تمسكت باستقلالها فحل مجلسها.. من يفوز في حرب سعيد والسلطة القضائية بتونس؟

زياد المزغني | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ساعة متأخرة من الليلة الفاصلة بين 5 و6 فبراير/ شباط 2022، ظهر الرئيس التونسي قيس سعيد في تسجيل مصور بتقنية رديئة نشرته صفحة رئاسة الجمهورية بفيسبوك، معلنا حل المجلس الأعلى للقضاء.

هذه الخطوة كانت منتظرة من الجميع حيث مهد لها سعيد، منذ قراره ترأس النيابة العمومية في بيان الانقلاب ليلة 25 يوليو/ تموز 2021، ورفض المجلس الأعلى للقضاء هذا القرار.

وما تلاه من تهجم على القضاة ووصفهم بالفساد في أكثر من مناسبة، قبل أن يقرر وقف جميع الامتيازات والمنح المسندة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء.

وما يثير الاهتمام في إعلان سعيد عدم صدور أمر رئاسي بحل المجلس في الجريدة الرسمية كما ينص عليه القانون التونسي، رغم أنه يحتكر معظم السلطات منذ فرضه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو.

وجاء الرد سريعا من المجلس الأعلى للقضاء في 6 فبراير، واصفا القرار بـ"غير القانوني"، فيما قال رئيسه يوسف بوزاخر إن سعيد يريد "العودة بالقضاء إلى مربع التعليمات الرئاسية"، داعيا أعضائه إلى مواصلة عملهم.

رصّ للصفوف

وجدد المجلس في بيان رفضه "المساس بالبناء الدستوري للسلطة القضائية والإهدار المفاجئ والمسقط لكل ضمانات استقلالية القضاء، في تقويض واضح للدستور والمواثيق والمعاهدات الدولية المصادق عليها".

وأكد "تعهده بمواصلة مهامه"، داعيًا عموم القضاة إلى "التمسك بمجلسهم، باعتباره الضمانة الوحيدة التي تقيهم من خطر المساس باستقلاليتها في أداء واجبهم وخطر تعرضهم للضغط والتيقظ للدفاع عن وضعهم الدستوري".

كما عبر عن "رفضه المساس بالأمان الوظيفي للقضاة وإخضاع مساراتهم الوظيفية والتأديبية لوضع قانوني انتقالي مجهول العواقب وفاقد لكل الضمانات تنفرد السلطة التنفيذية بصياغته وإرادته".

والمجلس الأعلى للقضاء هيئة دستورية مستقلة من مهامها ضمان استقلالية القضاء، وتعيين ومحاسبة القضاة، ومنحهم الترقيات المهنية.

من جانبها، اعتبرت الجمعية التونسية للقضاة الشبان (غير حكومية)، في بيان بنفس اليوم، أن الرئيس التونسي "لا يملك أي سند قانوني أو سلطة أو شرعية لحل المجلس الأعلى للقضاء المنتخب من القضاة".

وأكدت مخاطبة الشعب التونسي أن "الوضع في غاية الخطورة، وسعيد يتجاوز إرادتهم والقوانين التي صدقوا عليها بواسطة نوابهم ويحل السلطات كافة بإرادة منفردة، دون استفتائهم في الأمر سعيا لتكريس نظام يجمع بمقتضاه السلطات السياسية والقضائية بين يديه".

كما ذكرت جمعية القاضيات التونسيات (غير حكومية)، في بيان بتاريخ 7 فبراير، بمبدأ الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية، مؤكدة تمسكها بدولة القانون والمؤسسات.

وبينت أن حالة الظروف الاستثنائية لا يمكن بأي حال أن تبرر المساس بالحقوق والحريات والقضاء هو الضامن الوحيد لها طبق الدستور.

تحركات نضالية 

بدروها، أعلنت جمعية القضاة التونسيين (غير حكومية) عن إضراب عام في كامل محاكم البلاد في 9 و10 فبراير، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء.

ودعت في بيان جميع القضاة العدليين والإداريين والماليين للمشاركة فيها بكثافة، بزيهم القضائي.

كما دعت "كل مكونات المجتمع المدني والعائلة القضائية والحقوقية والشخصيات الوطنية والقوى الحية المؤمنة والمدافعة على استقلال القضاء ودولة القانون للمشاركة في هذه الوقفة الاحتجاجية دفاعا عن السلطة القضائية".

كذلك طالبت "القضاة كافة من الأصناف الثلاثة العدلي والإداري والمالي في هذا الظرف الدقيق برص الصفوف والتمسك باستقلالية السلطة القضائية وحمايتها من أي تدخل".

وأعلنت مجموعة "محامون لحماية الحقوق والحريات" عن مشاركتها في الوقفة الاحتجاجية التي دعت لها جمعية القضاة التونسيين للتعبير عن رفض قرار الرئيس المنقلب حل المجلس الأعلى للقضاء.

وأكدت انخراطها في كل النضالات التي تهدف للدفاع عن استقلالية القضاء انطلاقا من إيمانه برسالة المحاماة في الدفاع عن الحقوق والحريات و تفعيل شراكتها في إقامة العدل.

إجماع سياسي 

يمكن في هذه المرة الحديث أن لا أحد من الأطراف السياسية رغم اختلافاتها ومواقفها من إجراءات 25 يوليو أعلن تأييده أو مساندته لقرار سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء.

وقالت رئيسة الحزب الدستوري الحر، عبير موسي المعروفة بعدائها للثورة التونسية في تعليقها على القرار إن موقف حزبها "مبدئي وواضح منذ البداية".

وأضافت خلال تصريح في 8 فبراير أن "الأمر 117 أخرج رئيس الجمهورية من دائرة القانون وأصبح في دائرة الحاكم بأمره ومررنا بذلك إلى دولة الخلافة وتجميع السلطات".

في الجهة المقابلة، عبرت حركة النهضة (إسلامية) في بيان عن عزمها اللامشروط لخوض أشكال النضال المدني السلمي كافة إلى جانب كل الأطراف الحزبية والمدنية وعموم أحرار الشعب التونسي من أجل إسقاط هذا القرار الجائر. 

كما أدان حزب العمال، قرار سعيد، معتبرا أنها خطوة "لا دستورية ولا قانونية تهدف إلى وضع اليد على القضاء، لاستكمال شروط السيطرة على مفاصل القرار في الدولة والبلاد سائرا بذلك في نفس نهج الدكتاتورية ".

وأكد الناشط السياسي وعضو الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" الأمين البوعزيزي أن المبادرة تدعو إلى مساندة القضاء باعتباره سلطة مستقلة في تحركهم المقبل".

وأضاف لـ"الاستقلال": "سيكون هنالك تحرّك في 13 فبراير بالعاصمة وعدد من الجهات في تواصل لمسار مقاومة الانقلاب وتصديا للقرارات الجديدة التي تستهدف السلطة القضائية، لا دفاعا عن الديمقراطية فقط بل عن شكل الدولة الحديثة، فنحن اليوم في إمارة تحت سلطة أمير".

وأكّد القيادي في "مواطنون ضد الانقلاب" أن المعارضة يمكن أن تكون في ظل نظام شرعي ولكن في مواجهة الانقلاب يجب أن تكون هناك مقاومة، وهذه الأشهر الستة كانت كافية لتصنع تمايزا في الصفوف بين القوى المنتفضة والمدافعة عن الديمقراطية والقوى الصامتة والمساندة للإجراءات.

وأوضح أن "هناك اختلافات بين عدد من المكونات السياسية، لكن الموقف موحد، فلتتعدد مسارات المعارضة وإن لم تتوحد القوى السياسية في جبهة، فقد توحدت مواقفهم، وذلك يتجسد يوما بعد يوما على الأرض".

ضغط دولي

بعد إعلان قيس سعيد عن خريطة طريق للخروج من الأزمة في البلاد، تغيرت بعض المواقف الدولية التي كانت منتقدة بشكل قطعي لقراراته في 25 يوليو 2021.

واعتبرت بعض الأطراف أن خطوة سعيد يمكن الرهان عليها في استئناف المسار الديمقراطي وعودة المؤسسات الدستورية.

إلا أن قراره الأخير بحل المجلس الأعلى للقضاء، أعاد مواقف الدولة والمجموعات الدولية إلى إصدار بيانات مشابهة لتلك التي صدرت صبيحة الانقلاب.

المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس قال إن الولايات المتحدة تشعر بقلق بالغ إزاء ما دعا إليه قيس سعيد من حل للمجلس الأعلى للقضاء وما تناقلته الأخبار عن منع موظفيها من دخول مقرها.

وأضاف برايس "القضاء المستقل دعامة محورية من دعائم كل نظام ديمقراطي فعال وشفاف. من الضروري أن تفي الحكومة التونسية بالتزاماتها باحترام استقلال القضاء كما ينص على ذلك دستورها".

كما صدر بيان مشترك لسفراء ألمانيا وبريطانيا، وأميركا، والاتحاد الأوروبي، وإيطاليا، واليابان، وفرنسا، وكندا بتونس عبر عن قلق بالغ إزاء إعلان سعيد نيته لحل المجلس الأعلى للقضاء من جانب واحد.

وشدد البيان على أن "هذا المجلس الذي تتمثل مهمته في ضمان حسن سير القضاء واحترام استقلاليته".

كما أعربت الأمم المتحدة، عن قلقها من "عدم احترام السلطات القضائية بتونس"، على خلفية إعلان سعيد، اعتزامه حل المجلس الأعلى للقضاء.

معركة خاسرة 

ما يجمع عليه المتابعون للشأن التونسي، أن قيس سعيد نجح في استغلال كل التقييمات السلبية للبرلمان والصورة التي كانت تظهر على شاشات التلفاز من صراعات وتبادل للعنف وتلاسن وتعطيل العمل البرلماني في وقت كانت تعيش فيه البلاد أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية غير مسبوقة.

إلا أن خطوة حل المجلس الأعلى للقضاء لا تحظى بنفس التأييد الشعبي الذي حظي به تعليق عمل البرلمان .

كما أن المخاوف من مرور سعيد إلى إجراءات أخرى بعد سيطرته على القضاء قد تستهدف الحريات العامة والخاصة، وتتجه في سياسية حل النقابات والأحزاب السياسية التي سبق وعبر عن امتعاضه منها في أكثر من مناسبة.

لكن في الوقت نفسه، جاءت المواقف الدولية المنددة بهذا القرار مربكة للسلطات التونسية، مع تزامنها مع سعي تونس للحصول على قروض خارجية تمر عبر مفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

 غير أن المواقف الدولية السلبية من قرارات 25 يوليو جعلت هذه المفاوضات تتعثر ورفعت كل الضمانات التي كانت ممنوحة لتونس من أجل حصولها على قروض من الجهات الممولة.

وهو ما دفع وزير الشؤون الخارجية التونسي عثمان الجرندي في 8 فبراير 2022، للقاء سفراء "مجموعة السبعة" المعتمدين بتونس إضافة إلى ممثلة مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، لإطلاعهم على "حقيقة الأسباب التي دفعت رئيس الجمهورية إلى اتخاذ قراره بحل المجلس الأعلى للقضاء".

ومع نجاح الإضراب العام للقضاة في يومه الأول يتوقع أن تستمر المعركة بين قيس سعيد والمجلس الأعلى للقضاء مدة طويلة.

بالتزامن مع تواصل الحراك السياسي الرافض للانقلاب وتوقعات بانطلاق حراك اجتماعي بسبب الأزمة الاقتصادية وشح موارد الدولة وتأخير صرف الأجور وغلاء الأسعار وغياب المواد الأساسية من الأسواق.