هل أسقطت السعودية قضية فلسطين عمدا من قمم مكة الثلاث؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار يومي 30 و31 من مايو/ أيار الجاري، تستضيف السعودية ثلاث قمم، الأولى لقادة مجلس التعاون الخليجي، والثانية للقادة العرب، والثالثة خاصة بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ورغم أن الأخيرة، كانت محددة سلفا، إلا أن القمتين الأولى والثانية، دعي لهما بشكل طارئ من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لبحث سبل التصعيد ضد إيران، بعد تعرض شاحنات النفط السعودية للقصف من الحوثيين.

ورغم أن القمم الثلاث، تزامنت مع إعلان الولايات المتحدة عن أولى خطوات صفقة القرن، بعقد ورشة اقتصادية في البحرين خلال شهر يونيو/ حزيران المقبل، وما تشهده القضية الفلسطينية من تطورات على مختلف الأصعدة الداخلية والخارجية، إلا أن القمم التي دعا إليها العاهل السعودي، غاب عن جدولها القضية الفلسطينية، وكل ما يحيط بصفقة القرن المزعومة، والتي يبدو أنها دخلت بالفعل حيز التنفيذ بورشة المنامة.

غياب فلسطين عن أجندة القمم الطارئة التي تحتضنها مكة المكرمة في نهايات شهر رمضان، أثار تساؤلات عن السبب وراء ذلك، وهل غياب فلسطين كان عن جهل بأهمية ما تعيشه القضية؟ أم أنه كان متعمدا في إطار خطة المملكة العربية السعودية، وفي صحبتها عدد من دول الخليج، بتصفية القضية التي لم تعد رقما في اهتمامات بلاد النفط والمال؟

النداء الوحيد

اللافت للنظر أن أيا من الدول التي أعلنت مشاركتها في القمم الثلاث، لم يبدِ رغبة بإدراج قضية فلسطين، رغم أن اجتماع هذا العدد المتوقع من القادة العرب والمسلمين، يمكن أن يكون فرصة لدعم القضية، حتى لو كان بشكل شكلي كما جرت العادة خلال السنوات الماضية.

وبحسب رصد المتابعين، فإن الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة، كانت بتصريح لنبيل شعث القيادي في منظمة التحرير، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي سوف يشارك في القمتين العربية والإسلامية، سوف يطرح موضوع ورشة المنامة على طاولة القادة المشاركين في القمتين العربية والإسلامية.

وقال شعث لوكالة "الأناضول": إن السلطة الفلسطينية جددت رفضها المشاركة في ورشة العمل الاقتصادية التي تستضيفها البحرين، يومي 25 و26 يونيو/ حزيران المقبل، باعتبارها أول فعالية ضمن صفقة القرن، التي ترفضها السلطة، وخاصة في البند المتعلق بوضع القدس وحق عودة اللاجئين.

ورغم أن شعث لم يؤكد في تصريحاته ما إذا كانت ورشة المنامة، وصفقة القرن، مدرجتان بجدول أعمال القمتين أم لا، إلا أنه أكد أمرا آخر وهو أن الرئيس محمود عباس، سوف يستغل فرصة القمتين لشرح الموقف الفلسطيني الرافض للمشاركة في ورشة البحرين.

وأضاف شعث: "نحن لا نعادي البحرين، ولو دعتنا إلى مؤتمر دولي أو عربي أو إسلامي، بعيدا عن أهداف ترامب، لذهبنا وشاركنا" مؤكدا، أن "السلطة لن تذهب إلى أي مؤتمر، ولو كان في أي دولة، ينظمه ترامب وأعوانه، وينطلق من صفقة القرن التي يريدون من خلالها سرقة كل الحقوق الفلسطينية".

أهداف خبيثة

وفي تحليله للقمم الثلاث، كتب الكاتب المتخصص في الشئون الإسرائيلية تحسين الحلبي، مقالا موسعا في جريدة "الوطن" القطرية، أكد فيه أن السعودية، تعرف مسبقا أنها لن تستطيع الخروج برسالة تصعيد أو تهديد إيران، وأن فشلها في ذلك يكاد يكون حتميا، ما يشير إلى أن هناك أهدافا أخرى خبيثة تقف وراء دعوات ملك السعودية الثلاث.

ولفت الحلبي إلى أنه بطبيعة الحال فإن مهمة تهديد إيران، سوف تفشل بأول قمة وهي المتعلقة بمجلس التعاون الخليجي، الذي يشهد انقساما واضحا في التعامل مع إيران، ما بين موقف معادٍ تتبناه السعودية، وآخر مخالف تقوده قطر.

واستدل الحلبي بدراسة لمعهد دول الخليج العربية بواشنطن، والذي يرأسه الدبلوماسي الأمريكي السابق فرانك ويزنير، بأن دول الخليج الستة منقسمة إلى نصفين تحكمهما خلافات واضحة، نصف تقوده الرياض بشكل حاسم وهو من السعودية والإمارات والبحرين ونصف آخر يقود سياسته كل أمير أو حاكم من دولته وهي قطر والكويت وعمان.

ونوه الحلبي إلى أنه من الصعب في القمة الأولى الخليجية الاتفاق على موقف واحد ضد إيران لأن قطر لها موقف غير معادٍ لإيران، ولا تريد الكويت أن تسوء علاقاتها مع طهران، بينما حافظت عُمان على علاقات براغماتية مع طهران، وهذا قد يعني أن بيان القمة الأولى لن يعلن الحرب على طهران وسيحاول الاعتماد على القمة الثانية.

وفي تحليله للقمة الثانية، وهي القمة العربية، التي ستضم دولا مثل العراق ولبنان والجزائر وتونس، فإنها لن تقبل كذلك بسياسة تصعيد وتهديد ضد طهران، وبالتالي لن يكون بمقدور القمة الثالثة للدول الإسلامية التي تشارك فيها إيران بنفسها، الاتفاق على سياسة سعودية متطرفة ضد طهران، فجدول العمل لا يحمل إلا سياسة وأهداف السعودية، وبالتالي ليس سياسة تمثل جميع المشاركين.

ووفق رأي الحلبي، فإن هناك تحليلات عديدة ترى أن الهدف من هذه القمم، إما محاولة طي صفحة مقتل جمال خاشقجي واتهام ابن سلمان، والعمل على تطبيع العلاقات معه، وإزالة كل ما اعترى السياسة الخارجية السعودية من اتهامات وانتقادات.

وإما استخدام النفوذ السعودي وأمواله في هذه القمم لمصلحة صفقة القرن، باعتبار أن صهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومستشاره جاريد كوشينر حامل خطة صفقة القرن، سوف يبدأ بعرضها بعد انتهاء شهر رمضان، أي بعد انعقاد القمم في آخر أيام شهر رمضان.

وبحسب نفس التحليل، فإن المأساة في هذه القمم الثلاث، أن السعودية تستطيع متى تشاء عقد قمم طارئة لمحاصرة إيران وترفض عقد قمة واحدة طارئة أو عادية للدفاع عن القدس، أو الجولان، أو عن الشعب الفلسطيني المحاصر في قطاع غزة طوال 12 عاما.

تحذير لافت

ما ذهب إليه التحليل السابق، أيده أحد صناع السياسة الإماراتية لوقت قريب، وهو الدكتور عبد الخالق عبد الله المستشار السياسي السابق لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والذي دعا بلاده إلى عدم القفز على الحقوق الفلسطينية، بالمشاركة في الترويج لصفقة القرن المزعومة، مؤكدا في سلسلة تغريدات من خلال حسابه على "تويتر"، يوم الجمعة 24 من مايو/ أيار الجاري، أنه من حق السلطة الفلسطينية رفض صفقة القرن لأنها لا تلبي مطالب قيام دولة فلسطينية.

ووصف عبد الله ما يحدث للقضية الفلسطينية بأنه يتم بيعها بثمن بخس، وأنه إذا كان حضور مؤتمر المنامة لابد منه للبحرين وإرضاء لواشنطن فليكن الحضور في أدنى مستوياته، وحسب تعبيره " فلا يجوز بيع قضية عادلة بثمن بخس".

رد أردني

ورغم أن الأردن لم يعلن عدم مشاركته في القمم الاستثنائية التي دعا إليها الملك سلمان، إلا أن الملك عبد الله بن الحسين استبق هذه القمم، بقمة ثلاثية خصصها لصالح فلسطين، وهي القمة التي شهدتها عمّان يوم الخميس 23 من مايو/ أيار الجاري، وحضرها بجانب ملك الأردن الرئيس العراقي برهم صالح، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

وبحسب بيان الديوان الملكي الأردني، فإن القادة الثلاث شددوا، على ضرورة دعم الفلسطينيين في نيل حقوقهم المشروعة، وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، مؤكدين ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك وتوحيد المواقف لتجاوز التحديات والأزمات التي تواجه الأمة العربية.

ووفق تحليلات الإعلام الأردني، فإن القمة لم تكن معدة مسبقا، وأنها جاءت في هذا التوقيت لوجود تحركات عديدة، تواكب قرب إعلان الإدارة الأمريكية عن صفقة القرن.

مقدمات سابقة

وتشير العديد من التحليلات إلى أن السعودية في ظل سيطرة ولي العهد محمد بن سلمان على مقاليد الحكم، لم يعد تعنيها القضية الفلسطينية، وبدأت في التخلي عنها خطوة وراء خطوة، إلا أنها لم تكتف بذلك، وإنما بدأت في ممارسة الضغوط على الفلسطينيين لصالح المصالح الإسرائيلية.

ويعد تقليص الدعم الذي كانت تقدمه المملكة لصالح المقدسيين من أبرز هذه الملامح، بعد الإجماع الفلسطيني على رفض صفقة القرن، التي يعتبرها بن سلمان طريقه للجلوس على كرسي الحكم بالرياض، وقد ترجم البنك الإسلامي للتنمية بجدة سياسته هذه، حيث خفض دعمه المالي لمدينة القدس من 60 مليون دولار إلى 7 ملايين دولار، كان يقدمها في شكل منح مالية لمشاريع حيوية في المدينة المقدّسة.

وكان موقع "أمريكان كونسير فاتيف"، أكد في تحليل موسع له، أن بن سلمان عمل على هندسة وترتيب قضية حل الدولتين بالطريقة التي تُفضلها إسرائيل، ومنها إقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة، يتخللها عمليات نقل مصرية غير محددة للأراضي في شبه جزيرة سيناء.

ووفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن بن سلمان عرض على محمود عباس قبل ظهور صفقة القرن، خطة تقضي بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة محدودة في غزة، وأجزاء غير متناغمة في الضفة، على أن تبقى الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة على حالها، مقابل أن تحصل السلطة الفلسطينية في حال موافقتها على 10 مليارات دولار كهدية فورية.

واتساقا مع التحليل السابق نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، قبل عام تقريرا بعنوان "محمد بن سلمان رمى الفلسطينيين تحت الحافلة": أكدت فيه، أن الدول العربية والولايات المتحدة تخلت عن القضية الفلسطينية وتعتقد أنها تستطيع إخضاع رئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس.

وبحسب المجلة، فقد لجأ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى استغلال نزاعات المنطقة المختلفة لمواجهة إيران وصرف الأنظار عن القضية الفلسطينية، وأن السعودية والإمارات تحركتا من محاولات التعاون السري مع "إسرائيل" إلى الحديث علنا عن استعدادهما ورغبتهما في بناء علاقات أبعد من الصلات السرية.

ونسبت الصحيفة إلى الصحفي الإسرائيلي باراك رافيد، قوله إن تصريحات ابن سلمان التي انتقد فيها القيادة الفلسطينية خلال الاجتماعات التي جمعته مع يهود مؤيدين لإسرائيل خلال زيارته لنيويورك مارس/آذار 2018، لعدم استفادتها من فرص "السلام" وتقليله من شأن القضية الفلسطينية، أدهشت اليهود في الاجتماع إلى حد سقوط بعضهم من مقاعدهم.