إلهاء قسري.. هكذا تستفيد الصين من انغماس أميركا في وحل أزمة أوكرانيا

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إلباييس الإسبانية الضوء على موقف الصين من تصعيد روسيا ضد الغرب عبر غزوها جارتها أوكرانيا، ما دفع الغرب للشروع في فرض عقوبات اقتصادية كبيرة على موسكو.

وأوضحت الصحيفة أن الصين في وضع حساس رغم تأييدها روسيا في وجه سياسات حلف شمال الأطلسي "ناتو" التوسعية نحو الشرق، لأنها إذا بالغت في دعم موسكو ستتعرض لأضرار كبيرة من أميركا وأوروبا وكلاهما أهم لها اقتصاديا.

وأطلقت روسيا، في 24 فبراير/ شباط 2022، قواتها المحتشدة على حدود أوكرانيا منذ شهور لغزو جارتها الغربية، ما تسبب في ردود فعل غاضبة من دول عديدة ومطالبات بتشديد العقوبات على موسكو.

مظلة دعم

وذكرت الصحيفة أن الصين تعد أقوى شريك لروسيا، واختارت حتى الآن توخي الحذر الودي تجاه موسكو، التي تلقي باللوم على واشنطن والناتو، على خلفية التطورات في أوكرانيا.

وامتنعت الصين عن إدانة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ودعت "جميع الأطراف إلى ضبط النفس"، لكنها صرحت أيضا أنها تتفهم "مخاوف روسيا الأمنية المشروعة".

وعززت الصين علاقاتها مع جارتها الشمالية في لقاء الرئيس شي جين بينغ مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في افتتاح أولمبياد بكين الشتوية مطلع فبراير 2022.

وتبرز الصين حاليا بمثابة مظلة موسكو الكبرى ضد العقوبات التي يفرضها الغرب على الدب الروسي.

وفي 24 فبراير، اليوم الأول لغزو أوكرانيا، تحدث وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، عبر الهاتف مع نظيره الروسي دميتري لافروف، وأعرب له عن احترام بكين لسيادة الدول واستقلالها وسلامة أراضيها.

إلا أنه أعرب له عن تفهم الصين القضايا التاريخية التي تتعلق بأوكرانيا على أنها "معقدة وذات طابع خاص".

وأكد وانغ، الذي أجرى قبل هذه المحادثة أخرى مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، لمحاوره في موسكو أن "الصين تتفهم مخاوف روسيا الأمنية المشروعة".

وأضافت الصحيفة أن المتحدثة الرئيسة باسم وزارة الخارجية في بكين، هوا تشون ينغ، امتنعت أيضا عن إدانة موسكو.

وأكدت أن حكومة بلادها "تتابع الأزمة عن كثب" وطالبت بالاعتدال في المواقف "للحيلولة دون خروج الوضع عن السيطرة".

كما وجهت أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة، عبر إرسال أسلحة إلى أوكرانيا وتأجيج الأوضاع حتى تندلع الحرب. وقالت: "على من أشعلوا النار إخمادها بأفعال ملموسة، بدلا من إدانة الآخرين".

توازن صعب

ونوهت الصحيفة الإسبانية بأن الصين مضطرة للحفاظ على توازن صعب بين دعمها لروسيا من جهة وسياستها التقليدية لدعم سيادة الدول وسلامة أراضيها من جهة أخرى.

كما لا تريد الصين الوصول إلى تدهور علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، شريكها التجاري الثاني.

وهي فرضية يمكن أن تصبح حقيقة إذا انحرفت بكين كثيرا إلى جانب موسكو، الحليف الذي "لا حدود" للعلاقة معه، وفقا لبوتين وشي، ومع من يطمح إلى إنشاء نظام عالمي جديد.

وأوردت الصحيفة أن المواجهة في أوكرانيا تمثل فرصة للصين، التي ستحصل على أدلة حول كيفية رد فعل الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، في حالة حدوث صراع في تايوان.

في الآن ذاته، يمثل هذا الصراع عاملا لإلهاء واشنطن، التي يجب أن تركز اهتمامها الآن على أوروبا الشرقية بدلا من آسيا والمحيط الهادي، مثلما كان يريد البيت الأبيض.

ونقلت الصحيفة عن أنجيلا ستينت، الباحثة مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية والروسية وأوروبا الشرقية في جامعة جورج تاون الأميركية، أن "بوتين لن يشن هجوما على أوكرانيا إذا لم يكن متأكدا من الدعم الصيني.

ففي عام 2014، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، حاول الغرب بالفعل عزل روسيا، لكن بعد أن بدا من الممكن تحقيق ذلك، وتدخلت بكين لمساعدة موسكو، وأصبحت الآن العلاقة أقوى".

على سبيل المثال، في لحظات حرجة أخرى وجدت فيها موسكو نفسها بين المطرقة والسندان في مواجهة العقوبات القاسية من الغرب بسبب العمليات العسكرية المجاورة لها، قدمت الصين بالفعل مساعداتها الاقتصادية.

كان هذا هو الحال في عام 2008، عندما أرسلت روسيا قوات لدعم الانفصاليين في جورجيا، وفي عام 2014، عندما جرى ضم شبه جزيرة القرم.

في مقابل ذلك، وقعت في 2021 اتفاقية ضخمة لشراء الغاز الروسي من سيبيريا بقيمة تقارب 350 مليار يورو بأسعار الصرف الحالية.

وأوضحت الصحيفة أن هذا الموقف سيتكرر بوضوح في هذه المناسبة. ففي الاجتماع بين شي وبوتين في فبراير 2022، وقّع الطرفان، من بين أمور أخرى، اتفاقيات جديدة لشراء الصين للغاز والنفط الروسي، بقيمة إجمالية 117.5 مليار دولار لفترة تتراوح بين 25 و30 سنة.

علاوة على ذلك، أعلنت بكين أنها ستسمح باستيراد القمح الروسي، أحد منتجات التصدير الرئيسة لجارتها الشمالية.

معضلة حساسة

وأوردت الصحيفة الإسبانية أن إيفان ميديروس، الأستاذ في جامعة جورج تاون الأميركية، يعتبر أن "التحدي الأساسي في إدارة المعضلة الصينية يتمثل في مقدار الدعم الذي تريد الصين تقديمه لروسيا في مواجهة العقوبات.

سيكون من الصعب عليهم إيجاد توازن يسمح لهم بالتوافق مع روسيا من ناحية، ومن ناحية أخرى، تجنب مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا.

في الواقع، إذا قدموا مساعدة كبيرة لمكافحة العقوبات الغربية، سيتسبب ذلك في خلق مشاكل على مستوى علاقة الصين الاقتصادية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"، التي تعد أكبر بكثير من علاقاتها مع روسيا.

وبينت الصحيفة أن روسيا كان لديها الوقت للاستعداد للمجابهة الأوروبية المحتملة. على مدى ثماني سنوات، منذ غزو القرم، اتخذت روسيا خطوات لعزل اقتصادها ضد المزيد من العقوبات الغربية.

وأوجدت بديلا لنظام سويفت لسداد المدفوعات المصرفية الدولية وتلقيها، وجددت احتياطياتها، وألغت ديونها الخارجية، وابتعدت عن الدولار في معاملاتها التجارية والمالية.

ونقلت أيضا عن جاكوب جاكوبوفسكي، الباحث بالمركز البولندي للدراسات الشرقية: "لكن إذا تعرضت للعقوبات بجدية حاسمة، فستستخدم الصين بعض قوتها الاقتصادية لتقديم يد المساعدة".

فالعملاق الآسيوي يمثل بالفعل 20 بالمئة من التجارة الخارجية الروسية، مقارنة بحوالي 10 بالمئة قبل 10 سنوات.

ومن المحتمل أن تأتي المساعدة من بكين، من خلال قروض من البنوك المملوكة للدولة أو بنك التنمية الصيني.

كما حدث بالفعل في الجولات السابقة من العقوبات في عام 2008، عندما أرسلت روسيا قوات لدعم الانفصاليين في جورجيا، وفي ضم شبه جزيرة القرم عام 2014".

ويواصل جاكوبوفسكي أنه "يمكن أن يكون ذلك من خلال قروض النفط، التي تدفع فيها الصين مقدما وبالتالي توفر ضخ السيولة لروسيا".

وأكد الخبير البولندي أن "الصين هي أساسا عامل التمكين لروسيا".