اعتصاما رابعة والنهضة بمصر.. هل يتكرر المشهد في السودان؟

شدوى الصلاح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

سيناريو مصر في فض اعتصامي رابعة والنهضة هل يمكن أن يتكرر في السودان وبنفس الطريقة؟ هل تعيد قوات الدعم السريع في السودان بقيادة "حميدتي" ما ارتكبه العسكر في مصر بقيادة "السيسي" من إطلاق نار على المتظاهرين ودهس المعتصمين وحرق جثثهم؟

يومي الإثنين 13 مايو/آيار والأربعاء 15 مايو/ آيار 2019 فوجئ المعتصمون بمحيط مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم بإطلاق نار عليهم من قبل مسلحين مجهولين ما أسفر عن سقوط 6 قتلى وإصابة أكثر من 200 آخرين.

معارضون للمجلس العسكري اتهموا قوات الدعم السريع (تابعة للجيش) بالتورط في الأحداث متهمين المجلس بمحاولة إنهاء الاعتصام تدريجيا أو بالقوة، مؤكدين استمرار حراكهم حتى استجابة العسكر لمطالبهم.

توقيف وتحقيق

وفي 19 مايو/آيار أعلن المجلس العسكري في السودان، أنه تم توقيف 15 متهما في إطلاق النار وقتل معتصمين وقال المستشار القانوني لهيئة الاستخبارات العسكري، خالد خضر، في لقاء بثه تلفزيون السودان، مع لجنة التحقيق التي شكلها المجلس العسكري لحادثة الهجوم على المعتصمين، إنه تم توقيف 15 متهما، 5 منهم سجلوا اعترافا قضائياً.

خضر أوضح أن التحري لازال مستمرا وجاري القبض على آخرين شاركوا في إطلاق النار على القوات النظامية والمعتصمين، وأضاف: "لدينا معلومات أخرى، وسنقدم المتهمين إلى محكمة عادلة".

اللواء الركن محمد عبد الله مدير إدارة الاستخبارات بقوات الدعم السريع (تابعة للجيش) أوضح أن اللجنة بدأت التحقيق وأنه "تم إزالة المتاريس في الشوارع البعيدة من محيط مقر الاعتصام أمام قيادة الجيش، ولكن عند الوصول إلى متاريس في شارع النيل والملك نمر تعرضت القوات الحكومية والمعتصمون لإطلاق نار".

بدوره أشار قائد الحرس الجمهوري، محمد الأمين، أن الموقوفين الـ15 بينهم جنود (دون تحديد)، قبلها أعلن نائب رئيس المجلس العسكري محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، القبض على عناصر يتهمها بإطلاق النار على معتصمين قرب مقر قيادة الجيش بالخرطوم.

الدعم السريع

قوات الدعم السريع بقيادة "حميدتي"، كانت تعد سابقاً أحد أبرز دعائم النظام السابق، كما أنها حظيت برعاية خاصة ومباشرة من رئيس الجمهورية المعزول عمر البشير.

أصبحت قوات الدعم السريع عقب عزل البشير في 6 أبريل/نيسان الماضي، ركيزة أساسية في تشكيل مشهد ما بعد الثورة، حيث أصبح قائدها "حميدتي" نائبا لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، وصاحب القوة التنفيذية الفاعلة في العاصمة الخرطوم، بالإضافة لارتباطاته الخارجية بالإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي.

وعقب تأدية حميدتي لأداء القَسَم نائبا لرئيس المجلس العسكري، ارتفع حجم تحركات الرجل صاحب ال(43) عاما والذي أصبح أصغر جنرال يُرقّى إلى رتبة فريق أول في تاريخ الجيش السوداني، وما لبث أن تقدم صفوف جنرالات المجلس العسكري في مقابلات السفراء المقيمين ورؤساء البعثات الدبلوماسية بالخرطوم وضيوف المجلس العسكري من الخارج.

طور حميدتي علاقة قوية مع السعوديين والإماراتيين في اليمن، حيث إن قوات الدعم السريع هي التي تشكل العمود الفقري للقوات السودانية التي تقاتل الحوثيين هناك، وأثار حميدتي جدلاً حينما أعلن أن 412 جندياً قتلوا في اليمن، الأمر الذي أدى إلى مطالبات في الداخل بسحب القوات من هناك.

"سيسي" السودان

مركز أبحاث إسرائيلي، كشف السبت 11 مايو/آيار 2019 إن كلا من السعودية والإمارات تراهنان على دور "حميدتي" في استنساخ تجربة الانقلاب التي قادها السيسي في مصر، وأطاح خلاله بأول رئيس مدني منتخب في مصر محمد مرسي.

ونقل "مركز بيغن السادات للدراسات الاستراتيجية"، التابع لجامعة "باريلان"، ثاني أكبر الجامعات الإسرائيلية، عن دبلوماسيين غربيين قولهم إن كلا من أبوظبي والرياض تخططان لأن يلعب حميدتي دور "سيسي السودان"، في إشارة إلى المساندة التي قدمتها السعودية والإمارات في دعم انقلاب السيسي.

وفي ثاني ورقة يصدرها في أقل من أسبوع حول مآلات الثورة في كل من الجزائر والسودان، أشار المركز، اليوم، إلى أن كلا من نظامي الحكم في السعودية والإمارات يراهنان على توظيف الطموح السياسي القوي لحميدتي، الذي يتجاوز بكثير طموح رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان.

وقال ديفيد هيرست رئيس تحرير موقع "ميدل إيست آي" البريطاني: إن "الإماراتيين يمولون حميدتي، ويزودونه بالأسلحة الثقيلة".

طرف ثالث

أعمال العنف التي يتهم الثوار القوات النظامية بانتهاجها ضد المعتصمين جاءت في ذات الليلة التي أعلن فيها قادة حركة الاحتجاج في السودان عن اتفاقهم مع "المجلس العسكري" على تشكيل مجلس سيادي وحكومة ومجلس تشريعي لإدارة المرحلة الانتقالية نحو الحكم المدني.

تبع تلك الأعمال إعلان "المجلس العسكري" تعليق المفاوضات لمدة 72 ساعة وذلك قبل الجلسة النهائية للمفاوضات، وخرج الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري الانتقالي، ببيان للشعب، كان واضحا فيه رهن التفاوض بتهيئة المناخ لإكمال وإزالة المتاريس حول محيط الاعتصام وفتح مسار القطارات، نافيا اتهام قوات الدعم السريع بإطلاق النار على المعتصمين.

وفي محاولة لخلق طرف ثالث وتحميله العنف تجاه المتظاهرين، أعلنت قوات الدعم السريع، الثلاثاء، أن ما جرى من أحداث في ساحة الاعتصام بالخرطوم، تقف خلفه جهات ومجموعات تتربص بالثورة.

كما أشار البرهان في بيانه إلى وجود من أسماهم متسللين مسلحين دخلوا الاعتصام وتحدث عن وجودهم في منطقة البركس وجامعة الخرطوم وغيرها، (أمام مقر قيادة الجيش بالعاصمة الخرطوم)، واتهمهم بإطلاق النار على الجيش والدعم السريع والمواطنين، وأزهقوا أرواح عدد من الشباب".

البرهان أشار إلى وجود حالات انفلات أمني وفوضى تجعل سلمية الثورة تنتفى -بحسب تعبيره-، وهي الخطة التي يفتعلها العسكر وقوى الثورة المضادة لإجهاض الثورات.

تجمع المهنيين السودانيين أعلن صباح الجمعة 17 مايو/آيار الجاري، تعرض متاريسهم في شارع القيادة العامة لمحاولات إزالة من قبل بعض القوات وانتهت المحاولات في وقتها بفضل تكاتف الثوار وسلميتهم، إلا أن المحاولة تتكرر حيث تتعرض المتاريس لمحاولات إزالة مستمرة.

كما حاول أفراد من الجيش وقوات الدعم السريع الدخول إلى مقر الاعتصام بداعي تفتيش المباني في ساحة الاعتصام لتأمين المحتجين، بحسب الأناضول، التي نقلت عن شهود عيان أن قوات الدعم السريع في أكثر من 20 سيارة محملة بالجنود، حاولت الدخول إلى مقر الاعتصام، لكن المعتصمين رفضوا ذلك.

الثوار ذكروا بتهديد "حميدتي" مطلع مايو/آيار الجاري بقوله أن "للصبر حدودا" في إشارة إلى أنه ربما يصب غضبه على المعتصمين ويحاول فض الاعتصامات بالقوة.

سلمية الاحتجاجات

قوى الحرية والتغيير وهي تحالف يضم عدداً من الكتل السياسية قادت الحراك الثوري في السودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أكدت سلمية الاحتجاجات والاستمرار في الاعتصام، معربة عن أسفها لوقف المجلس العسكري التفاوض مع قادة الاحتجاج بدعوى عدم سلميتها.

وقالت في بيان إن السلمية أيقونة الثورة التي لا يستطيع أحد أن ينزع عنها هذه الصفة، أو أن يطعن أو يشكك في جدية التمسك بها، مضيفة أنها كانت السبب في الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة في عمر الثورة، وأصبحت طوق نجاة للشعوب المستضعفة.

وأعربت هذه القوى عن أسفها لقرار تعليق التفاوض، معتبرة أنه "لا يستوعب التطورات التي تمت في ملف التفاوض، ويتجاهل حقيقة تعالي الثوار على الغبن والاحتقان المتصاعد كنتيجة للدماء التي سالت والأرواح التي فقدنا"، مؤكدة أن ذلك يسمح بالعودة إلى مربع التسويف في تسليم السُّلطة.

واعتبر البيان أن التصعيد السلمي حق مشروع لحماية مكتسبات الجماهير، وأكد انتفاء جميع مبررات تعليق المفاوضات من طرف واحد، منها فتح الطرق ورفع الحواجز وتسهيل حركة المرور، محذرا من أن ذلك ينسف دعاوى التوافق بما يسمح بالعودة إلى مربع التسويف في تسليم السلطة.

اتهام الفلول

وتحدثت "قوى الحرية والتغيير" في بيان السبت 18 مايو/أيار الجاري، عن  محاولات بقايا النظام البائد في جر الحراك الثوري للعنف ونسف مكتسبات الثورة التي حققها الشعب السوداني بنضالات استمرت طيلة من الزمن قدم خلالها خيرة أبنائه وبناته دماءهم الغالية من أجل هذا الوطن.

وأشارت إلى محاولة مجموعة مساء الجمعة اقتحام مبنى جهاز الأمن بمدينة شندي، الأمر الذي أدى إلى إطلاق رصاص وعبوات الغاز المسيل للدموع من داخل مبنى جهاز الأمن بمدينة شندي وأدى إلى إصابات نتاج إطلاق عبوات الغاز المسيل للدموع.

وأكدت رفضها لأي فعل قد يقود الثورة إلى العنف مطالبة الجماهير المدينة والشعب السوداني بالتحلي بروح السلمية التي قادت الثورة السودانية إلى هذا الحد من المكتسبات، منوهة إلى أن أي فعل يقود الحراك إلى العنف منبعه بقايا وفلول النظام البائد ويجب رفضه ومقابلته بالسلمية والتحلي بروح الثورة السودانية.

لحس الاتفاق

الإعلام السوداني أكد أن حديث المجلس العسكري عن تعرض الجيش وقوات الدعم السريع لحملة من الاستفزاز والتحريض، بمثابة اعتراف ضمني بأن هذه القوات هي من قتلت هؤلاء المتظاهرين، موضحا أن إصدار التوجيهات للقناة التلفزيونية الرسمية بإعادة بث بيان البرهان كل 20 دقيقة يرجح فرضية الانقلاب.

وتحت عنوان هل بدأ الانقلاب على الثورة؟ وهل يريد العسكر لحس الاتفاق، كتب الأديب والكاتب الصحفي جعفر عباس مقالا نشره عبر حسابه بالفيس بوك، أكد خلاله أن السودان تشهد  انقلابا على الاتفاق بين قوى الحرية والتغيير والعسكر، مستنكرا حديث "البرهان" بأن الثورة خرجت عن مسارها السلمي.

وأشار إلى أنه لم يقل أن بعض الثوار خرجوا عن السلمية، بل اتهم بذلك الثورة كلها، مستطردا: "هكذا يكون الضحية الذي تم استهدافه بالعنف المفرط هو المتهم، ولم تصدر عنه إدانة لمن فتح النار على المعتصمين طوال يومين ولم يتعهد بملاحقتهم أو حتى بتقصي الأمر".

وعن نفي البرهان اتهام قوات الدعم السريع بإطلاق النار على مقر الاعتصام، تسائل "عباس": "من هم الذين يسدون منافذ مقر الاعتصام نهارا جهارا بعربات عسكرية مموهة ويرتدون أزياء عسكرية ويحملون أسلحة أتوماتيكية؟".

ولفت إلى حديث عسكر المجلس الانتقالي مرارا وتكرارا عن عدم السماح بالانفلات الأمني والفوضى، متسائلاً: "هل هناك فوضى أكثر من وجود جماعات مسلحة تطلق النار على المواطنين على عتبات قيادة الجيش دون أن يتصدى لها الجيش؟".

الإعلامي السوداني إسلام صالح، حذر من بيان المجلس العسكري الانتقالي، مؤكدا أنه يشير إلى أن  العسكر ليست لديهم نية للتفريط في قبضتهم على السلطة، خاصة مع ارتباطات عدد من رموزه بتحالفات إقليمية تسعى لأن يبقى التغيير الذي يجري في السودان مرهوناً بأجندتها السياسية.

وأعرب في تغريدة له بتويتر عن خشيته من أن يكون قرار مهاجمة الثوار لم يصدر من القيادة العامة، بل صدر من مراكز صنع القرار خارج الحدود، لافتا إلى أن تعليق المجلس الانتقالي للتفاوض هو محاولة لتحسين شروط التفاوض لصالحه بشأن صلاحيات ونسب مشاركة المدنيين والعسكر في المجلس السيادي.

وأوضح أن الأسباب التي استند عليها رئيس المجلس في قراره بتعليق التفاوض تدعو إلى وجوب تسريع المفاوضات وليس تعليقها والتوصل لإتفاق فوري يعبر بالبلاد إلى بر الأمان.

رجل أبو ظبي

مهنا الحبيل الباحث العربي ومدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي، أكد أن كل ما يقال في تبرير الفض الدموي للعسكر في السودان، بحجة وجود معتصمين منفلتين يسقط بالتحليل السياسي المجرد، مشيرا إلى أن الكتلة الكبرى للحراك يمثلها التفاوض القائم، ومركزيته التسلم السلمي المدني الانتقالي، وهو انتقالي وبالتالي يفتح البلد لوحدة وطنية وطموح شعبي يشتغل به الناس.

وأضاف في تغريدة له بتويتر: "أخشى أن المشهد قد أكتمل لرجل محور أبو ظبي المفضل (حميدتي)، ليحسم في السودان وسط دعم حزب النور السوداني وسطحية الإسلاميين، بعد أن نجحت خطة ترهيبهم بمنابر يسار متطرف، لا يملك فرض مشروعه على السيادة المدنية للشعب.

وأوضح أنه يقصد بحزب النور كتلة التفويج القائمة اليوم في منبر العسكر لذبح الثوار ولعبة ترهيب الإسلاميين التي استخدم فيها العسكر فريق يساري متطرف نجحت في تخويفهم وفتح مساحة بينهم لإسقاط الحراك.

سيناريو مصر

الأحداث المتصاعدة في السودان أعادت إلى الأذهان ما شهدته مصر من مجازر ارتكبها النظام الحالي حتى تمكن من الانقلاب على الشرعية والاستيلاء على الحكم، وتوالى الدعم الخليجي لترسيخ أقدامه.

في 8 يوليو/تموز 2013، وقعت مجزرة الحرس الجمهوري التي قُتل فيها نحو 61 شخصاً وأُصيب العشرات من المعتصمين المؤيدين للرئيس المنتخب محمد مرسي، على يد قوات الجيش والشرطة، قُتل غالبيتهم برصاص أُصيبوا به من الخلف.

وفي 14 أغسطس/آب 2103 تم فض اعتصامات ميداني رابعة العدوية وميدان النهضة التي استمرت شهرين، ما خلّف سقوط قرابة 1500 قتيل بين صفوف المدنيين، وآلاف الجرحى والمصابين، وحتى الآن لم يتم محاكمة المسؤولين المتورطين في عملية الفض الدموية.