باكستان وإيران.. كيف تتلمس إسلام آباد خطواتها في خليج ملتهب؟

إبراهيم عبدالله | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يمكن توصيف العلاقات الباكستانية الإيرانية طوال العقود الماضية بطابع الشك وغياب الثقة، إيران تخشى من جارها الباكستاني الذي يفوقها بضعف عدد السكان (200 مليون مقابل 81 مليونا) ذوي الأغلبية العددية السنية والمسلحين نووياً.

مقابل ذلك لا تتحمس باكستان كثيراً للاعتماد على إيران في توفير احتياجاتها من الطاقة، وقد مثل مشروع خط أنابيب الغاز المسال المعطل منذ 25 عاماً تلخيصاً مثالياً لحالة العلاقات بين البلدين.

ففي الوقت الذي أكمل فيه الإيرانيون جانبهم من الخط، لا يزال الباكستانيون يماطلون في الإيفاء بتعهداتهم بعد ضغوط أمريكية وسعودية مشتركة، وبعيداً عن الطاقة وشجونها، لا تزال التجارة بين البلدين محدودة للغاية فهي حتى لاتصل إلى مستوى تجارة إيران مع أصغر جارتها أرمينيا.

لكن زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان في 21 أبريل/ نيسان الماضي لطهران الأولى له منذ توليه المنصب في أغسطس/ آب 2018، تلبية لدعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني، كانت بمثابة تطور كبير وخطوة على طريق التحسن في مستقبل العلاقات بين البلدين.

زيارة ناجحة

أبرز ما تمخضت عنه الزيارة هو الاتفاق على تشكيل قوة عسكرية مشتركة بين البلدين للتعامل مع التسربات الأمنية العابرة للحدود وهو ما أثار موجة ارتياح للمتابعين لمسيرة العلاقات بين الجارين، والتي ما فتئت علاقاتها توصف في أفضل الأحيان ب"الفاترة".

وبعد أشهر من تصاعد التوتر على وقع هجمات من جانبي الحدود بين البلدين أعلن الرئيس الإيراني حسن روحاني في تصريح أدلى به أثناء زيارة خان: "اتفقنا على تشكيل قوة تدخل سريع مشتركة على الحدود لمكافحة الإرهاب"، وفق ما نقل عنه التلفزيون الإيراني.

بعد فوزه في الانتخابات التشريعية الباكستانية التي أجريت في أغطسس/آب 2018، شدد خان في أول خطاب له على أن بلاده تتطلع إلى علاقات طيبة وحسن جوار مع إيران، قائلا: إن "الحكومة المستقبلية ستوسع علاقاتها مع إيران".

زيارة خان لطهران جاءت في ظل اتهامات متبادلة بين البلدين بإيواء جماعات معارضة للطرف الآخر، فإيران على مدى الشهور الماضية، وبعد تصاعد هجمات جماعة "جيش العدل" المعارضة، وجهت اتهامات مباشرة لباكستان بإيواء هذه الجماعة ودعمها.

أيضا طهران تتهم الرياض وأبوظبي بتقديم الدعم المالي واللوجيستي لهذه الجماعة التي تنشط على الحدود المشتركة بين إيران وباكستان. وكان آخر هجماتها، الهجوم الانتحاري على حافلة للحرس الثوري الإيراني في فبراير/شباط الماضي، الذي أودى بحياة 27 عسكريا وجرح 13 آخرين.

وقبل يوم من وصول رئيس وزرائها إلى طهران وجهت باكستان اتهامات مماثلة إلى إيران على لسان وزير الخارجية، محمود شاه قريشي، وذلك بعد مقتل 14 عسكريا باكستانيا من القوات البحرية والجوية، إثر هجوم لعناصر مسلحة على حافلات في بلوشستان الباكستانية في 12 أبريل/نيسان الماضي.

تاريخ مضطرب

سكان باكستان والذين ينتمي 20% منهم للأقلية الشيعية (قرابة 40 مليون مواطن) يشكلون ضغطاً ضد أي مقاربة "طائفية" للعلاقة مع الجار الذي عمل في الثمانينات بجد لتصدير الثورة لجيرانه عبر دعم تشكيلات طائفية مسلحة.

وذاك يبدو تاريخاً بعيداً، فلا تظهر في الأفق الإيراني حالياً شهية لإيقاد توترات طائفية في باكستان على الرغم من دعم جهات باكستانية لهجمات تنظيم (جيش العدل) في العمق الإيراني والتي تنطلق -وكما رصدها الإيرانيون منذ عام 2004- من إقليم بلوشستان داخل الأراضي الباكستانية.

وفي إطار الشد والجذب لا تعترض باكستان على أدوار إيران التوسعية في المنطقة، بل إنها لا تبدي امتعاضاً من تجنيد إيران لمواطنيها في هذه الصراعات بأعداد ليست قليلة.

تاريخياً كانت العلاقة الباكستانية الإيرانية دائماً ما تساق من خلال البوابة "الأمنية". فالشاه محمد رضا بهلوي (26 أكتوبر 1919 إلى 27 يوليو 1980) كان يعتمد على باكستان في مساندته على احتواء الخطر السوفييتي.

جمعت الباكستانيين والإيرانيين في عهد الشاه تمارين عسكرية مشتركة باعتبارهم مستخدمين لذات السلاح الأمريكي. ومن ناحيته حرص الشاه دوماً على لعب دور "الوسيط" لباكستان في واشنطن بحكم علاقاته الواسعة ونفوذه الكبير.

بعد سقوط الشاه ساد الشك المتبادل علاقة نظام الثورة الإسلامية مع الباكستانيين بالرغم من المنطلقات الإسلامية لنظامي ضياء الحق والخميني. ونتيجة لتخطبات الملالي الكثيرة في مطلع الثمانينات اعتبرهم الجنرالات الباكستانيون مجرد "هواة" في المجال السياسي.

من المهم هنا فهم الثابت الوحيد في السياسة الخارجية الباكستانية وهي (العداوة للهند)، فباكستان تشترط في أي شريك -بما فيهم إيران- دعماً غير مشروط ضد غريمتها التقليدية.

في مطلع السبعينات توصل الشاه إلى أنه لا يمكن استمرار دعم باكستان في حروبها ضد الهند فأوقف الدعم من حينها. وحالياً لا تزال إيران تتعامل مع الهند في تشغيل ميناء تشابهار، وحصل الهنود على استثناءات أمريكية للتعامل مع إيران في مشروع تشغيل الميناء والسماح باستيراد النفط الإيراني خلال العامين الماضيين من إدارة الرئيس ترامب.

حدة الاستقطاب

ومع ازدياد حدة الاستقطاب بين السعودية - الحليف التقليدي لباكستان- وإيران، إلا أن باكستان حاولت أن تلزم خط الحياد بين المتنافسين. وشكل رفض باكستان المشاركة بقوات في عملية "عاصفة الحزم" (بين 25 مارس/ آذار و21 أبريل/نيسان عام 2015) في اليمن صفعة للعلاقات مع السعودية لدرجة امتناع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز عن زيارتها ضمن جولته العالمية الأولى والتي شملت 5 دول آسيوية.

وكانت إسلام آباد قد شخصت عاصفة الحزم وتوابعها باعتبارها حرباً "غير ضرورية" ولذلك أحالت طبقتها الحاكمة موضوع المشاركة فيها للبرلمان لكي ترفضه بأدب.

وبعد ضغوط سعودية متتالية -وفي إطار المجاملة للسعودية بسبب رفض المشاركة في عمليات اليمن- أقرت باكستان إرسال قائد قواتها المسلحة الأسبق الجنرال راحيل شريف ليصبح القائد العسكري للتحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب إبان إعلانه، وأرسلت في ذات الإطار 5 آلاف جندي للمشاركة في حراسة الحدود السعودية فقط دون القيام بأي أدوار قتالية.

دور الوسيط

وفي وقت لاحق عرضت باكستان الوساطة بين الرياض وطهران في حادثة حريق السفارة السعودية الذي أعقب إعدام الشيخ نمر النمر بدون التوصل لأي نتيجة تذكر.

من جهتهم أبلغ السعوديون شركات باكستانية تقوم بالعمل في إيران بأن عليها أن تختار بين العمل معها أو مع إيران وأنه سيتم إلغاء عقودها في حالة أصرت على العمل مع طهران.

موقف باكستان من حرب تقودها أمريكا ضد إيران لحساسياتها المتعددة يرجح أن باكستان لن تشارك في الحرب بشكل مباشر، لكن إسلام آباد قد تستفيد من الحرب في تحسين علاقتها الفاترة مع أمريكا من خلال رفع الطلب على الخدمات الأمنية واللوجستية التي يمكن أن تقدمها للقوات المشاركة في مسرح العمليات.

فيما سيشكل خروج الأمريكان من أفغانستان تعقيداً بالغاً للعلاقات الباكستانية الإيرانية في ظل توجه مجاميع طالبان أفغانستان للتنسيق مع الداعم الإيراني الجديد بعد أن جربوا خذلان إسلام آباد لهم طوال 18 عاماً من القتال المتواصل.