوله إن "الأطراف السياسية كافة لا تتحدث عن تغيير النظام بضوء الوضع الراهن".

ورد عليه حينها رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض سالم المسلط، في تغريدة على حسابه في تويتر بقوله: "لا حل في سوريا بوجود النظام المجرم، ومطلب الشعب السوري هو إسقاط هذا النظام ومحاسبة كل مجرميه".

وأردف: "هذا هو الموقف الثابت والمعلن للائتلاف الوطني السوري، وأي تصريحات تحاول تمييع الأمر أو الإيحاء بخلاف هذا الموقف فهي مردودة ومرفوضة قطعا".