بعد حرق ورقة زيباري.. ما خطة الصدر وحلفائه لانتزاع منصب رئيس العراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أدى فشل عقد جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية، إلى إعلان رئاسة البرلمان العراقي إعادة فتح باب الترشح للمنصب، لمدة ثلاثة أيام تبدأ من 9 فبراير/ شباط 2022، ما أثار تساؤلات عن الأسباب الحقيقية وراء هذه الخطوة.

وجرى تأجيل جلسة البرلمان في 7 فبراير التي كان مقررا فيها انتخاب رئيس للعراق، بعد إعلان كتل برلمانية مقاطعتها، وذلك لعدم توفر النصاب القانوني لالتئام المجلس، الذي يستوجب حضور الثلثين من بين 329 عضوا ولم يحضر سوى 58 نائبا.

قرارات متزامنة

ويأتي فشل انعقاد جلسة البرلمان، بالتزامن مع إعلان المحكمة الاتحادية العراقية، تعليق ترشيح القيادي الكردي هوشيار زيباري وزير الخارجية السابق، للاشتباه في تورطه بتهم فساد، بعدما كان أبرز المرشحين للمنصب ويحظى بتأييد تحالف الأغلبية البرلمانية.

ويتشكل تحالف الأغلبية البرلمانية، من الكتلة الصدرية بقيادة مقتدى الصدر (74 مقعدا) وتحالف السيادة السني بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والسياسي خميس الخنجر (68 مقعدا)، والحزب الديمقراطي الكردستاني، بقيادة مسعود بارزاني (33 مقعدا).

لكن كتلة التيار الصدري أعلنت في 5 فبراير مقاطعة جلسة البرلمان لانتخاب الرئيس، وعلى نفس النهج سار "تحالف السيادة" السني، وكتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني التي ينتمي إليها هوشيار زيباري.

ويقدم مقتدى الصدر  نفسه على أنه رأس الحربة ضد الفساد في العراق، ولا شك أن الشبهات حول زيباري من شأنها إحراجه. ودعا الصدر إلى التوافق على مرشح رئاسي، حسب تغريدة نشرها عبر "تويتر" في 4 فبراير.

وبناء على دعوى مقدمة من أربعة نواب، قررت المحكمة الاتحادية، وهي أعلى هيئة قضائية في العراق، في 7 فبراير "إيقاف إجراءات انتخاب هوشيار زيباري موقتا لحين حسم دعوى رفعت بحقه تتصل باتهامات بفساد موجهة إليه".

ورأى رافعو الدعوى أن زيباري، لا يلبي الشروط الدستورية لتولي منصب رئيس الجمهورية، ومنها أن يكون "حسن السمعة والاستقامة"، بحسب نسخة عن نص الدعوى وقرار المحكمة اللذين نشرتهما وكالة الأنباء العراقية الرسمية.

وعدد هؤلاء أسبابا مساندة، منها قرار البرلمان سحب الثقة من زيباري عام 2016 حين كان وزيرا للمالية، على خلفية "اتهامات تتعلق بفساد مالي وإداري". كما تطرقت الدعوى إلى قضيتين أخريين على الأقل يرتبط بهما الوزير السابق، لا سيما خلال فترة توليه وزارة الخارجية.

وتحدث المتقدمون بالدعوى عن وجود "قضية أخرى" على خلفية قيام زيباري "باستغلال نفوذه وسلطته من خلال صرف مبالغ طائلة على عقار لا يعود إلى الدولة".

ومنذ أول انتخابات متعددة شهدتها البلاد في 2005 نظمت بعد الاحتلال الأميركي للعراق وإسقاط نظام صدام حسين في 2003، يعود منصب رئيس الجمهورية تقليديا إلى الأكراد، بينما يتولى الشيعة رئاسة الوزراء، والسنة رئاسة البرلمان.

ومنذ عام 2006 يحتفظ حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل الطالباني، بمنصب رئيس الجمهورية، والذي رشح في 13 يناير/كانون الثاني 2022 برهم صالح الرئيس العراقي الحالي لشغل المنصب لولاية ثانية.

نية مبيتة

لكن توقيت سحب الصدر دعمه لمرشح حليفة الديمقراطي الكردستاني، الذي أعقبه قرار المحكمة بإيقاف ترشحه، اعتبره مراقبون بمثابة إنقاذ مرشح التحالف الثلاثي قبل إفشاله، واحتمالية فوز المرشح المنافس، الرئيس العراقي الحالي برهم صالح الذي ينتمي إلى الاتحاد الوطني الكردستاني.

وقال مصدر سياسي عراقي (طلب عدم الكشف عن هويته) إن "هوشيار زيباري انتهى أمره ولم يعد مرشحا لمنصب رئيس الجمهورية، والصدر طالب رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني باستبداله بمرشح آخر".

ورجح المصدر لـ"الاستقلال" أن "قرار رئاسة البرلمان بإعادة فتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، هو لإتاحة الفرصة أمام الحزب الديمقراطي الكردستاني، لاختيار مرشح بديل عن زيباري".

وفي الوقت نفسه، أشار المصدر إلى "وجود حديث في الأروقة السياسية عن احتمالية عودة دعم الديمقراطي الكردستاني مرشحا من الاتحاد الوطني الكردستاني، وقد يكون المرشح الحالي لطيف رشيد، وليس صعبا كذلك أن يقدم برهم صالح أيضا".

وأشار إلى أنه "من الصعب أن يُمنح حزب بارزاني رئاسة إقليم كردستان، ورئيسا جمهورية العراق والوزارات المخصصة للأكراد في الحكومة العراقية المقبلة"، لافتا إلى أن إيران "لن تبقى ساكتة، خصوصا أن الاتحاد الوطني الكردستاني هو حليفها وتربطه بها علاقة تاريخية، إضافة إلى موضوع التوازنات".

وفي السياق ذاته، أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ريبين سلام، خلال تصريحات نقلتها مواقع محلية في 8 فبراير أن "هوشيار زيباري المرشح الأول والرسمي لمنصب رئيس الجمهورية"، لكنه أشار إلى "سيناريوهات بديلة".

وقال سلام ان "الديمقراطي الكردستاني متمسك بزيباري كمرشح للرئاسة ولدينا القناعة الكاملة بنزاهة القضاء العراقي في إعادة الحق إلى نصابه وتأكيد نزاهة وكفاءة مرشحنا للتنافس على منصب رئيس الجمهورية".

وأوضح أن "بعض الأطراف تتلاعب وتتحايل على القوانين من خلال استغلال توقيتات أو آليات لخلط الأوراق بغية تمرير أجنداتهم السياسية".

وأضاف سلام أننا "من منطلق الحقوق الانتخابية والاستحقاق المكوناتي سنعمل على مناقشة عدد من الأسماء لتقديمها كمرشحين للمنصب إضافة إلى مرشحنا الرئيسي هوشيار زيباري لتكون خطوات بديلة في حال أي التفاف يعمل من خلاله دعاة المناصب كما حصل سابقا للتجاوز على استحقاق المكون".

وتابع: "إضافة الى تقديم عدد من أسماء المرشحين المحايدين والبعيدين عن التمثيل الحزبي من دون الإعلان عن أسمائهم لضمان عدم استهدافهم قبل يوم جلسة البرلمان المقررة للتصويت على اسم مرشح رئاسة الجمهورية".

مشهد ضبابي

وبخصوص السيناريو المقبل، رأى الكاتب العراقي، محمد أكرم التميمي، خلال مقال نشره موقع "كتابات" في 8 فبراير أن تحركات ومواقف مقتدى الصدر سرعان ما قلبت طاولة المفاوضات السياسية، وأحرجت الجميع، ودعتهم لإعادة ترتيب أوراق خارطة التحالفات السياسية من جديد، وسط هذه الأحداث المتسارعة يبدو المشهد السياسي أكثر تعقيدا وضبابية.

وتساءل التميمي قائلا: "ما هو شكل الحكومة المقبلة والخارطة السياسية التي يخطط لها الصدر زعيم الكتلة الأكبر الفائزة في الانتخابات البرلمانية، ماذا يريد الفرقاء والحلفاء، مناصب، محاصصة، ضمانات، تطمينات، شراكة أم تقاسم الكعكة؟".

وأشار الكاتب إلى أنه "لغرض معادلة الموازين وخلق آفاق متوازنة في العملية السياسية وإيجاد صمامات أمان بين جدران السلطات الثلاث، ووضع حد لبعض التراكمات المحاصصاتية لدى بعض الكتل المفاوضة بما ينسجم وعملية التغيير، يبدو أنه جرى إيقاف التفاوض لمدة محدودة حتى تتغير المعادلة وفق التوازنات الجديدة".

وفي 5 فبراير، قال رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان النائب حسن العذاري، في مؤتمر صحفي إنه "بأمر زعيم التيار الصدري تقرر تجميد المفاوضات مع الكتل السياسية بشأن تشكيل الحكومة ويستثنى من ذلك النائب الأول لرئيس البرلمان".

وفي اليوم ذاته وعقب ساعات من إعلان الكتلة الصدرية تجميد عملها، بحث مقتدى الصدر في اتصال هاتفي أجراه مع زعيم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" العراقي مسعود بارزاني، الإسراع في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية".

وقالت فيان دخيل المتحدثة باسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، في بيان، إن الصدر والبارزاني "أكدا خلال الاتصال على أن التحالف الإستراتيجي متماسك وماض في الإسراع بتشكيل حكومة الأغلبية الوطنية للقيام بواجباتها تجاه أبناء الشعب العراقي وتلبية تطلعاته والحفاظ على مصالحه العليا وترسيخ دعائم الاستقرار والرفاهية".

ويسعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بخلاف بقية القوى الشيعية ضمن "الإطار التنسيقي"، التي تطالب بحكومة توافقية يشارك فيها جميع القوى السياسية داخل البرلمان على غرار الدورات السابقة.

وكان الصدر أبدى استعداده مرارا للدخول في تحالف مع بقية القوى الشيعية ضمن "الإطار التنسيقي" باستثناء غريمه السياسي، زعيم ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وهو ما ترفضه قوى "الإطار".

ويلقي زعيم التيار الصدري باللوم على المالكي الذي ترأس الحكومة لدورتين متتاليتين (2006-2014) بـ"استشراء الفساد وأعمال العنف" في البلاد، إضافة إلى اجتياح تنظيم الدولة لثلث مساحة العراق في يونيو/ حزيران 2014.