وزير مالية تونس الأسبق لـ"الاستقلال": شروط صندوق النقد تزيد الأسعار والبطالة والفقر

حمدي عبد العال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد وزير المالية التونسي الأسبق سليم بسباس، وجود صعوبات مالية في تونس دفعت الحكومة للاقتراض الوطني، خاصة مع صعوبة الاتفاق مع مقرضين خارجيين بسبب تدني تصنيف البلاد الائتماني وعدم التوصل بعد لاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وأضاف بسباس في حوار مع "الاستقلال" أن أهمية الاتفاق مع صندوق النقد لا تكمن في قيمة القرض الذي سيمنحه لتونس، وإنما في الضوء الأخضر أو "شهادة المرور" التي سيمنحه إياها للعبور إلى المؤسسات المقرضة الإقليمية والدولية.

وأشار إلى أن شروط صندوق النقد سيكون لها انعكاسات وآثار سلبية على المواطن، لأنه مثلا سيجعل الدولة تتراجع عن توفير وظائف، وسيغلق باب الانتداب (التشغيل) أمام الشباب في الاختصاصات المرتبطة بالوظيفة العمومية مثل التدريس.

وأوضح أن ارتفاع معدل البطالة لـ18.5 بالمئة مؤشر خطير، وأصبحت في مستوى لا يتحمله الشعب وخاصة الشباب الذي انسدت أمامه طرق التوظيف، وكل ذلك يمهد الطريق لهجرة الشباب والعقول.

كما شكك بسباس في إعلان الرئيس قيس سعيد المتكرر لحربه على الفساد، مؤكدا أن محاربة الفساد تحتاج إلى دعم الحوكمة الرشيدة وإيجاد منظومة ناجعة تتكفل بدحره، عبر اعتماد تقنية الشفافية والرقمنة وتبسيط الإجراءات وتكافؤ الفرص.

وكانت مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي قد توقفت بعد أن قطعت فيها الحكومة السابقة شوطا كبيرا بسبب القرارات الانقلابية التي اتخذها سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021، وتضمنت إقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان.

وتدور مشاورات حالية بين حكومة سعيد والاتحاد العام التونسي للشغل حول ما يسمى بوثيقة الإصلاحات الاقتصادية التي ستعتمدها الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد لحل أزمة البلاد المالية.

وبسباس (58 عاما) أستاذ جامعي في القانون الجبائي والمالية العمومية، وشغل منصب وزير المالية لمدة 5 أشهر في 2012، كما كان عضوا بالبرلمان عن حركة النهضة في دورة (2014 - 2019).

وضع صعب

كيف ترى الأزمة المالية في تونس؟

الحكومة التجأت إلى الاقتراض الوطني بإصدار اكتتاب يشارك فيه الأشخاص الطبيعيون والشراكات والمواطنون لتعبئة 1200 مليون دينار تونسي، أي ما يعادل 450 مليون دولار أميركي لسد العجز.

ويأتي هذا الاكتتاب بدافع عدم التوازن في ربط الميزانية بين النفقات والموارد الخاصة في الدولة، الذي يتم تغطيته بالاقتراض سواء الداخلي أو الخارجي.

ما الصعوبات المالية التي تواجهها تونس؟

هناك نقص في تمويل موازنة 2022 وهي تقتضي تمويلا خارجيا بمبلغ 12.5 مليار دينار تونسي (4.3 مليارات دورلار)، وهذا التوجه أمامه صعوبات تمنع توفيره من الخارج.

وأهم هذه الصعوبات ضعف الترقيم السيادي التونسي من قبل مؤسسات الائتمان الدولية، مثل موديز وفيتش حيث تصنفا تونس في المستوى “c”، ويعني شديدة المخاطر للوضع المالي.

وهذا التصنيف لا يسمح بتعبئة الموارد من السوق المالية العالمية، وإذا سمح فسيكون تحت شروط غير مقبولة.

ففي حال اللجوء لتلك الأسواق تكون الشروط قاسية ومجحفة، ويكون الاقتراض بفوائد ذات مستويات عالية جدا، وتحمل الدولة أعباء لا تتحملها.

كما أنها تشترط السداد في فترة قصيرة من 3 إلى 5 سنوات، وتجعل الكلفة كبيرة وتتضاعف أضعاف قيمتها الحقيقية، وهذا أمر لا تتحمله ميزانية الدولة.

كيف يمكن النفاذ لمؤسسات التمويل الخارجية بدون هذه الضغوط؟

يتطلب الأمر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لكي تحصل تونس على القروض من الأطراف الثنائية والبلدان الصديقة التي تتمتع بعلاقات واتفاقيات معها مثل فرنسا والسعودية واليابان أو ما يسمون بالمقرضين الطبيعيين لتونس.

فالاتفاق مع صندوق النقد ليس في قيمة القرض الذي سيمنحه للبنك المركزي التونسي، وإنما في الضوء الأخضر أو "شهادة المرور" التي يمنحه للعبور إلى المؤسسات المقرضة الإقليمية والدولية.

فهذه المؤسسات تمكن من توفير قروض بشروط تفاضلية تصل مدة السداد فيها لـ40 سنة وأكثر وبفوائد مخفضة.

معضلة القروض

إلى أين وصل التفاوض مع صندوق النقد؟

المباحثات مع صندوق النقد انطلقت مع الحكومة السابقة ووصلت لمرحلة متقدمة، لكن مع 25 يوليو/ تموز 2021 دخلت البلاد في مرحلة جديدة توقفت معها المفاوضات حتى جاءت الحكومة الحالية وأعدت وثيقة جديدة تقدمها للصندوق لبدء مرحلة جديدة من المفاوضات والشروط.

تتضمن الوثيقة كافة مقترحات الإصلاح الاقتصادي التي يطلبها الصندوق كشروط ضرورية لإصلاح المالية العمومية في تونس.

وتتعلق بشروط صندوق النقد محاور، أولها التحكم في كتلة الأجور التي أصبحت تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة وتمثل 59 بالمئة تقريبا من الموارد الذاتية كما تمثل أكثر من 16 بالمئة من الناتج الوطني الخام.

وهي نسبة تعتبر أعلى بكثير من المعدل العالمي المتمثل في 12 بالمئة من الناتج الذاتي، وهو المعدل المقبول حسب معايير صندوق النقد.

المحور الثاني في شروط صندوق النقد، دعم المواد الأساسية والمحروقات وهو يمثل كذلك البند الذي شهد انزلاقا كبيرا خلال العشرية الأخيرة بعد الثورة فكان لا يتجاوز 500 مليون دينار تونسي زاد إلى 3.7 مليارات دينار أو ما يعادل 150 مليون دولار زاد إلى 1.3 مليار دولار.

المحور الثالث دعم المواد الغذائية الأساسية، الذي زاد بنسبة 75 بالمئة خلال عام 2021 ـ 2022، حيث زادت الأسعار عالميا ما انعكس على ميزانية الدعم بصفة جنونية أصبحت تمثل عبئا كبيرا على الميزانية.

هل يشترط صندوق النقد إلغاء الدعم عن السلع الأساسية؟

اشترط صندوق النقد ترشيد الدعم، كي يصل فعليا للمستحقين بالشكل الأمثل، لأنه حاليا يتمتع به الصناع والمستثمرون ويؤدي إلى تبديد موارد الدولة.

ويجب وصوله لما يعرف بالدعم المنزلي أي للفئات الضعيفة حتى لا يستفيد منه السياح في المطاعم والفنادق والنزل السياحية ما يستدعي مزيدا من التحكم في مصارف الدعم حتى يصل مستحقيه.

وتتضمن الشروط إلغاء دعم المحروقات تدريجيا حتى يصل لسعره الحقيقي وفق الأسعار العالمية.

ما يتطلب إيجاد زيادات في تعريفة الكهرباء بصفة تدريجية لتقليل عبء الدولة، عبر تحميل المستهلك الزيادة في الأسعار العالمية، بينما كانت ميزانية الدولة تتحمل أي زيادة في الماضي.

برأيك هل سينعكس الاتفاق مع صندوق النقد إيجابا على المواطن؟

الإصلاحات التي سيشترطها صندوق النقد سيكون لها انعكاسات وآثار سلبية على المواطن، لأنه مثلا سيجعل الدولة تتراجع عن توفير وظائف، وسيغلق باب الانتداب (التشغيل) أمام الشباب في الاختصاصات المرتبطة بالوظيفة العمومية مثل التدريس.

ويعمل بالتدريس قسط كبير من خريجي الجامعات ما سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة بينهم، وهو ما بدأته الدولة بالفعل وارتفعت نسبة البطالة من 15.5 بالمئة إلى 18.5 بالمئة خلال عامي 2020 و2021 مع جائحة كورونا.

هل هناك أثر مباشر لتنفيذ الشروط على قدرة المواطنين الشرائية؟

تقليل الدعم يعني زيادة الصعوبات على المواطنين وتراجع قدرتهم الشرائية، ويدفع لارتفاع الأسعار وزيادة التضخم ويضغط على الفئات الضعيفة (الفقراء)، وبالفعل زادت نسبة هذه الفئة مؤخرا من 20 بالمئة إلى 30 بالمئة.

ويؤدي ذلك إلى تآكل الطبقة المتوسطة وسقوط الكثير في الفقر بعد أن كانت الطبقة الوسطى تمثل الشريحة الأكبر في تونس فتوسعت طبقة الفقراء على حسابها مع ارتفاع التضخم.

أموال الدولة

وفقا للمعطيات الحالية إلى أين وصل الاحتياطي النقدي لتونس؟ وهل هو في نقطة آمنة؟

احتياطي تونس من النقد الأجنبي كان في نسق تصاعدي حتى بداية 2021 حيث وصل ما يقارب 165 يوم توريد، أما الآن مع صعوبة الاقتراض الخارجي تراجع إلى 135 يوما فقط بعد أن اضطر البنك المركزي على تسديد تعهدات.

يمكن القول إن احتياطي البلاد من النقد ما زال في نقطة محترمة ما يظهر في ثبات سعر الدولار ولم تتخط خسارة الدينار سوى 3 بالمئة، وهي نسبة معقولة جدا بسبب الاحتياطي المطمئن وهو سعر غير مخيف.

هل هناك مخاوف من تناقص الاحتياطي النقدي؟

نخشى من عدم التمكن من الاتفاق مع صندوق النقد خلال 2022، ومن ثم صعوبة الاقتراض الخارجي، ما يدفع للجوء إلى البنك المركزي والسحب من الاحتياطي الحالي، ما يؤثر سلبا على خسارة في قيمة الدينار، وهو خطر شديد ويزيد من معاناة المواطنين.

ودفعت المخاوف مسؤولي البنك المركزي للتحذير من التباطؤ وحفزت الحكومة على تسريع العمل والتفاوض، لإتمام الاتفاق مع صندوق النقد.

إضافة إلى تعبئة الموارد حتى لا تلجأ لسحب جزء من الاحتياطي، لسداد متطلبات الأجور، أو اللجوء إلى طباعة عملة بدون موارد وهو حل خطير جدا.

ما الجهة التي ستراجع ميزانية 2022 وتصادق عليها في غياب البرلمان؟

قانون ختم الميزانية يصدق من محكمة المحاسبات ويتم بعد الغلق الحقيقي حتى بعد سنتين، وبالفعل تمت المصادقة عليها من رئيس الجمهورية بسبب تجميد البرلمان، وهذا أمر لا يشغل الرأي العام التونسي كثيرا.

ما موقع المواطن والبنود المرتبطة به في ميزانية 2022؟

بالنسبة للضرائب الكبرى لم تتغير كثيرا، لكن زادت الضرائب على المواد الأساسية غير الضرورية المستوردة من الخارج، كما تضمنت زيادات كبيرة على مستوى المحروقات والغاز والكهرباء.

وستؤدي زيادة التكلفة لارتفاع الأسعار على المواطن مرتين، وتتسبب في مزيد من تدهور القدرة الشرائية وارتفاع التضخم، الذي زاد من 5.7 بالمئة خلال 2021 إلى 6.08 بالمئة مع موازنة 2022 نتيجة زيادات الغاز والبطء في توفير موارد للدولة.

ما أبرز ملامح العجز في ميزانية 2022؟

الميزانية مبنية على عجز أولي حيث إن بند النفقات نحو 47 مليار دينار (17 مليار دولار) دون دفع فوائد الديون والموارد الذاتية التي تتحصل عليها الدولة 38 مليار دينار (13 مليار دولار).

حال المواطن

هل ترى أن تراجع سعر صرف الدينار مؤشر خطر؟

تراجع سعر الدينار غير مرتبط بضعف العملة التونسية لكن بسبب ارتفاع سعر الدولار، ولكن مازال هناك صمود في سعر الصرف وثبات إلى حد كبير منذ 2017.

كيف تنظر إلى الأوضاع الاقتصادية عموما للمواطنين؟

وفق الوضع الحالي أصبح السكن وهو حق أساس حلم الطبقة الوسطى وأصبح الاستثمار فيه صعبا حيث يلجأ حاليا المنتمون لهذه الطبقة لاستعمال الدخل في مواجهة الحاجيات الأساسية اليومية.

ورغم أن الحكومة رفعت الإعانات للعائلات الضعيفة بمبلغ مليار دينار في صورة إعانات مالية مباشرة، لكن ما زال الوضع المعيشي صعبا جدا بسبب ارتفاع أسعار المواد والسلع الأساسية وأصبحت الطبقة الفقيرة تكابد الخضراوات واللحوم.

ماذا يعني ارتفاع البطالة لـ18.5 بالمئة؟ وما التداعيات؟

هذه النسبة مؤشر خطير؛ فمنذ 2010 كانت نسبة البطالة 13 بالمئة فأصبحت في مستوى لا يتحمله الشعب، وخاصة الشباب الذي انسدت أمامه طرق التوظيف فيدفع أولا لهجرة الشباب والعقول.

وفضلا عن الهجرة العادية (النظامية) إلى الخليج وأوروبا ستزداد ظاهرة الهجرة السرية عبر ما يسمى بقوارب الموت من تونس إلى أوروبا عبر إيطاليا وهي ظاهرة مقلقة جدا.

عموما الوضع الحالي دفع حتى الموظفين للهجرة بحثا عن دخول أكبر وفئات هامة اتجهت للسفر كالأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات.

الرئيس قيس سعيد دائما يتحدث عن الفساد ومحاربته، هل إجراءاته تحقق هذا الهدف؟

محاربة الفساد تحتاج إلى دعم الحوكمة الرشيدة وإيجاد منظومة ناجعة تتكفل بدحر الفساد باعتماد تقنية الشفافية والرقمنة وتبسيط الإجراءات وتكافؤ الفرص.

يمكن القول إن الفساد ليس سببا لكنه نتيجة، فالبيئة هي التي تدفع إلى ذلك، خاصة من يتعامل مع الأموال وأجره لا يكفي احتياجاته سيلجأ لتسوية وضعه المالي بشكل أو بآخر. 

فإذا ما تم توفير  الاحتياجات وإعطاء كل ذي حق حقه فلن يلجأ الناس إلى الفساد.