"موازنة 2022 بدون ضرائب".. ما مدى صحة ادعاءات الحكومة اللبنانية؟

مصطفى العويك | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 24 يناير/كانون الثاني 2022، أعلن وزير الإعلام اللبناني بالوكالة عباس الحلبي، أن حكومته باشرت دراسة مشروع قانون الموازنة العامة للبلاد للعام 2022، وذلك عقب انتهاء جلسة المناقشة الأولى للحكومة. 

ومذاك والحكومة تعكف على دراسة مشروع الموازنة في جلسات متتالية يجرى فيها تدارس البنود الواردة فيها واحدا تلو الآخر. 

ورغم عدم إقرارها بشكل رسمي، فإن المشروع المطروح أثار الكثير من الغضب الشعبي بعدما عرضت المسودة الخاصة به في وسائل الإعلام المحلية.

فقد تضمن عددا من البنود التي سيجرى بموجبها فرض الكثير من الضرائب والرسوم، في ظل أزمة اقتصادية ونقدية خانقة ومعقدة، أدت إلى فقدان العملة المحلية حوالي 90 بالمئة من قيمتها.

هذا مع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وارتفاع نسب الفقر التي وصلت الى أكثر من 80 بالمئة من الشعب اللبناني، وذلك حسب تقارير البنك الدولي وبعض المنظمات الدولية مثل "الإسكوا" و"يونيسيف".

لا إنفاق ولا إصلاحات

وعلى الرغم من أن وزير المالية يوسف خليل، الذي أعد مشروع الموازنة، صرح قبيل أول اجتماعات الحكومة، أنه "لا ضرائب فيها كما أشيع"، فإن محتواها يناقض كلامه تماما.

وبالتزامن مع مناقشة الموازنة، بدأت الحكومة اللبنانية الجولة الأولى من المفاوضات الرسمية مع صندوق النقد الدولي، تمهيدا للتوصل إلى اتفاق بشأن برنامج التعافي الاقتصادي الذي ترغب الحكومة في إبرامه مع صندوق النقد.

وتعد هذه الموازنة الخطوة الحكومية الأولى ضمن حزمة إجراءات يطلبها صندوق النقد من لبنان، لإبرام هذا الاتفاق مع الحكومة. 

فماذا تتضمن الموازنة؟ وما أهدافها؟ وهل تستطيع الحكومة إقرارها رغم الاعتراضات الشعبية، ولا سيما مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية؟

يتضمن مشروع الموازنة للعام 2022 وهو عبارة عن 1200 صفحة، الكثير من البنود الإشكالية. 

لكن أبرزها تعديل سعر صرف الدولار الجمركي، أي المبلغ الذي تستوفيه الجمارك اللبنانية كرسوم على المستوردات، والذي كان يحتسب على سعر 1.500 ليرة لبنانية لكل دولار (سعر الصرف الرسمي).

وجعله على سعر منصة "صيرفة" المستحدثة من قبل البنك المركزي، وهو يتراوح اليوم بين 22 – 23 ألف ليرة للدولار الواحد.

هذا التعديل لوحده سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار جميع السلع والخدمات، ولا سيما أن لبنان بلد يعتمد على الاستيراد المفرط.

علاوة على ذلك، يسجل مشروع الموازنة عجزا كبيرا تصل نسبته إلى 20 بالمئة، من دون احتساب كلفة سلف الخزينة لتمويل مؤسسة كهرباء لبنان.

وهي مبالغ تمنح من خارج الموازنة لشراء زيت الوقود "الفيول"، والتي معها يصبح العجز 31 بالمئة. 

وجاء في تقرير نشرته صحيفة "الأخبار" المقربة من حزب الله أن "مشروع الموازنة المطروح سيؤدي إلى ضرب القطاع العام، إذ يخلو من أي إنفاق اجتماعي أو صحي، ويقلص الاعتمادات المالية للجامعة اللبنانية ووزارة الصحة". 

كما يورد التقرير الذي نشر في 21 يناير 2022، أن المشروع ينص على تعديل ملاك السلك العسكري ليصبح 120 عميدا مع تصعيب شروط الترقية. 

بالإضافة إلى عدم إقرار أي زيادة على رواتب موظفي القطاع العام، رغم أن التضخم بلغ 700 بالمئة حسب التقارير الدورية لإدارة الإحصاء المركزي التابع للدولة اللبنانية، والاكتفاء بمنح موظفي الدولة مساعدة اجتماعية شهرية تعادل راتب شهر تقريبا لمدة سنة واحدة فقط.

هذا مع استثناء الجامعة اللبنانية والمؤسسات العامة، وهي تابعة للدولة لكنها تتمتع بكيان شبه مستقل بموجب قانون خاص لكل واحدة منها.

ويعرض التقرير سلة الضرائب والرسوم المقترحة، وأبرزها فرض رسوم على السلع المستوردة، ورفعها عن المسافرين والمطارات والمرافئ.

بالإضافة إلى زيادة الرسوم العقارية والخاصة بجوازات السفر، وفرض ضريبة على الأبنية الشاغرة.

فضائح ومخالفات

تعد الموازنة العامة الوسيلة المالية الرئيسة لتنفيذ خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية السنوية.

والموازنة في العصر الحديث لم تعد صكا تشريعيا تقدر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة، بل قانونا ماليا وأداة للتوازن الاقتصادي والمالي.

في حين أن لبنان لا يزال يعتمد المفهوم الوارد في النظام العام للمحاسبة العمومية الفرنسية الصادر عام 1862.

وهذا النظام أبقى خصائص الموازنة لجهة تقدير وإجازة ولمدة محدودة، وأغفل دورها الاقتصادي والمالي، حسبما يقول النقيب الأسبق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان أمين صالح، في مقال بصحيفة "الأخبار"، 31 يناير 2022.

ويعدد صالح المخالفات والفضائح الواردة في مشروع الموازنة: استمرار العجز بدل إلغائه، ارتفاع الدين العام من 99 إلى 109 مليارات دولار (حسب سعر الصرف الرسمي)، زيادة ضئيلة للغاية على نسب ضرائب الأرباح 3.7 بالمئة.

زيادة الضرائب غير المباشرة بنسبة 88 بالمئة، وهي ضرائب يتحمل وزرها الفقراء وأصحاب الدخل المتوسط، انخفاض الإنفاق الحكومي الاستثماري بنسبة 4 بالمئة فقط في الموازنة، في حين أن الإنفاق الاستهلاكي بلغ 96 بالمئة من قيمة النفقات.

الزيادة المفرطة وغير المبررة والتي تلامس الفضيحة في الفوائد على الدين العام الداخلية والخارجية، تعدد أسعار الصرف المعتمدة في تقدير الواردات والنفقات، وبذلك تكون الموازنة فاقدة للوضوح والشفافية، وغير قابلة لدراسة البيانات المالية بشكل دقيق.

ومن المخالفات، فقدان المبادئ والمعايير والأسس الموحدة في إعداد الموازنة إذ تم اعتماد عملتين في تقدير الإيرادات بالليرة اللبنانية والدولار الأميركي (رسوم المرافئ والمطارات) والزيادة على الضرائب.

وكذلك، تكريس سياسة خفض سعر صرف العملة الوطنية كوسيلة لتحميل الشعب اللبناني الخسائر المالية اللاحقة بالدولة ومصرفها المركزي بدون أي رؤية أو خطة للإصلاح.

وتطرق صالح إلى الإنفاق الوهمي عبر اعتماد احتياطي الموازنة (النفقات الطارئة والاستثنائية).

إذ إنه ولأول مرة في لبنان، يجرى رصد احتياطي بهذه النسبة العالية (نحو خمس الموازنة تقريبا).

وأيضا مخالفة الدستور وقانوني النقد والتسليف عبر منح وزير المالية صلاحيات استثنائية لتعديل سعر الصرف، وتحديد نسب الضرائب والإعفاءات.

ليخلُص صالح الى أن هذه الموازنة تأخذ الأموال من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود، وتضخها في جيوب أصحاب المصارف والاحتكارات، ما سيؤدي إلى تضخم انكماشي، وإلى مزيد من التدهور في مستوى معيشة اللبنانيين.

ويضغط المجتمع الدولي، سواء مباشرة أو عبر البنك الدولي وصندوق النقد على الدولة اللبنانية لتنفيذ إصلاحات جذرية، في مختلف القطاعات. 

وتحاول الحكومة اللبنانية التستر خلف هذا الضغط الدولي لتمرير الزيادات الضريبية، متذرعة بأن هذه شروط صندوق النقد، وأن الموازنة بشكلها الحالي هي الخطوة الأولى في طريق إقرار خطة التعافي أو الإنقاذ الاقتصادي.

بيد أن البنك الدولي الذي يتابع بدقة الأوضاع الاقتصادية في لبنان، عبر مرصد الاقتصاد اللبناني التابع له، ويصدر تقارير دورية يفند فيها مزاعم السلطة الحاكمة.

 وقد أصدر أخيرا تقريرا في 25 يناير 2022، بالتزامن مع النقاش الحكومي في مشروع الموازنة حمل عنوانا لافتا هو "الإنكار الكبير"، يتهم فيه الطبقة السياسية في لبنان بتدبير الانهيار الاقتصادي في البلاد.

يقول التقرير إن "الكساد المتعمد في لبنان هو من تدبير النخب الحاكمة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية، وذلك من أجل الحفاظ على مكتسباتها وحماية مصالحها".

ويذكر التقرير أن "الطبقة السياسية نفسها التي أُلقي عليها اللوم في عقود من الفساد وسوء الإدارة، لم تفعل شيئا تقريبا لمساعدة لبنان على الخروج من أزمته".

ويُظهر أن "الناتج المحلي للبلاد انخفض من 52 مليار دولار عام 2019، الى 21.8 مليار دولار عام 2021، وهو ما يمثل انكماشا بنسبة تزيد على 58 بالمئة، وهو الأكبر من بين 193 دولة مدرجة في التقرير".

أضف إلى ذلك، يُقدر "أن يبلغ الدين الإجمالي 183 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في 2021، ليسجل لبنان رابع أعلى نسبة مديونية في العالم بعد اليابان والسودان واليونان".

 كما أدى "انهيار الليرة بنسبة 219 بالمئة، إلى قفزة كبيرة للتضخم الذي يُقدر أن معدله بلغ في المتوسط 145 بالمئة، ليسجل بذلك ثالث أعلى معدل على مستوى العالم بعد فنزويلا والسودان".

مفاجأة الحاكم

بالتوازي مع نقاش الموازنة، فاجأ حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، المواطنين بالسماح للمصارف المحلية بإجراء السحوبات النقدية بالدولار بـ"كوتا" معينة، وفق سعر الصرف على منصة صيرفة.

وهي منصة تابعة للمصرف المركزي، تمارس أعمال الصيرفة العادية وفق تسعير يومي للدولار الأميركي، ويكون بالعادة قريبا من سعر الصرف في السوق الموازية.

هذا التصرف كان سلامة يمتنع بشدة عن تنفيذه منذ بداية الأزمة أواخر العام 2019، ودخل في صراع مع رئيس الجمهورية ومع الحكومة السابقة بسبب رفضه ذلك.  

ويرى أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية أيمن عمر، أن هذا التدخل أفضى إلى تراجع صرف الليرة مقابل الدولار من 33 ألف ليرة إلى حدود 20 ألف ليرة، في فترة قياسية لا تتجاوز الأسبوعين.

 ويضيف في حديث لـ"الاستقلال": "بهذا تمكن المصرف المركزي من امتصاص ما يقارب 3937 مليار ليرة من السوق المحلي، أو ما يقارب 8.5 بالمئة من إجمالي الكتلة النقدية التي كانت متداولة في الأسواق".

ويتابع: "عكست الميزانيات في الوقت نفسه كلفة عمليات مصرف لبنان الأخيرة الباهظة، والتي تمثلت في حجم الاستنزاف الذي تحملته احتياطات العملات الأجنبية المتبقية في المصرف".

لذا كثرت الأسئلة عن إمكانية تعويض المصرف المركزي للدولارات المدفوعة، وهو لا يملك أي مورد بالدولار. 

كما بدأت المخاوف تظهر من أن التدخل بهذه الطريقة كان من الاحتياطي الإلزامي، أي ما تبقى من دولارات المودعين وبالتالي تبديدهم.

ويرى الكاتب جواد العلي أن "ما يحدث اليوم هو استكمال لأكبر عملية نهب في لبنان، فحاكم المصرف رياض سلامة يستعمل رصيد المودعين، ويغامر بما تبقى من مليارات في الاحتياطي". 

ويقول في حديث لـ"الاستقلال" إن "ما يجرى هو نتيجة صفقة بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس المجلس النيابي نبيه بري من جهة، ورياض سلامة من جهة أخرى، لوقف الملاحقات القضائية بحق الأخير وحمايته".

والهدف وفقا للعلي، "ترحيل الأزمة، والدفع بها إلى الأمام لتمرير الموازنة، ومن بعدها الانتخابات النيابية في مايو/أيار 2022".

وربما "يستمر الأمر حتى موعد انتخابات رئاسة الجمهورية في خريف ذات العام، لكن ذلك مرتبط بما ستفرزه المعركة التشريعية من نتائج".

قرارات سلامة المثيرة للجدل، أدت إلى عودة التظاهرات والاعتصامات شبه اليومية إلى محيط المقر الرئيسي للمصرف المركزي في شارع الحمرا غرب بيروت.

 وحاول رئيس الجمهورية ميشال عون استغلال ما حصل لإقالة سلامة من أجل تعيين أحد المقربين منه مكانه، لكنه عجز عن ذلك بسبب عدم امتلاكه الأكثرية المطلوبة أي ثلثي مجلس الوزراء.

بيد أن رياض سلامة يقول في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، في 4 فبراير/ شباط 2022، إن ضميره مرتاح رغم الحملات التي يتعرض لها.

وعزا محاولة اختصار الأزمة اللبنانية بشخصه فقط إلى "أسباب سياسية وعقائدية، ومصالح معينة تقف خلف تلك الحملات، التي لا هدف لها سوى شيطنتي وتحويلي الى كبش محرقة".

ومن جهة أخرى، نفى سلامة أن يكون التخفيض الحاصل في سعر الصرف مرتبطا بقرار سياسي لتمرير مرحلة ما قبل الانتخابات، والإيحاء بأن قوى السلطة الحالية ممسكة بزمام الأمور.

 واعتبر أن اهتمام الحكومة منصب على مكافحة التضخم الهائل، ولا تفكير بانتخابات ومكاسب سياسية، إنما التركيز حاليا منصب على تشريع الموازنة، والأهم المفاوضات مع صندوق النقد.