يميل للبرهان.. هل يمكن الوثوق بوساطة السيسي بين عسكر ومدنيي السودان؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع المونيتور الأميركي أن رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي بدأ سلسلة من الحوارات مع القوى السياسية في السودان بدعوى المساعدة في تجاوز أزمة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالحكومة التي يقودها المدنيون في أكتوبر/تشرين الأول 2021.

جاء ذلك بعد أسابيع قليلة من دعوة السيسي في 13 يناير/كانون الثاني 2022 الأحزاب السودانية لبدء حوار للاتفاق على خريطة طريق من شأنها تسهيل عملية الانتقال الديمقراطي وإجراء انتخابات تسمح للشعب باختيار من يقوده في نهاية المطاف.

وفد مصري

والتقى وفد مصري رفيع المستوى عددا من قادة الأحزاب السياسية السودانية خلال زيارة مفاجئة منتصف فبراير/شباط 2022 للعاصمة الخرطوم.

وذكرت صحيفة السوداني المحلية أن الوفد المصري ضم مسؤولين كبارا من وزارة الخارجية وجهاز المخابرات العامة. لكن مصر لم تعلن عن الزيارة ولم تعلق على طبيعة الوفد ومدة زيارته.

وأعلن حزب الأمة الوطني السوداني أن زعيمه مبارك الفاضل المهدي استقبل الوفد المصري في الخرطوم لبحث سبل حل الأزمة السياسية في البلاد.

وتطرق اللقاء أيضا إلى الجهود الحالية لتجاوز الأزمة "بما يحقق تطلعات الشعب السوداني نحو الديمقراطية والسلام والتنمية والاستقرار"، بحسب بيان صادر عن الحزب عقب اجتماع 13 فبراير.

كما بحث المهدي مع الوفد المصري التحديات الراهنة التي تواجه السودان ورؤية حزبه لتجاوز الأزمة.

والتقى الوفد المصري في 16 فبراير عددا من قادة حزب المؤتمر الشعبي برئاسة محمد بدر الدين نائب أمينه العام.

وبحسب بيان صادر عن الحزب، اطلع الوفد المصري على رؤية "المؤتمر الشعبي" للأزمة الحالية وسبل استكمال المرحلة الانتقالية في السودان.

وتابع البيان أن الجانبين شددا على ضرورة الحفاظ على سيادة السودان وأهمية التوصل إلى حلول وطنية للقضايا السودانية. 

وأشار الوفد المصري إلى حرص القاهرة حكومة وشعبا على أمن السودان واستقراره.

ونقلت "المونيتور" عن المحلل السياسي السوداني عثمان ميرغني، قوله إن أعضاء الوفد المصري في الخرطوم والذي ضم مسؤولين أمنيين "ربما يكونون سببا في إبقاء الزيارة سرية وغير معلنة من قبل مصر".

ويشهد السودان حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني ​​منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر، عندما استولى الجيش على السلطة منهيا ترتيب تقاسمها مع الشركاء المدنيين في الحكم، والذي كان يهدف إلى تمهيد الطريق لإجراء انتخابات ديمقراطية في السودان.

وتخشى مصر التي تحسنت علاقاتها مع السودان في السنوات الأخيرة منذ الإطاحة بنظام الديكتاتور السابق عمر البشير في 2019، أن يؤدي تدهور الوضع السياسي في البلاد إلى زعزعة استقرار جارتها الجنوبية.

وقال الكاتب السوداني محمد مصطفى إن القاهرة تريد المساعدة في تسوية الأزمة التي أحدثها الانقلاب العسكري، حيث دخل السودان في منعطف خطير يؤثر بشكل مباشر على مصر بسبب الارتباط الكبير بين البلدين.

وحسب "المونيتور"، فقد أوضح مصطفى أنه عندما أغلق محتجون سودانيون طريق شريان الشمال الذي يربط السودان ومصر في يناير 2022، أدى ذلك إلى شلل شبه كامل في الحركة التجارية عبر المعابر البرية بين البلدين. 

وبين أن المحتجين يضغطون على الحكومة السودانية للتراجع عن الزيادة التي جرى الموافقة عليها أخيرا في أسعار الكهرباء.

مشهد معقد

ومما زاد تعقيد المشهد السياسي الحالي إعلان استقالة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك في أوائل يناير، بعد أسابيع من عودته إلى المنصب بموجب اتفاق مثير للجدل مع قادة الجيش.

وخلال الانقلاب العسكري، وُضع حمدوك قيد الإقامة الجبرية قبل أن يعود إلى منصبه في 21 نوفمبر/تشرين الثاني بعد اتفاق مع القائد العام للقوات المسلحة السودانية الفريق عبد الفتاح البرهان.

 لكن المتظاهرين رفضوا الاتفاق وكذلك أي شراكة مع المؤسسة العسكرية.

وبموجب هذا الاتفاق، كان من المفترض أن يقود حمدوك حكومة تكنوقراط حتى إجراء الانتخابات في أوائل عام 2024.

وأعلن البرهان وهو أيضا رئيس مجلس السيادة السوداني، في 20 يناير، عن تشكيل حكومة جديدة من "الكفاءات الوطنية المستقلة" تضم 15 وزيرا مؤقتا، لكنها أخفقت في تعيين رئيس وزراء خلفاً لحمدوك. 

وتعهد البرهان بالدخول في حوار وطني شامل لحل الأزمة السياسية.

ومنذ الانقلاب، خرج المتظاهرون إلى الشوارع أسبوعيا، مطالبين الجيش بتسليم السلطة للمدنيين والإفراج عن المعتقلين السياسيين ومحاسبة المسؤولين عن قتل المنتفضين.

ويقول مسعفون متحالفون مع جماعات مؤيدة للديمقراطية، إن أكثر من 80 شخصا قتلوا في الاشتباكات مع الأجهزة الأمنية منذ الانقلاب.

وفيما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجيش مستعدا للتخلي عن السلطة أم لا، صعدت القوات الأمنية أخيرا حملة اعتقالات ضد سياسيين وناشطين رافضين للحكم العسكري، وسط أنباء عن اعتقال أكثر من 100 شخص بسبب مناصبهم السياسية.

في غضون ذلك، بدأت بعثة الأمم المتحدة الخاصة بالسودان في يناير مبادرة لإنقاذ المسار الديمقراطي في البلاد من خلال إطلاق حوار بين مختلف الأحزاب السياسية والجيش، بهدف إيجاد نقاط توافق وخلاف في محاولة لتسوية الأزمة. 

وحظيت المبادرة بدعم دولي واسع، بما في ذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا.

وتقول مصر التي تدعم مبادرة الأمم المتحدة إن تفعيل الحوار بين الأحزاب السياسية من شأنه أن يحل الأزمة الحالية ويمنعها من الانزلاق إلى الفوضى.

وعبرت جماعات مؤيدة للديمقراطية عن قلقها من أن مبادرة الأمم المتحدة ستضفي الشرعية على موقف الجيش بعد الانقلاب. 

في غضون ذلك، يصر قادة الجيش على أن الأمم المتحدة يجب أن تلعب دورا ميسرا للعملية السياسية وليس وسيطا.

وقال ميرغني إن مصر مؤهلة الآن للدخول في وساطة لتسوية الأزمة نظرا لصلاتها القوية مع الأطراف السودانية كافة. 

وأشار إلى أن "مصر لعبت تاريخيا دورا مباشرا في مساعدة القوى السياسية السودانية على التوحد في مواجهة المشاكل الخطيرة".

وأضاف: "إذا اتحدت القوات المدنية، فلا يزال أمام السودان فرصة لتجنب سيناريوهات الفوضى".

"أمن مشترك"

وتعرضت مصر لانتقادات واسعة بسبب عدم إدانة الانقلاب العسكري صراحة، حيث أرجع البعض ذلك إلى علاقاتها الوثيقة مع قادة الجيش السوداني. 

بل إن بعض قادة المعارضة السودانية ذهبوا إلى حد الزعم أن مصر أعطت الضوء الأخضر للبرهان للإطاحة بالحكومة المدنية.

إلا أن السيسي نفى هذه الادعاءات في 13 يناير، وفي حديثه خلال مؤتمر صحفي بمنتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر، شدد على أن حكومته لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. 

وقال السيسي إن "أمن السودان واستقراره القوميين مهمان للغاية لمصر".

وأوضح الكاتب السوداني محمد مصطفى أن "أي مبادرة مصرية ستواجه صعوبات لأن القوى المدنية تعتقد اعتقادا راسخا أن القاهرة تدعم بقوة حليفها البرهان".

لكن ميرغني يرى أن من ينتقد مصر على علاقتها بالعنصر العسكري "يسيء فهم" موقفها بشكل واضح، وفق تعبيره. 

وأشار إلى أن "القاهرة تدرك جيدا هشاشة الوضع الأمني ​​في السودان وتخشى أن يتفاقم حيث ستكون مصر أول من يدفع الثمن لأن أمنها القومي مرتبط بالخرطوم".

وأضاف أن "مصر تبذل جهودا للتواصل مع المكونات السياسية المدنية السودانية لتجاوز الأزمة. حتى يتحقق ذلك، سيبقى العنصر العسكري نقطة محورية في ضمان سلامة الأمن القومي السوداني".

ويثير دخول القاهرة على خط الأزمة السودانية رغم ترددها المبدئي، تساؤلا حول التوقيت.

إذ يأتي في أعقاب زيارة مفاجئة لمحمد حمدان دقلو "حميدتي" نائب رئيس مجلس السيادة السوداني إلى إثيوبيا للاجتماع في 22 يناير مع رئيس وزرائها آبي أحمد.

ودعا الكاتب المصري محمد أبو الفضل في مقال نشرته صحيفة "العرب" اللندنية في 18 فبراير، مصر إلى الإسراع في طرح رؤيتها للأزمة في السودان "قبل أن تدخل إثيوبيا على الخط".

وهذا التدخل لو حصل، سيمنح أديس أبابا فرصة لتكرار تجربتها السابقة في الوساطة بعد الإطاحة بنظام البشير.

وفي أعقاب الإطاحة بالبشير في السودان، رعت أديس أبابا بالتنسيق والتعاون مع الاتحاد الإفريقي، اجتماعات ومناقشات بين المكونين العسكري والمدني. 

وأسفرت الاجتماعات عن وثيقة دستورية رسمت خارطة طريق للمرحلة الانتقالية انقلب عليها الجيش السوداني فيما بعد.

وأعلن السفير الإثيوبي لدى السودان "يبلتال أيميرو أليمو" في 9 فبراير، استعداد بلاده لاستئناف الحوار مع الخرطوم بشأن القضايا المتنازع عليها.

وأكد أن هناك تطورات إيجابية بين البلدين بشأن قضية سد النهضة الإثيوبي والنزاع الحدودي، دون أن يضيف مزيدا من التفاصيل.

وتسعى مصر إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع السودان حيث يشترك البلدان في مصلحة وهدف مشترك لتسوية الخلاف حول سد النهضة المثير للجدل الذي تبنيه إثيوبيا على النيل الأزرق.

وتخشى دولتا المصب- مصر والسودان- من أن يؤثر السد على إمدادات المياه العذبة لكل منهما. واختتم مصطفى حديثه قائلا: "الطريق غير ممهد أمام إثيوبيا لقيادة وساطة جديدة". 

وتشوهت صورة آبي أحمد بشكل كبير بعد الحرب الأهلية التي شنها على جبهة تحرير شعب تيغراي وما أعقبها من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، إضافة إلى التوتر الحدودي بين إثيوبيا والسودان.