"فاقد الشيء لا يعطيه".. هكذا رسبت حكومة أخنوش في أول اختبار حقيقي بالمغرب

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كسر الائتلاف الحكومي في المغرب صمته بشأن الاحتقان المجتمعي المتصاعد، عبر مؤتمر صحفي عقده في 22 فبراير/ شباط 2022، أحدث جدلا، بسبب طريقة إجرائه والتصريحات التي وردت به، خاصة قول رئيس الحكومة عزيز أخنوش إن "الوضع صعب والغالب الله".

وبعد خمسة أشهر فقط على رفع زعماء الائتلاف الحكومي الثلاثي أيديهم متشابكة فرحا بالإعلان عن تشكيل الحكومة في 22 سبتمبر/ أيلول 2021، اختفت ابتساماتهم وظهرت وجوههم شاحبة في المؤتمر الأخير عاجزة عن تقديم حلول حقيقية لإنقاذ المواطن من أزمة ارتفاع الأسعار المتزامنة مع الجفاف.

ويواجه المغرب موجة جفاف حادة أرخت بظلالها على حياة المواطنين، إلى جانب ارتفاعات متتالية في أسعار السلع الأساسية والمحروقات، على خلفية جائحة كورونا وأزمة الطاقة العالمية. 

بدون هدف

وفي الندوة الصحفية التي عقدها أخنوش بالرباط، بحضور رئيسي حزبي "الأصالة والمعاصرة" و"الاستقلال"، عبد اللطيف وهبي ونزار بركة، قال الأول إن المملكة تواجه "وضعا صعبا نتيجة السياق العالمي المرتبط بأزمة الطاقة".

وأضاف أخنوش: "هناك ضغط كبير على الميزانية، الغالب الله، نحن في ظروف عالمية صعبة وتتأزم، والمواطن يستهلك الكثير من المواد المدعمة التي تقدر قيمتها بالملايين".

وزاد: "رغم قلة المياه، أسعار الخضر حافظت على قيمتها ولم تسجل ارتفاعا، ونأمل أن يرحمنا الله بالمطر".

وبعد انتهاء الندوة الصحفية، ضجت منصات التواصل الاجتماعي بالتندر على المشهد العام لأول خروج إعلامي للحكومة للحديث عن الأزمة الاجتماعية، وتصريحات واتكاء وهبي وبركة على الحائط وأعينهم تحملق في السماء، تشي بـ"العجز".

ووصف ناشطون زعماء الأغلبية بأنهم "فاشلون أكثر مما كنا نتصور"، وأن المؤتمر "بمثابة إعلان وفاة سابق لأوانه". 

وأكدت الباحثة في العلوم السياسية، شريفة لموير، أن "الانتقادات التي رافقت المؤتمر لزعماء الأغلبية راجعة إلى مضمونه الذي لا يمكن إلا أن يقال عنه أنه بدون هدف محدد، خاصة أنه لم يعلن عن أي إجراءات لحل الأزمة التي أخرجت المواطنين إلى الشارع".

وأضافت لـ"الاستقلال" أن "المبررات التي تحاول الحكومة التحجج بها (تحميل المسؤولية للحكومتين السابقتين) لا تعكس روح المسؤولية لدى مكوناتها، خاصة أن إلقاء اللوم على التسيير الذي عرفته المرحلة السابقة مع حكومتها، هو مبرر يورط الحكومة عوض محاولة تبرئتها". 

وأشارت لموير، إلى أن "الأغلبية الحكومية اليوم مشكلة من عنصرين (التجمع الوطني للأحرار، والاستقلال)، وكانا مشاركين في تسيير المرحلة السابقة، وبالتالي هذا يترجم عدم التواصل الذي تعانيه مكونات الحكومة".

من جانبه، تساءل الصحفي يونس مسكين: "ما معنى أن تأتي في عز الأزمة وتقول للناس إنني واصلت دعم الغاز والكهرباء والخبز...؟، ما معنى أن تأتي في لحظة استثنائية لتخبرني بكل فخر أنك تواصل فعل ما كنت تفعله في الظروف العادية؟".

وتابع في تدوينة عبر فيسبوك: "نفترض، وهذا صحيح، أن الأزمة جعلت استمرار الدعم العادي يكلف أكثر من السابق، لماذا علينا انتظار أسابيع من الغليان واجتماعا بروتوكوليا معقدا منمقا لزعماء تحالف الأغلبية لنسمع هذا الأمر؟".

ورأى مسكين أن "مضمون الخطاب التواصلي للحكومة حول أزمة الأسعار يؤدي مفعولا عكسيا، وربما كان الصمت (على خطورته) أرحم من هذا الخطاب".

واعتبر أن "هناك مشكلة تواصل كبيرة (وخطيرة) عند الحكومة الحالية، لكن للأسف الشديد حلها لن يأتي بوصفات التواصل، لسبب بسيط هو أن العطب سياسي".

مراسيم جنائزية

وقال المحلل الاقتصادي، نجيب أقصبي، إن “ماجاء به قادة الأغلبية الحكومية كان خارج السياق الذي عليه أن يضع اليد على الجرح، بحيث إن المواطن لم يجد ضالته في التصريح الحكومي إذ إنه لم يخرج بحلول آنية تعمل على الحد من الارتفاع الكبير في الأسعار”،

وأضاف أقصبي لموقع “الأيام 24” (محلي) أن "إطلالة رئيس الحكومة إلى جانب وزير العدل (وهبي) ووزير التجهيز والماء (بركة)، كان دون نتيجة تذكر، إذ هي عجز واضح في الإجابة عن الأسئلة المطروحة وبحدة، لا سيما مايرتبط بالمواطن في القرى والبوادي حيث أنهكوا بفعل الجفاف".

وما يلاحظ، وفق المتحدث، هو تسجيل “عدم الانسجام بين الأحزاب الثلاثة المكونة للتحالف الحكومي واضح لا لبس فيه، والدليل على ذلك تصريحاتهم المتباينة التي لم تضف أي نتائج عملية لما سيكون عليه الحال في قادم الأيام”.

من جانبه، رأى الأكاديمي والخبير السياسي، محمد الشرقاوي، أن "صورة شعرية واحدة تكفي عن 100 تبرير سياسي، عندما يقف فرسان التبوريدة الحكومية على أحصنة خشبية، أو بالأحرى (هيئة رئاسة الحكومة) بأقطابها الثلاثة من التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة والاستقلال أمام الكاميرات في ساعة الحقيقة".

وتابع: "إما أن يؤكدوا أنهم حكومة مسؤولة وواعدة بحكامة التخطيط الإستراتيجي والاستشراف المتنور وكيفية احتواء الصدمات ومفاجآت الجفاف وارتفاع أسعار النفط والغاز حسب تقلبات السياسة والاقتصاد الدولي، أو أنهم حكومة الوهن والارتباك، فيختبؤون خلف ظلالهم، ويسردون سلسلة تبريرات واستعطافات وتصدير المسؤولية".

واستطرد الشرقاوي: "هي قدرية منتقاة يحتمي بها التلميذ في السياسة في تبرير الفشل في اختبار المرحلة، والمغاربة يترقبون منه (الائتلاف الحكومي) برامج فعالة طارئة للحد من ارتفاع الأسعار وانتهازية التلاعب بالسلع المخزنة والمكاسب غير المشروعة، وحماية القدرة الشرائية لدى أكثر من 30 مليونا من ذوي الدخل المحدود والمتوسط".

وأشار إلى أنه "قد ينسى أو يتناسى الرجال الثلاثة في هيئة رئاسة الحكومة أن فترات التحديات السياسية والأزمات الاقتصادية تفترض على أي حكومة أن تتحلى بالبراغماتية السياسية، وأن العبرة بالإستراتيجيات والنتائج وليس بالحكايات والتبريرات".

ولفت الشرقاوي إلى أن "الاتكال على الصدفة ينقلنا إلى مغزى الاتكاء على الحائط ودلالته ضمن سيميائية الصورة للرجلين (يقصد وهبي وبركة) اللذين أسندا ظهريهما إلى جدار صلب، اعتقدا أنه يوفر لهما ملاذا آمنا وعضدا متينا في يوم بئيس في أدائهما السياسي".

وأوضح أن "واحدا (وهبي) ذهبت عيناه إلى الأعلى ما فوق وجوه الحاضرين من الصحفيين، وكأنه يستحضر أرواح الملائكة ليبتهلوا معه من أجل الرحمة ولتخفيف الحزن والمواساة في مصاب أليم جلل".

وتابع: "وآخر (بركة) شبك يديه في بعضهما البعض، وسند ظهره إلى الحائط أيضا، وعيناه في حالة تركيز ذهني على نقطة مجردة من أي تلاق مع أعين الحاضرين، هو مشهد الحاضر الذي يفضل الغياب، ولا يشعر بالانسجام مع الجو العام".

واعتبر أنه "ثمة أمارات متشابهة بين نظرتي الرجلين بملامح حزينة وكأنهما في مراسيم جنائزية: أهي وفاة الأمل في حكومة استسهلت متطلبات المرحلة بعد استقبال ملكي، أم عزاء في اقتصاد قاحل وسياسة غير مثمرة؟".

وختم الشرقاوي تحليله للندوة الصحفية بالقول: "قيادة الحكومة ليست زيارة للقصر أو أدعية استسقاء".

يخنقون الدولة

وفي تفاعل سياسي أيضا، شدد حزب "التقدم والاشتراكية" المعارض على أن "الأوضاع الدولية والظروف المناخية الاستثنائية التي يمر بها المغرب وانعكاساتهما على الأسعار، لا يعفي الحكومة من تحمل مسؤوليتها في إيجاد الحلول الممكنة والضرورية، واتخاذ تدابير ناجعة للتخفيف من معاناة المواطنين".

وأكد الحزب في بيان صادر بتاريخ 23 فبراير 2022 أن "الظرفية المقلقة التي تجتازها بلادنا تستلزم اليوم اعتماد الحكومة مقاربة قوامها الاجتهاد والإبداع والجرأة السياسية، تنبني على خطة مستعجلة وناجعة ودقيقة للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي".

ولفت إلى أن "هذه الخطة تستدعي توفير الموارد المالية الضرورية لتمويل المجهود التنموي، ومعالجة العجز المتفاقم الناتج عن الفرضيات المتجاوزة التي انبنى عليها القانون المالي الحالي، وعن التأثيرات السلبية المستمرة للجائحة، وعن المجهود المالي الخاص والاستثنائي الواجب بذله لمواجهة تداعيات الجفاف".

وأكد الحزب أن "نجاح هذه المقاربة يستدعي، أكثر من أي وقت مضى، استحضار التعبيرات الاحتجاجية المختلفة، واتخاذ إجراءات فعلية لاستعادة الثقة والمصداقية، من خلال توطيد المسار الديمقراطي وتوسيع فضاء الحريات وتقوية دور المؤسسات".

بدوره، دعا المجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية" المعارض، في بيان بتاريخ 21 فبراير 2022، إلى "إصلاح سياسي حقيقي يخرجنا من حالة المراوحة ويكرس الاختيار الديمقراطي بصفة نهائية وحقيقية”.

وحث المجلس، الحكومة على "ضرورة الوفاء بوعودها التي سطرتها أحزابها أثناء الحملة الانتخابية وقدمتها في البرنامج الحكومي وصادق عليه مجلس النواب، والتي ستظل راسخة في أذهان الناخبين”.

كما دعا إلى "التفاعل السريع وفي الوقت اللازم مع المطالب والانتظارات الاجتماعية والإنصات إلى صوت المواطنين والتواصل المستمر معهم، وعدم التهرب من المساءلة البرلمانية والمبادرة إلى بسط سياساتها وقراراتها وشرحها وتوفير الظروف المناسبة لتطبيقها، عوض اعتماد سياسة الصمت أو التصريحات غير محسوبة العواقب".

وطالب حزب "العدالة والتنمية"، الحكومة بـ"بث نفس سياسي وحقوقي جديد يرمي إلى إيجاد الصيغة المناسبة لإطلاق سراح المحكومين على خلفية الاحتجاجات الاجتماعية والصحافيين المعتقلين".

وأتى بيان الحزب، عقب تصريح أمينه العام عبد الإله بنكيران، أن الحكم على أخنوش سابق لأوانه في الوقت الراهن، مطالبا الجميع بالتروي عاما واحدا؛ وإن ثبت الفشل، فالمطلب هو انتخابات جديدة”.

فيما اعتبر الصحفي مسكين في تدوينته، أن "ما جرى من تجريف للحياة السياسية والفضاء العام، لم يترك لا أحزابا ولا نقابات ولا صحافة ولا فضاءات للنقاش والتفكير الحر (نسبيا)، ما جعلنا أمام حكومة الفراغ ومؤسسات الفراغ... وفاقد الشيء لا يعطيه".

وقال في رسالة للحكومة: "أطلقوا الحياة العامة والفضاء العام، إنكم تخنقون الدولة وتخنقوننا معها!".

من جانبها، لفتت الباحثة لموير في حديثها مع الاستقلال إلى أنه "من غير المستبعد أن يتم تعديل ملكي في أفق السنة المقبلة، خاصة أن الحكومة لم يمر بعد على تنصيبها سنة، لذلك من الصعب استعجال تغيير على مستوى مكونات الحكومة".

واستدركت بالتأكيد على أن "الحكومة مطالبة بالتحرك الإيجابي مع الأزمة التي يعرفها الشارع المغربي، وعجز القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة في القادم من الأيام، مع اقتراب شهر رمضان".