العفو الرئاسي عن سجناء سياسيين.. ماذا يريد السيسي؟

أحمد يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"إن يؤتهم فضلا يمن وإن يرم.. ثأرا يبدهم بالعدو قتالا.. وإذا قضى يوما قضاءً عادلا.. ضرب الأنام بعدله الأمثالا"، أبيات للشاعر اللبناني جبران خليل جبران في متن قصيدته "المساء"، ربما تنطبق على الحالة المصرية، عندما أصدر رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، في 17 مايو/آيار الجاري قائمة عفو عن بعض السجناء السياسيين.

قائمة العفو التي نشرت في الجريدة الرسمية للدولة ضمت 560 اسما، من المحبوسين على ذمة قضايا متنوعة، بعضها يعود لأحداث جرت عقب اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011.

القرار احتفت به وسائل إعلام محسوبة على النظام المصري، بينما انتقدت مؤسسات حقوقية استمرار الوضع الحقوقي المزري الذي تعيشه البلاد عقب الانقلاب العسكري في 3 يوليو/ تموز 2013.

قرار بروتوكولي

شمل قرار العفو 560 سجينا، كانت قد تمت إدانتهم في نحو 300 قضية أمام محاكم مدنية وعسكرية، وطوارئ، وجاءت الغالبية العظمى منها متعلقة بقضايا تخص حالات التظاهر، والعنف، والانضمام إلى جماعات صنفها النظام إرهابية، في وقائع جرت أحداثها خلال الفترة من تموز/ يوليو 2013 إلى 2017، وكان من بين المفرج عنهم نشطاء سياسيون، وصحفي بارز، وضباط شرطة متهمون بالقتل.

رئيس منظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان علاء عبد المنصف قال: "قرار العفو الذي أصدره السيسي هو مجرد إجراء بروتوكولي دأب النظام على تنفيذه من حين إلى آخر، خلال المواسم والأعياد، لأسباب متعددة منها تجميل صورته".

عبد المنصف أضاف لـ"الاستقلال": "عندما نقرأ قرارات الإفراج الأخيرة، لا نستطيع فصلها عن المشهد الكامل في مصر من انتهاكات مروعة للحقوق والحريات، ووجود آلاف المعتقلين القابعين خلف الأسوار في ظروف احتجاز بالغة السوء".

وتابع: "النظام المصري القائم لم يغير من سلوكه، ويفرج عن المعتقلين في إطار تخفيف القبضة الأمنية، أو السعي لحلحلة الوضع الراهن المتأزم، بل هو مجرد إجراء اعتيادي، وإذا نظرنا في خريطة المعتقلين المفرج عنهم، لن نجد قوائم مطولة بالشباب وقيادات المعارضة المحبوسين".

وذكر الحقوقي المصري: "لا نستطيع أن نخفي فرحتنا بالإفراج عن أي معارض، حتى لو كان فردا واحدا، فإطلاق سراح المعتقلين، بعد سنوات من القهر والتضييق، هو غاية المراد، فمثلا جاء الإفراج عن بنات دمياط اللآتي اعتقلن منذ العام 2015، كحدث مهم وبارز في القرارات الأخيرة، ولكن لا يمكن إغفال عشرات المعتقلات الأخريات من الفتيات والسيدات داخل السجون المصرية".

واختتم علاء عبد المنصف حديثه قائلا: "هناك ضغوطات دولية على النظام المصري، متعلقة بالحقوق والحريات، ووجود عشرات الآلاف من المعتقلين في سجونه، فمن أجل ذلك قد يلجأ إلى مثل هذه الأوراق لتخفيف الضغط، بالإضافة إلى وجود حالات مثيرة للجدل، مثل الضباط الذين تورطوا في مقتل عائلة بأكملها عقب ثورة يناير، وهذه وحدها دلالة على أن النظام لا يصدر تلك القرارات بشكل عشوائي، بل هي مسيسة بما يخدم مصالحه الخاصة".

خارطة القرار

الديكتاتورية الهائلة التي يفرضها النظام في مصر، تأتي في سياق العلاقة المتوازية التي تستند في مهدها إلى القمع المطلق، ثم القضاء المبرم على الديمقراطيات والحريات، ثم إحداث انفراجات محدودة للغاية، في صورة براءات، أو عفو يمنحه الحاكم لأولئك الذين قهرهم في الأساس.

جاء قرار السيسي بالعفو الرئاسي قبل أيام، يحمل في طياته العديد من الدلالات، وبالقراءة في التفاصيل، يظهر السجال المحتدم في طبيعة الإصدار الأخير من ذلك القرار، حيث تضمن العفو عن 9 من ضباط الشرطة، قتلوا 4 أفراد من أسرة كاملة بمدينة المحلة الكبرى في محافظة الغربية (شمال)، بعدما اشتبهوا بهم.

الواقعة تعود إلى مارس/ آذار 2015، حيث صدر بحقهم حكم نهائي باتّ من محكمة النقض في مارس/ آذار 2018، بمعاقبتهم بالسجن المشدد 7 سنوات، وبعدما سلموا أنفسهم إلى الأجهزة الأمنية لتنفيذ الحكم قبل بضعة أشهر، منحهم السيسي عفوا استثنائيا.

وشمل العفو إطلاق سراح الصحفي عبد الحليم قنديل، الذي حكم عليه في قضية إهانة القضاء، كما تضمنت القائمة 75 متهما في قضايا عسكرية، وكذلك الإفراج عن 15 فتاة من المتهمات في القضية المعروفة إعلاميا بـ"بنات دمياط، والتي تعود وقائعها إلى مايو/آيار 2015.

ومن ضمن المعفي عنهم 7 متهمين محكومين على ذمة قضية أحداث مجلس الوزراء، ومنهم عضو رابطة ألتراس وايت نايتس المشجعة لنادي الزمالك المصري، التي أعلن حلها مؤخرا، محمود عمران، وشهرته "شيكا"، والمحكوم عليه بالسجن 15 عاما.

كما شمل القرار العفو عن 13 متهما حكم عليهم بأحكام سجن في قضية "مذبحة كرداسة"، و8 متهمين على ذمة قضايا محاكم أمن الدولة، جنايات أو جنح.

ودخل في قرار العفو كل من أمل صابر، وياسمين محمد، المحكوم عليهن في سبتمبر/ أيلول 2017 بالسجن 3 سنوات، في القضية المعروفة بـ "فتيات المترو"، لاتهامهن بالتحريض على التظاهر داخل عربة السيدات بمترو السيدة زينب بالقاهرة.

قرارات سابقة

منذ أن صعد إلى رأس السلطة عام 2014، أصدر عبد الفتاح السيسي قوائم عفو رئاسي شملت نحو 8661 مسجونا:

  • في أكتوبر/ تشرين الأول 2014: أفرجت مصلحة السجون عن 401 نزيل بعفو رئاسي بمناسبة ذكرى نصر السادس من أكتوبر، وعيد الأضحى المبارك.
  • في مايو/آيار 2015: إطلاق سراح 140 مسجونا بالعفو عن باقي مدة العقوبة، بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير.
  • في سبتمبر/ أيلول 2015: أصدر السيسي، قرارا جمهوريا بالعفو عن 100 شاب وفتاة من الصادر ضدهم أحكام نهائية بالحبس، أبرزهم الناشطتان يارا سلام وسناء أحمد سيف الإسلام، وجميع الفتيات المحبوسات على ذمة القضية المعروفة إعلاميا بـ "مسيرة اﻻتحادية".
  • في أكتوبر/ تشرين الأول 2016: أفرجت مصلحة السجون (بالعفو عن باقي مدة العقوبة) عن 588 مسجونا بمناسبة الاحتفال بعيد السادس من أكتوبر.
  • في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016: أصدر السيسي قرارا بالعفو عن بعض الشباب المحبوسين وعددهم 82 بينهم المذيع المثير للجدل "إسلام بحيرى" الذي سبق أن طالب الأزهر بمحاكمته لتعديه على الذات الإلهية والنبي محمد، بجانب عدد من طلبة الجامعات ضمن القائمة الأولى التي أعدتها لجنة العفو الرئاسي عن الشباب.
  • في مارس/ آذار  2017: أصدر السيسي قرارا جمهوريا بالعفو عن 203 سجناء صادر بحقهم أحكام قضائية نهائية في قضايا "تجمهر وتظاهر"، وتضمن القرار الإعفاء عن العقوبة الأصلية، وما تبقى منها، والعقوبة التبعية.
  • في يونيو/ حزيران 2017: نشرت الجريدة الرسمية، قرار السيسي بالعفو عن 502 محكوم عليهم، بمناسبة عيد الفطر المبارك، ضمن القائمة الثالثة للعفو الرئاسي عن الشباب.
  • في أكتوبر/ تشرين الأول 2017: أفرجت مصلحة السجون عن 717 سجينا بقرار جمهوري بمناسبة الاحتفال بذكرى السادس من أكتوبر.
  • في أبريل/نيسان 2018: أفرجت مصلحة السجون، عن 4003 تنفيذا لقرار رئيس الجمهورية بشأن العفو عن باقي مدة العقوبة بالنسبة لبعض المحكوم عليهم بمناسبة الاحتفال بعيد تحرير سيناء 25 أبريل لعام 2018.
  • في مايو/ آيار  2018: أصدر السيسي، قرارا جمهوريا بالعفو عن 332 محبوسا من الشباب والحالات الصحية الصادر بحقهم أحكام قضائية نهائية، وضمت قائمة العفو كل من أندرو ناصف نصحى صليب، وإسلام فؤاد محمد إبراهيم قاسم، وهما من شباب حزب الدستور المتهمين في قضايا تظاهر، ومعهم صبري نخنوخ.
  • في يوليو/ تموز 2018: أفرجت مصلحة السجون عن 202 نزيل، بجانب الإفراج الشرطي عن 517 سجينًا بمناسبة الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو.
  • في أغسطس/ آب 2018: أصدر السيسي، عفوا عن العقوبة لـ 66 مسجونا.
  • في مايو/ آيار 2019: أصدر السيسي، قرارا جمهوريا بالعفو عن 560 سجينا.

السجل الأسود

ولعل النظام القائم بقيادة السيسي، أراد أن يخفي وراء قرارات العفو، سجلا حافلا من وقائع الإعدامات، والانتهاكات، ووجود عشرات الآلاف من المواطنين داخل السجون، على خلفيات سياسية.

ففي فبراير / شباط 2019، ارتفع عدد حالات الإعدام المرتبطة بوقائع سياسية في مصر، خلال عهد السيسي، إلى 42 مواطنا، وفي 2 فبراير/شباط 2018 أصدر المركز المصري للإعلام كتابا بعنوان "حكم العسكر.. السجل الأسود"، حاول أن يوثق بمصادر رسمية وغير رسمية، الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في مصر تحت ظل حكم السيسي.

وذكر الكتاب أنه منذ الانقلاب العسكري في 3 يوليو/تموز 2013، وصل عدد المحبوسين، والمحكوم عليهم إلى أكثر من 50 ألفا، وعدد المطلوبين على ذمة قضايا تجاوز 65 ألفا.

ووثق الكتاب أيضا احتجاز المعتقلين في منشآت غير رسمية وغير آدمية، وأنه تم توجيه صدمات كهربائية لهم في أماكن حساسة بالجسد، وتعرضوا للضرب والتعليق من الأطراف وتقييد الأيدي من الخلف، وأن هناك غرفا فيها أعداد كبيرة من المساجين فوق طاقتها الاستيعابية، وإصابة المحتجزين بأمراض عديدة نتيجة سوء التهوية والنظافة، مؤكدا أن السجون وأماكن الاعتقال تحولت إلى مراكز لتصفية الإنسان جسديا ومعنويا.

وأوضح أن السلطة العسكرية الحاكمة أحالت أوراق 1851 معارضا إلى مفتي الجمهورية في 55 قضية، منها 45 قضية مدنية و10 عسكرية، وتم الحكم فعلا بالإعدام على 826 معارضا منهم.

وألقى الكتاب الضوء على "انهيار منظومة العدالة وتسييس القضاء وأحكام الإعدامات الجائرة، وإفلات مرتكبي جرائم القتل من منتسبي الجيش والشرطة والموظفين الرسميين من العقاب، مقدما بالإحصائيات عدد من تضرروا من كل فئات المجتمع نتيجة غياب العدالة".