اتفاقيات وتعهدات بتفعيل الأمازيغية في المغرب.. ما المعوقات أمام حكومة أخنوش؟

فاتحة المودن | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

مسار من النضال الطويل تعرفه "القضية الأمازيغية" في المغرب، من أجل إعادة الاهتمام بها أكثر في كل مناحي الحياة، حيث تحتفل المملكة في 13 يناير/كانون الثاني من كل سنة بالسنة الأمازيغية، ويطلق عليها اسم "إيض يناير" أي "ليلة يناير".

وتتميز هذه المناسبة، بإعداد وجبات خاصة بالثقافة الأمازيغية وارتداء اللباس التقليدي، وقد جرى في يناير 2022 الاحتفال برأس السنة الأمازيغية 2972، لكن هناك مطالب بعدم الاكتفاء بـ"الجانب الاحتفالي" ومنحها.

وخلال حفل توقيع ملحق اتفاقية تعاون بين وزارة العدل والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 25 يناير 2022، قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش إن "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجالات الحياة العامة يندرج في إطار أولويات العمل الحكومي".

وشهد المغرب محطات مهمة في هذا السياق، أهمها اعتماد الأمازيغية لغة رسمية بالبلاد إلى جانب العربية من خلال دستور 2011، لكن لم يتم تفعيل الطابع الرسمي لها على الواقع بعد إصدار قانون تنظيمي عام 2019 لإدماجها في القطاعات ذات الأولوية.

أهم المحطات

يعتبر صدور ميثاق "أغادير" حول اللغة والثقافة الأمازيغية سنة 1991 والذي وقعته عدد من الجمعيات وأرسل إلى الحكومة والأحزاب، أول انطلاقة للمسار الفعلي للنهوض بالأمازيغية.

ليأتي بعدها خطوة الملك الراحل الحسن الثاني، إذ دعا خلال خطاب له في 20 أغسطس/آب 1994 إلى "ضرورة تدريس الأمازيغية بالتعليم الابتدائي". 

وكان قبلها في صيف 1993 بالمؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا، مناسبة لتوقيع جمعيات أمازيغية مذكرة حول الحقوق الثقافية الأمازيغية، وعلى إثرها تأسس المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الأمازيغية بالمغرب، في فبراير/شباط 1994.

وبعد أن شهد مسار الأمازيغية بعض الانفتاح من خلال إدماجها في التعليم، ليأتي بعدها "خطاب العرش" الخاص بالملك، الذي جرى بموجبه إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (رسمي).

ورغم تأخر إدراج الأمازيغية في الدستور، إلا أن خطاب الملك محمد السادس سنة 2001 والذي لقب بـ"خطاب أجدير" نسبة إلى بلدة "أجدير" التي ألقي منها الخطاب، اعتبر اعترافا رسميا بالأمازيغية.

وفي هذا الصدد، اعتبر الناشط الأمازيغي أحمد عصيد، أن المعطى الأهم في العقد المغربي الأخير، كان خطاب محمد السادس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2001، والذي حمل أول اعتراف رسمي باللغة الأمازيغية، وقال فيه إن "الأمازيغية مسؤولية سياسية من كل المغاربة".

وفي هذا الإطار، أشارت المستشارة بديوان رئيس الحكومة والمكلفة بملف الأمازيغية، أمينة بن شيخ، إلى أنه "يجب التذكير أن الاعتراف بهذه اللغة انطلق مع الملك محمد السادس وما تلاها من إنشاء المعهد والقناة الأمازيغية".

وأضافت لـ"الاستقلال" أن "كل هذا توج بترسيم اللغة في دستور المملكة منذ سنة 2011، بمعنى أن الإرادة الملكية كانت وما زالت قوية في اتجاه إعادة الاعتبار لهذه اللغة والثقافة والهوية".

واستدركت بن شيخ قائلة: "إلا أنه للأسف مع الحكومتين السابقين ولمدة 10 سنوات على ترسيم الأمازيغية في الدستور، بقيت القوانين التنظيمية للتفعيل الرسمي لهذه اللغة حبيسة المزاجية". 

وأفادت بأن "الأمر الآن يختلف مع هذه الحكومة، أولا لأن البرنامج الحكومي جاء بميزانية تساعد على الإدراج الحقيقي للأمازيغية في التعليم والإعلام والثقافة والإدارة، وفي كل مناحي الحياة العامة والخاصة للمواطنين".

وفي 13 يناير 2022، كانت الاتفاقية الموقعة بين المعهد الملكي ووزارة العدل برعاية رئيس الحكومة عزيز أخنوش بداية لهذا التفعيل الرسمي.

وقالت بن شيخ إن "هذه الاتفاقية ما هي إلا تعبير صادق وجواب عن الكلمة التوجيهية التي أطلقها أخنوش بمناسبة رأس السنة الامازيغية التي أكد فيها على النية الصادقة للحكومة، هذه النية التي تترجم إلى أفعال وبرامج تعزز بها كل الإدارات والقطاعات الحيوية في بلادنا".

وحسب المستشارة بديوان أخنوش، فإن "هذه البرامج التي ستقوم على إدراج الأمازيغية في الحياة العامة لكل مغربي، ما سيساهم من تصالح المواطنين مع الإدارة بلغتهم الأم التي يفهمونها ويتقنونها".

لصالح الأمازيغية

وشدد المنسق الوطني لجبهة "العمل الأمازيغي"، محيي الدين حجاج، على أنه "لابد من التأكيد على أهمية الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية عبر دستور يوليو/تموز 2011 الذي جاء ثمرة لعقود من نضالات الحركة الأمازيغية، وأيضا من خلال التفاعل الإيجابي لأعلى سلطة بالبلاد مع هذا المطلب العادل".

واعتبر حجاج في حديث لـ"الاستقلال" أن "الحكومة التي أفرزتها الانتخابات آنذاك والتي تلتها حاولت الالتفاف على هذا المكسب أولا عبر تأخير القانون التنظيمي، وثانيا بإخراجه بصيغة- إرجائية- أفرغت الاعتراف الرسمي من محتواه، عبر سن قانون بطريقة أحادية الجانب دون إشراك للحركة الأمازيغية في إعطاء تصورها للتنزيل الحقيقي للطابع الرسمي للأمازيغية".

وأفاد بأن "انتخابات 2021 جاءت بنتائج يمكن القول إنها من حيث الجانب النظري لصالح الأمازيغية باعتبار وجود حزبين من داخل الأغلبية الحاكمة لهما تصورات إيجابية للملف من حيث مرجعيتهما وكذا برامجهما السياسية وبالخصوص حزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقود الحكومة الحالية".

واستدرك قائلا: "لكن الملاحظ لحدود الساعة أن الإجراءات المتخذة في هذا المضمار لم ترق بعد لتطلعات الحركة الأمازيغية، دون تبخيس لما جرى إنجازه لحدود الساعة".

وتابع حجاج: "لكننا نعتبره مجرد مدخل لا يجب التوقف عنده، مع تأكيدنا أن عقودا من الطمس الهوياتي وإقبار البعد الأمازيغي في هويتنا الوطنية لا يمكن تجاوزه بمجرد اعتماد صندوق، رغم أهميته، بل لابد من نهج سياسة تمييز إيجابي للأمازيغية لتدارك عقود الطمس والإنكار".

واستطرد موضحا: "كما يجب أيضا الانتباه إلى كون الملف الأمازيغي يتجاوز مجرد إجراءات تقنية محضة، بل يتعداها لكونه ملفا سياسيا بالدرجة الأولى له تشعبات ذات أبعاد وطنية وأخرى إقليمية يصبح معها بالضرورة إشراك مناضلي الحركة الأمازيغية المؤمنين بالعمل المؤسساتي والمؤثرين في محيطهم حقا".

وخلص محيي الدين إلى أن "إعلان النوايا الذي دشنته الحكومة الحالية في تعاطيها مع الملف الأمازيغي يمكن تقويته مستقبلا عبر الإشراك الحقيقي للذوات والتنظيمات الأمازيغية التي راكمت في هذا المجال، قصد مواكبة وتصحيح كل ما يمكن أن يحول دون تفعيل حقيقي للمصالحة الوطنية مع القضية الأمازيغية، وإلى حين ذلك يبقى لكل مقام مقال".

بطء كبير

وخلال حفل توقيع ملحق اتفاقية تعاون بين وزارة العدل والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في 25 يناير/كانون الثاني 2022، قال أخنوش إن "تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مجالات الحياة العامة يندرج في إطار أولويات العمل الحكومي".

وأضاف أن "الحكومة ملزمة بتسريع الأوراش الإستراتيجية ذات الأولوية التي ينص عليها القانون التنظيمي 26.16 المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفية إدماجها في كل المجالات".

وأشار إلى أن حكومته "دشنت ولايتها بإجراءات جريئة وملموسة للنهوض باللغة الأمازيغية. عبر تخصيص 200 مليون درهم (21 مليونا و150 ألف دولار) في قانون مالية 2022 لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية مع الالتزام برفع السقف تدريجيا حتى بلوغ مليار درهم (107 ملايين و460 ألف دولار) سنة 2025".

ورغم ما أشار له رئيس الحكومة المغربية في كلمته، إلا أن "ما زال هناك تعثر في مسار إدماج الأمازيغية في الحياة العامة للمغاربة"، وفق مراقبين.

الباحث وأستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة ابن زهر في أغادير، الحسين بويعقوبي، يرى أن "الحركة الأمازيغية تمكنت من تحقيق بعض المطالب ابتداء من 2001 بعد نضال دام أكثر من نصف قرن على واجهات مختلفة لِسنية، ثقافية، أكاديمية، حقوقية".

وأوضح بويعقوبي لـ"الاستقلال" أن "أهم هذه المطالب كان في 2011 حين اعترف الدستور بالمكون الأمازيغي ضمن مكونات الهوية المغربية، وأعطى في الفصل الخامس وضع لغة رسمية للأمازيغية".

وبعد تأخر دام تسع سنوات وفي 13 يونيو/حزيران 2019، صادق البرلمان على القانون التنظيمي "26/16" الخاص بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في المجالات ذات الأولوية وفي الحياة العامة، وهو ما يفرض على كل القطاعات الوزارية وضع مخططات لتحقيق هذا التفعيل.

ويرى بويعقوبي أن "الملاحظ أن هناك بطئا كبيرا في مسار التنزيل، وجاءت تداعيات جائحة كورونا لتأخر أكثر هذا المسار". 

وأضاف أنه "مع الحكومة الجديدة هناك وعود بتسريع الوثيرة، ولأول مرة هناك ميزانية مخصصة لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية على مستوى الإدارة، وبدأت بعض البلديات في التفكير في وضع مخططاتها في هذا الموضوع، كما بدأ النقاش من جديد في بعض القطاعات من أجل وضع مخططاتها".

وتابع: "أمام البطء الكبير الذي صاحب تفعيل القوانين المتعلقة بهذا الموضوع، فالرهان مستقبلا هو تدارك هذا التأخير من خلال تسريع وثيرة تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية في مختلف المجالات، بدءا بمجال التعليم وضرورة تعميم تدريس الأمازيغية وتوفير الإمكانات الضرورية لذلك".

وشدد بويعقوبي على "ضرورة تعميم شعب (تخصص) الأمازيغية في كل الجامعات المغربية، لتخريج الأطر المتخصصة في الموضوع، ثم مجال الإعلام والعدالة والإدارة باعتبارها مجالات ذات الأولوية، ثم تشجيع الإبداع الثقافي الأمازيغي في مختلف المجالات".