يني شفق: الجيش صاحب الكلمة الأخيرة في السودان

12

طباعة

مشاركة

تتشابه الأحداث التي مرت على مصر منذ الإطاحة بحسني مبارك، وما يجري الآن في السودان، بل إن الأحداث تكاد تكون متطابقة. فهل يمكن أن تكون النتيجة هي الأخرى واحدة؟ وطرح الكاتب والباحث التركي المتخصص في الشرق الأوسط، طه كلنتش، التساؤل في مقال له على صحيفة "يني شفق" التركية وهو يقارن بين السودان ومصر.

وذكر الكاتب كيف أن الإطاحة بمبارك جعلت جو التفاؤل يعمّ في الشرق الأوسط، إذ كان الجميع يظن أنه لا مزيد من الديكتاتورية، وأن مصر سوف تتحرك نحو نقطة أفضل بكثير. وتابع: "ظن الجميع أنه سيتم إجراء انتخابات حرة، وستأتي الديمقراطية إلى البلاد".

واستطرد المقال: "بالإضافة إلى ذلك، كان الجيش خاضعًا لمطالب الشعب، وكانت الإدارة المدنية ستكون هي المسيطرة والمجلس العسكري الأعلى -الذي تولى الحكم بعد مبارك- لم يكن لديه أي هدف للسيطرة على مصر لفترة طويلة". مضيفا: "لقد وصل الثوار الذين تجمعوا في ميدان التحرير إلى ما يريدون".

قدرة الجيش في مصر

وقال الباحث مسترجعا الأحداث: "هنا وصلت الثورة إلى النهاية.. الجميع يعرف بقية القصة وما حدث بعد ذلك". وأفاد كلنتش أن القليلين فقط كانوا، في تلك الأيام، يرون أن ما يحدث هو عملية من قيادة الجيش محبوكة بمهارة وهدوء وشيء من الحنان أيضًا، حسب وصف الكاتب.

وتابع قائلا: "أعطى الجيش، وهو الممثل الحقيقي للمشهد السياسي المصري وراء الكواليس، الفرصة للناس للتعبير عن غضبهم ضد حكم حسني مبارك، الذي حكم مصر مدة 30 عامً. وأزيح ابنه جمال مبارك، الذي كان خليفة محتملًا للرئيس، لكن في نفس الوقت تم إنقاذه أيضا".

وأضاف الكاتب: "نصف الشعب تقريبًا اختار محمد مرسي رئيسًا للجمهورية المصرية، وكما يعرف الجميع فهو ممثل عن الإخوان المسلمين، العدو الأول للدولة المصرية". مواصلا: "وهنا استخدمت ما بات يعرف بالدولة العميقة كل الإمكانيات للوقوف في مواجهة مرسي والعمل على إعاقته".

"في النهاية لم ينجح الإخوان وتم عزل مرسي، وتم إشاعة فكرة أن الاخوان لا ينجحون في إدارة الدول وليس لهم من ذلك نصيب. وخرج الجيش مرة أخرى كمنقذ لمصر، وبات يتحكم في مفاصل الدولة المصرية بكل وزنه"، بحسب المصدر ذاته.

ورأى الباحث أن "دعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للانقلاب في مصر بكل وزنه كان واضحاً". واستطرد: "لكن حتى بدونهم، كانت للجيش القدرة على إنجاحه. ففي النهاية السياسة والاقتصاد والدين في مصر بيده منذ عدة عقود".

أما باقي المناطق التي عاشت الربيع العربي، فقد ساهمت التدخلات الخارجية في تحديد واقعها من خلال التوازنات الداخلية. وأوضح الكاتب فكرته قائلا: "لأن الديموقراطية في الدول العربية ليست مستقرة، ولأن استيراد أنظمة جاهزة لم يكن خيارا سليما". وهكذا، واصل المقال، فإن الانتفاضات الشعبية التي بدأت بمطالب مشروعة ومعقولة، سرعان ما اختفت في الممرات المظلمة للألعاب الاستخباراتية.

من يشكل النهايات؟

وبحسب الكاتب، بالرغم من ما حدث في مصر وغيرها من الدول، يمكن استخلاص مجموعة من الدروس وأهمها أن الثورة ليست مظاهرات أو احتجاجات في الشوارع تنادي بخلع النظام وعزله، ليست مجرد شعارات ترفع في الشوارع، بل هي على مدى عقود، ليتم في النهاية تحقيق المطالب في المظاهرات نتيجة الاستمرارية.

وشدد الباحث في مقاله على أن غياب الكوادر القيادية أو برامج التعبئة الملموسة في البلدان ذات المشهد الخاص بالربيع العربي قد جعل العمليات مفتوحة للتدخل الخارجي والتلاعب. مضيفا، فبعد أن اشتكت الشعوب من الاضطهاد والمشاكل، كانت هناك فوضى حقيقية حول كيفية حل هذه العقد.

ويعتقد الكاتب أن الأشخاص الذين يرفعون أصواتهم بل ويفدون حياتهم في الساحات، لا يستطيعون التأثير على النتيجة النهائية، التي تتشكل على أيدي أصحاب النفوذ والقوة الذين تابعوا كل هذه الفوضى بعناية.

وفي حين تم الإشادة بالثورة من الخارج، بحسب المقال، كان على العالم الإسلامي بأسره أن يستفيد من الدرس، عبر استيعاب التحركات وعدم مراعاة الديناميات والتوازنات الداخلية للبلدان من طرف الخارج. وأوضح، أن مصر وليبيا وسوريا واليمن -البلاد التي عرفت ببلاد الربيع العربي- بل وفي جميع البلدان التي تأثرت بهذا الوضع، كان السبب هو عدم الانتباه من الأمثلة المختلفة التي تكررت آلاف المرات.

الجيش على رأس القائمة

وقال كلنتش: إنه "من المستحيل أن تكون مصر لم تشعر بالانزعاج أثناء الإطاحة بعمر البشير في السودان"، مردفا: "مرة أخرى انتفاضة شعبية بلا قيادة، وجيش حساس تجاه شكاوى الناس، ووعود الانتقال إلى الإدارة المدنية، ومرة أخرى إلهاء وتسويف، ومرة أخرى تدخل السعودية والإمارات".

وتابع الباحث التركي: "عندما ننظر إلى تاريخ السودان الحديث، نرى معادلة لا يشملها الجيش"، قبل أن يستدرك: "لكن الجيش هو المالك والممثل الرئيسي في البلاد. وبالتالي لن يكون حلم الديمقراطية المدنية الخالصة والنقية والاستثمار فيه سوى مضيعة للوقت والأمل".

واعتبر الكاتب أن الشباب السوداني الذين كانوا يصرخون لأشهر في الشوارع ليسوا على دراية بالوضع، لكن عليهم الآن الإدراك أن الجيش في أعلى القائمة، تماما مثل مصر، وكما هو الحال في الجزائر وباكستان.

واستشهد المقال بالفيلسوف والسياسي السوداني، حسن الترابي، وهو أحد أهم أسماء العالم الإسلامي في القرن الماضي، ومع ذلك وبسبب الظروف المتقلبة في بلده، خضع الترابي للكثير من التغييرات والتحولات وأدى بالنهاية إلى "التكيف مع الوضع الأول" يعني ما قبل الانقلاب الذي كان صاحب البصمة الأولى فيه وجاء بعمر البشير.

واستعرض الكاتب كيف أن الترابي خضع للكثير من التغييرات والتحولات تحت شعار "التكيف" إذ  لم يستطع الهروب من الظروف ونُعت بـ"البرغماتي والانتهازي"، ومع ذلك، فإن ما كان يحاول القيام به هو السعي إلى الحصول على خط سياسي يتوافق مع الظروف الاجتماعية لمجتمعه.

وخلص الكاتب إلى أن السودان حاليًا مليء بأمثال الترابي والقيادات الشبيهة به، على الرغم من أنه يبحر نحو مستقبل غير واضح. وشدد المقال على أن السؤال الرئيسي الذي يجب أن يسأله العالم الإسلامي بأسره عن وضع السودان هو: "هل ما زال لدينا مفكرون وعلماء يهتمون بقضايانا الأساسية بعيدًا عن أي ارتباط؟"، وختم، قد تكون الإجابة على هذا السؤال: "نعم"، لكن "هل يمكن أن يعطوا إجابات على هذه الأسئلة وهذه الامتحانات؟".


المصادر